اعلان

Collapse
No announcement yet.

حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

Collapse
X
 
  • تصنيف
  • الوقت
  • عرض
Clear All
new posts

  • حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

    * بداية نشكر لك تفضلك بالموافقة على أن تكون ضيفا في (مكاشفات), ومن وحي الحوار الوطني الذي يقوده سمو ولي العهد, نترجمه واقعا عبر هذه المكاشفة معك يا شيخ حسن. ودعني ابتداء أطلب (صك أمان) منك تجاه مريديك, فثمة حساسية شديدة لي مع الشرعيين بعد مكاشفاتي مع الشيخ عائض القرني الذي غضب بعض مريديه ومحبيه من أسئلتي الصريحة, وبعثوا رسائل عاتبة جداً في قضية الأسئلة كونها بزعمهم لم تكن خليقة بالشيخ. وعطفا على ذلك فأنا أريد (صك أمان) منك أشهره تجاه محبيك. لم تك لي مشكلة مع المثقفين, فهم ( ملطوشون) على أية حال ولا يتمتعون بمريدين ولا غير. وعليه أتوسم منك كلمة لتلامذتك ومحبيك كي أمضي بأسئلتي في صراحة شديدة ؟

    - أولاً اشكر لكم هذه الزيارة واشكر لكم إتاحة هذه الفرصة عبر هذا الحوار للتخاطب مع القراء الكرام ومع المواطنين في مختلف المناطق ومن مختلف الاتجاهات، واعتقد ان نقرأ بعضنا البعض هذه أول خطوة في طريق التعايش والتعارف ومن ثم التعاون من اجل المصلحة المشتركة لديننا ودنيانا واعدكم بان يكون الحديث بحرية كاملة، فلا اعتقد ان هناك شيئاً يجب إخفاؤه. إما فيما يرتبط بالنشر فانتم تقدرون الظروف وتعلمون ما ينشر وما لا ينشر. أما بالنسبة لي فأعتقد انني في وضع يفرض علي ويتطلب مني ان أكون واضحاً في طرح الإجابات والأفكار والمطالب والتطلعات وليس هناك عائق يمنعني أو يمنع أمثالي من ان يكون حراً منطلقاً في طرحه في حدود المحافظة على المصلحة العامة والالتزام بآداب الحوار والتخاطب في الإسلام. بالنسبة للاتباع والمريدين انا اعتقد ان الحالة الدينية أو المشايخ والعلماء كرسوا لأنفسهم في نفوس اتباعهم موقعية وهالة من الهيبة تمنع الكثيرين من أبناء المجتمع ان يتكاشفوا معهم وان يكونوا صريحين وجريئين في التخاطب معهم واعتقد ان هذا ينبغي ان يزال فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما وقف أمامه إعرابي وكان يرتعد قال له هون عليك فإنما انا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة. كلما كان عالم الدين اكثر بساطة مع الناس استطاع ان يدخل إلى قلوبهم اكثر وان يؤثر عليهم وان يستقطبهم اكثر ونحن نعيش في عصر نجد فيه كبار القادة وكبار الساسة من بيدهم مصادر أزمة القوة والسلطة ولكن الناس لديهم الجرأة في انتقادهم والاعتراض عليهم ان يخالفوهم ولا ينبغي للعالم ولرجل الدين ان يتلذذ أو يرتاح بان تكون له هيبة مانعة من الانفتاح عليه أو مصارحته. ولكن كثيراً من هذه الحالات ناتج من احترام الناس لدينهم واحترام الناس للعلماء باعتبارهم مصادر للدين. وفي مجلسي هذا المتواضع حاولت ان اكرس هذه العادة بان تتاح الفرصة للناقد حتى الناقد لي والمعترض على بعض ارائي ومواقفي وافكاري وان يتحدث بكل صراحة وفي بعض الاحيان قد يتحسس بعض الحاضرين ويرى ان مثل هذه الطريقة من التخاطب لا تجوز في مجلسي ولكني أُطبّع الحالة واهون من الامر، لذلك اعدك بانني ساتحدث مع كل من أرى منه انزعجاً بأننا يجب ان نتقبل المصارحة والمكاشفة لأنها هي الأسلوب الأمثل والمناسب لمعالجة الملفات المزمنة والحساسة. تقية ام برغماتية مرحلية

    * هذه بداية تبشر بالخير يا شيخ حسن, وأنا سعيد جدا بهذا النفس الانفتاحي, وقبلها بصك الأمان منك(ضاحكا) . وكم نحن بحاجة الى تجسير الهوة بين أجيالنا وبين علمائهم ودعاتهم. وقبل أن أباشر أسئلتي, دعني أك صريحا معك, بأن طيفا غير قليل من قراء هذه المكاشفة سيصرفون حديثك ويتوجسون من أنها قد تدخل ضمن نطاق التقيّة أوالبراغماتية المرحلية.. وأستأذنك في طلب تعليق على ما سمعت.

    - هذا الموضوع سبق الحديث عنه في مناسبات عديدة وهذا يدخلنا في بحث حول ما يثار عن الشيعة في استخدامهم للتقية ومن المؤسف جداً ان من نتائج الصراع المذهبي التنكر لبعض المفاهيم الدينية. مفهوم ديني يجري التنكر له بسبب الصراع المذهبي. التقية ليست قضية مطروحة عند حدود المذهب الشيعي ولكنها قضية قرآنية يطرحها القرآن ويطرحها الإسلام بشكل عام، القرآن الكريم فيه آيات عديدة تؤكد ان الإنسان إذا كان في موقع يخاف على نفسه الضرر أو يكون في موقع يسبب له مشكلة من اظهار رأيه وعقيدته فان له ان يلجأ إلى التكتم على رأيه وعقيدته حفاظاً على حياته ومصلحته. ان القرآن الكريم يقول: (إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) والقرآن يقول: (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ) والقرآن يقول: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ) ففي القرآن الكريم آيات تدل على هذا الأمر إضافة إلى القاعدة العامة (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) وحينما نعود إلى كتب التفسير نجد كل عالم يمر على هذه الآيات يستعرض هذا المفهوم وفي الفقه نجد موارد مختلفة يبحث فيها الفقهاء أثر الاكراه والاضطرار.

    * ولكن الاحتجاج هنا يا شيخ حسن قائم على افتراض ان هذه حالات استثنائية تقدر بقدرها وفي نطاقها الأضيق والاضطرار الشديد إليها. ولكننا نلاحظ بأن الأخوة الشيعة توسعوا في ذلك وجعلوه أصلاً من أصول طائفتهم؟

    - هذا التوسع فرضته ظروف يعيشونها، نحن يجب ان نناقش المبدأ.. هل التقية مفهوم موجود في الإسلام. حينما يعاب على الشيعة استخدام التقية وتعتبر مأخذاً من المآخذ عليهم ما يفهمه عامة المسلمين ان التقية ليست موجودة في الإسلام وهم يستخدمون شيئاً لا يصح استخدامه. ما يجب ان نميز هو ان المبدأ موجود ام لا؟ اما عن قضية التوسع فهذا يعود إلى الشخص نفسه في تقدير الظروف وكل الفقهاء يقولون بالنسبة للحرج و الاضطرار أن شخص الإنسان هو الذي يقدر مقدار الاضطرار حينما يجيز الفقه الإسلامي للمضطر ان يأكل الميتة. مقدار الاضطرار وظرف الاضطرار ليس الفقه هو الذي يشخصه وإنما يشخصه الإنسان نفسه فهذا التوسع فرضته ظروف للشيعة أنفسهم. هناك نقاش بين العلماء هل التقية موردها فقط من الظالم الكافر أو انها ايضاً تكون من الظالم المسلم؟. بعض علماءالسنة ربما يقولون بان التقية من الظالم الكافر وان الآيات الكريمة التي تحدثت عن التقية إنما هي في سياق التقية من الظالم الكافر والبعض من علماء السنة وكل علماء الشيعة يرون مفهوم التقية أوسع حيثما كان هناك حاجة واضطرار اليها. فمذهب الإمام الشافعي مثلاً: ان الحالة بين المسلمين اذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس. وجاء في الموسوعة الفقهية التي اصدرتها وزارة الشؤون الإسلامية في الكويت ج13 ص 196. (والحنابلة لا يرون الصلاة خلف المبتدع والفاسق في غير جمعة وعيد يصليان بمكان واحد من البلد، فان خاف منه ان ترك الصلاة خلفه فانه يصلي تقية ثم يعيد الصلاة... وقد ذكر ابن قدامة حيلة في تلك الحال يمكن اعتبارها من التقية لما فيها من الاستتار، وهي أن يصلي خلفه بنية الانفراد). وحينما أُخذ العلماء من أهل السنة في عهد المأمون والمعتصم وامتحنوا ليقولوا بخلق القرآن استخدموا التقية إلا اربعة أو خمسة. من ناحية أخرى التقية حين يبحثها الشيعة إنما يبحثونها في اطارين الاطار الأول دفع الضرر الشخصي أو فلنقل دفع الضرر المادي على الشخص أو على المجتمع والاطار الثاني دفع الضرر عن الامة وعن الوحدة الإسلامية ويعنون بذلك إذا كانت ممارسة حكم من الاحكام المقرة في المذهب تبرز حالة من الانشقاق في الامة أو التمزق فان المذهب يجيز لابنائه ترك ذلك حفاظاً على الوحدة لاولوية الوحدة واهميتها وهذا ينبغي ان يحسب للمذهب كامتياز وليس مأخذاً عليه. مراتع الطفولة العذبة

    * أتصور أن هذه بداية ملتهبة واشتباكا ساخنا له ما بعده. ودعني أقول لك بكل صراحة بأن ردودا مخالفة وحادة ستأتيني, وسيفند طلبة العلم رؤيتك هذه اعتراضا أو تأييدا في مناخ اختلاف شرعي وسأنشر منها ما كان موضوعيا مهما كانت حدته .. وعلى نهج المكاشفات سأبدأ معك من سني الطفولة ومراحلك الأولى.. هلا حدثتنا يا شيخ حسن عن ظروف ولادتك وتنشئتك الاجتماعية التي ترعرعت عبرها .

    - ولدت سنة 1377هـ - 1958م وكانت ولادتي في مدينة القطيف والاسرة التي نشأت فيها كانت محدودة الحال من الناحية المادية ولكنها من الاسر المهتمة بالشأن الديني والاجتماعي لان جدي لابي كان عالم دين وكذلك جدي لامي كان خطيباً و بعض اعمامي وبعض اقربائي وحتى والدي نفسه كان يمارس شيئاً من الأدوار الدينية. حيث درس مقدمات العلوم الشرعية لفترة ثم فرضت عليه الظروف الحياتية ان يعمل وان يصبح كاسباً في اعمال مختلفه ولكنه بقي يمارس بعض الأدوار الدينية المحدودة فنشأت في هذه الاسرة ونشأت في بيئة محافظة من الناحية الدينية والاجتماعية وتعلمون طبيعة المجتمع الشيعي لديه مجموعة من المواسم والمناسبات الدينية التي تشد الإنسان إلى دينه ومجتمعه عندنا أيام عاشوراء في مطلع كل سنة هجرية لمدة عشرة أيام يكون هناك ما يشبه الموسم الديني الثقافي الاجتماعي العام كل أبناء المجتمع نساء ورجال كباراً وصغاراً يشاركون في هذه المناسبة وهي ذكرى استشهاد الامام الحسين بن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبهذه المناسبة تعقد مجالس نطلق عليها مآتم وهي محاضرات يميزها إثارة العواطف تجاه مأساة اهل البيت وما حدث لهم في كربلاء سنة 61هـ وفي شهر رمضان وطوال لياليه تكون هناك مجالس دينية للوعظ والإرشاد وذكر سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة اهل البيت عليهم السلام والاحكام الشرعية المتعلقة بالصوم والصلاة وبقية الاحكام الفقهية وهناك اهتمام بمواسم وذكريات أئمة اهل البيت، كل امام في اي يوم ولد حسب الروايات الموجودة في التاريخ وفي اي يوم مات، تعود المجتمع الشيعي ان يحيي يوم ميلاده وذكرى وفاته وفي هذه المجالس يأتي الخطيب ويتحدث عن سيرة الإمام صاحب الذكرى وكنت من صغري اذهب مع والدي لهذه المجالس فرغبت من صغري ان اسلك هذا الطريق واتقمص دور الخطيب الذي يخطب في الحاضرين في هذه المناسبات واتذكر اني كنت في الصف الرابع الابتدائي وكان عمري في العاشرة حيث بدأت اجمع الأطفال من أبناء منطقتي واخطب عليهم كما يخطب الخطيب في المجلس الديني.

    * حقيقة أنا أحرص جدا على رصد هذه الأجواء التي سيقرؤها كثير من محبي(الرسالة) وأزعم بأنهم سيطالعون لأول مرة هذه التفاصيل الدقيقة لطائفة الشيعة بالمملكة وتكون كوثيقة تاريخية واجتماعية في رصد الحالة الشيعية وظروفها. وبعيدا عن موقفي الشخصي المعارض منها وموقف أهل السنة والجماعة مما تحدثت, لأنني أسألك كصحافي وليس كشرعي أناقشك مناقشة تخصصية تاركا ذلك لطلبة العلم.. وسؤالي التالي بعد هذه التوطئة : هل أتممت حفظ القرآن في هذه السنة العاشرة؟

    - لا لم احفظ القرآن كله وانما تعلمت قراءة القرآن كله وحفظت اجزاء منه في الكتاتيب التي كانت متوفرة آنذاك وكانت تعلّم تلاميذها قراءة القرآن ولم تكن لدينا مدارس لتحفيظ القرآن. بدأت امارس دور الخطيب مع الأطفال من محلتي فلفت ذلك نظر بعض الكبار وبدأوا يحضرون حتى يستمعوا فرأوا اني التقط ما اسمع من الخطباء والعلماء واعيد طرحه و باعتبار اني كنت في مرحلة مبكرة من العمر لفت هذا الامر الانتباه فصار الكبار يدعونني لكي اخطب فصرت وعمري آنذاك في الثانية عشرة امارس الخطابة كأي خطيب من الخطباء الموجودين في البلد ولصغر سني كان ذلك لافتاً وكانت هناك حفاوة من أبناء مجتمعي وتشجيع لي على هذا المسار ثم عندما سمع الاهالي في الأحساء ان هناك صغيراً في السن يقرأ ويحفظ ويخطب دعيت إلى الأحساء وبدأت اخطب هناك ثم دعيت إلى مناطق أخرى إلى الكويت والى البحرين وكان يشفع لي صغر سني فهذا دفعني اكثر إلى التخصص في دراسة العلوم الشرعية بعد ان انهيت المرحلة الابتدائية.

    * بعد هذا السبر العريض, بودي أن تتذكر لنا بعض أساتذتك ومشايخك الذين تأثرت بهم إبان تلك الفترة المبكرة؟

    - تأثرت بمجموعة من الخطباء في مسلكي الخطابي الذين كانوا يمارسون دور الخطابة في البلد ومنهم الخطيب السيد هاشم السيد شرف الحسن رحمه الله (1323 - 1387هـ) من مدينة صفوى، والخطيب الشيخ عبدالحميد المرهون، والخطيب الشيخ سعيد ابو المكارم وهما موجودان يحفظهما الله، وخطباء آخرون ولكن هؤلاء الخطباء الثلاثة وبشكل رئيسي تأثرت بهم اكثر من بقية الخطباء وربما في بعض الاحيان احفظ نسبة كبيرة من المواضيع التي يطرحونها، احفظها والقيها في مجالس أخرى وعلى مستمعين آخرين. بعد ذلك انفتحت على الكتاب وبدأت اقرأ في الكتب وامارس دور التثقيف الذاتي وكوني امارس الخطابة ساعدني على الاقتراب من العلماء. وكان من أبرز العلماء في القطيف على المستوى الشعبي والاجتماعي الشيخ فرج آل عمران (1321هـ - 1398هـ) وكان عالماً فاضلاً ومحلاً لثقة الناس وتقديرهم فكنت ارتاد مجلسه يومياً خاصة في أيام عطلة الصيف وتأثرت به كثيراً حيث كنت استمع إلى اجابته للمستفتين والمستفسرين وامتاز هذا العالم بانفتاحه الاجتماعي واهتمامه بالمذكرات التاريخية وله كتاب مميز اصبح مرجعاً ومصدراً في تاريخ المجتمع والمنطقة واسمه (الازهار الارجية في الآثار الفرجية) كان هذا العالم يكتب مذكراته يومياً، من يلتقي معه، من يحادثه من يزوره، اسفاره واشعاره واجاباته الدينية يدون كل شيء، ويطبع جزءاً بعد جزء وعند وفاته بلغ عدد الأجزاء المطبوعة خمسة عشر جزءاً كنت ارتاح كثيراً لهذا الكتاب وكنت اقرأه دائماً وربما قرأته اكثر من مرة وعن طريقه تعرفت على بقية العلماء حينما يذكر مثلاً انه زامل العالم الفلاني في الدراسة أجد في نفسي رغبة للتعرف على هذا العالم الذي ذكره الشيخ في كتابه فاسأل عنه وابحث عنه وحتى عندما سافرت إلى العراق وايران كان في بالي الأسماء التي ذكرها الشيخ فرج آل عمران في كتابه انه زارهم فكنت اسعى لزيارتهم لان اسماءهم رسخت في ذاكرتي من خلال قراءتي لمذكرات الشيخ، وهناك علماء آخرون مثل الشيخ ميرزا حسين البريكي (1326هـ - 1396هـ) هذا كان عالماً وخطيباً واديباً، كنت احضر مجالسه وكان هو يحضر في احايين كثيرة مجلس الشيخ فرج آل عمران. وكنت استمتع جداً بحديثه لأنه كان منفتحاً على الكتب الجديدة التي كانت تصدر في القاهرة ككتب طه حسين وكتب عباس محمود العقاد وكتب مصطفى لطفي المنفلوطي وكتب عبدالله العلايلي وجورج جرداق وجورجي زيدان وغيرهم وكان ينقل عبارات من هذه الكتب وهذا ما شوقني للاطلاع على هذه الكتب أيضاً فصرت اقرأ واتابع هذه الكتب. ومن العلماء الذين تأثرت بهم الشيخ عبدالحميد الخطي رحمه الله (1331 - 1422هـ) القاضي السابق لمحكمة الأوقاف والمواريث في القطيف وكان عالماً اديباً يدرس مسائل الفقه كل ليلة في مسجده بعد صلاة المغرب والعشاء فكنت اواظب على الحضور واستفدت من دروسه كثيراً كما كنت احضر مجالسه ويدور فيها حديث الشعر والأدب حيث كان شاعراً ناقداً. وتأثرت كذلك بالشيخ علي المرهون وكان عالماً خطيباً متواضعاً يقطن في نفس حارتنا. ولكن اين علماء السنة

    * أنا أتفهم تأثرك بعلماء طائفتك, ولكن اعذرني في هذا السؤال : ألم تتأثر ببعض علماء السنة ممن استمعت إليهم ؟

    - في ذلك الوقت لم يكن هناك انفتاح ولذلك لم أتعرف على أحد من علماء أو خطباء السنة.

    * هل أستطيع القول بصراحة هنا, ومن وحي اجابتك, بأن هناك نوعا من السياج الفكري المضروب حول أبناء الطائفة..لكأن الآخر المذهبي (تابو) بالنسبة لكم ؟

    - نعم في بداية حياتي كانت ثقافتي نشأتي في حدود البيئة الشيعية في القطيف ولم يكن لدى انفتاح على اي عالم أو خطيب من اهل السنة، نعم كان لدي بعض الانفتاح على بعض الكتب خلال ما اسمع عنه من المشايخ والعلماء حينما يتحدثون عن كتاب من الكتب اهتم بالاطلاع عليه ومطالعته، وعلماء الشيعة مكتباتهم شاملة، مثلاً الشيخ فرج آل عمران له مكتبة، كتب السنة فيها ربما كانت تضاهي كتب الشيعة، وكذلك مكتبة الشيخ ميرزا حسين البريكي فكنت اطلع على كتب اهل السنة واطالعها واقرأها فعلماؤنا كانوا يستدلون ويستشهدون ببعض الاراء في التفسير والفقه لعلماء اهل السنة ولكن كتواصل اجتماعي لم يكن في بيئتنا انفتاح على علماء من خارج المذهب الشيعي. أما السياج المضروب حول أبناء الطائفة فالآخرون يتحملون مسؤوليته لموقفهم الحادّ من الشيعة والذي ينتج رد فعل طبيعي.

