ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي واثارها

Collapse
X
 
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts
  • ابوماجـــــد

    #1

    ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي واثارها

    الله الرحمن الرحيم

    ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي وآثارها
    - مصر أنموذجاً -
    عبد الكريم الحمدان


    كيف؟ لا أدري. لماذا؟ *** ربما أنـنـي يـومــاً عـرفــت السَبَبَا
    عالمٌ يدعو بدعوى جاهلٍ !! *** وليوثُ الحربِ ترجو الأَرْنَبَا!!

    سؤال مبهم في مطلعه، لكنه محير في خاتمته!! والإجابة عنه تختلف باختلاف ما يدور السؤال حوله من مبهمات حياتنا التي كثرت، وكل منها يحتاج إلى أسئلة لكنها أحوج إلى إجابات تشفي.
    كيف تصبح محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيدةً عن دينه وهديه؟
    كيف تصاغرت همم الناس للاشتغال بذكر شمائل رسولهم -صلى الله عليه وسلم- ومآثره في يوم أو بعض يوم من العام، ثم يُتناسى ويُهجر ذكره سائر العام؟!
    ولماذا تنفق الأموال وتسير الجموع إلى مـثـل هــــذه الـمـواقــــف ؛ والمسلمون في كل أرض يُتخطفون؟!
    أسـئـلـــة تطرح نفسها مع كل موسم يتنادى فيه القوم لاحتفال من احتفالاتهم، والتي من أشهرها: الاحتفال بمولد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي أجروه مجرى الواجبات، حتى أصـبــح مـــن (الشعائر) التي يعزّ عليهم إغفالها أو ترك القيام بها ؛ مع تفريطهم في كثير من فروض الأعيان والكفايات فضلاً عن السنن والمستحبات.
    إن هناك موالد أخــــرى كثيرة تولدت عن مسألة الاحتفال بالمولد النبوي، وكلها أصبحت تُعَظَّم، وتُمارَس فيها أمـــــور بدعوى التقرب إلى الله، هذه الموالد في مصر وحدها أصبحت ستة إلى جانب 22 موسماً آخــر ؛ بخلاف موالد من يدّعي فيهم الولاية(1) والله أعلم بما كانوا يعملون.
    وأصبح تضخيم تلك الاحتفالات وحبك الأساطير حولها ثم إشاعتها بين العوام وأشباههم - ليتلهوا بها - من الوسائل التي يلجأ إليها الحكام لصرف الناس عن الدين الحق ؛ فما أن يفرغ الناس من مناسبة حتى يلاحَقوا بغيرها، وهكذا دواليك.
    مـــــن الـمـعـــــروف أن أول من توسع في الاحتفال بالموالد في مصر هم العبيديون المسمَّوْن بـ(الفاطميين) وقــد كانت لهم ذرائع ودوافع في إحياء الاحتفال بالموالد، جُلها لا تمت إلى محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بصلة ؛ وهي - مع التأمل - الذرائع والدوافع نفسها التي لا تزال وراء الاحتفال بالمولد إلى يومنا هذا.
    أسباب النشأة وتفاعلاتها الاجتماعية :
    من خلال التتبع الواقعي لتاريخ الاحتفال بالمولد في مصر واستقراء ما يجري فيه من وقائع يمكن أن نجمل الدافع إلى ذلك في عدة أسباب هي :
    1 - نشر العقائد الشيعية من خلال التذرع بحب آل البيت والارتباط بهم ؛ وهذا ما صنعه العبيديون من قبل ويفعله أحفادهم والمتأثرون بهم في كثير من البلاد.
    2 - نيل الشهرة والصيت ؛ وهذا يختص بفـئـة تنفق على هذه الموالد وترعاها من الأغنياء والموسَرين.
    3 - كسب الولاء الـديـني وهــــو الـدافــع الذي يدفع (مشايخ الطرق) للتسابق في إقامة السرادقات، والمشي في المسيرات من أجل الاستزادة من الأتباع.
    4 - الارتزاق وهو ما يقوم به طائفة عريضة من تـجــــــــار الحلوى وبائعي (أمور أخرى) ومؤجري الألعاب والملاهي والبائعين الجوالين، بل مشايـــخ الطرق المنتفعين بما يجري في الأضرحة، والمداحين والقصاصين والمنشدين والمغنين والراقصات! وأمثالهم.
    5 - إتاحة الفرصة أمام الفساق والفجار الذين يسعون وراء الحرام ؛ فإذا ما سمعوا بمولد قالوا : هلموا إلى بغيتكم ؛ حيث يتسنى لهم فيها قضاء مآربهم.
    6 - التعمية على بعض الممارسات المعادية للدين الحق. وقد تطور هذا في العصور المتأخرة إلى وسائل أكثر تعمية كأن تفتتح في الموالد بعض المشاريع الـكـبـرى وتـقـــــام المهرجانات الدينية! من أجل الاحتفال بسيد المرسلين! -صلى الله عليه وسلم-، وتكون الرسالة التي يراد لها أن تبلغ الجميع أنه ليس أغير على النبي -صلى الله عليه وسلم- وديـنـــه من هؤلاء، ويُقدَّم الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أدبياتهم على أنه شخصية تاريخية كان لها أثرها في تاريخ الأمة العربية! شأنها شأن العظماء، ومع انتهاء الحفل يسدل الـسـتـار حتى إشعار آخر.
    وأوضح أنموذج لذلك ما ذكره الجبرتي من أن نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أولــــه إلـى آخـــره (2)، ويعلق عبد الرحمن الرافعي قائلاً : فنابليون قد استعمل سياسة الحفلات ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن عن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين(3).

