اول ظهور للشرك

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts
  • سبيل الرشاد
    عضو متميز
    • Feb 2007
    • 2080

    #1

    اول ظهور للشرك

    اول ظهور للشرك




    وأول ما ظهر الشرك في قوم نوح على المشهور وقد كان بنو آدم على ملة أبيهم عليه الصلاة والسلام نحو عشرة قرون كما قدمنا وبه قال ابن عباس وغيره في تفسير قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ الله النَّبَييَن مُبَشِرينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الذِّينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى الله الذِّينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَالله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} (البقرة/213) وذلك لأن الشيطان لعنه الله لم يزل دائبا جادا مشمرا في عداوة بني آدم عليه الصلاة والسلام منذ كان أبوهم طينا فلما نفخ فيه الروح وعلمه الأسماء كلها وأمر الملائكة بالسجود له فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقال {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينا} (الإسراء/61) وقال الله تعالى: {لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صِلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون} (الحج/33) فلما سأله الله عز وجل عن سبب امتناعه من السجود واستكباره عن أمر ربه والله تعالى أعلم به فقال سبحانه له {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك} (الأعراف/12) فأجاب الخبيث مفتخرا بأصله طاعنا على ربه في حكمته وعدله {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} (الأعراف/12) فعامله الجبار بنقيض ما قصده وأذاقه وبال حسده وأثمر له استكباره الذل الأبدي الذي لا عز بعده {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيم وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّين} (الحجر/34-35) فطلب الإنظار ليأخذ بزعمه من آدم وذريته الثأر ولا يعلم أنه بذلك يزداد من غضب الجبار وقد علم أنه لا سبيل له إلا على حزبه وتابعيه من الكفار الذين هو إمامهم في الخروج عن طاعة الله والاستكبار {قَالَ رَبِّ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُون قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المُنْظَرِين إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُوم} (ص/79-80) أجابه الله تعالى إلى طلبه ليمتحن عباده اختبارا وابتلاء {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} (تبارك/2) فقابل النعمة بالنكران وجدد صفقة الخسران وأقسم ليستعملن مدته وليستغرقن حياته في إغواء ذرية آدم الذين كان طرده وإبعاده بسببهم إذ لم يسجد لأبيهم ولا أرى أن ذلك باستكباره عن أمر ربه بل قدس نفسه اللئيمة وأسند الإغواء إلى ربه مخاصمة ومحادة ومشاقة {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعِدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمْنِ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين} (الأعراف/16-17) ولم يقل اللعين "من فوقهم"لعلمه أن الله تعالى من فوقهم قال الله تعالى: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان} (الحجر/42) وقد علم الرجيم ذلك فقال آيسا منهم {إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِين} (الحجر/40) ثم لما سعى إلى آدم وحواء زوجه في الجنة ودلهما على تلك الشجرة التي نهاهم الله عز وجل عنها أن يقربوها وأباح لهم ما سواها من الجنة فاستدرجهم اللعين بخداعه وحيلته البائرة وغيرهم بتلك اليمين الفاجرة: {وَقَاَسَمُهَما إِنِّي لَكُمَا مِنَ النَّاصِحِين} (الأعراف/21) فنفذ قضاء الله تعالى وقدره بأكملها منها {لِيَقْضِي الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولا} (الأنفال/42) وظن اللعين أنه قد أخذ بثأره من آدم وأنه قد أهلكه معه ولم يعلم بفضل الله عز وجل وسعة رحمته الذي لا يقدر أحد على شيء منه {وَأَنَّ الفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الفَضْلِ العَظِيم} (الحديد/29) فلما عاتبهما الله تبارك وتعالى على ذلك بقوله: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌ مُبِين} (الأعراف/42) فلم يعترضا على قضاء الله وقدره ولم يحتجا بذلك على ارتكاب ما نهى الله عنه ولم يخاصما به كما قال اللعين مواجها ربه بقوله {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} (الأعراف/16) بل اعترفا بقدرة الله عليهما وأقرا بظلمهما لأنفسهما وصرحا بافتقارهما إلى ربهما وبكمال غناه عنهما {قَالَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِين} (الأعراف/23) وهذه هي الكلمات التي قال الله تعالى {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كلَمِاَت ٍفَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيم} (البقرة/37).
    ثم أراد الله سبحانه أن يهبطهم إلى دار أخرى هي دار الامتحان والابتلاء ليتبين حزبه الذين يتبعون رسله ويقاتلون أعداءه ويغرس لهم بصالح الأعمال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويتبين حزب عدوه الذين اتبعوه وأطاعوه وصاروا من خيله ورجله وقد أعد لهم جهنم وساءت مصيرا وألقى العداوة ونصب الحرب بين هذين الحزبين في هذه الدار ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم فقال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدَى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوءفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون وَالذِّينَ كَفَرُوا وَكَذَّبَوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} (البقرة/38) ثم كان من كيد الشيطان مما قص الله عز وجل من إلقاءه الفتنة بين بني آدم وقتل أحدهما الآخر كما في سورة المائدة.
    ولما مات آدم عليه السلام كان وصيه شيثا عليه السلام ومضت تلك المدة التي ذكرنا والناس كلهم على شريعة من الحق كما قال ابن جرير رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود أخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .
    وزين الشيطان لعنه الله لقوم نوح عبادة الأصنام وكان أول ذلك أن زين لهم تعظيم القبور والعكوف عليها وبيان ذلك ما رواه البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس قال في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنوسي العلم عبدت ا. هـ. فلو جاءهم اللعين وأمرهم من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوه بل أمر الأولين بنصب الصور لتكون ذريعة للصلاة عندها ممن بعدهم ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم فلما أرسل الله سبحانه إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام فلبث فيهم ما لبث يدعوهم إلى الله تعالى وهم مستكبرون عن الحق حتى أهلكهم الله تعالى بالطوفان ثم بعدهم عاد عبدوا آلهة من الله منها هدا وصدى وصمودا فأرسل الله عز وجل إليهم هودا عليه السلام فلبث فيهم ما لبث يدعوهم إلى توحيد الله عز وجل فلما حق عليهم العذاب أهلكهم الله تعالى بالريح ثم ثمود كذلك وأرسل الله إليهم صالحا عليه الصلاة والسلام فكذبوه فاهلكوا بالصيحة ثم قوم إبراهيم وعبدوا الشمس والقمر والنجوم وعبدوا الأصنام وغيرها وقد قص الله تعالى في كتابه كل ذلك مفصلا عن الأمم ورسلهم.
    وعبد أول بني إسرائيل العجل وأخرهم عبدوا عزيراً وعبدت النصارى المسيح وعبدت المجوس النار وعبد قوم الماء وعبد كل قوم ما زينه الشيطان لهم على قدر عقولهم هذا في الأمم الأولى وكل منها له وارث من الأمم المتأخرة فالأصنام التي في قوم نوح قد انتقلت إلى العرب في زمن عمرو بن لحي قبحه الله تعالى كما ذكره ابن عباس فيما رواه البخاري رضي الله عنه قال: أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وسواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. انتهى .



    منقول من موقع الدرر السنيه

جاري العمل...
X