    * نحن نتحدث عن أربعة عقود خلت.. لا أدري يا شيخ حسن هل مازال عدم الانفتاح هذا قائماً لحاضرنا الذي نعيش..وفي منطقة القطيف تحديداً؟

    - هناك انفتاح عام فرضته وسائل الاعلام والتواصل الحديث وكذلك الاسفار والاختلاط في الجامعات والوظائف ولكن على المستوى الاجتماعي مازال هناك شيء من الانغلاق من قبل الطرفين الآن تبرز صورة أخرى فالشيعة يرغبون في الانفتاح ويلحون في التواصل ولكن الطرف الآخر هو المتحفظ انا شخصياً اذهب لزيارة المشايخ من اهل السنة والقضاة في المحكمة الكبرى في القطيف ولكننا فشلنا لحد الآن في إقناع أحد منهم في ان يتزاور معنا ولم تحدث الا حالة واحدة ان أحد القضاة في السنة الماضية وافق ان يحضر في منتدى الأستاذ جعفر الشايب وهو الشيخ صالح الدرويش وكان حضوره حدثاً لمجتمع القطيف.

    * ندرك يا شيخ حسن ان التراكمات التاريخية الحاصلة تحتاج إلى بعض الوقت لفك مداميك أزمتها التأريخية..هذا اذا استطاع الوسطيون والعقلاء فكها..

    - نحن الآن في مرحلة توصيف الحالة ولسنا في مرحلة التحليل، ففي التحليل هناك كلام كثير..

    * لا بأس , فلنعد إلى قراءتك في تلك الفترة. لكأنها اتجهت اتجاهات دينية صرفة. ألم تك بموازاة ما ذكرت قراءات أخرى في الأدب والشعر والفكر.

    - قراءتي في تلك الفترة في المجالات الأدبية والفكرية بالفعل كانت قليلة الا في حدود كتابات طه حسين وكتابات عباس محمود العقاد والمنفلوطي وهذه طبعاً محسوبة ضمن المجال الأدبي ولكنها تخدم المعارف الدينية، كنت اقرأ ما يخدم المعارف الدينية في تلك المرحلة الابتدائية.

    * هل ثمة شخصية معينة تعهدت الطفل حسن الصفار آنذاك بالرعاية والتوجيه والمتابعة لما يقرأ ؟

    - لم يكن الامر كذلك بل كان رغبة واجتهاداً شخصياً ولم يكن عندنا من العلماء من هو مهتم بان يجمع حوله طلاباً ومريدين وان يربيهم، اغلب العلماء الذين تعرفت عليهم يقتصرون على المستوى العام يخطبون في الجمهور خطابات عامة وربما كان لبعضهم طلاب يدرسون عندهم العلوم الدينية ولكن هذا بشكل محدود، وكان لمجالس بعض العلماء دور في تنمية بعض الكفاءات الادبية والثقافية بشكل عفوي. كانت الحركة العلمية في القطيف آنذاك مصابة بحالة من الفتور والشلل وكان عدد العلماء محدوداً في القطيف وعدد طلاب العلوم الدينية كان محدوداً ولكن فيما بعد حدث نوع من الاندفاع والإقبال وخرج كثير من الطلاب للدراسة في الحوزات العلمية فاصبح لدينا الآن عدد وفير من العلماء وطلاب العلوم الدينية، ولكن في تلك الفترة وانا أتحدث عن 1385هـ كان عدد العلماء في القطيف محدوداً ويعدون على أصابع اليد في كل محافظة القطيف وقراها ومدنها. كان هناك عدد من الخطباء ولكن ليس كل خطيب عالماً.. قليل منهم درس العلوم الشرعية وكثير منهم كان يقتصرون على قراءة التواشيح والاشعار والسير التاريخية.

    * بالنسبة للمدارس التي درجت فيها: هل كانت حكومية أم كتاتيب ؟

    - نعم, درست المرحلة الابتدائية في مدرسة زين العابدين بالقطيف والمتوسطة بمدرسة الأمين المتوسطة بالقطيف.

    * تبقى لسن المرحلة الابتدائية كثير من الذكريات العذبة التي لا تمحى. ما الذي تتذكره من احداث وعلقت بذاكرتك ولم تبارحها وأنت الآن أمامي في هذا العمر شيخ حسن؟

    - الذي أتذكره ان بعض المدرسين من الفلسطينيين والاردنيين كانوا يتحدثون لنا في بعض الاحيان عن وضع فلسطين وعما يجرى في الأردن وكان بعضهم يسرب بعض الأفكار فيما يرتبط بالقومية العربية وفيما يرتبط بمصر وبجمال عبدالناصر ففي ذهني لمحات كنت اسمع في المدرسة بعضاً من هذه الأشياء لان اغلب المدرسين كانوا غير سعوديين فكنت اسمع منهم عن بلدانهم وكانت المدرسة تمثل لي انفتاحاً على نسق جديد بخلاف البيئة التي كنت أعيش فيها، هذا ما لفت نظري في تلك المرحلة والشيء الآخر الذي أتذكر اننا كطلاب في تلك المرحلة كنا نعيش حالة من الشدة من قبل الإدارة ومن قبل المدرسين كان هناك انضباط صارم وتعامل قاس من قبل المدرسين على الطلاب أتذكر الكثير من الحالات التي كان يضرب فيها الطلاب عند اقل خطأ بالعصا وكيف كان بعضهم يُخرج إلى الشمس، وقد يعاقب كل الفصل عقاباً جماعياً عند حصول خطأ من بعض الطلاب.

    * هذه كانت حالة عامة في كل مدارس المملكة..لكن اعذرني في سؤال لـ(معلم الصبية): هل سبق لك وأن وضعت على الفلقة وبرّحت بك قبل العصا في قدميك بتلك الأزمنة ؟

    - لم يحصل ان وضعت على الفلقة.. لكن حصل في بعض الاحيان ان كانت عقوبات بسيطة وكان من اسبابها انني كنت في أيام المناسبات الدينية باعتباري امارس الخطابة اتغيب أو اقصر في بعض الواجبات ولكن فيما بعد تفهمت الإدارة وتفهم المدرسون وضعي فصاروا يخاطبوني (بالمطوع) وعرفوا عني هذا التوجه واتذكر هنا قصة طريفة هي ان مدير مدرسة زين العابدين الابتدائية في القطيف الأستاذ سعد الرحيل وهو من قبيلة الخوالد من قرية عنك من قرى محافظة القطيف يسكنها اخواننا السنة باعتباره يعرف الاعراف والتقاليد الموجودة في المجتمع ويسمع عني حسب التعبير (ملاّ) وخطيب لذلك كان يعاملني تعاملاً مميزاً ويغض الطرف عن غيابي في المناسبات الدينية خاصة في مناسبة عاشوراء التي أكون فيها مشغولاً بالخطابة لمدة عشرة أيام واذكر انه في عام 1388هـ كنت مرتبطاً بالخطابة في الأحساء فجئت إلى المدير وقلت له اني سأقرأ في الاحساء ولذلك احتاج إلى إجازة عشرة أيام ولم يكن متعارفاً ان يأخذ طالب إجازة عشرة ايام ولكن قدر ظرفي وسمح لي بالذهاب إلى الأحساء وفوجئ بطلب آخر قلت له اني لا أستطيع ان اذهب وحدي وإنما معي زميل بالصف واني سآخذه معي مرافقاً. فسمح لمرافقي بذلك وسافر معي هذا الزميل، و كنت في الصف السادس الابتدائي وعندما انتقلت إلى المرحلة المتوسطة صاروا يطلبون مني دوراً في الاذاعة الصباحية وبالفعل كنت أدير اغلب البرامج وحتى ظهرت عندي بواكير الشعر في تلك المرحلة فبدأت انظم الشعر وكان شعراً بسيطاً واهميته تنبع من اني كنت أتحدث فيه عن قضايا المدرسة وكان الجميع يعاملونني باحترام باعتبار اني كنت امارس الدور الديني والخطابي. التعايش الطائفي الفريد

    * ذكرت في إجابتك هذه قرية (عَنك) وقبيلة (الخوالد) السنية وتعامل المدير معك. لكأني أستشف تعايشا طائفيا صورته إيجابية جدا. غير ما ترسّخ في الذهنية البعيدة عنكم. هلا صححت لي؟

    - على مستوى الناس كان هناك تداخل وتواصل طيب بين السنة والشيعة في منطقة القطيف تعلمون ان اكثرية اهل القطيف هم من الشيعة ولكن يوجد بعض القرى التي بها اهل السنة كقرية عنك ودارين وام الساهك وبعض القرى الأخرى كانت علاقتهم مع الشيعة علاقة طيبة هناك تواصل اجتماعي في الأفراح والاتراح وحتى ان بعض علماء السنة في المنطقة كانوا يدرسون عند بعض علماء الشيعة وكان والدي يحدثني ان امام الجماعة في دارين اسمه السيد إبراهيم كان يأتي إلى تاروت ويتلقى علومه في اللغة العربية والنحو على يد علماء الشيعة ويتواصل معهم ويتواصلون معه واهل عنك إلى الان يتميزون بعلاقات طيبة مع بقية مواطني القطيف.. كان السوق الرئيسي في المنطقة في القطيف كان سوقاً شعبياً عاماً فكان السنة والبدو من كافة المناطق يأتون اليه ويشترون ويبيعون وبعضهم عندما يهاجرون الى البادية يتركون اموالهم وصكوكهم امانة عند أهالي القطيف وكان هناك تداخل اجتماعي وتداخل مصلحي واقتصادي ولم تكن هناك تشنجات ولا فواصل ولا حواجز بين السنة والشيعة وانا أتحدث عن القطيف والحال في الأحساء أوسع وافضل لان هناك تداخلاً في اغلب المناطق بين الشيعة والسنة وكان بينهم علاقة طبيعية واخبرني بعض أدباء السنة في الأحساء ومن شخصياتها المعروفة انهم درسوا في كتاتيب شيعية وعند علماء ومدرسين شيعة وكان يحضرون مجالس ومنتديات الشيعة ولم تكن الحالة متشنجة بل كانت طبيعية وطيبة.

    * ولكن ياشيخ حسن, وأنا أنصت لك الآن, وأقارنه بما نسمعه من تشكٍ دائم وحسينيات متتالية منكم تجاه الآخر الطائفي واتهامه بالإقصاء والأحادية وجملة من التظلمات, لأجد بعض المفارقة. ما نحن بصدده مسألة وطنية تهمنا جميعاً كمجتمع وأفراد, خاصة في هذه الظروف التي نعيشها الآن ولا يخفاك, وأنت السياسي المحنك, محاولات راعي البقر الأمريكي الجاثم بخاصرتنا الشمالية في العراق ومزايداته ولعبه على هذا الوتر الطائفي الساخن والحساس. هلا أوضحت لنا وجهة نظرك ؟

    - هناك عوامل استجدت العامل الأول: كما تعلمون ان أجهزة الدولة اخذت في التشكل شيئاً فشيئاً في الماضي كانت تدار الأمور بالبساطة لم تكن هناك دوائر حكومية متعددة لمختلف التخصصات، كان هناك أمير وشرطة وشيء محدود كما هو شأن كل المناطق في المملكة، كان الوضع اقرب إلى حالة البساطة والعفوية لكن شيئاً فشيئاً بدأت تشكل أجهزة للدولة وبدأت تتكون قوانين لمختلف المجالات والامور مع هذا التشكل لمؤسسات الدولة لم تكن هناك مراعاة لخصوصية المجتمع الشيعي في مجاله الديني وفي مجاله الاجتماعي فاصبح الإنسان الشيعي يصطدم بهذه القوانين التي لا تأخذ خصوصيته بعين الاعتبار هذه نقطة اما النقطة الثانية فالموظفون الذين شغلوا هذه الدوائر الرسمية والحكومية غالباً من غير اهل المنطقة لان المسؤول كان يوظف من يعرفه ويعرف كفاءته وقدرته، فبدأ الشيعة يشعرون ويتساءلون لماذا يبعدون من الدوائر والمؤسسات وخاصةعلى مستوى المديرين ليس من منطقتهم هذا اوجد عندهم حساسية وتساؤلات ولا يزال الى الآن اغلب الأجهزة الحكومية ان لم يكن كلها لا مجال فيها لابن المنطقة لمواقعها الادارية وانا هنا لا أتحدث كشيعي أو سني وإنما كابن لهذه المنطقة قطيفي يعيش في القطيف والمؤسسات الحكومية موجودة وهو لديه كفاءة لا تقل عن كفاءة غيره لكن يجد نفسه مستثنى ولا يمكن ان يكون مديراً في رتبة متقدمة كمحافظ أو مدير شرطة أو رئيس بلدية أو لأي جهاز أو مؤسسة وهذا اثار في نفوس الشيعة التساؤل، قوانين وقرارات لا تراعي خصوصيتهم خاصة في المجال الديني والثقافي، الوظائف والمناصب أيضاً تستثنيهم واضيف إلى ذلك عاملا آخر مفاده انه بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران دخلت المنطقة وضعاً جديداً، وأصبحت التعبئة الطائفية جزءاً من الصراع في المنطقة فالشيعة ارتفعت معنوياتهم وبدأوا يسمعون لاذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران ويتفاعلون مع ما يطرح هناك ومن ناحية أخرى كان السنة يتعبأون ضد الشيعة دينياً وثقافياً من خلال الخطب والفتاوى في تلك الفترة وهي معروفة.. هذا كله اوجد هذا التشنج الذي يشكو منه الواعون والمخلصون من الطرفين.

    * اسمح لي يا شيخ حسن, وقد تركتك تكمل ولم أجادلك بسبب أنني سأناقشك بالتفصيل عن ملابسات الثورة الإيرانية وتأثيراتها عليكم وعلى المنطقة. ولكنني أزعم بطبيعية هذه المآلات والتشنجية المصاحبة لها, وعندما نضع هذه القضية بكل ملابساتها السياسية والدينية على طاولة التشريع العلمي والقراءة التاريخية والعلمية لها سنرى حتمية النتيجة عبر هذا السياق. دعنا اذاً نترك هذا الموضوع وسؤالي لك.. هل مازلتم وبعد الحوار الوطني وتوجيهات الأمير عبدالله تشعرون بما ذكرت ؟

    - بعد الحوار الوطني زادت تطلعات الناس وانتعشت آمالهم فتوصيات الحوار والكلمات التي ألقيت بين يدي سمو ولي العهد وحديث سموه الصريح يشكل إيذاناً بمرحلة جديدة ولازلنا في مرحلة التوقع والانتظار حيث لم تتحدد آلية معينة لتطبيق تلك التوصيات بعد.

    * وتلك مسألة أخرى, وأستأذنك في العودة بزمام الحوار إلى مبتدئه.. متى أكملت المرحلة الابتدائية؟

    - أكملت المرحلة الابتدائية سنة 1388هـ.

    * لأعد الى مهنتي وأسألك سؤال ''معلم الصبية''.. كم كان تقديرك؟

    - لم يكن ممتازاً، كان جيد جداً، ولا أريد ان أدافع عن نفسي ولكن انصراف هوايَ إلى العلوم الشرعية والدينية قد يكون هو السبب.

    * سأنتقل هنا طالما كان هذا التقدير الوسط يا شيخ حسن, وأنت داعية للوسطية, الى المرحلة الأخطر في عرفنا نحن المعلمين, وهي مرحلة المتوسطة بسبب علامات البلوغ وحشرجة الصوت والشعور بالرجولة وما يتبعه من عناد ساذج.. ما الذي علق بذاكرتك من المرحلة المتوسطة؟

    - في المرحلة المتوسطة بدأت علاقتي مع الإدارة ومع المدرسين تصبح مميزة وبدأت أمارس دوراً في إذاعة الصباح وصار يعتمد عليَ في حل بعض مشاكل الطلاب حينما يكون بعض الطلاب بينهم مشاكل أو بعض التقصير في الواجبات المدرسية. فالإدارة اوالمدرسون باعتباري ''ملا'' يطلبون مني ان أتحدث معهم فبدأت آخذ دوراً داخل المدرسة لا اذكر شيئاً اكثر من هذا.

    * وماذا عن معلميك ومدى تأثرك بهم؟

    - علاقتي بالمعلمين كانت طيبة.. ولم يكن هناك تأثر بهم لان مصادر التأثر خارج المدرسة كانت هي الأكبر. والشيء الجديد بالنسبة لي كان درس الإنجليزي في المدرسة المتوسطة واذكر ان جدتي ام والدي -رحمها الله- كانت تقول لي إذا أردت ان تقرأ القرآن وكنت تحدثت باللغة الإنجليزية يجب ان تطهر فمك أولاً. هذا يكشف لك حالة التحفظ التي كانت عندنا انا لم اكمل المرحلة المتوسطة حيث غادرت للعراق لأكمل الدراسات الشرعية. فما أكملت الصف الثالث المتوسط فقد كنت عازفاً عن هذه الدراسة وكنت أجد نفسي أضيع وقتي لذلك طلبت من والدي ان يسمح لي بالسفر إلى العراق والالتحاق بالحوزة العلمية وسافرت بالفعل إلى هناك. تفرقة طائفية ام توجس موهوم

    * هنا سأسألك بكل صراحة. لطالما سمعت التشكي من قبل أبناء الطائفة لديكم بالتمييز في المدارس . وسؤالي لك ياشيخ حسن. هل شعرت بشيء من التفرقة الطائفية في المدارس الحكومية؟

    - في ذلك الوقت لم يكن لدي شعور بالتفرقة الطائفية وكانت الأمور عادية، وطبيعية، فقط كانت بعض المناهج الدينية في التعليم تتحدث عن بعض الممارسات والتوجهات الشيعية حديثاً قاسياً تعتبرها بدعاً وتعتبرها شركاً ولكن كان التوجيه في بيئتنا ومجالسنا يوضح لنا الأمور بشكل يتناسب مع مذهبنا.

    * أفهم من حديثك بأن ثمة تحصيناً طائفياً قوياً يحقن به الطالب من طائفتكم قبل التحاقه بالمدارس الحكومية؟

    - ليس تحصيناً وإنما هي الحالة الطبيعية. الولد يتأثر بوالديه وبأحضان عائلته. ليس هناك تحصين مقصود يمارس لم تكن عندنا مؤسسات لا اذكر ان أحداً كان يدرس هؤلاء الطلاب الصغار ويعلمهم لكن الحالة الطبيعية كانت تنتج ذلك لان التصاق الولد بعائلته كبير. لم تكن هناك برامج تليفزيونية ولا كرتونية ولا برامج مسلية أو برامج رياضية ينصرف إليها الطفل لذلك كانت علاقته بوالديه وعائلته قوية جداً يعايشهم دائماً ويعايشونه وبشكل طبيعي يأخذ دينه وعاداته وأعرافه. ولكن المدرسين الذين يدرسون المواد الدينية آنذاك لم يكونوا متحمسين للتركيز على القضايا الخلافية خاصة وانهم كانوا في الغالب من خارج المملكة، وبعضهم من بيئات منفتحة.. لذلك كانوا يدرسون المنهج كما هو ولا يؤكدون كثيراً على مثل هذه الأمور. ولكن ما حصل بعد ذلك عندما اصبح مدرسو هذه المواد غالباً من أبناء المملكة خريجي كليات شرعية وفي هذه الكليات تصبح لديهم توجهات اكثر عقدية يركزون عليها. هنا دخل الطلاب الشيعة مرحلة جديدة ولازالوا يعيشونها حتى الآن. و لا تكاد تمر سنة وإلا تحدث مشكلة ما بسبب المواد الدينية لان مدرس المادة الدينية يأتي ولديه رسالة تبليغ أو تبشير يريد ان يهدي هؤلاء الناس الضالين أو الذين يمارسون البدع و الانحرافات حسب رأيه فتحصل المشاكل في تلك الفترة لم نكن نعاني من هذه الحالة.

