الأحد, تشرين2/نوفمبر 16, 2025

All the News That's Fit to Print

خالد بن حمد المالك

لا يتوقف الحزن، ولا ينتهي الألم، ولا يختفي الانكسار، ويبقى الإنسان في حياته على موعد مع أحدها، أو معها جميعاً، تزوره، تطرق بابه، وتحوّل حياته إلى ذكريات مؤلمة.

* *

وأقسى ما يُصدم به الإنسان حين يفقد غالياً لديه، ويموت من كان قريباً منه، ويختفي عن ناظريه من كان حبيباً ومحباً يشاطره السعادة في حياته، خاصة حين تكون الوفاة فجأة، وغير متوقعة، ولم يكن لها تحضيرها من مرض وغيره.

* *

هكذا هي حياة الإنسان، تجمع بين السعادة وضدها، بين ما يريح ويزعج، وبين ما يتمناه الإنسان فلا يدركه، وأقساها حين تطل عليه أخبار مزعجة، وأحداث تكدِّر خاطره، دون توقع أو انتظار.

* *

هو أنا مع الغالي (عديلي) العميد المهندس علي العبدالله الزامل، الذي كان مثالاً للابن البار لوالديه في حياتهما وبعد مماتهما، والأب الحنون، والزوج المحب الوفي المخلص، والصديق الخلوق، وصاحب السيرة العطرة، والالتزام بكل ما يحبب الآخرين فيه، حيث التواضع، وحسن المعاملة، واحترام الغير، والقيام بواجب من له حق في الزيارة والسؤال، وإظهار المودة والتقدير لهم.

* *

وأكثر ما كان يتميز به المرحوم الذي وافته المنية صباح يوم الأربعاء الماضي بعد مرض مفاجئ لم يمهله أكثر من أربعة أيام، أنه كان أباً يُحسن التربية والتوجيه والعناية والاهتمام بابنه وبناته وأسباطه وشقيقه وشقيقاته، وجميع أفراد أسرته، القريب منها والبعيد، الكبير والصغير، بما كان يتحلَّى به من اهتمام، وكان جلياً وواضحاً للقريبين منه.

* *

لكن أكثر ما كان يُلفت النظر، ويُسجَّل كعلامة فارقة في الفقيد، رقة طبعه، وحنانه، ومشاعره العاطفية، وبخاصة ما كان عليه في تعامله وعنايته واهتمامه مع ابنة عمه زوجته، التي كانت له الحبيبة والصديقة والأم لأطفاله، فكانت الزوجة الصالحة والمثالية في تعاملها، فهي لا تناديه بأبي عبدالله، ولا زوجي الحبيب فحسب، وإنما تزيد على ذلك بمناداته بابن عمي، وهو يناجيها كذلك، إظهاراً لرقة التعامل، وعمق الحب بينهما.

* *

وكانا من بين ما يمكن وصفه عن حياتهما الزوجية، أنها كانت حياة اكتملت فيها كل مقومات العِشرة الطيبة، والزواج السعيد، والتعامل الحسن، وحدب كل منهما على ما يُرضي الآخر، ما جعل حياتهما قدوة لغيرهما، وفي حالة ظلت موضع إكبار وتقدير لكل من كان قريباً منهما.

* *

ومما أعرفه عن العميد المهندس علي العبدالله الزامل، أنه كان واصلاً، محباً للغير، دمث الأخلاق، صاحب مروءة وأعمال خير وبر مع الأقربين والأبعدين، لا يُسمع منه إلا الكلام الطيب، ولا يتحدث إلا بما يرضى به، ويُرضي الآخرين عنه، بانتقاء الكلام المحبب للنفس، والمداعبة اللطيفة، والروايات والقصص التي فيها الكثير من الترويح عن رتابة بعض المجالس.

* *

لم يقطع صلته بزملاء العمل، ورفاق الدراسة، ومن جمعه بهم تعارف ولو كان عابراً، فهو يحمل نفساً محبة، ورقة في الطبع، وروحاً اجتماعية بامتياز، فلا ينقطع مع أي من هؤلاء، فالعلاقات والتواصل جزء من طبعه وتربيته، وهكذا كان في حياته.

* *

استفاد المرحوم من مجلس والده الشاعر والمؤرِّخ والرسام والأديب ورجل العلاقات الواسعة الشيخ عبدالله العلي الزامل، فتعلَّم من مجلس والده مجالسة الكبار، فأصغى لأحاديثهم، وتعلَّم منهم، وأضاف إلى معارفه ما كان لا يعرفه، فكان أن تثقَّف، واستوعب علوم الرجال الكبار، من طبقات وتخصصات وخبرات مختلفة، فرسم بها شخصيته.

* *

والذين على معرفة بـ علي الزامل، يعرفون عنه أنه صاحب مواهب متعدِّدة، وأنه شغوف بالتعلُّم، ويتمتع بمهارات كثيرة، وأن تخصصه بالهندسة الصناعية لم يأت من فراغ، فقد كان تحفيزه بالاتجاه إلى هذا التخصص مواهبه المتعددة، وشغفه بها منذ صغره، لكنه بعد تخرّجه من بريطانيا، كان له ميله إلى الخدمة العسكرية، فكان التوجه للقوات الجوية في وزارة الدفاع، التي خدم بها وطنه سنين قبل أن يتقاعد وهو برتبة عميد.

* *

أدى الصلاة على المرحوم في المسجد أعدادٌ كبيرةٌ، ومثل هذا العدد كان الحضور في مقبرة الشمال، حيث تم الدفن، وفي البيت كان المعزون بين قادم وذاهب بأعداد كبيرة، ومن بين من لفت نظري من المعزين مشاركة إمام مسجد الحي، حيث موقع منزل الفقيد، فقد كان الشيخ يذكِّر الحضور بما كان يقوم به الفقيد من أعمال بر وصدقات، وأن من ضمن ما يتركه الإنسان بعد وفاته ولد صالح، وكان يجلس إلى جانبه ابن الفقيد الوحيد عبدالله، فيربت على كتفه، وكأنه يقول هذا هو الابن الصالح، الذي يدعو لوالده، وسوف يبر به، ويقتدي به، في لحظات تأثر تحول فيها مجلس العزاء إلى مجلس علم واستذكار، ومراجعة للنفس.

* *

واليوم، وأبو عبدالله يغادر هذه الدنيا الفانية إلى ما هو أفضل وأبقى إن شاء الله، يترك لنا الفقيد الغالي سيرة عطرة، ومسيرة مجللة بكل ما يُحتذى به، وتجربة حياتية يُعتد بها، ويودعنا وقد أغنانا بكل ما نتمناه لأنفسنا من عمل طيب، نحتاج فيه إلى محاكاته، والاقتداء به.

* *

وإذ أشارك زوجته الصابرة، وابنه، وبناته، وأسباطه، وشقيقه، وشقيقاته، وكل أفراد الأسرة الحزن، والأسى في غياب الفقيد العزيز أبي عبدالله، أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يكرمه منزلاً في جنات النعيم، وأن يعين الجميع على تحمُّل فقده، وعلى الصبر في تحمُّل غيابه، ولله ما أعطى، ولله ما أخذ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.