    مشاهد من الاحتفال :
    تختلف صور الاحـتـفـال تبعاً للفئة المحتفلة وأفكارها وأهدافها، ويمكننا في هذا المقام التفريق بين أربع فئات درجت على الاحتفال بالمولد في العقود الأخيرة :
    أولها : الجهات الحكومـيــة وهــــي التي كانت تمثل رسمياً في هذه الاحتفالات ؛ حيث كانت وزارة الأوقاف ترعى الاحتفــال السنوي الذي كان يحضره الملك في أيام الملكية، ثم أصبح يحضره الرؤساء في عهد الجمـهــورية، وفي العادة فإن الملوك والرؤساء يلقون في هذا اليوم خطبة، كما يحضره شيخ الأزهر وعـــدد من الوزراء والشخصيات العامة، وتوزع فيه جوائز على الفائزين في مسابقة تقام احتفالاً بـالـمـولــــــد النبوي، كما توزع فيه الجوائز التقديرية على بعض الحضور باسم تكريم العلم والعلماء، كما تقام احتفالات في كافة المدن ترعاها فرق من الشرطة.
    وفي وقتنا الحاضر تحتفل إذاعة القرآن الكريم في مصر بالـمـولـد على مدى شهر كامل هو ربيع الأول. ومع أن كثيراً من البرامج لا غبار عليها إلا أن ارتباطها بموسم لم يقره الشرع يبقى نقطة مؤاخذة إضافة إلى بعض البرامج والفقرات التي لا تخلو من غلو في شخصه -صلى الله عليه وسلم- مثل قول المنشد :
    ميلاد طه أكرم الأعياد ونذير كل الخير والإسعاد
    2- الجهات شبه الرسمية ويمثلها تقليدياً في الاحتفالات المجلس الصوفي الأعلى والطرق التابعة له ووكلاؤه في كل المدن ؛ إذ ينص قانون تنظيم الطرق الصوفية الصادر 1976م على اختصاص هذا المجلس بإصدار تصاريح إقامة الموالد! ومجالس الذكر وسير المواكب والاحتفالات في المواسم والأعياد الدينية(4)، وتقيم المشيخة الصوفية هذا الاحتفال الذي تحضره مواكب الشرطة، ويحضره مندوب رسمي عن رئيس البلاد، وتعزف فيه الموسيقى، وتنطلق المسيرة تحت الرايات طريقة بعد أخرى في موجة من الإنشاد مبتدئة من مسجد الجعفري مشياً على الأقدام بالشوارع لتنتهي إلى المشهد الحسيني الذي يقف الجميع أمامه في خشوع لقراءة الفاتحة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم تُدَبَّح الخطب وتلقى الأناشيد والأشعار. ويبدأ الحفل الشعبي من حيث انتهى الحفل الرسمي الذي تنقله الإذاعة والتلفزيون عادة.
    ويدخل كل (شيخ طريقة) خيمته، وتعقد حلقات الذكر أو الشطح والرقص والتدخين والإنشاد والتشبيب إلى جنب المراقص وملاعب القمار وأماكن مشبوهة، واذا ما قدر لامرئ أن يرى أنواع الشر مجتمعة فما أحسب أنه سيجد مكاناً يُجملها مثل هذه المواطن التي تمارس فيها المعاصي على أنها طاعة، والخرافة على أنها حقيقة، والجهل على أنه علم. ويمكنك أن تلمس هذا وأنت تسمع لمنشد يهذي بين أدعياء المحبة فيقول :
    سعد السعود علا في الحل والـحـرم *** نور الهدى قد بدا في العرب والعجم
    بـمـولــد المصطفى أصل الوجود ومن *** لــولاه لـم تـخـــرج الأكوان من عدم
    ويطلب القوم المزيد فيسمعهم حُلُوليَّات ابن الفارض :
    وإني وإن كنت ابن آدم صورة *** فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
    ويستزيدونه حتى يقول :
    أنا فيكمو أنا فيكمو *** ولكني خفي عنكمو
    وهنا يتصايح الناس ويسقط بعضهم ويسكر بعضهم ويظل يهذرم بكلام لا يعني إلا الحلول، أو ما يسميه بعضهم بالحضرة الإلهية على اختلافٍ بينهم.
    والحق أن الموالد من أخصب البيئات للمناكر الظاهرة والمستترة ؛ ففي ساحاتها الواسعة ينتشر الرقعاء دون خجل، ويختلط النساء بالرجال في المأكل والمشرب وغيرها ؛ حيث تكثر جرائم الزنا واللواط، ويدخن الحشيش، وتسمع الأغاني الخليعة والموسيقى الصاخبة، وتختفي روح الجد، وتفيض روح الفوضى وعدم النظام، كما تختفي النظافة من المساجد وتضطرب أوقات الصلوات والجماعات، ودعك من أن أكثر الوافدين على هذه الساحات لهم عقائد غريبة ؛ فربما ضن أحدهم على أمه بقروش يبرها بها في الوقت الذي يبسط يده بالنفقة هنا! وبعضهم يعتذر لهذه الموالد بأن فيها حلقات للذكر ودروساً للعلم وتلاوة للقرآن وإطعاماً للفقراء والمساكين، وكل هذه الآثام ينتعش وجودها في هذا الجو الاحتفالي المبتدَع الذي ما أنزل الله به من سلطان، ومع هذا يدعي أهله أنهم يحبون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحيون ذكراه!
جاري العمل...
X