    * يا شيخ حسن, أنت رجل تتسم بالواقعية. واسمح لي بمناقشتك بأسلوب علمي. لو عكست لك المسألة وأخذت إيران مثلاً أو أية دولة مشابهة أخرى, من الطبيعي جداً ان تتحكم الطائفة الأكبر والأيديولوجيا الأوسع فضلا عن منهج قام كيان ودولة عليه, من الطبيعي أن يبشر دعاتها بأيدلوجيتهم في كل اتجاه، لسنا بدعا من الأمر,ولسنا في حالة استثنائية كي يلقى كل اللوم علينا في أوقات سياسية صعبة وحساسة.. أتمنى أن تكون رسالتي واضحة هنا .

    - ان مرحلة الطفولة لا تحتمل الصراع داخل عقل الطفل ولذلك نجد مثلاً في ايران ان إدارة التعليم لا تترك مجالاً لمثل هذه المشكلة.. مناهج التعليم الديني في مناطق السنة في إيران هي وفقاً للمنهج السني وليس طبقاً للمنهج الشيعي. ولذلك أرى انه من الصحيح فيما يرتبط بالمادة الدينية أما ان يكون التعليم للقيم الدينية العامة التي تشكل جامعاً مشتركاً أو ان يكون التعليم مشتملاً على كل الآراء بإيراد رأي المذاهب في أي مسألة أما ان تأتي إلى مجتمع ضمن مذهب معين وتسلط معلمين مبشرين على أطفال في مرحلة التكون هذا يجعل الطفولة ساحة لصراع فكري ونفسي لا يتحمله الأطفال. وطن واحد ومنهج واحد

    * سأصارحك يا شيخ حسن بتوجسي الشديد من الدعوة التي تقول, لسبب بسيط يتمثل بأننا وطن واحد, لابد وأن ينتظمه منهج واحد متسامح. أما فكرة التقسيم القديم إلى مناطق شيعية وسنة فهذا ان صح قبل 40 سنة فليس صحيحاً الآن بعد ان تشّكل الكيان وانتظم تحت وطن واحد!

    - سيحتاج هذا إلى أمرين الأمر الأول فلنجعل التعليم خاصة في مراحله الأولى يركز على المشتركات والأمر الثاني ما عبر عنه في بعض الندوات بان لا يكون هناك منهج خفي بحيث لا يكون هناك دور تبشيري في مرحلة الطفولة، هذا المعلم الذي يأتي إلى منطقة شيعية يجب ان يأخذ هذه القضية بعين الاعتبار، إذا أراد ان يبشر بفكره ومذهبه فله الحق لكن عليه ان يتحدث إلى البالغين الراشدين أما ان يأتي إلى أطفال في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة ويقول لهم آباؤكم مشركون وأمهاتكم أمهات بدع وعائلاتكم كلها ستدخل نار جهنم فهذا غير مقبول ولا معقول! ولأن المناطق أصبحت مختلطة سنية وشيعة، طيب إذا كان الصف يحتوي على طلاب سنة وشيعة ويأتي المدرس ليتحدث مثل ذلك الحديث هو يوجد تحريضاً للطلاب على بعضهم البعض وهذا ما يحدث الآن في بعض المدارس. إذا كان هناك سنة وهناك شيعة ويأتي المدرس ليتوسع في شرح زيارة القبور ويقول هؤلاء قبوريون ويعبدون غير الله بزيارتهم للقبور والذين يتوسلون بالأئمة والأولياء مشركون وما إلى ذلك فتصبح هناك جدليات ونقاشات بين الطلاب أنفسهم وبالتالي ينفرز الصف فهذا شيعي وهذا سني وأنت مشرك وأنت رافضي وأنت وهابي، هل هذا من المناسب في وطن واحد؟ وعليه يجب ان يركز التعليم على المشتركات العامة أو إذا كانت هناك مصلحة في ذكر رأي المنهج الرسمي السائد فلا يكون هناك تركيز على التحريض ضد الآخر.. من وصف الطرف الآخر بالشرك والابتداع فهو غير صحيح مثلاً في الحجاز يقيمون الموالد. طيب أنت حين تأتي وتتحدث ان إقامة الموالد من البدع وفيه ضلال وفيه شرك كما توجد عبارات في المناهج تقول بهذا وهو يرى ان أسرته تحتفل بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكيف سيعالج الطفل هذا التناقض؟ ولذلك يجب ان نجنب التعليم هذه الخلافيات

    * سأتجاوز حديثك عن سنة إيران, لأن لي فيها كثيرا من الوقفات والملاحظات التي سأقفها لاحقا معك, بيد أنني سأتطوع بلفت نظرك الى تلك المراجعات الصريحة التي تبدت في بعض رموز التيار الديني المحلي ودعاته, ومن الذين أدركوا خطورة المرحلة, ولعلك رصدت هذا يا شيخ حسن, وليس حديثي تأييدا في ما طرحت, بيد انني أتمنى أن يتجاوز الغيورون من الطائفتين هذه الإشكاليات ليتعايشوا تحت مظلة وطنية نفيء الى ظلالها دون طعن عقدي.. دعني أعود هنا للفتى حسن الصفار الذي تقولب وتمشيخ في فترة مبكرة من عمره ألم يؤثر ذلك عليك في مسيرتك لاحقاً؟

    - لا اعرف ماذا تقصد بالتأثير.!!


    * ( مبتسما) تتذكر مقولة الإمام الشافعي في تصدّر الغلام, ورميت من سؤالي بأنك لم تشب بين أقرانك كأي فتى ولم تأخذ طفولتك بشكل كامل وطبيعي. والسؤال: ألم تؤثر هذه المرحلة التي عشتها (متمشيخا) على نفسيتك وطرائق تفكيرك واختياراتك الآن وأنت في عقدك الرابع؟

    - باعتباري كنت راغباً ولم يكن أحد قد فرض عليَ هذا التوجه ووالدي لم يكن متشجعاً لكي اذهب للدراسة الدينية في البداية، وكان سبب ذلك خوفه عليّ من ان اذهب إلى العراق وأتغرب في سن مبكرة، لذلك كنت مرتاحاً لتوجهي. اشعر بالفعل بأنني لم أمارس اللعب بالمقدار الكافي في مرحلة الطفولة كبقية أقراني إذ كنت أمارس بعض الألعاب لفترة وجيزة وبسيطة ولكن بالفعل هذا التقولب في هذه المرحلة المبكرة حرمني من استرسال في مرحلة الطفولة، لكني اشعر بامتلاك حصيلة ما من التجارب في مجال العمل الديني والاجتماعي لبدايتي المبكرة.

    * هل كانت هذه حالة عامة لديكم في القطيف, حيث يرسل الطلاب النوابغ من عائلات الشيعة الكبيرة العلمية إلى الحوزات؟ ولماذا العراق يا شيخ..لماذا لم تك إيران مثلاً؟

    - كان شائعاً في الماضي أن العوائل العلمية ترسل أبناءها أو تربي أبناءها على الدراسة الدينية ولكن في المرحلة التي نشأت فيها كانت هناك حالة من الفتور حتى العوائل العلمية ما عادت ترسل أبناءها أو توجههم للدراسة الدينية لذلك أصبحنا في القطيف نعيش حالة انقطاع لتواصل الأجيال في العوائل العلمية العريقة, عوائل من مائة سنة واكثر كانوا يتوارثون الدور العلمي والديني ولكن انقطع في تلك الفترة فكان الذين يذهبون للدراسة العلمية الدينية عدداً قليلاً ومحدوداً جداً وأسباب ذلك عديدة اجتماعية واقتصادية. في الماضي هناك فرص للدراسة في القطيف مدارس وحوزات ولكن تقلصت هذه الفرص وبالتالي اصبح دارس العلم الذي يريد ان يدرس العلوم الدينية لابد ان ينتقل من صغر سنه إلى الخارج وما كان الأهالي يحبذون إرسال أبنائهم وهم صغار وحينما يكبر الواحد منهم يكون قد شق طريقه في حرفة من الحرف أو مهنة من المهن، ولذلك كنا نعيش مرحلة من الركود والفتور على المستوى العلمي الديني، فكان الذين ذهبوا للدراسة الدينية في ذلك الوقت عدد قليل ربما وصل إلى عشرين أو خمسة وعشرين وكانوا اكبر مني سناً فالسفر في تلك السن لم يكن مألوفاً.اما لماذا النجف وليس إيران......

    * معذرة قبل الإجابة على هذا السؤال, ولكن طرأ لي عن سبب السفر الى النجف. والقطيف بها الحوزات وكانت تسمى كما في كتبكم التي اطلعت بالنجف الأصغر..

    - ذاك كان في مرحلة أسبق أما في المرحلة التي أتحدث عنها كان هناك جمود كبير على المستوى العلمي والديني في منطقة القطيف.

    * اذاً لماذا لم تذهب إلى إيران؟

    - كل المجتمعات الشيعية العربية كانت دراستهم في العراق وليس في إيران والمرجعية الدينية الشيعية تاريخياً في العراق وليست في إيران وليس هناك تاريخياً ارتباط بين شيعة المنطقة بشيعة إيران، إنما كان ارتباطهم مع العراق ومع الحوزة العلمية في العراق لأنها المنطقة الأقرب وثانياً بسبب اللغة العربية وثالثاً لان الحوزة العلمية المركزية بالنسبة للشيعة في العالم كلهم بما فيهم إيران كانت في النجف. لم تكن الحوزة في إيران قد أخذت تمركزها ومكانتها في العالم الشيعي إلا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والتضييق الذي حصل للحوزة العلمية في النجف من قبل حزب البعث الحاكم في العراق آنذاك.

    * عودة إلى ذهابك إلى النجف..وأنا إزاء رصد تأريخي ربما اكثر منه صحافي زاعما بأنها مادة بكر أقدمها لقارئ (الرسالة). هلا وصفت لنا ياشيخ حسن وصفاً مفصلاً طريقة تلقي طالب العلم الشيعي دروسه في الحوزة العلمية الشيعية ؟

    - ذهبت إلى النجف في بداية سنة 1391هـ وعشت مع المجموعة القطيفية أو السعودية من القطيف والاحساء، كان هناك عدد من الطلاب وبعضهم قد مضى عليه فترة بالنجف وكانوا يولون عنايتهم بالملتحقين الجدد وكانت دراستي على أيديهم، كما درست على يد بعض العلماء اللبنانيين وبعض العلماء العراقيين ودروسنا مثل الحلقات العلمية التي توجد في المساجد لم تكن دراسة منتظمة على شكل صفوف وعلى شكل دراسة أكاديمية وإنما كل طالب كانت له الحرية في ان يختار الدرس الذي يريد والمدرس الذي يريد، هناك دروس موجودة في الحلقات بالمساجد وفي هذه المرحلة تكون الدروس في اللغة العربية في النحو والصرف وهناك دروس في المنطق و درس في مبادئ الفقه واصول الفقه.

    * سأدخل ببعض التفصيل كي يستطيع قارئي مقارنته بما لديه. ما هي كتب الفقه التي تدرسونها؟

    - في البداية هناك ما يطلق عليها (الرسالة العملية) يعني الكتاب الفقهي للمرجع الشيعي الموجود، كل مجتهد يأتي يبين آراءه في الأحكام الشرعية وليس ملزماً بآراء الفقهاء السابقين وإنما يجتهد ويطرح آراءه في كل المسائل الفقهية، هذه الآراء تجمع ثم تطبع ويطلق عليها (الرسالة العملية) يعني الرسالة التي يعمل بها (المقلد) وفي بعض الأحيان يأخذ المرجع الرسالة التي عملها المرجع الذي قبله ويعلق عليها وكل مرجع متصدي للمرجعية لابد أن يكون له كتاب يحمل آراءه الفقهية لأنه يجب أن يبدي آراءه في كل مسألة من المسائل في كل أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات. في بدايتنا ندرس هذا الكتاب من أجل أن يكون الطالب عارفاً بتكليفه ولو سئل يجيب بحسب آراء المرجع الموجود. بعد ان ننهي (الرسالة العملية) ندرس كتاباً آخر اسمه (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي الشيخ جعفر بن الحسن (602 - 676هـ) فقيه عراقي. وهو كتاب فقهي عبارته رصينة و موسع في كل أبواب الفقه. بعد أن ننهي هذا الكتاب ندرس كتاباً آخر اسمه (اللمعة الدمشقية) وشرحها ومؤلفها الشيخ محمد بن مكي العاملي من جبل عامل - لبنان (734 - 786هـ) وشارحها الشيخ زين الدين العاملي (911 - 965هـ) والكتابان يدرسهما الطلاب العرب والعجم.واللمعة الدمشقية نسبة إلى دمشق لان المؤلف ألفها في دمشق، هذه موسوعة مفصلة في كل أبواب الفقه فيها نوع من الاستدلال بعد اللمعة الدمشقية يدرس كتاب آخر اسمه (المكاسب) للشيخ مرتضى الأنصاري (1214 - 1281هـ) و كان من كبار العلماء في النجف الأشرف ومن اسمه (المكاسب) يرتبط موضوع الكتاب بالكسب والتجارة والبيع وكل ما يرتبط بهما وهو كتاب يمهد ذهن الطالب لمرحلة استنطاق الحكم الشرعي بعد كتاب المكاسب تنتهي الدراسة الكتابية الفقهية ان صح التعبير وينتقل الطالب إلى ما يطلق عليه (البحث الخارج) يحضر محاضرات المجتهدين التي تتحدث ليس ضمن مكان معين وإنما هو يلقي المسألة وأدلتها ويطرح رأيه ويفسح المجال للطلاب حتى يناقشوه فيها ومن خلال الحضور في هذا المجلس والمناقشة تتكون عند الطالب ملكة استنطاق الحكم الشرعي. وهناك منهج لدراسة أصول الفقه يمر بعدة كتب آخرها (الرسائل) للشيخ مرتضى الأنصاري و (كفاية الأصول) للشيخ محمد كاظم الخراساني (1255 - 1329هـ) وبعدها يكون بحث الخارج في الأصول إلى جانب بحث الخارج في الفقه. وبعد الحضور لسنوات في هذه المحاضرات إذا أثبت الطالب من خلال مناقشته مع الأستاذ ومن خلال حواره مع زملائه أو كتاباته اثبت انه قادر يطلق عليه مجتهد ويعطيه الأستاذ إجازة الاجتهاد، بمعنى ان هذا الطالب اصبح قادراً على استنطاق الحكم الشرعي.طبعاً ممارسة الاجتهاد لا تحتاج إلى إجازة لكن من اجل ان يعرف الناس بان هذا مجتهد و مستوى الاجتهاد متفاوت، هناك عالم وهناك من هو أعلم منه وقد تعارفت الشيعة خاصة في العصور المتأخرة على القول بتقليد الأعلم، فعلى الناس ان لا يقلدوا أي مجتهد بل يبحثوا عن اعلم مجتهد باعتبار انه ما دام اعلم فقوله اقرب للصواب والى الاطمئنان كما في أي مجال من مجالات العلوم يؤخذ برأي من عرفت أعلميته وأفضليته فيكون هو المرجع الأعلى وقد لا يكون واحدا بل قد يكون طبقة من عدة أفراد عادة ما يكونون ثلاثة وبالكثير ستة أو سبعة هؤلاء هم الذين يدعى لهم الأعلمية قد لا تتوحد كل الآراء على أن شخصاً بعينه هو الأعلم فيصبح عندنا طبقة من المراجع يدعى لهم الأعلمية وغالباً ما يكون من بينهم الأبرز الذي يطلق عليه المرجع الأعلى.

    * هذا بالنسبة للفقه, ولكن تهمني جدا مسألة العقائد والتي في تصوري تمثل مفاصلة حادة واختلاف أشدّ بينكم وبين الطوائف الأخرى, ماذا عن كتب العقائد؟

    - في العقائد عادة ما يدرس كتاب (تجريد الاعتقاد) للشيخ محمد بن الحسن الطوسي (توفي 672هـ) وله شروح عديدة وأكثر من نصفه في الفلسفة عن الوجود والعدم وعن الماهية ولواحقها والعلة والمعلول والجواهر والأعراض والقسم الآخر في التوحيد والنبوة والمعاد والامامة.ويدرس (الباب الحادي عشر) وهو فصل من كتاب للشيخ الحسن بن المطهر الحلي (توفي 726هـ) وهو في التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.وفي السنين الأخيرة صار الطالب يبدأ بدراسة كتاب (عقائد الإمامة) للشيخ محمد رضا المظفر من العلماء العراقيين المجددين المصلحين، وكل هذه الكتب تطرح المعتقدات الشيعية بادلتها بعيداً عن التشنج وتكفير الآخر وتجريحه أو التعبئة ضده. كتاب الكافي ومنزلته

    * يبقى أن أسأل عن كتاب شهير, وسمعته لدينا كما تعلم, وهو كتاب الكافي. من يقينياتنا فيه أنه يعتبر بالنسبة لكم في منزلة كتاب الإمام البخاري.. في أي المراحل تدرسونه ؟

    - كتاب الكافي لا يدرس أبداً ولا يعتبر كتاباً عقدياً ولا كتاباً فقهياً وإنما يعتبر مجموعة حديثية بمعنى مصدر من مصادر الحديث ونحن الشيعة لا نتعامل مع كتاب الكافي كما يتعامل إخواننا السنة مع الصحيحين, لا يرون ما في كتاب الكافي من أحاديث كلها صحيحة وإنما على المجتهد أن يدرس كل حديث من الأحاديث يدرس سند الحديث ومتنه مقارنة له بالنصوص الأخرى وبعد ذلك يعطى رأيه هل الحديث صحيح ام غير صحيح ولذلك قد لا يتفق الفقهاء بان حديثاً بعينه يعد صحيحاً قد يرى البعض أنه صحيح ويرى البعض الآخر أنه غير صحيح، وهذه هي الإشكالية, وهي أن إخواننا السنة يحاسبون الشيعة على ما ورد في كتاب الكافي وهذا خطأ كبير ناتج من الخلط في الموضوع. كتاب الكافي لا يدرس أصلاً في حوزاتنا العلمية وليس كتاباً عقدياً ولا فقهياً ولا يصح محاسبة الشيعة على كل حديث ورد فيه.

