الصدق

إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله العظم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله إمام كل رسول ونبي وسيد كل عالم وتقي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيد عنها إلا هالك وبعد :
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته وأحذركم ونفسي من معصيته ومن مخالفة أمره كما أمر بذلك الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز فقال :
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " التوبة : 119
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران : 102
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا " الأحزاب : 70
أيها الناس : أخرج الإمام مسلم في صحيحه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي للفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " .
يجب على المسلم أيها الأحبة التزام خلق الصدق ظاهراً وباطناً في أقواله وأفعاله إذ الصدق يهدي للبر والبر يهدي للجنة والجنة هي أسمى غايات المسلم وأقصى أمانيه وقد أوجب الإسلام ألتزام الصدق على المسلم ونهاه عن الكذب إلى النار والنار من أشر ما يخافه المسلم ويتقيه .
وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث على التزام الصدق والدعوة إليه كقوله تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " [ التوبة ] ، وقال سبحانه وتعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " [ الأحزاب ] ، وقال أيضاً : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " [ الزمر ] ، وللصدق أيها الأخوة مظاهر يتجلى فيها منها :
صدق المسلم في الحديث فالمسلم إذا حدث لا يحدث بغير الحق والصدق وإذا أخبر فلا يخبر بغير ما هو الواقع في نفس الأمر إذا كذب الحديث من النفاق وآياته لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " ، متفق عليه .
وكذلك صدق المسلم في المعاملة فالمسلم إذا عامل أحداً صدقه في معاملته فلا يغش ولا يخدع ولا يزور ولا يغرر بحال من الأحوال .
وكذلك من مظاهر الصدق الصدق في العزم فالمسلم إذا عزم على فعل ما ينبغي فعله لا يتردد في ذلك بل يمضي في عمله غير ملتفت إلى شيء أو مبال بآخر حتى ينجز عمله .
وأيضاً أحبتي في الله الصدق في الوعد من مظاهر الصدق فالمسلم إذا واعد أحداً أنجز له ما وعده به إذ خلف الوعد من آيات النفاق كما مر معنا في الحديث الصحيح وبما يدل على ذلك ما رواه الترمذي " عن عبد الله بن الحمساء قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاثة أيام فجئت فإذا هو في مكانه فقال : يا فتى لقد شققت علي أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك " .
ومن مظاهر الصدق عباد الله صدق الحال فالمسلم لا يظهر في غير مظهره ولا يظهر خلاف ما يبطنه فلا يلبس ثوب زور ولا يرائي ولا يتكلف ما ليس له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " ، رواه مسلم .
ويدل عليه أيضاً ما روي من الحجاج بن يوسف خطب يوماً فأطال الخطبة فقال أحد الحاضرين : الصلاة ! فإن الوقت لا ينتظرك والرب لا يعذرك فأمر بحسبه ، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون فقال الحجاج : إن أقر بالجنون خرجته من سجنه فقال الرجل : لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها علي وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها ، فلما رأى الحجاج ذلك منه خلى سبيله لصدقه وللصدق عباد الله ثمرات طيبة يجنيها الصادقون منها :
راحة الضمير وطمأنينة النفس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصدق طمأنينة " رواه الترمذي .
ومنها البركة في الكسب وزيادة الخير لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " ، رواه البخاري .
ومن ثمرات الصدق أيها الأحبة بلوغ مراتب الشهداء لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " ، رواه مسلم .
وكذلك من ثمرات الصدق النجاة من المكروه فقد حكي أن هارباً لجأ إلى أحد الصالحين وقال له : أخفني عن طالبي ، فقال له : نم هنا وألقى عليه حزمة من خوص فلما جاء طالبوه وسألوه عنه قال لهم : ها هو ذا تحت الخوص فظنوا أنه يسخر منهم فتركوه ونجا ببركة صدق الرجل الصالح .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم .


الحمد لله رب العالمين الذي حذرنا من فتنة المال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم السر وأخفى وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أيها المسلمون :
لم يجعل الإسلام مجال الصدق مع الغير فقط إنما رتبه كالتالي صدق الإنسان مع ربه ثم صدقه مع نفسه ثم صدقه مع غيره سواء كان هذا الغير إنساناً أو حيواناً وأظهر دليل على ذلك ما روى الإمام البخاري أنه خرج في طلب حديث من رجل فرأى قد هربت منه فرسه وهو يشير إليها برداء كأن فيه شعيراً فجاءته فأخذها فقال البخاري : أكان معك شعير ؟ فقال الرجل لا ولكن أوهمتها ، فقال البخاري : لا أخذ الحديث ممن يكذب على البهائم .
وأعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وقد أمركم الله بالصلاة على رسول الله إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلى عليه وسلموا تسليما اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد على آل محمد كما باركتك على إبراهيم على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وارضى اللهم عن الصحابة أجمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ..
اللهم أرحم المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا قريب مجيب الدعوات ، اللهم إنك قلت أدعواني أستجب لكم ، فهذا ربنا الدعاء ومنك وحدك الإجابة .
اللهم ارحمنا واسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ، اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين أو أقل من ذلك فنهلك ، اللهم أغفر لحاضرنا وغائبنا حينا وميتنا ، كبيرنا وصغيرنا ، اللهم هذه الوجوه المتوضؤة ترجو مغفرتك وعفوك فاغفر لها وثبتها على دينك وأعصمها من كيد الشياطين ، اللهم اصرف عنا كيد الشياطين شياطين الأنس والجن فإنك وحدك القادر على ذلك ..
والحمد لله رب العالمين .