    * بكل صراحة أنا مندهش من إجابتك, ما يجعلني أتساءل اتكاء الى موروثي الفكري حيال قضية الشيعة: هل ما سمعته للتو هو رأي الشيخ حسن الصفار العالم الشيعي السعودي.. أم ما ذكرته معبّر عن رأي جملة علماء الشيعة العرب والعجم؟

    - بل كل علماء الشيعة يتحدثون عن هذا الأمر كانت هناك مدرسة عند الشيعة يطلق عليها (مدرسة المحدثين الاخباريين) هذه المدرسة كانت ترى صحة ما في الكتب الأربعة (الكافي) و(تهذيب الأحكام) و(الاستبصار) و(من لا يحضره الفقيه) فهي عندها بمثابة الصحيحين عند أهل السنة وهذه المدرسة كانت هي السائدة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر للهجرة. أما قبل هذا التاريخ وبعده فالاتجاه السائد يمثل المدرسة الأصولية التي لا ترى صحة كل ما في هذه المجاميع الحديثية. ولو أن أي شخص اطلع على أي كتاب فقهي واحد من كتب الشيعة الاستدلالية لوجد هذه الحقيقة واضحة أمامه لان الفقيه يأتي بالمسألة ويقول الدليل عليها رواية وردت كذا ولكن هذه الرواية صحيحة أو غير صحيحة مقبولة أو غير مقبولة. أبرز الفقهاء المراجع المعاصرين عند الشيعة ولعلكم سمعتم عنه هو السيد أبو القاسم الخوئي و كان المرجع الأعلى للشيعة، له كتاب موسوعة اسمه (معجم رجال الحديث) ثلاثة وعشرون مجلداً كل رواة الحديث عند الشيعة تحدث عنهم في المعجم مرتبين على حروف الأبجدية، في مقدمة كتابه تحدث بشكل واف عن رأيه ورأي الشيعة المحققين في الكافي وفي الكتب الأربعة، قال تحت عنوان (روايات الكتب الأربعة ليست قطعية الصدور) في مقدمة الجزء الأول ما نصه: (ذهب جماعة من المحدثين إلى أن روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور وهذا القول باطل من أصله، إذ كيف يمكن دعوى القطع بصدور رواية رواها واحد عن واحد. ولا سيما ان في رواة الكتب الأربعة من هو معروف بالكذب والوضع، على ما ستقف عليه قريباً في موارده إن شاء الله تعالى). فالثابت عند الشيعة ان الكافي مجرد مصدر حديثي فقط ومن هنا عتابنا على بعض العلماء عندما يحاكموننا على أساس أحاديث وردت في الكافي. المحاسبة عليه تشبه ان نحاسب أهل السنة على كل أحاديث مسند الإمام أحمد بن حنبل. أو على الأحاديث الواردة في كنز العمال أو على أي مصدر لا يعتبرونه من الصحاح أنا لا أستطيع أن أحاسبك عندما تقول ان هذا الحديث موضوع أو ضعيف غير مقبول. فالشيعة بالنسبة لكتبهم الأربعة الحديثية يتعاملون معها على هذا الأساس. مرحلة التجييش الطائفي

    * التجييش الطائفي.. لأقف هنا قليلا معك. يدرك كلانا بأن هناك تراكمات تاريخية بين الطائفتين, وأقدّر لك روحك وأطروحاتك التوافقية، لكن لا بدّ من سؤالك بشفافية عن التجييش الطائفي ضد أهل السنة ..في أي المراحل يتعرض لها الطالب الشيعي ؟

    - في الحوزة العلمية لا ندرس كتاباً للتجييش الطائفي ضد السنة، على العكس من ذلك اغلب كتبنا الدراسية وخاصة في علوم اللغة العربية والصرف والمنطق هي لأهل السنة، في علوم النحو نحن نبدأ بدراسة شرح الأجرومية لابن آجروم الصناهيجي وبعده ندرس قطر الندى لابن هشام وبعده ندرس ألفية ابن مالك أما بشرح ابنه ابن الناظم أو بشرح ابن عقيل وبعد ذلك ندرس (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) أيضاً لابن هشام هذه هي الكتب النحوية التي ندرسها في الحوزة وفي الصرف ندرس الكتب الصرفية للسنة مثل (شذا العرف في أحكام الصرف) لأحمد الحملاوي، وفي المنطق والبلاغة ندرس للتفتازاني كمختصر المعاني والبديع، أما الكتب الفقهية فهي تعرض آراء المذهب وربما تشير إلى الرأي المخالف. وليس في مناهجنا الدراسية تجييش لأن الكتب العلمية هي كتب دراسة والتجييش عادة ما يكون للعامة، أما الدراسة فتكون علمية. بل على العكس من ذلك غالباً ما تنحو دراستنا الفقهية والأصولية إلى المقارنة فيستعرض رأي السنة إلى جانب رأي الشيعة سواء كان في الفقه أو الأصول مع المناقشة العلمية الموضوعية. ومناهجنا الدراسية مناهج معلنة ومطروحة ويمكن لأي شخص أن يطلع عليها.

    * ولكن يا شيخ حسن, التحاما بالواقع الموجود والتأريخ الذي لا يمّحي, بودي سؤالك بعيدا عن المثالية المتوخاة: أين هي جذور الانفصال بين الشيعة والسنة الذي أدى بهما الى هذا الحال.. هذا هي مثلا في مسألة سبّ طائفة الشيعة للصحابة رضوان الله عليهم جميعا؟

    - هي تأتي من عاملين، الأول أن الشيعة كانوا أقلية محكومة وكان الفقه في أغلب الفترات هو للمذهب الرسمي والذي هو مذهب أهل السنة وفي كثير من الفترات كان يُمارس نوع من القمع والاضطهاد للشيعة كما في الدولة الأموية والعباسية والعثمانية وحينما يمارس نوع من القمع على جماعة يوجد لديهم رد فعل يكون في تمسكهم أكثر بمذهبهم ومحاولة التحصين لأنفسهم و لأجيالهم من الرأي السائد و لا يمكن الإنكار أنه كان هناك صراع في عمق التاريخ... فجذور الانفصال تكمن في عدم احترام حرية الرأي الآخر وقمع معتنقيه. بداية الخلاف كما هو معلوم خلاف سياسي حول مسألة الخلافة والإمامة لكنه ما لبث أن تحول إلى إيجاد مبررات دينية وشرعية لكل طرف وهناك تكونت المذاهب وتكونت التوجهات..

    * عفوا لاختلافي معك هنا يا شيخ حسن, قلت بأن الشيعة كانوا دوما أقلية محكومة وأتصور أن ذلك غير صحيح, هناك الدولة الصفوية التي قامت بالمذابح تجاه أهل السنة, وهناك الدولة االبويهية, والحمدانية..هل أذكرك بالدولة الفاطمية وتأريخ الحاكم بأمرها..

    - نعم الشيعة ضمن الخلافة الإسلامية العامة كانوا أقلية، وقامت لهم بعض الدول في مناطق من العالم الإسلامي ولبعض الفترات، فالفاطميون حكموا في شمال إفريقيا ومصر وبعض بلاد الشام، والحمدانيون في منطقة الموصل وحلب، والبويهييون حكموا الجزء الغربي من إيران والعراق والصفويون حكموا في إيران. فحكوماتهم كانت ضمن مقاطع زمنية وجغرافية لا تنفي كونهم أقلية في المجمل الزمني والواقع العام. أما الحديث عن تعامل هذه الحكومات مع أهل السنة فهذا يحتاج إلى بحث موضوعي بعيداً عن تأثير الانتماءات المذهبية في كتابة التاريخ وسرد وتحليل أحداثه، بالطبع لا يمكن تبرئة هذه الحكومات خاصة وأن الفكر والفقه الشيعي لا يسبغ عليها الشرعية، لأن للحكم الشرعي مواصفات لم تتحقق عند أغلب هذه الحكومات المنتمية للشيعة، وكان الحكم الشاهنشاهي في إيران محسوباً على الشيعة، لكن علماءهم لم يسبغوا عليه الشرعية وأخيراً أسقطوه. لكن ذلك لا يعني القبول بكل ما يثار حول هذه الحكومات وخاصة إذا كان من طرف خصومهم.

    * سحت بنا تأريخيا يا شيخ حسن عن نشأة الخلاف بين الطائفتين, وربما لن أتجادل معك كثيرا وأترك تفنيد ما قلت لطلبة العلم ليعلقوا. ولكن لي سؤال هنا عن جوهر التشيع. لكأني أتلمس. وأنا العامي, بأنه سياسي بالدرجة الرئيسة. بمعني أن دعائمه قامت على أفكار سياسية .. وجوهر التسنن أيضاً انطلق من موقف سياسي إذا أخذنا الخلافة كمحور تمايز وافتراق.وأريد بكلامي هذا انه ليس من الصحيح ان جهة تعتبر نفسها أنها تمثل الاتجاه الديني وان مواقفها انطلقت من الدين وأن جهة أخرى انطلقت مواقفها من مصلحة سياسية.

    - هذا التصوير خطأ وفيه خلط للمسألة، فكلا الطرفين يعتبر نفسه منطلقاً في موقفه السياسي من مبررات دينية، ولكل منهما مدرسة عقدية ومذهب فقهي. فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حصلت بيعة الخليفة الأول في سقيفة بني ساعدة فكانت تأسيساً للموقف السني في الخلافة، وحصل اعتراض عند بني هاشم وعدد من الأصحاب الذين رأوا أولوية الإمام علي بن أبي طالب فكان ذلك تأسيساً للموقف الشيعي المعارض والقائل بإمامة أهل البيت عليهم السلام مع التسليم بالواقع حفاظاً على وحدة الأمة ومصلحة الدين. وكان من الطبيعي أن يدافع كل من أتباع الاتجاهين عن رأيه وموقفه ملتمساً المبررات والأدلة الشرعية. وبمرور الزمن وتوالي الأحداث أصبحت هناك مدرستان وثقافتان متمايزتان. وفي القرن الثاني بدأ تكوّن المذاهب الفقهية حيث برزت شخصيات بعض المحدثين والفقهاء، والتف حولهم تلامذة واتباع، كالإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل. ولا أحد ينكر مكانة أئمة أهل البيت العلمية، فليس مستكثراً عليهم أن يكون لهم مذهب، فالإمام جعفر الصادق مثلاً كان أستاذاً لأبرز العلماء والفقهاء في عصره، وكانوا يعترفون له بالفضل.

    * عذرا يا شيخ حسن, سأشهر لك مسألة الإمام الغائب ولكأنه أحد أركان المذهب الشيعي, وهي فكرة سياسية بالدرجة الأولى؟

    - واحد أركان السنة قائم على أساس ان الإمامة والخلافة تكون بالاختيار وتكون بالقوة والغلبة وهي فكرة سياسية أيضاً.. فالسنة أيضاً مثل الشيعة إذا اعتبرنا أن الخلافة هي جوهر الخلاف. أصل الخلاف لم يكن حول رؤية الله في الآخرة حتى نقول أن الخلاف قائم على رؤية دينية. أصل الخلاف قام على من يتولى هذا الموقع والمنصب. الفارق أن السنة كأمر واقع أصبح بيدهم الحكم لكن الشيعة لم يكن الحكم بيدهم وبالتالي من الخطأ القول بان أصل مذهب الشيعة أصل سياسي. إنما نقول أصل الافتراق كان حول قضية سياسية أخذ السنة فيها طريقاً واخذ الشيعة طريقاً آخر. أرجو أن تكون الفكرة واضحة.

    * لعلني أستدرك عليك هنا يا شيخ بأن الخلافة كانت ربما منشأ الخلاف, ولكن جوهر الخلاف تحول بعد ذلك إلى أصول الإسلام كالنص القرآني ثبوتا وتأويلا والعصمة والصحابة والصفات والقدر وتوحيد الربوبية والألوهية وغيرها من الأصول.

    - نعم منشأ الخلاف كان حول الإمامة والخلافة ثم تطور وتشعب، لأن الشيعة يرون أن معالم الدين تؤخذ عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وعند الخلاف بين قولهم وقول غيرهم فالراجح المتبع قولهم، أما السنة فيرون الأخذ من سائر الصحابة والتابعين. أما الكلام عن الخلاف في الأصول أي في جزئيات وتفاصيل أصول الإسلام فهو صحيح لا في ذات الأصول حيث يتفق السنة والشيعة على الإيمان بالله تعالى ووحدانيته وعلى الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبالآخرة وبمرجعية الكتاب والسنة ليس هناك اتفاق على كل التفاصيل والجزئيات، وحتى بين أهل السنة ليس هناك اتفاق على كل التفاصيل والجزئيات المرتبطة بأصول الدين، فهناك أشاعرة وهناك معتزلة وهناك سلفية وهناك صوفية.. كما أنه ليس هناك اتفاق بين الشيعة على كل التفاصيل العقدية أيضاً.أما ثبوت النص القرآني فهو أيضاً متفق عليه بين السنة والشيعة، وحتى الرأي الشاذ الذي يقول بالتحريف في القرآن لا يناقش في ثبوت النص القرآني الموجود، بل يقر به ويؤمن به ويعمل به لكنه يرى لشبهة أن هناك نقصاً وحذفاً من القرآن، وهو رأي مردود لكنه لا يتنكر لشيء من النص القرآني. والخلاف حول فهم الآيات وتأويلها موجود بين المذاهب وداخل المذاهب نفسها كما هو معلوم.لذلك أتحفظ على القول بأن بين الشيعة والسنة خلافاً في الأصول، لأنه يوهم بأن الخلاف في ذات الأصول، كما يوهم بأن هناك اتفاقاً بين كل السنة على كل تفاصيل الأصول، أو بين الشيعة وهذا ليس دقيقاً. النجف وطلب العلم

    * يبقى لطلبة العلم لدينا أن يدلوا برأيهم حيال ما تجادلنا, وأعود إليك في النجف, كم كان عمرك وقتها؟

    - كان عمري وقتذاك 14 سنة.

    * أنتظر منك أن تحدثني عن مشاهدات الفتى حسن الصفار وحياته هناك كرصد توثيقي.. مَن مِن أقرانك السعوديين كان معك وقتذاك.. وهل التقيت بالشاعر العراقي الشهير الجواهري وهو ابن النجف ؟

    - كان المحيط الذي عشت ضمنه في النجف من الطلاب السعوديين والبحرانيين. كانت لديهم مجالس أسبوعية وفي المناسبات الدينية يجتمعون فيها، وأحدها في منزل الشيخ أحمد بن منصور آل سيف من علماء تاروت - القطيف (1326 - 1406هـ) والآخر في منزل الشيخ منصور بن عبدالله البيات من علماء القطيف (1325 - 1420هـ) ومجالس أخرى عند بعض الطلاب والفضلاء الاحسائيين والبحرانيين. وكان قد جاء إلى النجف في تلك الفترة بعض الشخصيات الأدبية من القطيف بسبب ظروف سياسية حصلت لهم في الوطن، فاقاموا في النجف مدة حتى تقشعت القيوم وعادوا إلى القطيف، ومنهم السيد حسن باقر العوامي وهو محامي وأديب ووجيه إجتماعي، وقد استفدت من التواصل معه لأنه كان يشجع الطلاب والعلماء على الحركة والنشاط، وينتقد حالة الركود والجمود، وكان يوجه رسائل مطولة وناقدة لبعض المراجع والقيادات الدينية مبدياً ملاحظاته على واقع الحوزة العلمية والإدارة المرجعية، واطلعت على عدد من تلك الرسائل، فكان صوتاً يكسر حاجز الهيبة والتقديس ويشجع على النقد والاعتراض. ومنهم الشيخ عبدالله الخنيزي قاضي محكمة المواريث والاوقاف حالياً في القطيف ولم يكن قد ارتدى الزيّ الديني هناك، وهو معروف في الوسط الأدبي والشيعي بكتابه (أبو طالب مؤمن قريش) والذي دافع فيه عن إسلام أبي طالب وأثبته وناقش المرويّات المضادة، واعتقل بسبب ذلك سنة 1381هـ في المملكة ثم أفرج عنه بعفو ملكي، بعد سنوات من هذه القضية جاء إلى النجف لظروف سياسية، وقد التقيت في مجلسه بعض الشخصيات الأدبية من العراق ومصر ولبنان.ومن الطلاب السعوديين ذوي الاهتمامات الثقافية في النجف كان الأستاذ عبدالعلي بن يوسف آل سيف حيث لم يقتصر على الدراسة التقليدية في الحوزة بل التحق بكلية الفقه ونال شهادة البكالوريوس وألف عدة كتب وكانت مكتبته ثرية بالكتب الثقافية والأدبية وعلاقاته بالمثقفين واسعة وكانت لي به صلة طيبة. وهو الآن محام ورجل أعمال في تاروت/ القطيف. وقد كان للشيخ إبراهيم بن عبدالله الغراش وهو إمام جماعة في أحد مساجد القطيف الآن، دور كبير في رعايتي للسنة الأولى من ذهابي للنجف حيث اشتركت معه في استئجار منزل ولم يقصر هو وعائلته في رعايتي كما درست عند مبادئ اللغة العربية، وكان مهتماً بالنحو، ومعه حفظت ألفية ابن مالك لأنه كان كفيف البصر وكنت اقرأها عليه وأتابعه للحفظ. وبعض الأحيان كنت أحضر مجالس بعض المراجع كمجلس السيد الخوئي (1317 - 1413هـ) ومجلس السيد الشاهرودي، ومجلس السيد محمد باقر الصدر (1353 - 1400هـ) ومجلس الشيخ علي كاشف الغطاء، ومجلس الشيخ محمد أمين زين الدين (1333 - 1419هـ) وهي مفتوحة يستقبل فيها المراجع المستفتين والزائرين في ساعات محددة كل يوم، وتلقى فيها الخطابات في المناسبات الدينية.كما تعرفت في النجف بشكل مباشر على الشخصيات العلمية والأدبية التي كنت أسمع واقرأ عنها كالعالم الباحث أسد حيدر وكنت قرأت كتابه القيم (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) في ستة أجزاء وأعجبت به واستفدت منه. والعالم المؤلف الشيخ باقر شريف القرشي صاحب المؤلفات الكثيرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. والخطيب الشهير الدكتور الشيخ أحمد الوائلي والخطيب المعروف السيد جواد شبر.كما صرت أتردد على المكتبات العامة للمطالعة فيها كمكتبة أمير المؤمنين ومكتبة الإمام الحكيم.وحضرت بعض الاحتفالات والمهرجانات الدينية والأدبية وكانت قد ضعفت وتقلصت تلك الفترة بسبب الضغوط الأمنية.ولم ألتق بالشاعر الكبير الجواهري وهو كان يعيش في بغداد، ولعله خارج العراق آنذاك، والاجواء الدينية التي كنا نعيشها في النجف كانت سلبية تجاهه لأنها تعتبره خارج الحالة الإسلامية، وإن كانت موقعيته الأدبية محل احترام.وفي النجف وعيت معركة الإسلام مع الاتجاهات المناوئة كالشيوعية والرأسمالية والصراع مع البعثيين والقوميين، ولم أكن في القطيف قبل هجرتي إلى النجف منفتحاً على هذه الآفاق، لأني كنت أعيش جواً تقليدياً محافظاً.أما في النجف فقد قرأت باهتمام كتابي السيد محمد باقر الصدر (فلسفتنا) و (اقتصادنا) وتابعت قراءة أعداد مجلة (الأضواء) كانت أصدرتها جماعة العلماء، كما شدتني كتابات الشيخ محمد أمين زين الدين (إلى الطليعة المؤمنة) و (الإسلام ينابيعه غاياته) و(العفاف بين السلب والإيجاب) ومن خلال ما كنت أسمعه في اللقاءات والجلسات وما لحظته من ضغوط على الحوزة العلمية والحالة الدينية من قبل البعث الحاكم في العراق، توضحت أبعاد معركة الإسلام مع الاتجاهات الأخرى إلى حد لم أكن أدركه سابقاً وما كنت أعيش مثل هذه الأجواء في القطيف ولم يكن لدينا احتكاك مع هذه التوجهات والتيارات لكن في العراق واجهناه..

    * سأستوقفك هنا وأقاطعك رافعا لافتة اعتراض كبيرة يا شيخ حسن. للتو قلت بأنكم هنا في القطيف لم تتأثروا بهذه الأيديولوجيات والأفكار ولم تك لكم احتكاكات. وأنا أزعم لك العكس وأبرهن لك. فالقارئ لتأريخ المنطقة سيلاحظ من فوره بأنه قد سادت كثير من الأيديولوجيات السياسية كالشيوعية والبعثية والقومية والناصرية وحتى الإسلامية منطقتك, هل أنا بحاجة لتذكيرك بالحزب الشيعي السعودي، واتحاد شعب الجزيرة، وحزب البعث العربي الاشتراكي، ومصدري هو رفيق دربك حمزة الحسن , سرد ذلك في قراءة تاريخية لمنطقة القطيف.. فكثير من أبناء الشيعة انخرطوا في هذه التنظيمات.. كيف تعلق؟

    - حينما ذهبت للنجف الأشرف انطلقت من جو تقليدي في القطيف لم أحتك ولم أطلع من خلاله على التوجهات الفكرية والسياسية الأخرى، وذلك لحداثة سني ومحدودية دائرة انفتاحي، لكني في النجف انفتحت على آفاق هذا الصراع الإسلامي مع التوجهات الأخرى.وفي القطيف هناك امتدادات للتوجهات الفكرية والسياسية التي ظهرت في الوطن العربي آنذاك كالشيوعية والبعثية والقومية والناصرية كما حصل في مناطق أخرى من المملكة أيضاً.لكنها كانت حالة نخبوية ولم تصل إلى مستوى التيار الشعبي، كما أن الوضع في المملكة السياسي والديني لم يكن يسمح لهذه التوجهات ان تظهر وجودها ونشاطها، بينما كانت هذه التوجهات علنية وبعضها كالبعثيين يمارسون الحكم في العراق وهذا هو المتغير الذي عشته هناك.

    * دعنا نترك الفتى حسن الصفار.. وندلف إلى الشيخ العالم.. وأسألك وأنت في مرحلتك الآن.. لِمَ يتلقف شباب الشيعة هذه التيارات؟ ولماذا لديهم الاستعداد لمثل هذه الأيديولوجيات.هل لعدم قناعاتهم بأدبيات الطائفة مثلا, لأني أعرف أن نصف المشاركين في مظاهرة أرامكو الشهيرة كانوا من طائفة الشيعة..بم تفسر هذا ؟

    - هذه الأفكار والتوجهات شقت طريقها إلى المجتمعات الإسلامية عامة ووجدت لها متجاوبين في مناطق مختلفة من المملكة، ولعل من عوامل انتشارها في المجتمع الشيعي أمران: الأول: وجود شعور بالغبن والاضطهاد يدفع إلى التفاعل مع الشعارات الثورية. الثاني: ضعف الحركة الثقافية الدينية حيث كانت الحالة الدينية تقليدية لم تمتلك آنذاك لغة معاصرة ولم يكن لها عطاء فكري ثقافي يملأ أذهان الشباب ويجيب على تساؤلاتهم، إضافة إلى محدودية فرص العمل الديني والثقافي من الناحية الرسمية عند الشيعة، حيث لا مجال لهم لإنشاء مكتبة أو طبع كتاب أو إصدار مجلة أو قيام مؤسسة ثقافية. وقد تعرفت فيما بعد على بعض من ينتمون لهذه التوجهات فوجدت أن انتماءهم أقرب إلى الحالة السياسية منه إلى الاقتناع الفكري أو التقمص الأيديولوجي، بالطبع هناك منتمون إيديولوجيون.

    * اسمح لي أن أبدي لك استغرابي, وأستأذنك في سرد رؤيتي للمسألة. وأنظر إليها من زاوية أخرى غير التي نظرت بها أنت..ألم يكن ثمة تحصين ديني قوي لأبناء الطائفة.. بحيث لا ينخرطوا في حزب شيوعي أو بعثي أو حتى أي أفكار وافدة.. خصوصاً وأن أعدادهم كما ذكرت قبلا كانت كبيرة نوعاً ما؟

    - ليس هناك تحصين قادر على استيعاب كل أبناء المجتمع، في أي مجتمع إنساني، ففي نجد مثلاً ومع أن الحالة الدينية حاكمة وتحت تصرفها إمكانيات هائلة، لكن ذلك لم يمنع من ظهور مثل عبدالله القصيمي، ومن وجود اتباع لمختلف الأحزاب والتوجهات الفكرية والسياسية. وإذا صح أن الإقبال على هذه التوجهات في المجتمع الشيعي كان أكبر من بقية مجتمعات المملكة، فيبدو لي أن ذلك للعاملين السابقين، الشعور بالغبن ومحدودية النشاط الديني، إضافة إلى أن وجود أرامكو في المنطقة واجتذابها للموظفين والعاملين وفيهم عناصر ذات اهتمامات ثقافية وسياسية من مختلف مناطق المملكة، ومن مناطق أخرى من العالم العربي، والانفتاح النسبي الذي كان في أجواء الشركة، لعل ذلك هو ما خلق أرضية أكثر خصوبة لتلك التوجهات. السؤال الأهم : الولاء والانتماءات

    * لعل هذا السؤال يشجعني على فتح مسألة حساسة, وسبق لي استئذانك في الحديث بكل حرية وصراحة. ما أنا بصدد مناقشته معك هو ذلك الاتهام الدائم الذي يوجه لطائفة الشيعة حيال ولائهم وانتمائهم الفعلي والحقيقي، وربما عرض لك هذا الموضوع مرارا.. وبودي أن أثبته هنا معك يا شيخ حسن, وخصوصاً المرحلة التي نمرّ بها ككيان ومجتمع حرجة سياسياً واجتماعياً وفكرياً. بودي أن أسمع منك حول هذه القضية التي توجه لشيعة المنطقة الشرقية.

    - ولاءات أو انتماءات هذه تدخل ضمن حالة التهريج والتشهير, هذه الاتهامات التي توجه للشيعة هي من مظاهر معاناتهم وناتجة عن الأجواء السلبية التي صنعت تجاههم. فوجود تيارات فكرية وسياسية لا يخص مجتمع الشيعة، والمعركة التي كانت قائمة بين السلفيين والحداثيين في المملكة ليست على ساحة المجتمع الشيعي، فلماذا يتحول الأمر إلى تشكيك في الولاء والانتماء بالنسبة للشيعة دون غيرهم؟ إن احزاباً وتيارات فكرية وسياسية ظهرت في المجتمعات السنية في مختلف البلدان كما هو معروف وكان ينظر إليها ضمن التحليل السياسي والاجتماعي، فلماذا التمييز الطائفي ضد الشيعة حتى على صعيد التحليل والتفسير للظواهر الاجتماعية.

    * يا شيخ حسن أتفهم كثيرا ما اعتراك من استفزاز الى درجة ان تطلق على هذا السؤال بأنه تهريج . وأتكئ على السياسي فيك لتتفهم حساسية الموقف الذي نعيشه ككيان ومجتمع, ودخول الذئب الأمريكي على الخط واللعب بوتر الطائفية والشيعة، والضغط على الرسمي لدينا وآخرها تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية..ومثلك يدرك تماما بأن مجموعات من الشيعة يحتضنهم الغرب في الولايات المتحدة وبريطانيا تحديدا وهي مجموعات معارضة.

    - من الطبيعي ان يسعى الأمريكيون وغيرهم للاستفادة من الثغرات ونقاط الضعف، وان يبحثوا عن مختلف وسائل الضغط والتدخل في الشؤون الداخلية، والمطلوب هو تصليب الوحدة الوطنية وسدّ الثغرات التي ينفذ منها العدو وليس تبادل الاتهامات التي تعمّق الهوّة بين أبناء الوطن. أما ما ذكرته عن مجموعات شيعية يحتضنها الغرب فهو مبالغة وتضخيم وتهويل، قد يكون هناك أفراد من الشيعة يعبرون عن آرائهم، بطريقة لا نقبلها لكن اتهامهم جميعاً بالارتباط بالجهات الخارجية أمر ينبغي التأكد منه وأعتقد أن فيه مبالغة وتهويلا.

    * عفوا ..عفوا يا شيخ حسن, وأرجو ألا تتحسس من السؤال السابق. فعندما قلت احتضانهم للمجموعات المعارضة قصدت بمثل ما يفعلون مع سعد الفقيه ولجنته المزعومة, فهي ليست حالة شيعية خاصة بل هي حالة عامة..

    - قلت إن الأمر في حدود أفراد لا يصح التعبير عنه بمجموعات، وأرجو أن توضع المسألة في سياقها السياسي وأن لا تعطى تفسيراً طائفياً.

    * لك ذلك.. لنقل إنها أصوات شيعية معارضة؟

    - أصوات شيعية. كما هو من الشيعة موجود هو من السنة أيضاً موجود. لماذا حينما يكون هناك سني في الغرب يحاسب كفرد وحينما يكون شيعي يحاسب كطائفة يقال شيعة أو أصوات شيعية هل يطلق على سعد الفقيه مثلاً أو المسعري أو البقية أنهم معارضة سنية هم يحاسبون كأشخاص دون الإشارة إلى صفتهم المذهبية. لماذا حينما تأتي المسألة للشيعة الفرد يحاسب كطائفة وتحاسب هذه الطائفة كلها؟ أليس هذا تنميط خارج الموضوعية ومظهر للتمييز الطائفي؟ أودّ أن أقول بأن المزايدة على الشيعة في الموقف من أمريكا أمر مرفوض فإن الشيعة هم من بدأ المواجهة مع الأمريكيين في الشرق الأوسط وليس السلفيون ففي الوقت الذي كان هناك تحالف بين الجهات السنية والأمريكيين فيما يرتبط بأفغانستان، كان الشيعة في إيران ولبنان ومختلف المناطق يعلنون الرفض والمواجهة للأمريكيين وأعتقد أن هذا الأمر واضح معروف. وإذا كان الوضع في العراق قد سبب انفتاح بعض الشيعة على الأمريكيين فان ذلك يأتي بعد أن شبعت جهات سنية كثيرة من التعامل مع الأمريكيين وفي سنة العراق مثل ما في الشيعة جهات تهادن وجهات تقاوم فلا داعي لإعطاء المواقف السياسية صبغة مذهبية. وبعد صدور تقرير الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في السعودية بادرنا لإعلان رفضنا التدخل الأمريكي في شؤوننا الداخلية. فيجب التوقف عن الاتهامات والمزايدات لأنها لا تخدم الوحدة الوطنية بل تفيد الأعداء.

    * أردت بأسئلتي التي سمعت التنبيه الى حساسية الموقف الذي نعيشه, ودخول الغرب وأمريكا تحديدا على الخط واللعب بوتر الطائفية والأقليات في مجتمعنا، والضغط على الكيان والمجتمع والرسمي في املاءات لا تنتهي. .

    - أوافقك الرأي أن الموقف حساس وان المشروع الأمريكي للهيمنة على المنطقة خطير، وانهم سيحركون كل أوراق الضغط وسيلعبون على وتر الأقليات والصراعات الطائفية. كل هذا صحيح وباعث على القلق لدى كل مسلم واع ومواطن مخلص، ولكن كيف نواجه هذا التحدي؟ وكيف نفوّت الفرصة على الأعداء؟ أعتقد أن هناك أمرين أساسيين: الأول: معالجة الثغرات ونقاط الضعف والجد في مسيرة الإصلاح والتطوير التي تحدث عنها خطاب خادم الحرمين الشريفين في افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى وأكدّ عليها سمو ولي العهد والنائب الثاني. الثاني: تصليب الوحدة الوطنية وتجاوز آثار الصراعات المذهبية والتمييز الطائفي. أما إثارة الشكوك في ولاء هذه الجهة أو تلك فهو يقدم أفضل الخدمات للأعداء. كما أنه ينطلق عادة من الأوهام والظنون وأساليب التنميط والتعميم غير الموضوعية، كما هو الحال في إثارة البعض لقضية ابن العلقمي وجعل ذلك عنواناً للتاريخ الشيعي. وهي قضية مختلقة فهل درست أنت شخصياً موضوع ابن العلقمي؟ ابن العلقمي في التاريخ

    * والله ياشيخ حسن لست سوى صحافي من غمار الصحافيين البؤساء, ولست متخصصا في التأريخ . ولكن الذي أعلمه حقا بأن ابن العلقمي هذا قام بالخيانة التاريخية التي تلبسته مذاك, واستحق لعنات كل الأمة مذ ذلك التأريخ, بسبب عمله القذر في خيانة الخليفة العباسي ومساعدته للتتار ..

    - هل تعلم أن اتهام ابن العلقمي بالخيانة الذي يرسله البعض إرسال المسلمات وكحقيقة ثابتة، هذا الاتهام غير ثابت على مستوى البحث العلمي التاريخي، وقد ناقشه مؤرخو الشيعة كالسيد حسن الأمين في كتابه عن الغزو المغولي، ورده بأدلة واضحة. ودعك عن السيد حسن الأمين الشيعي فان باحثاً سعودياً سنياً هو الدكتور سعد بن محمد حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود في الرياض، قد ناقش هذا الاتهام بموضوعية وإنصاف، ضمن كتابه (سقوط الدولة العباسية) وطبع في الرياض سنة 1401هـ وتبنته الجامعات السعودية كمرجع معتمد وأعيد طبعه سنة 1403هـ وقد توصل الدكتور الباحث إلى ان اتهام ابن العلقمي بالخيانة لا يقوم على دليل بل هناك أكثر من إحدى عشرة حقيقة تاريخية واجتماعية تدحضه، وان مصدر الاتهام كان خصومة مذهبية وتعصب طائفي. لكن المؤسف صدور قرار من جهة دينية بجمع الكتاب من المكتبات وإحراقه ومنع تداوله، وحتى النسخ الموجودة في مكتبة الجامعة محجوبة لا يطلع عليها أحد إلا بإذن خاص - كما أخبرت بذلك - كل هذه الإجراءات اتخذت بحجة ان الكتاب يدافع عن الرافضة. فهناك إصرار على الاتهامات المفتعلة ورفض مناقشتها حتى من كاتب سني سعودي التزم الموضوعية والإنصاف.ولو فرضنا أن شخصاً من الشيعة قد أساء وارتكب خيانة فهل كل الشيعة في تاريخهم يحاسبون بذلك، أليس في أهل السنة من الحكام والسياسيين وغيرهم من انحرف وأساء وخان؟ فهل يصح اتهام كل السنة.إننا نعاني كثيراً من الصور النمطية ومن الأحكام التعميمية حينما تحصل أعمال إرهابية من قبل جهات سنية يقال شرذمة من الإرهابيين والمغرر بهم، ولا تعمم على كل السنة أو السلفيين، ولكن حينما يحصل شيء من قبل أفراد من الشيعة تصدر الأحكام الشاملة والتعميمية هل هذا من العدل؟ موقف الشيعة من أمريكا

    * بعيدا عن صحة أو عدم صحة ما ذكرت, أعترف لك بأن ثمة اشكالات وهمية من كلنا الطائفتين تورثت عبر تاريخ صراعهما, وآن الأوان لينبري عقلاء الطائفتين لإزالة هذه الأوهام ويبقى خلافا رئيسيا لا يمحوه لا حسن الصفار ولا عبدالعزيز قاسم.. ودعني أعود الى السؤال الذي استفزك ..لعلي أقدم لكم شكرا وطنيا خاصا لموقفكم الوطني عبر بياناتكم المتكررة وآخرها تعليقكم على تقرير لجنة الحريات الأمريكية, ما أعطاني انطباعا لإدراككم الى اللعبة الأمريكية القذرة.. ونقدر لكم كمجتمع التحامكم بقيادتكم في كياننا

    - أريد ان أقول وأعلنها بصوت واضح لكل المسلمين ولكل أبناء المنطقة بمختلف اتجاهاتهم بأن المراهنة على الأمريكيين مراهنة على سراب. الأمريكيون وهم يعلنون ذلك إنما يريدون حماية مصالحهم وهم في تحالف معلن مع اسرائيل ويعلنون دعمهم ورضاهم وغطائهم لكل الممارسات الصهيونية العدوانية. وبذلك لا يمكن المراهنة على الأمريكيين هم لم يأتوا من اجل الديموقراطية و حماية حقوق الإنسان ولن يأتوا من اجل حماية هذه الأقلية أو تلك الأقلية وإنما يأتون من اجل مصالحهم ولذلك انا أحذر كل المسلمين وكل العرب وكل أبناء المنطقة بأن لا ينخدعوا بهذا السراب الأمريكي، واوجه اللائمة اكثر لحكوماتنا لتبادر هي باستعادة شعوبها وان لا تترك الفرصة أمام المخططات الأمريكية أن تكون هناك مبادرة للإصلاح السياسي ولمعالجة المشكلات المطروحة. أما أن تبقى الأمور في المنطقة العربية والإسلامية كما هي عليه هذا هو ما يخدم الأمريكان.. الذي يتعامل مع الأمريكيين لا ينفع الأمريكيين اكثر مما تنفع الأنظمة حين تحافظ على الواقع كما هو هذه الأنظمة إذا لم تبادر للإصلاح وإذا لم تبادر للتغيير فهي تخدم الأمريكيين اكثر مما يخدمهم هذا العميل أو ذاك المخدوع. عودة للنجف وأجواء الحوزة

    * بعيدا عن الهمّ الأمريكي الذي أصبح كالدرن في الصدر. دعنا نعد لك في النجف كي تكمل لنا مشاهداتك وتلقفك العلم. كم بقيت هناك؟

    - بقيت سنتان فقط ثم ساءت الأحوال وبدأت حملة اعتقالات في أوساط العلماء والطلاب استهدفت حتى الطلاب السعوديين هناك واعتقل عدد من الطلبة السعوديين من أهل القطيف.

    * متى كان ذلك, وهل هذه الاعتقالات التي طالتكم بسبب أنشطتكم السياسية ؟

    - لم يكن بسبب نشاط سياسي ولكن بتهمة أنهم جواسيس للحكومة السعودية، وهي حلقة ضمن مسلسل إجراءات حكم البعث لمحاربة الدين والحوزة العلمية.

    * هل كان هذا في عهد أحمد حسن البكر أم في عهد عبدالكريم قاسم؟

    - كان في عهد أحمد حسن البكر. ولم ندرك عبدالكريم قاسم وبالتالي خرجنا من النجف. أغلب الطلبة القطيفيين خافوا عدا بعض الكبار الذين اطمأنوا انه ليس عليهم شيء والبعض رجع إلى بلده وترك الدراسة وبعضنا وأنا منهم التحقنا بالحوزة العلمية في قم وذهبنا إلى إيران.

    * متى كان ذلك ؟ واعذرني في مقاطعتي للتوثيق في الذي تسرد.

    - كان ذلك عام 1393هـ وذهبنا إلى قم بالطبع في عهد الشاه وكان للتو قد تأسست فيها مجموعة من الطلاب العرب من العراقيين الذين هجرّوا إلى إيران بحجة أن أصولهم إيرانية، ومن اللبنانيين الذين طالت بعضهم الاعتقالات في العراق ومن الخوزستانيين العرب.وقد احتضننا المرجع الأبرز آنذاك في إيران السيد محمد كاظم شريعتمداري وكانت له مؤسسة للدراسة العلمية والعمل الديني والثقافي باسم (دار التبليغ الإسلامي) وكان مرجعاً منفتحاً أقام علاقة مع المؤسسات الإسلامية السنية كرابطة العالم الإسلامي وأثناء وجودي في قم جاء وفد من الرابطة برئاسة الشيخ أبو الحسن الندوي وجرى لهم استقبال طيب وحصل حوار جميل للتقريب بين فئات الأمة واتباع المذاهب الإسلامية. وكانت تصدر من (دار التبليغ الإسلامي) مجلة (الهادي) باللغة العربية وفيها كتابات لعلماء من أهل السنة، وكان يتصدر هذا النشاط الثقافي المنفتح السيد هادي خسروشاهي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد سعيد النعماني وغيرهم من الأسماء التي اصبح لها دور معروف بعد انتصار الثورة الإسلامية.

    * كم كان عددكم أنتم السعوديين هناك؟

    - لعلنا كنا خمسة عشر من السعودية.. ثم زاد العدد فيما بعد، فبقيت في قم ولكن لم يطل بقائي في قم بقيت سنة واحدة فقط.

    * يا ساتر.. أنت المحبّ للمذهب ..لم تستطع أن تتأقلم في تلك الأجواء؟

    - كنت ابحث عن جو آخر عربي يكون اقرب للبلد وأتأقلم معه اكثر. فأحد العلماء الذين نزحوا من العراق اختار الكويت وهو المرجع السيد محمد الشيرازي. جاء إلى الكويت عام 1391هـ وعمل على تأسيس مدرسة دينية، وزرت المدرسة وارتحت إلى أجوائها ومناهجها ومدرسيها فقررت الالتحاق بها سنة 1394هـ فتابعت الدراسة فيها مع التواصل مع البلد.

    * وأنت تسرد لي هذا التأريخ, كنت أفكر من أين تجلبون المال.. بصيغة أخرى من كان يصرف عليك أنت حسن الصفار سواء أثناء إقامتك في النجف أو في قم.. هل من أموال المحسنين ام الحوزة الدينية. أم أن أهليكم هم من يبعث الأموال؟

    - الحوزة العلمية والمراجع الموجودون يعطون رواتب لكل الطلبة ولكنها رواتب محدودة.

    * هل هي من الخُمس الذي يصلهم؟

    - نعم من الخٌمس الذي يصلهم، يعطون كل الطلبة رواتب وكل مرجع متصد للتقليد والمرجعية وتصله أخماس يعطى راتباً لم يكن هناك راتب موحد من مؤسسة يقال لها حوزة.. وإنما كان كل مرجع تصله أخماس حسب سعة مرجعيته.. كان يعطي خبزاً يومياً لكل الطلبة بإعطاء حوالات على الخبازين.وبالتالي يجمع الطالب من اكثر من مرجع، عادة يكونون أربعة أو خمسة مراجع يعطون واذكر ان اكثر ما وصلنا إليه كان في حدود عشرة دنانير عراقية في الشهر وكان الدينار يساوي أكثر من عشرة ريالات سعودية وقيمته الشرائية آنذاك جيدة، بالنسبة للطلاب الإيرانيين أو الأفغانيين كانوا يكتفون بهذا المبلغ أما الخليجيون باعتبار أن عوائلهم متمكنة وهم يعيشون حياة اكثر رفاهية فعادة يدعمهم الأهل فبالنسبة لي كان والدي يدعمني كما ان الذي يمارس الخطابة في المواسم الدينية في محرم أو في رمضان يعطى مكافأة.. فكنا نستفيد من هذه المكافآت التي نعطاها مقابل محاضراتنا و إضافة إلى دعم الأهل والراتب الذي كنا نتلقاه من المراجع وبذلك يغطي الإنسان مصروفات حياته. المال..والثقل الاجتماعي للمرجعيات

    * والله يا شيخ حسن .. قضية الخمس هذه تعطي علماءكم ثقلا نوعيا ومكانة مميزة وتأثيرا في الشعبي والسياسي على حد سواء .. بل ان الروايات التي رصدت الثورة الايرانية تقول بأن البازار في إيران هم من دعم الخميني وأسقط الشاه..

    - بالفعل فان الخمس عند الشيعة هو الذي يؤمن استقلالية مراجعهم ومؤسساتهم الدينية. والخمس فريضة إسلامية إلى جانب الزكاة لكن الشيعة يرونه في كل ما يكسب الإنسان ويغنمه فعليه الخمس فيما زاد على نفقاته ومصارفه طبقاً للآية الكريمة: (واعلموا أنما غنتم من شيء فإن لله خمسه..) الآية. أما المذاهب الإسلامية الأخرى فترى الآية خاصة بغنائم الحرب.

    * دعني أسألك عن الوضع السياسي وقتما جئتها. وقد أتيتها في عصرالشاهنشاه الكبير محمد رضا بهلوي. هل اطمع منك باضاءة للمحيط السياسي الذي عشته هناك, وأنت في سن السادسة عشرة وواع بالمجتمع الذي تعيشه.. هلا سلطت لنا الضوء؟

    - في الحوزة العلمية غالباً ما تكون الاهتمامات دينية وعلمية ولا يكون فيها تداول للشأن السياسي وغالباً ما يكون في الأجواء المحافظة وجود المذياع أو التليفزيون شيء ثانوي.

    * يا ساتر..حتى لديكم أنتم, لا تلفاز ولا إعلام ولا صور..ظننتها حالة محلية خاصة بنا.

    - في حوزاتنا العلمية أيضاً كان يسيطر التيار المحافظ الذي يتوجس من أي جديد أو تجديد ويصر على التمسك بالسائد والمألوف، وكانت هناك رغبة في إبعاد الحوزة عن السياسة، وعن تأثير التيارات المرتبطة بالاتجاهات الغربية. لكن في مقابل هذا التيار كان تياراً إصلاحياً يدعو إلى الانفتاح والتطوير والتجديد. وفي تلك المرحلة كان يدور في إيران وحوزة قم صراع قوي بين التيارين فالإمام الخميني كان له اتباع يتحركون في معارضة الشاه، والدكتور علي شريعتي كان يقود نشاطاً ثقافياً يخالف توجهات الحوزة العلمية، والشيخ مرتضى المطهري كانت له حركة نشطة في أوساط الجامعات، لكننا كطلاب عرب لم نكن قريبين من هذه الأجواء بل كان كبارنا يحذروننا من تجاوز الاهتمامات الدراسية حتى لا تؤثر على مستوانا الدراسي ولا تسبب لنا مشاكل في إيران بعدما لاقيناه في العراق.

    * لم تتأقلم مع أجواء إيران, وانتقلت إلى الكويت يا شيخ حسن متى كان ذلك؟

    - 1394هـ ذهبت إلى الكويت وفي الكويت كان هناك المرجع الشيعي السيد محمد الشيرازي وكان معه مجموعة من العلماء. والسيد الشيرازي إضافة إلى انه كان مرجعاً وفقيهاً كان أيضاً ضمن حالة الصحوة الإسلامية كتاباته وأفكاره كانت واضحة في هذا السياق، واستفدت منه كثيراً و يمكن أن أقول ان الجانب الفكري والثقافي والحركي في حياتي كان من خلال مدرسة السيد محمد الشيرازي. كان له درس في تفسير القرآن ليلياً في مجلسه العام كل ليلة يفسر آية من القرآن الكريم وكان تفسيره يفتح أمامنا آفاقاً، لم يكن تفسيراً تقليدياً لمعاني الكلمات أو سبب نزول السورة أو الآية، يتعرض لذلك وإنما الأهم انه كان يشتق ويستنبط من الآية مفاهيم اجتماعية، سياسية وفكرية وكان يحرّض المسلمين كثيراً للنهضة ومواجهة الغرب و الاستعمار وكان له درس أسبوعي، في الأخلاق موجه لطلاب العلوم الدينية، كيف يكون طالب العلم في سلوكه وفي نشاطه و في أخلاقه وفي تعامله مع المجتمع. في كل أسبوع يختار نقطة من النقاط ويركز عليها، وأفادنا كثيراً وأنا استفدت وتربيت أكثر من أي حوزة أخرى ضمن مدرسة السيد الشيرازي في الحوزات الأخرى ما كنت أشعر أن هناك عالماً أو مرجعاً أتربى على يده، استفيد منه تربوياً وفكرياً ربما لأن سني ودراستي لم تكن تؤهلني لأن أتعامل مباشرة مع العلماء الكبار ومع المراجع، لكن في الكويت باعتبار أن العدد كان محدوداً وشخصية السيد الشيرازي كانت شخصية مميزة أبوية فاحتضننا ولست وحدي أنا, إنما كان يتعامل مع كل الطلاب على هذا المستوى. كان مع السيد الشيرازي أحد تلامذته وهو السيد محمد تقي المدرسي والذي أصبح الآن مرجعاً من المراجع, هذا كان يقود حركة إسلامية وكانت له قراءة جيدة لتجربة حزب التحرير وحركة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية في إيران, أنا وقتها لم أكن أعرف عن التنظيمات وعالم الحركات و الأحزاب ولكني في مدرسة السيد الشيرازي بدأت انفتح على هذا العالم وبدأت اعرف أن الجماعة لديهم تنظيم ولديهم حركة تستهدف الوضع في العراق، يريدون أن ينظموا الشعب في العراق لمواجهة حزب البعث ولمواجهة التيارات الأخرى المخالفة للإسلام وعشت في أجوائهم الحركية والأجواء التنظيمية التي كانوا فيها، واستفدت كثيراً من السيد محمد تقي المدرسي وأخيه السيد هادي المدرسي الذي كان مقيماً في البحرين ويتردد على الكويت. الحالة الكويتية: تنافر أم تعاون ؟

    * أنا متفاجئ بأنكم تقرأون لعلماء ودعاة سنة يا شيخ حسن, ولعلي أتبع هذا بسؤال عن علاقتكم بالأخوة السنة في الكويت. هل هي كما المعتاد حالة التنافر الطائفي والاجتماعي المعهود؟

    - كانت الحالة في الكويت طبيعية من حيث العلاقة بين السنة والشيعة، لأن المذهب السائد في الكويت هو المذهب المالكي ولم يكن لديهم موقف حاد من الشيعة، ولأول مرة عشت جواً منفتحاً مع السنة على الصعيد الاجتماعي، فقد رأيت شخصيات من أهل السنة يزورون السيد الشيرازي من علماء ومثقفين ورجال أعمال وكان السيد الشيرازي يزور ديوانيات ومجالس لشخصيات من أهل السنة وقد رافقته في بعض هذه الزيارات، كما كانت الصحافة الكويتية تنشر لكتاب شيعة وتغطي المناسبات الدينية الشيعية، وكانت مجلة أسبوعية لأحد الصحفيين الشيعة باقر خريبط اسمها (صوت الخليج) كنا نتابعها تتناول قضايا المجتمع الشيعي، فلم يكن هناك تشنج ولا قطيعة ولا تنافر آنذاك. قراءات المرحلة

    * أستأذنك في ترك هذا المحور وسؤالك عن قراءاتك في هذه المرحلة وأنت في الكويت، فما هي الكتب التي كنت تحرص عليها ؟

    - كنت أعيش في مدرسة السيد الشيرازي ضمن أجواء حركية يقودها السيد محمد تقي المدرسي، والذي برز اسمه فيما بعد كزعيم (لمنظمة العمل الإسلامي) في العراق وهي فصيل شقيق لحزب الدعوة في المعارضة العراقية. وكان معه عدد من كوادر هذه الحركة الذين هاجروا من العراق، ولم تكن الظروف في الكويت تسمح لهم بنشاط علني معارض للنظام العراقي آنذاك لكنهم كانوا يقومون بنشاط تربوي وثقافي. وفي هذه الأجواء انفتحت على الأفكار الحركية والسياسية فقرأت أغلب كتب المودودي والندوي والبنا والسيد قطب والغزالي وفتحي يكن، وقرأت عدداً من الكتب عن القضية الفلسطينية ولا أزال اذكر أن أول كتاب سياسي قد شدّني هو مذكرات أبو اياد -صلاح خلف (فلسطيني بلا هوية). وفي تلك الفترة برزت شخصية الإمام موسى الصدر في لبنان وحركته (أمل) أفواج المقاومة اللبنانية وكنا نتابع أخباره، وجاء في زيارة للكويت فكنت سعيداً جداً بلقائه واستماع محاضراته وأحاديثه. وكان هناك تواصل مع أجواء الحركة الإسلامية المعارضة لنظام الشاه في إيران حيث كانت تصلنا محاضرات وكتابات الإمام الخميني والدكتور علي شريعتي والمهندس مهدي بازركان. وكانت بعض العناصر القريبة من الإمام الخميني الذي كان مقيماً في النجف آنذاك تأتي وتبقى أياماً معنا في المدرسة ومن أبرزهم الشيخ محمد المنتظري ابن المرجع الشيخ المنتظري وكنا نستمتع جداً بالأخبار التي ينقلها ونتفاعل مع الأفكار التي يطرحها، ومن هناك بدأ انفتاحي على الساحة الحركية في إيران وتعرفت على بعض رموزها وقياداتها قبل سقوط الشاه بخمس سنوات تقريباً.

    * يتبادر الى ذهني سؤال عن مدى إتقانك للغة الفارسية طالما كنت هناك في إيران ومع الملالي؟

    - أستطيع قراءة الصحف والكتب الفارسية، كما أفهم ما أسمع من دروس ومحاضرات باللغة الفارسية، ولكني أجد صعوبة في التحدث باللغة الفارسية إلا بمقدار تمشية الحال.

    * والله شيء عجيب, فالمفترض العكس يا شيخ. فكثيرون يتقنون الحديث ويجدون الصعوبة في الكتابة والقراءة.

    - لعل السبب أني كنت أعيش في وسط علمي يعرف اللغة العربية فالعلماء الإيرانيون في الحوزة العلمية يدرسون اللغة العربية وقواعدها، فلم أكن مضطراً للتخاطب معهم باللغة الفارسية، وبعضهم كان يحبّذ أن نتكلم معه باللغة العربية ليكسب منا طريقة النطق بألفاظها، واذكر هنا مثلاً أن السيد الخامنئي قائد الجمهورية الإسلامية، كنا نلتقيه بداية ذهابنا إلى إيران بالطبع لم يكن في هذه الموقعية القيادية آنذاك، فكنا نزوره في بعض الليالي قبل أن تتشنج الأوضاع الأمنية في طهران، فكان يرتاح جداً للتحادث معه باللغة العربية، ويقول إنه يرغب في ذلك. من ناحية أخرى ماكنت أستسيغ التحدث بلغة فارسية مكسرة، وهو الأمر الطبيعي لبداية التحدث بأي لغة جديدة، وربما لهذين السببين لم أمتلك القدرة الجيدة على التحدث باللغة الفارسية، إضافة إلى ضعف العزم والإرادة. الخميني الرجل الأخطر

    * سؤالي التالي يتعلق بالرجل الأخطر في تاريخ الفقه الشيعي برمته وقصدت الخميني, هل أدركت الرجل في العراق قبل ذهابه إلى باريس؟

    - حينما كنت في النجف كان الإمام الخميني مقيماً فيها، وكان يؤم الجماعة في مسجد قريب من منزله اسمه مسجد (الترك) أي الأتراك، وله مجلس يومي عام يستقبل فيه الزائرين، كما كان يذهب بعد صلاة العشاء كل ليلة إلى مقام الإمام علي (عليه السلام) في وقت محدد، وسمعت الطلاب والعلماء يتحدثون عن دقة التزامه بالوقت فهو يكون هناك في وقت معين دون تقديم أو تأخير طول السنة، وقد صليت خلفه بعض الأيام، وزرته أكثر من مرة في مجلسه، كأي طالب علم، دون أن تكون لي أي علاقة مباشرة معه أو مع جماعته، لأني كنت طالباً صغيراً ليس لدي ما يدفعني لهذا المستوى من العلاقة والارتباط. وفي تلك السنوات طرح رؤيته حول إقامة الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه، وطبعت في خمسة أجزاء صغيرة تحت هذا العنوان، فكان طرحاً جديداً في الحوزة العلمية والوسط الديني، وصار محل جدل وأخذ وردّ، لأن غالبية المراجع والفقهاء في النجف لم يكونوا مع هذا الرأي، كما كان بعضهم يتحفظ على الطرح السياسي والعمل السياسي في الحوزة العلمية، ولكن الإمام الخميني كان جاداً وجريئاً في طرحه، وقد تحصلت على تلك المحاضرات المطبوعة (الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه) وقرأتها بانشداد واندهاش.

    * سأقف معك قليلا في محطة الخميني. ما فعله يشكل فاصلة تاريخية بالمذهب والفكر الشيعي وخصوصا في طرحه لمسألة ولاية الفقيه.. فهو حلّ إشكالية كبيرة ومعضلة عصيبة كانت تواجه الشيعة, وانطلق بالملالي الى عالم السياسة دون انتظار المهدي الغائب. هلا حدثتنا بالتفصيل عن ذلك.

    - الاتجاه السائد عند المراجع الشيعة وفي حوزاتهم العلمية هو العزوف عن السياسة، وأن عالم الدين يتلخص دوره في دراسة العلوم الشرعية وتدريسها وإفتاء الناس في أمور دينهم. ويرون أن دخول علماء الدين في السياسة يشغلهم عن وظيفتهم الأساسية، ويدخلهم في الصراع مع السلطات التي ستعتبرهم منافسين ومزاحمين لمواقعها، كما أن في العمل السياسي نوعاً من الظهور والبروز والتطلع لأدوار ومناصب لا تنسجم مع صفات الورع والزهد والتواضع التي ينبغي أن يتحلى بها العالم. لكن ذلك لم يمنع العلماء والمراجع من التصدي لمواجهة الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي، كما حصل في إيران لمواجهة النفوذ البريطاني في مسألة امتياز التبغ ومواجهة الغزو الروسي، وفي العراق لمقاومة الاحتلال البريطاني حيث قاد العلماء ثورة العشرين سنة 1920م وانتهت بطرد البريطانيين. أما حين يحصل انحراف وظلم في السياسة الداخلية من قبل السلطات الوطنية، فإن العلماء يحاولون إيصال نصائحهم للحاكمين ويضغطون عليهم عبر زعماء العشائر والشخصيات النافذة. وعند العلماء الشيعة حذر شديد من التصعيد الذي يؤدي إلى إراقة دماء أو انتهاك حرمات أو حصول فتنة داخلية. ويرى كثير من العلماء أن مهمة إقامة حكم إسلامي وفق المذهب لا تتحقق إلا على يد الإمام المنتظر، لكن الإمام الخميني طرح ضرورة تصدي الفقهاء لإقامة حكم الإسلام وأن لا تترك أمور بلاد المسلمين بيد مثل البعثيين أو أتباع التوجهات الغربية المخالفة للإسلام، وأنه ليس صحيحاً أن تتعطل أحكام الشرع إلى ظهور الإمام المنتظر، وكان قد سبقه إلى هذا الرأي بعض العلماء كالشيخ مهدي النراقي (المتوفى 1244هـ) لكنه بقى في حدود الطرح العلمي. فجاء تبني الإمام الخميني لهذا الرأي ليحوله إلى مشروع سياسي عملي تحقق من خلاله تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران. والسؤال الذي يفرض نفسه هل أن قيام الحكم الشرعي في الفقه الشيعي منحصر في صيغة ولاية الفقيه التي تبناها الإمام الخميني؟ هناك رأي آخر بإمكانية قيام حكم شرعي باختيار الأمة لممثليها وسلطاتها طرحه الشيخ النائيني (1277-1355هـ) ضمن رسالته بعنوان (تنبيه الأمة). وجدد طرحه الشيخ محمد مهدي شمس الدين تحت عنوان (ولاية الأمة على نفسها). الحالة الشيعية اللبنانية

    * وطالما طرحت اسم محمد مهدي شمس الدين, بودي سؤالك هنا عن الحالة الشيعة اللبنانية, أرى أنها حالة مختلفة عن الحالة الشيعية العراقية والكويتية والإيرانية, فهي نموذجية فريدة ولديهم رؤية متسامحة وبعيدة النظر في قضية التعايش والانفتاح. ولدي شعور داخلي في تأثر حسن الصفار بالمدرسة اللبنانية.. هل أنت معي في ذلك ولماذا فقط اللبنانيون ؟

    - طبيعة التنوع القائمة في المجتمع اللبناني، والمشاركة والمحاصصة لكل طوائفه في الحكم، بحيث لا تسيطر طائفة أو تهمش أخرى، جعل اللبنانيين يقبلون التعايش وكان علماؤهم ومفكروهم منسجمين مع هذه الحالة، ومدافعين عن مكاسبها، فلو أن شخصاً من المسلمين أساء للمسيحية فإن المؤسسات الدينية الإسلامية هي التي تبادر إلى الاحتجاج عليه وردعه، وكذلك لو أن شخصاً من المسيحيين أساء للإسلام فإن المؤسسات الدينية المسيحية هي أول من يعترض عليه ويحاسبه. وعلى الصعيد المذهبي لو أساء شيعي في لبنان للسنة فإن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى هو أول جهة تبادر لردعه، ولو أساء سني للشيعة فإن دار الإفتاء ستقوم بدورها لإيقافه عند حده. فهناك قناعة بضرورة التعايش، وحماية الاحترام المتبادل. أوافقك الرأي فيما ذكرته من تميّز المدرسة اللبنانية، وأقر بتأثري بها وخاصة بأفكار وطروحات الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، والذي كانت لي به صلة خاصة وثيقة حيث ترددت كثيراً على زيارته، وكان يتفضل بزيارتي حينما كنت مقيماً في دمشق أو حين أسافر إليها، وكلما زار المملكة لحج أو عمرة أو لقاءات رسمية يخبرني بقدومه فأحرص على الذهاب إليه في جدة أو المدينة أو الرياض. أما التواصل التلفوني فلم ينقطع بيننا حتى أثناء مرضه في باريس وإلى قبل يومين من وفاته في بيروت. قرأت أبحاثه القيمة وتناقشت معه حول الكثير من أفكاره وطروحاته للاستزادة والاستفادة. وحينما أطلعته على كتابي (التعددية والحرية في الإسلام) فرح به كثيراً وأشاد به وكتب له مقدمة ضافية ضمنها تأييده وتقديره للكتاب وذلك دليل لطفه وتواضعه، ورعايته وتشجيعه لهذه التوجهات المنفتحة.

    * اسمح لي بإبداء رأيي هنا, فما ذكرته جانب..ولكن جانب التعايش والقبول بالآخر هو ما يميز الحالة الشيعية اللبنانية..استشرافها الأبعد أيضاً ورؤاها (المتعصرنة) ان صح التعبير والمتقدمة عن مثيلاتها في العراق. التقيت شخصيا قبل خمس سنوات محمد مهدي شمس الدين واستضفناه وأستاذي الرحل د.عبدالقادر طاش رحمه الله في قناة اقرأ . وكانت رؤى الرجل غاية في التقدم والدعوة للائتلاف. نسمع الآن نفس الرؤى لمحمد حسين فضل الله . هل لي بتعليق منك عن سبب هذه الرؤى المتقدمة لعلماء لبنان .

    - يبدو لي أن لهذا التميز الذي أشرت إليه وأوافقك عليه سببين رئيسيين: الأول: هو واقع التنوع ومستوى الانفتاح الفكري الذي تعيشه الساحة اللبنانية، فعالم الدين هناك يطلع على الأفكار والطروحات الأخرى، ويلتقي مع التوجهات المختلفة، ويعيش ضمن مجتمع له مصالحه المرتبطة مع الأطراف الأخرى. أما في إيران والعراق فحالة التنوع والانفتاح ليست على هذا المستوى. الثاني: في إيران والعراق هناك مؤسسة دينية متجذرة تتمثل في المراجع والحوزة العلمية، وفي هذه المؤسسة تتكون مراكز قوى وتوجهات قد تتحفظ تجاه أي تجديد فكري ثقافي وتمارس ضغوطها المكثفة ضده ولهذا تقل الجرأة في إيران والعراق على الاجهار بالأفكار الإصلاحية والتجديدية. أما في الساحة اللبنانية فليست هناك مؤسسة دينية ضاغطة تعوّق طرح الأفكار التغييرية والمخالفة للسائد والمألوف. مكامن الخلاف بين الطائفتين

    * دعني أدخل معك في صلب موضوع الخلاف بين السنة والشيعة.. أطلب منك الآن يا شيخ حسن أن تخلع جبة وعمامة عالم الدين الشيعي وتتمثل لنا رجلا موضوعيا ومحايدا طلبنا منه أن يحدد لنا نقاط الاختلاف الرئيسية بين الطائفتين..فما الذي سيقول؟

    - أرى أن نقطة الخلاف الرئيسية التي تفرعت عنها كل الاختلافات الأخرى تكمن في موضوع الإمامة. وبالتالي تحديد المرجعية الدينية. ذلك لأن للإمامة عند الشيعة شقين: الأول: موقع القيادة السياسية الخلافة أو الإمارة، حيث يعتقد الشيعة بالنص على الإمام علي من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه الأولى بالخلافة وبعده الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) لكن هذا الجانب أصبح قضية تاريخية، لا داعي الآن للنزاع حولها ومادام الخلاف في الأحقية والأولوية ضمن الإطار النظري والاعتقادي فالأمر سهل لا يستلزم الخصام. الشق الثاني وهو الأهم يتمثل في تحديد المرجعية الدينية التي تؤخذ منها معالم الدين وأحكام الشرع بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أهل السنة يرون أن المرجعية هم الصحابة فعنهم تؤخذ سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم نفهم ما اشتبه علينا من كتاب الله. والشيعة يرون أن المرجعية تتحدد في أهل البيت ولا يؤخذ من أحد ما يخالف ما صح عن أهل البيت. وينطلقون في هذا التحديد من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ورد بعدة صور روتها كتب الصحاح والأحاديث المعتمدة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم، فيما أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 2408 عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: (أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: (وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي). وأورد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة الجزء الرابع ص 355 حديث رقم 1761 عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وأكدّ الألباني على صحة الحديث من عدة طرق وان له شواهد من أحاديث أخرى وردّ على من ضعّف الحديث. وأخرجه الترمذي والطبراني والإمام احمد وغيرهم. انطلاقاً من هذا الحديث الذي فهم منه الشيعة أن النبي قد حدد المرجعية من بعده بالكتاب والعترة خاصة وانه جاء في سياق الحديث عن مغادرته للدنيا وأنه تارك في الأمة هذين الثقلين، وأن الأخذ منهما فقط هو العاصم من الضلال. وكذلك ما فهموه من أحاديث أخرى بهذا الاتجاه ومن اعتقادهم بأفضلية أهل البيت فإنهم يحددون المرجعية في أخذ معالم الدين بهم إلى جانب الكتاب العزيز. وهنا مكمن الاختلاف بينهم وبين أهل السنة، والذي تشعب إلى جزئيات مختلفة في العقيدة والفقه، حيث يأخذ أهل السنة بما ورد عن سائر الصحابة والتابعين بينما لا يأخذ الشيعة إلا ما ورد عن أئمة أهل البيت أو مايوافقه. أما الرواية الأخرى الواردة في بعض مصادر أهل السنة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (كتاب الله وسنة نبيه) فإنها غير ثابتة عند الشيعة، وليست بقوة الرواية الأولى (كتاب الله وعترتي) في مصادر أهل السنة. كما أنه لا تعارض بين الروايتين فما عند أهل البيت إلا ما أخذوه عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أشار ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة إلى وجه الجمع بين الروايتين.

    * يا شيخ حسن ما أعرفه في هذه الموضوع أن أهل السنة ليس لديهم أي موقف تغليبي في هذه المسألة لأجل كون الصحابي من آل البيت أو من غيرهم بل لأجل العلم والفضل، ومع ذلك فالمروي عندهم عن علي وابن عباس وجعفر الصادق وزين العابدين بن علي كثير, وعموما سأتجاوز هذه النقطة وأستفسر عن بقية موضوعات الخلاف؟

    - بقية موضوعات الخلاف فرعية عن هذا الأصل، وقد كتب أحد علمائنا هو السيد مرتضى العسكري كتاباً من مجلدين تحت عنوان (معالم المدرستين) رصد فيه التوجهات الأساسية المميزة لكل من مدرسة اتباع أهل البيت واتباع الصحابة. واسمح لي هنا بمداخلة قصيرة في نقطتين قبل تجاوز هذا الموضوع: الأولى: حينما نتحدث عن أهل البيت فالمقصود بهم الدائرة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهم ونقله الشيخ ابن تيمية في رسالته (حقوق آل البيت) قال: عن أم سلمة: أن هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) لما نزلت أدار النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وعقّب ابن تيمية بقوله: وسنته تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه. فلما قال هؤلاء أهل بيتي مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علما أن أزواجه وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر. انتهى كلامه.الثانية: أن المروي عن أهل البيت في مصادر أهل السنة نسبة إلى ماروي عن غيرهم ونسبة إلى ما هو معروف من علم أهل البيت هو شيء قليل وليس كثيراً كما تفضلتم، ولعل ذلك راجع إلى الظروف السياسية التي كان يعيشها أهل البيت فلو أخذنا صحيح البخاري نموذجاً فإننا نجد أن ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري يذكر مثلاً الأرقام التالية: عدد الأحاديث المروية في صحيح البخاري عن أنس بن مالك 268 حديثاً، وعن عبدالله بن عمر 270 حديثاً، وعن أبي هريرة الدوسي 446 حديثاً، وعن أم المؤمنين عائشة 242 حديثاً، أما عن الإمام علي ابن أبى طالب ففيه 29 حديثاً، وعن السيدة فاطمة الزهراء حديث واحد.

    * يا شيخ حسن, كل ما ذكرت سيرد عليه ان شاء الله طلبة العلم لدينا والعلماء وسيوضحون موقف أهل السنة من كل ما ذكرت في هذه المسائل التخصصية والحوادث التاريخية والتي تشكل تباينات حادة لا يمكن ان يقفزالشيخ حسن الصفار ولا أي شخص آخر عليها و تبقى لها تراكماتها النفسية الممتدة عبر الأجيال. ودعني هنا أطرح بصراحة ما يتحسس منه أهل السنة ويدخل في صميم العقيدة لديهم تجاه الآخر الطائفي. قضايا تمثل مفاصلات, كسبّ الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، مصحف فاطمة. ومسائل عديدة تدخل في صلب إيماني كمسلم سني وأرى الآخر الطائفي ضدها تماما, لا أدري يا شيخ حسن.. كيف لي أن أتقبل الشيعي وهو يسبّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..انتظر تعليقك هنا بشفافية.

    - دخلت في حوارات كثيرة مع علماء من أهل السنة من مختلف البلدان، والتقيت كثيراً من علماء الشيعة العاملين في مجال التقارب والتقريب بين المسلمين، ووجدت أن الاشكالات التي يطرحها أهل السنة على الشيعة ناتجة عن أحد أسباب ثلاثة: الأول: عدم الاعتراف بالحق في الاختلاف، حيث يحاسب بعض السنة الشيعة على آرائهم المخالفة لهم، وكأنه يلزم أن يوافق الشيعة على كل آراء السنة وإلا فهم محاسبون. ما يجب الاعتراف به أن هناك مدرستين متفقتين في الأصول الأساسية للدين، متمايزتين في جوانب تفصيلية من العقيدة والفقه. كما هو الحال في التمايز داخل مدارس السنة من أشاعرة ومعتزلة وسلفية وصوفية، وداخل مدارس الشيعة من أصولية وإخبارية.أما القول بأنه يجب اتباع كتاب الله وسنة رسوله فهو ما يتفق عليه الجميع لكنّ هناك اختلافاً في الفهم وقبول بعض المرويات، فالكتاب والسنة لا يحتكرهما أحد، لأن كل طرف يدعي أنه يسير حسب الكتاب والسنة. وبعد أربعة عشر قرناً من الصراع والانشغال بالاختلاف والمراهنة الفاشلة لكل طرف أن يغيّر الآخر أو يلغيه، آن لنا أن نعترف بالتعددية وحق الاختلاف، ونجرب عصراً جديداً في التحاور والتقارب والاحترام المتبادل. الثاني: المحاسبة على الآراء والتصرفات الفردية من قبل بعض العوام، أو من قبل جهات متطرفة من الشيعة، واعترف هنا بأن بعض الشيعة مثلاً يسيئون كثيراً بالتعرض للخلفاء بالسب أو الشتم، لفهم خاطئ لديهم أو رد فعل لمواقف متطرفة من السنة، ولا ينبغي ان يحاسب المذهب كله والطائفة كلها بذلك، وإلا كان الغرب محقاً في محاسبة كل المسلمين والعرب، على تصرفات الإرهابيين والمتطرفين من المسلمين. الثالث: سوء الفهم لحقيقة وواقع الآراء الشيعية بقصد أو بغير قصد، أما لعدم الاطلاع أو للاعتماد على نقولات المناوئين، أو لابراز الآراء الشاذة في المذهب، وعندنا في المملكة مثلاً لا يسمح بدخول كتب الشيعة ولا فرصة لهم لعرض آرائهم في وسائل الإعلام، وبعض العلماء لا يكلف نفسه عناء مراجعة مصادر الشيعة المعتمدة، فيبقى على تصورات خاطئة تجاه الشيعة. سألت مرة أحد القضاة في المحكمة الشرعية في القطيف هل اطلعت على شيء من مصادر الشيعة الفقهية حول مجال عملك في القضاء وأنت تقضي في مجتمع شيعي، كالأحوال الشخصية والحدود والخصومات؟ فقال لم اطلع حيث لا وقت لدي ولا اشعر بحاجة لذلك.وكنموذج لسوء الفهم ما يثار حول الشيعة من القول بتحريف القرآن، مع أن كتبهم في التفسير والفقه والعقيدة تصرح بالقطع بصيانة القرآن عن التحريف، كما أن واقعهم الفعلي على الصعيد الإعلامي والثقافي والاجتماعي لا شيء لديهم غير هذا القرآن المتداول بين المسلمين، تلهج به إذاعتهم، ويقرأونه في صلواتهم، ويعلمونه لأبنائهم، ويتلونهم في مجالسهم. ووجود روايات في كتب الشيعة تتحدث عن وقوع نقص في آيات القرآن، يشبهها ما جاء في كتب السنة عن ذلك، وان كان السنة صنعوا لها مخرجاً هو القول بنسخ التلاوة، وما أشبه من المخارج.صحيح أن هناك رأياً شاذاً لعدد محدود من علماء الشيعة قبلوا تلك الروايات، وقالوا بان هناك ما أنقص وحذف من القرآن، ولكن علماء الشيعة رفضوا هذا الرأي وعارضوه، وكتبوا الكتب في نقضه. فلماذا الإصرار على تكرار هذه الشبهة واثارتها؟...

    * سأضطر الى مقاطعتك يا شيخ حسن, بودي أن تدلل على حديثك بعلمية بدلا من الإنشائيات العامة. هل طرحت لنا أسماء شيعية قالوا بما ذكرت , كي نقارن ونحاجج ونقبل حتى..

    - علماء الشيعة الذين صرحوا بالاعتقاد بصيانة القرآن عن التحريف ورفضوا تلك الروايات كثيرون من الصعب حصر عددهم وأسمائهم ولكن اذكر بعض النماذج: 1. الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين (ت 381هـ) قال في رسالته التي وضعها لبيان معتقدات الشيعة: (اعتقادنا ان القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو ما بين الدفتين. وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا انا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب).(....)

    * جميل كل ما ذكرت, ولكني يا شيخ تتملكني الحيرة تجاه ما سمعت منك وبين يدي قصاصة مصورة تنقل عن الكليني في أصول الكافي ( 2381 ) عن جعفر بن محمد قال وإن عندنا لمصحف فاطمة وما يدريهم ما مصحف فاطمة مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله مافيه من قرآنكم حرف واحد. وأنت تقول ليس عندنا من يقول أن مصحف فاطمة هو قرآن آخر. ها أنا إزاء تناقض أم سهو منك؟

    - الرواية موجودة في (الكافي) وليس فيها دلالة على التحريف ولا على قرآن آخر وإنما هي تتحدث عن كتاب لفاطمة حجمه يعدل حجم القرآن ثلاث مرات لكن ليس فيه شيء من القرآن. وهذا ما اجمع عليه شراح الرواية من علماء الشيعة كالشيخ المجلسي في مرآة العقول والمازندراني في شرح أصول الكافي. وقد جاء في هذا الباب من الكافي ثمان روايات، صحّح المجلسي في شرحه منها روايتان، قال عن اثنتين انهما حسنتان والاربع الباقيات إحداها سندها مرسل والثانية ضعيف والثالثة والرابعة في سندهما مجهول. وتصرّح إحدى تلك الروايات بأن مصحف فاطمة روايات سمعتها فاطمة الزهراء وأملتها على علي عليه السلام فكتبها لها. وتشير رواية أخرى بشكل صريح إلى انه ليس في مصحف فاطمة قرآن وإنما معارف دينية حيث جاء فيها عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (مصحف فاطمة ما أزعم ان فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد). وجاء في رواية أخرى أن مصحف فاطمة هو وصاياها (وليخرجوا مصحف فاطمة فان فيه وصية فاطمة عليها السلام). وهكذا فليس في أي من الروايات إشارة إلى التحريف أو إلى أن مصحف فاطمة بديل عن القرآن.ولعل لالتباس جاء من تسميته بالمصحف باعتباره يطلق على القرآن، ولو راجعنا كتب اللغة لرأينا أنه كان يطلق على الكتاب المجموع مصحفاً كما في لسان العرب والقاموس والصحاح، وقبل أن يتحدد إطلاقه عند المسلمين على القرآن، وقد أورد ذلك الحافظ أبو بكر بن أبي داود السجستاني (ت 316هـ) في كتابه (المصاحف) وذكر مثلاً أن خالد بن معدان من كبار علماء الشام والتابعين كان علمه في مصحف له ازرار وعرى.وقرأت أخيراً كتاب الدكتور ناصر الدين الأسد (مصادر الشعر الجاهلي) فوجدته يقول: كانوا يطلقون على الكتاب المجموع لفظ المصحف ويقصدون به مطلق الكتاب، لا القرآن وحده.فتسمية كتاب فاطمة الجامع لرواياتها أو وصاياها بالمصحف، هو ضمن هذا الإطلاق اللغوي لا أكثر. بل القران كامل

    * وأيضا يا شيخ حسن أود لفت نظرك الى إجماع أهل السنة على كمال القرآن وأنه مابين الدفتين من عند الله لم ينقص منه حرف واحد وقد انعقد الإجماع على ذلك من العصور الأولى فلا مخالف له مطلقا. فليس الأمر لدينا بماقلت به قبل قليل.

    - أخي الكريم لا يليق بقداسة القرآن الكريم ان يترامى المسلمون فيما بينهم الاتهام بتحريفه، فيتهم السنة الشيعة بذلك ويتهم الشيعة السنة بذلك، فانه قد أعطى فرصة التشكيك عند المستشرقين والعلمانيين المناوئين للإسلام. وأنا أعلم أن إجماع أهل السنة وإجماع الشيعة على كمال القرآن وأنه ما بين الدفتين من عند الله لم ينقص منه حرف واحد، أما قولك ليس لديكم مايشير إلى النقص والتحريف فاسمح لي بالمصارحة حتى تكون المكاشفة متبادلة. فكما يوجد في كتب الشيعة روايات عن النقص والتحريف في القرآن كذلك يوجد في كتب السنة، لكن علماء السنة يؤلونها ونحن مع تحفظنا على بعض أنواع التأويل كنسخ التلاوة لكننا نقبل كلامهم برفض النقص والتحريف فلماذا لا يقبلون تأويلنا لرواياتنا بل رفضنا لها ويصر البعض على توجيه الاتهام لنا؟ المشكلة الأحدّ والحاجز الأصلب

    *أوضحت وجهة نظرك يا شيخ حسن في قضية مصحف فاطمة وجزمت لنا بأن قرآنكم هو قرآننا, ولكن مسألة سبّ الصحابة رضوان الله عليهم وسبّ شيخي الإسلام رضي الله عنهما أبو بكر وعمر, هي من المسائل الشائكة بين الشيعة والسنة. ما هو تعليقك يا شيخ ؟

    - الشتم والسِّباب ليس من خلق المسلم ولا من خلق العاقل، وأنا أرفض وأدين سب الخلفاء الراشدين والصحابة، وأرى أنه ينطبق عليه أكثر من عنوان للتحريم والمنع. واعتقد أن هذه المسألة جزء من تاريخ سيئ عاشته الأمة الإسلامية، كانت هناك قوى تضطهد الشيعة، فكان رد فعل بعض الشيعة على ذلك الاضطهاد هو السب والشتم لرموز أهل السنة، ولا بد من الاعتراف بأن الدولة الأموية هي التي سنت وشرّعت التجري بالسب والشتم على الخلفاء والصحابة بإعلان سب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، على المنابر، وقد أورد مسلم في صحيحه أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص بسب الإمام علي وعاتبه على عدم السب، كما جاء في (باب من فضائل علي) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسبه.. الحديث.واستغرب من محاولة البعض التكلف في تأويل هذا الحديث بأنه لا يدل صراحة على أمر معاوية بالسب، وقد جاء صحيح سنن ابن ماجة للألباني حديث رقم 98 عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً فنال منه (في الهامش أي: نال معاوية من علي) فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: »من كنت مولاه فعلي مولاه« وسمعته يقول: »أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي« وسمعته يقول: »لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله«؟.ومن المعروف تاريخياً أن الخليفة عمر بن عبدالعزيز هو الذي رفع سب الإمام علي، جاء في (تاريخ الدولة الأموية) للشيخ محمد الخضري وهو مرجع معتمد لدارسي التاريخ في جامعاتنا السعودية: »ومن أعماله (عمر بن عبدالعزيز) العظيمة تركه لسب علي بن أبي طالب على المنابر وكان بنو أمية يفعلونه فتركه وكتب إلى الأمصار بتركه، ووضع مكان ذلك »إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}« الآية. وقد جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث رقم 27284 عن أبي عبدالله الجدلي. قال: دخلت على أم سلمة فقالت لي: أيُسب رسول الله فيكم؟ قلت معاذ الله. قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: »من سب علياً فقد سبني«. فإذا كان علي (عليه السلام) على مكانته وفضله وهو عند الشيعة لا يوازيه أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع ذلك يُسبّ ويُلعن على المنابر عشرات السنين، ويسكت على ذلك علماء السنة وفقهاؤهم فإن ذلك يخلق الجرأة على سبّ غيره من الخلفاء والصحابة. وكما لا يقبل التبرير في سب الشيخين أبي بكر وعمر كذلك لا يصح التبرير لمن سب علياً بأنه اجتهد فأخطأ، ويجب أن يكون حكم سب الخلفاء الراشدين والصحابة واحد، أما أن يكون سب علي اجتهادا خاطئا لا أكثر ويحظى من قام به بالتقديس، وسب غيره كفر وضلال فهذا ليس منطقياً. وليس معنى كلامي أني أبرر لمن يسب الخلفاء والصحابة، وإنما أدعو لفهم ظروف حدوث هذه الظاهرة السلبية التي يجب أن نتجاوزها بحسن العلاقة بين الطرفين السنة والشيعة حتى يحرص كل منهما على احترام مشاعر الآخر وحتى نحترم جميعاً رموزنا الإسلامية. إن من يسبّ الشيخين أبا بكر وعمر من الشيعة هم أما متطرفون أو جاهلون أما الحالة العامة عند الشيعة فلا تمارس ذلك ولا تقبله وإذاعات الشيعة وفضائياتهم في إيران ولبنان والعراق خير شاهد على ذلك، وهذه خطب الجمعة لهم تذاع على الهواء وصحافتهم تنتشر في الآفاق، وليس فيها شيء من ذلك. بل حصل هذا العام أن عالماً في قم هو الشيخ يعقوب رستكاري طبع كتاباً فيه إساءة للشيخين فاعتقلته الحكومة الإيرانية وصادرت كتابه وحاسبت جهة النشر وبثت الخبر وكالات الأنباء كما نشرته أكثر من صحيفة. الخوارج أم الأمويون؟

    * عفوا يا شيخ حسن, لكأن مغالطة تاريخية هنا.أليس أول من سبّ وكفّر الصحابة هم الخوارج الذين كفروا عليا وعثمان وشتموهما ثم أخذت الشيعة هذا السباب فتدافع عن علي وتسب عثمان وأبي بكر وعمر وانتشر ذلك وفشا حتى أصبح معروفا ثم كان من معاوية ما كان من سب علي رضوان الله تعالى عنهم أجمعين.

    - الخوارج فئة محدودة مرفوضة من السنة والشيعة، ولم تكن لهم قدرة على تحويل سبهم لعلي وعثمان إلى ظاهرة عامة، لكن معاوية الذي يقدسه اخواننا اهل السنة بسلطته وإمكاناته، جعل ذلك أمراً لازماً، ويتعرض من يخالفه للمحاسبة من قبله كما يبدو من عتابه لسعد بن أبي وقاص ومن حوادث مذكورة في التاريخ. وأنا لا أريد أن أقف عند هذه المسألة طويلاً فلست من دعاة الانشغال بالصراعات التاريخية.

    * أيضا هنا مسألة تقديس أهل السنة لمعاوية رضي الله عنه. أتصور أن هذا الفهم منك غير صحيح والذي أعرفه أنهم لا يقدسونه بل يعتبرونه صحابيا وكاتب وحي وصهر النبي و يعتقدون أن صحابة قبل الفتح أفضل منه في الجملة ويعتقدون أن عليا أفضل منه وأنه هو المحق وأن معاوية هو المخطئ فأين التقديس. وهذه مسائل هامة لا بدّ وأنا أبحر معك فيها ان نشير إليها .

    - أهل السنة أحرار في أن يقدسوا معاوية أو لا يقدسونه ولست في موقع المحاسبة على ذلك، ولكني أقول كما يتلمسون الأعذار لمعاوية في سبه للإمام علي بنفي ذلك تارة واعتباره اجتهاداً خاطئاً ضمن صراع سياسي تارة أخرى، فليتلمسوا الأعذار أيضاً لمن شط وتطرف من الشيعة وسب الشيخين. إنك من سؤالك تقول: ثم كان من معاوية ما كان من سب علي رضوان الله تعالى عنهم أجمعين. فالساب والمسبوب تترضى عنهم فتعاملوا مع الشيعة بنفس الدرجة من التسامح.

    * وبالمناسبة ذكرت بأن فقهاء السنة سكتوا, والذي أعرفه من كتب التاريخ بأنهم لم يسكتوا وقد بينوا وردوا ووضحوا حرمة ذلك وقد نقله أهل العلم في كتبهم بل كان خروج العلماء مع ابن الأشعث ربما كان أحد أسبابه هذه القضية, وعودة إليك بودي أن أسألك أنت عن موقفك من مسألة سبّ الصحابة ؟

    - لا أريد المناقشة كثيراً في هذا الأمر لكن استمرار سب الإمام علي على المنابر من عهد معاوية سنة 41هـ إلى تولي عمر بن عبدالعزيز سنة 99هـ دليل على ضعف الاعتراض أما موقفي شخصياً فقد أعلنت مراراً في الفضائيات والمقابلات الصحفية وفي الخطابات المختلفة أني أرفض وأدين سب الشيخين وإنه ينطبق عليه أكثر من عنوان للتحريم والمنع.

    * على الرغم من أن مقطعا صوتيا راج لك في شبكة الإنترنت به بعض النيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين؟ -

    - هذا المقطع الصوتي تبثه مواقع طائفية متطرفة، تعلن عداءها للشيعة والتحريض عليهم وتحارب أي مسعى للحوار والتقارب بين السنة والشيعة، فهي ليست مصدراً موثوقاً، وهو تسجيل مدبلج، ومن المعروف عالمياً لزوم الفحص والتحري للتأكد من أي تسجيل منسوب لأحد، فحين كان يبث خطاب لصدام حسين قبل إلقاء القبض عليه، أو تسجيل لابن لادن أو الظواهري، فإن الجهات الأخرى تأخذ فرصة للتأكد من صحة نسبة الخطاب كما يعلن ذلك عادة. مع أنهم شخصيات مشهورة وأصواتهم معروفة.وأنا أعلن براءتي من هذا التسجيل المدبلج وأذكر بقوله تعالى: »إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ.}

    * يا شيخ حسن, أسعد والله كمسلم أنك لا تنال من الصحابة وترى أن ذلك محرم لا يجوز وطالما هذا موقفك فالحمد لله, ولكن بودي هنا أن أثبت هذا التحريم منك, ولربما يأتي قارئ ويقول بأن الشيخ لم يذكر أبدا في إجابته بأنه يرى حرمة التحريم. فبودي تثبيت ذلك.

    - ما أعلنته وذكرته كان صريحاً واضحاً من الإدانة والرفض والتحريم والمنع، ولكني أتساءل لماذا يصر البعض على وضع الشيعة دائماً في قفص الاتهام وأن عليهم أن يثبتوا براءتهم يومياً مما ينسب إليهم؟ بينما يتم تجاهل الفتاوى والآراء التي تكفّر الشيعة وتحرّض عليهم وتشجع على انتهاك حقوقهم الإنسانية المشروعة، لماذا يطل علينا أحد الدعاة البارزين قبل مدة قصيرة من فضائية مشهورة ليتحدث عن كفر الشيعة الذين يقولون بأن جبرائيل جاء بالنبوة لعلي ولكنه أخطأ وخان بإعطائها لمحمد، قل لي بربك من هم هؤلاء الشيعة الذين يتحدث عنهم؟ وفي أي مصدر من مصادرهم قرأ هذه الفرية؟ هل هذا من فقه الواقع أن نقول للناس جواباً معوّماً يكرّس حال التفرقة وسوء الظن دون أي مستند أو دليل؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

    * قبل أن نغلق هذا الملف, وحتى لا تجرفنا مسألة التوافقية التي يرومها كلانا على حساب الواقع. بودي هنا أن تعلق على مقولة لأحد الدعاة السنة مصرحا بأن الشيعة معروف ملازمتهم للسب بل حتى الدول التي حكمت من الشيعة كالبويهية و الصفوية فعلت ذلك وليس الأمر مقتصرا على السب بل يرون كفر الصحابة وردتهم عن الدين والأهم من ذلك تأصيل ذلك في كتبهم ومن ذلك ما كتبه الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 126/127/130//137/176سب عظيم وشتم واتهام وفي كتاب محمد الرضى الرضوي بعنوان كذبوا على الشيعة ص 210ان تظاهر الخلفاء بالإسلام إنما كان خدعة للإسلام وكيدا له وان صلاتهم وصيامهم كانت كلها نفاقا ودجلا وتضليلا) هل من تعليق لك يا شيخ حسن ؟

    - لا أرى داعياً للتعليق على هذا الكلام فهو نموذج لإطلاق الاتهامات والادعاءات بغير حق، فالقول بأن الشيعة معروف ملازمتهم للسب، قول يكذبه الواقع الذي تعيشه أنت وأمثالك وتراه جلياً واضحاً، فالشيعة في إيران لهم الآن دولة يحكمها علماؤهم منذ ربع قرن، وهي من أقوى دول المنطقة وأكثرها كثافة بشرية، ولديها وسائل إعلامية عالمية كالفضائيات والإذاعات والصحف وبمختلف اللغات، وكانت علاقاتها مع دول المنطقة متأزمة جداً خلال الحرب العراقية الإيرانية، فهل كان الإيرانيون يلهجون بسبّ الخلفاء؟ وهل ضبطتم على وسائل إعلامهم برامج سب وشتم؟ والشيعة في لبنان يشكلون اكبر طائفة وأقوى حركة، وقد انزلوا بالصهاينة هزيمة نكراء اضطرتهم للانسحاب من جنوب لبنان، ولديهم وسائل إعلامهم الواسعة الانتشار كفضائية (المنار) فهل سمعتم منهم سباً وشتماً للخلفاء والصحابة؟ والشيعة في العراق وبعد ثلاثة عقود من الاضطهاد تخلصوا من الديكتاتورية والقمع وانفلت الوضع هناك ومع كل ما أصابهم ومع التفجيرات التي استهدفت رموزهم وشعائرهم الدينية ومع محاولات الأعداء لخلق فتنة طائفية هل سمعتم من مراجع الشيعة في العراق أو قياداتهم السياسية أو وسائل إعلامهم سباً وشتماً؟والمراكز الشيعية في الغرب وهي تعيش في ظل حرية التعبير والإعلام هل لديهم خطاب سب وشتم؟ فكيف يقرر هذا الداعية الملازمة من الشيعة للسب؟ و لماذا لا تردون عليه أنتم وأمثالكم من أهل السنة؟ وكيف تجد مثل هذه الأكاذيب والأضاليل مع مخالفتها الفاضحة للواقع فرصة للانتشار والقبول. أما الكلام المنسوب للإمام الخميني في (كشف الأسرار) فأنا لم أقرأه لكني قرأت عن الكتاب أنه قديم ألفه الإمام الخميني في مطلع شبابه ثم رفض إعادة طبعه قبل وبعد قيام الجمهورية الإسلامية، وقد تشكلت مؤسسة لحفظ آثاره وطبعها وأهملت هذا الكتاب، وكتب الدكتور إبراهيم شتا الدسوقي من مصر وهو متخصص في الأدب الفارسي أن الترجمة العربية للكتاب مشوهة جداً وغير صحيحة. بالطبع لا يمكننني أن أنكر أن في الشيعة فئة متطرفة تسب وتشتم، ولها كتابات وخطابات في هذا الاتجاه، لكنها محدودة المساحة والتأثير، وتطرفها يأتي رد فعل للتطرف المضاد من الآخرين ضد الشيعة. وعلى الواعين أن يعملوا لكي تتجاوز الأمة هذه الأفعال السيئة وردود فعلها الخاطئة. وحين نطرح التقارب والحوار وتصحيح العلاقة بين أطراف الأمة إنما هو لإنقاذ الساحة الإسلامية من تخريب المتطرفين في الجانبين.


    ----
    منقول من جريدة المدينة.

    أرجو من جميع الأخوة التعقيب على هذا الحوار مع والإنتباه الى العبارات التالية:
    الخميني، ولاية الفقيه، ادعائه ان السنة يسبون على بن ابي طالب رضي الله عنه، عدم اعترافه بأن الخوارج هم من كانوا يسبون على وعثمان، ادعائه بأن في كتب السنة روايات عن نقص في القرآن الكريم مثل كتبهم. وغيرها من المغالطات الكثيرة والتي تحتاج الى تفنيد مفصل من قبل أهل العلم.


    هاتف:
    0055-203 (715) 001
    0800-888 (715) 001


  • #2
    الرد: حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

    وقفات سريعة مع مكاشفة حسن الصفار لجريدة المدينة
    تعليقي سيكون بالحبر الازرق الداكن ..
    ــــــــــــــــــــ
    * بداية نشكر لك تفضلك بالموافقة على أن تكون ضيفا في (مكاشفات), ومن وحي الحوار الوطني الذي يقوده سمو ولي العهد, نترجمه واقعا عبر هذه المكاشفة معك يا شيخ حسن.
    لا تقال كلمة (يا شيخ) لاهل الاهواء والبدع !
    فالمرء امر بذل اهل البدع لا اكرامهم !!
    ودعني ابتداء أطلب (صك أمان) منك تجاه مريديك, فثمة حساسية شديدة لي مع الشرعيين بعد مكاشفاتي مع الشيخ عائض القرني
    لنا وقفة ان شاء في تبيان حقيقة عائض القرني !
    الذي غضب بعض مريديه ومحبيه من أسئلتي الصريحة, وبعثوا رسائل عاتبة جداً في قضية الأسئلة كونها بزعمهم لم تكن خليقة بالشيخ. وعطفا على ذلك فأنا أريد (صك أمان) منك أشهره تجاه محبيك. لم تك لي مشكلة مع المثقفين, فهم ( ملطوشون) على أية حال ولا يتمتعون بمريدين ولا غير. وعليه أتوسم منك كلمة لتلامذتك ومحبيك كي أمضي بأسئلتي في صراحة شديدة ؟

    - أولاً اشكر لكم هذه الزيارة واشكر لكم إتاحة هذه الفرصة عبر هذا الحوار للتخاطب مع القراء الكرام ومع المواطنين في مختلف المناطق ومن مختلف الاتجاهات، واعتقد ان نقرأ بعضنا البعض هذه أول خطوة في طريق التعايش والتعارف
    التعايش مع من يخالفك في العقيدة جائز شرعا
    ولكن الصفار يقصد بالتعايش هنا : التقارب!!
    اي تقارب كلمة التوحيد بكلمة الكفر والشرك
    وتقارب السنة والحسنة بالبدعة والسيئة
    وتقارب الولاء بالبراء
    وتقارب المحبة بالبغض
    فهي كلمة حق اريد بها باطل !
    ومن ثم التعاون من اجل المصلحة المشتركة لديننا
    دين اهل التوحيد يختلف تماما مع دين اهل الكفر والزندقة والالحاد .. فلا تميّع دين الله يا ايها الصفار !
    ودنيانا واعدكم بان يكون الحديث بحرية كاملة،
    نسمع جعجعة ولا نرى طحنا
    (بحرية كاملة) مع خليط ومزيج من التقية الخبيثة
    فلا اعتقد ان هناك شيئاً يجب إخفاؤه.
    دينكم مبني على الباطنية والتقية فكيف تخالف اصل دينك المجوسي فتقول (فلا اعتقد ان هناك شيئاً يجب إخفاؤه)!
    وهل ستعترف بمدى عظم حقدك على هذه البلاد واهلها وحكامها وعلمائها !!
    وانك انت ومن على شاكلتك تتمنون زوالها ؟!
    ام الوصول الى الكرسي يمنعك من الصدع والكشح بما تكنه على اهل التوحيد ؟!
    ام حدة السيف تمنعك من هذه المجازفة ؟!
    إما فيما يرتبط بالنشر فانتم تقدرون الظروف وتعلمون ما ينشر وما لا ينشر. أما بالنسبة لي فأعتقد انني في وضع يفرض علي ويتطلب مني ان أكون واضحاً في طرح الإجابات والأفكار والمطالب والتطلعات وليس هناك عائق يمنعني أو يمنع أمثالي من ان يكون حراً منطلقاً في طرحه في حدود المحافظة على المصلحة العامة
    فيما سبق تبيانه كفاية ..
    والالتزام بآداب الحوار والتخاطب في الإسلام.
    اي حوار تقصد ؟!
    الحوار الذائب !!
    تذويب عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض
    اسماء مزخرفة مبهرجة وحقائق مجوفة .. ظاهرها التقية وباطنها العذاب
    بالنسبة للاتباع والمريدين انا اعتقد ان الحالة الدينية أو المشايخ والعلماء كرسوا لأنفسهم في نفوس اتباعهم موقعية وهالة من الهيبة تمنع الكثيرين من أبناء المجتمع ان يتكاشفوا معهم وان يكونوا صريحين وجريئين في التخاطب معهم
    هذا كذب وافتراء على علماء ودعاة اهل التوحيد والسنة
    وهذا طعن ايضا في اهل التوحيد وانهم لا يقولون الحق
    بل وفيه بهتان لاهل العلم بانهم اهل مداهنة وعملاء
    فقبحا لك يا ايها المتصيفر
    (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا)
    واعتقد ان هذا ينبغي ان يزال
    سحقا لك يا ايها الخبيث
    تواصل طعنك في اهل التوحيد والسنة
    فتطبق (ايّاك اعني واسمعِ يا جارة) على اهل التوحيد يا ايها العفن !
    فحسبنا الله على من اوصلك لهذا المنصب !
    نسال الله ان يصلح البطانة .. اللهم اصلحهم .. اللهم اصلحهم ..
    فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما وقف أمامه إعرابي وكان يرتعد قال له هون عليك فإنما انا ابن امرأة كانت تأكل القديد في مكة. كلما كان عالم الدين اكثر بساطة مع الناس استطاع ان يدخل إلى قلوبهم اكثر وان يؤثر عليهم وان يستقطبهم اكثر
    أف لك يا ايها النتن الرافضي الباطني
    ماذا تقصد بكلامك هذا ؟!
    اتريد اذابة الدين لتكثير السواد والغثائية والغوغائية امثالك وامثال من هم على شاكلتك ؟!
    ونحن نعيش في عصر نجد فيه كبار القادة وكبار الساسة من بيدهم مصادر أزمة القوة والسلطة ولكن الناس لديهم الجرأة في انتقادهم والاعتراض عليهم ان يخالفوهم
    والله لم يتجرء الناس على علماءها وحكامها الا بسببك وسبب الغوغائية الثوريه امثالك واذنابك !
    ولا ينبغي للعالم ولرجل الدين ان يتلذذ أو يرتاح بان تكون له هيبة مانعة من الانفتاح عليه أو مصارحته.
    هذا قدح في علماء ودعاة التوحيد
    بل وتلميح في نشر الفتن والفوضاء والاعتراض والخروج
    فحسبنا الله على من جعلك تتجرء على هذا الكلام !
    ولكن كثيراً من هذه الحالات ناتج من احترام الناس لدينهم واحترام الناس للعلماء باعتبارهم مصادر للدين.
    ما هذا التناقض ؟!
    تسب ثم تمدح وتثني !!
    فقد حذر رسو الله صلى الله عليه وسلم من ذي الوجهين !
    وفي مجلسي هذا المتواضع حاولت ان اكرس هذه العادة بان تتاح الفرصة للناقد حتى الناقد لي والمعترض على بعض ارائي ومواقفي وافكاري وان يتحدث بكل صراحة وفي بعض الاحيان قد يتحسس بعض الحاضرين ويرى ان مثل هذه الطريقة من التخاطب لا تجوز في مجلسي ولكني أُطبّع الحالة واهون من الامر، لذلك اعدك بانني ساتحدث مع كل من أرى منه انزعجاً بأننا يجب ان نتقبل المصارحة والمكاشفة لأنها هي الأسلوب الأمثل والمناسب لمعالجة الملفات المزمنة والحساسة. تقية ام برغماتية مرحلية

    قد سبق -اعلاه- الجواب على هذا الدجل والكذب ..
    وللحديث بقية .. نسال الله الاعانة على اتمامه ..
    والحمد لله على نعمة التوحيد والسنة ..

    تعليق


    • #3
      الرد: حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

      وأبشركم كذلك بأنهُ تم حجب موقع هذا المنافق في المملكة العربية السعودية والذي هو بعنوان ( راصد )
      نسأل الله بأن يتم حجبه في باقي البلدان الخليجية والعربية
      للشيخ خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله

      تعليق


      • #4
        الرد: حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

        مشكور على هذه البشرى ..
        ونسال الله ان يعين ولاة امرنا على الاخذ على يد هذا الرويفضي الخبيث واطره على الحق اطرا

        تعليق


        • #5
          راجع رد الشيخ ربيع بن هادي على حسن الصفار

          السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
          الأخوة و الأخوات الكرام
          الرجاء مراجعة الحلقة الأولى من رد حامل لواء الجرح و التعديل(كما سماه الإمام الألباني -رحمه الله-) الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي -متع الله بعلمه- على هذا الرافضي االمدلس المتسمى بــ حسن الصفار -رده الله إلى السنة ردا جميلا-
          و الذي أدرجته في منتدى حوارات عقائدية



          أخوكم في الله

          أبو أُسيد
          قال الإمام أبو حاتم الرازي: "علامةُ أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"

          تعليق


          • #6
            الرد: حوار جريدة المدينة مع حسن الصفار

            تفضل من هنا الجزئين الأول و الأخير من رد الإمام المدخلي -حفظه المولى-
            قال الإمام أبو حاتم الرازي: "علامةُ أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر"

            تعليق

            Working...
            X