د.شريف بن محمد الأتربي
أطلقت المملكة العربية السعودية رؤية 2030 والتي شملت 17 برنامجاً تستهدف كافة قطاعات الدولة؛ ومن أبرز هذه القطاعات: قطاع السياحة، والذي عولت عليه الرؤية في توفير المزيد من فرص العمل إلى جانب المساهمة في تنويع مصادر الدخل غير النفطي، ومن أبرز ما استهدفه قطاع السياحة ضمن الرؤية: خلق فرص العمل للمواطنين، وذلك عبر مبادرات تهدف إلى تدريبهم في قطاع الضيافة، وإدارة الجولات السياحية، وتنظيم الفعاليات، مما سيوفر قرابة 1,600,000 فرصة وظيفية بحلول عام 2030، إلى جانب العمل على جذب شرائح متنوعة من الزوار، ودعم القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى نحو 10%، وتيسير قدوم المسلمين من مختلف أنحاء العالم لأداء فريضتي الحج والعمرة، والترويج للمملكة كوجهة سياحية تعزز البعد الروحي والثقافي للزائر.
تجاوزت المملكة هدفها السياحي في رؤية 2030 قبل سبع سنوات من الموعد المحدد، حيث استقبلت 100 مليون زائر محلي ودولي، وهو ما جعل المملكة تحدد هدفاً جديداً يتمثل في الوصول إلى 150 مليون زيارة بحلول عام 2030.
عملت المملكة على تحسين البنية الأساسية في كافة مناطقها لتكون مواكبة لتطلعات الدولة في استقبال الزائرين من خلال المملكة على اختلاف توجهاتهم، سواء كانت سياحية، أو علاجية، أو لحضور مؤتمرات، ومن أجل ذلك أنشأت العديد من الهيئات، منها: هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة، وهيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، وهيئة تطوير مدينة الرياض، وهيئة تطوير منطقة حائل، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير منطقة عسير.
تهدف هذه الهيئات إلى: إلى التخطيط والتطوير الشامل للمنطقة في المجالات العمرانية، والسكانية، والاقتصادية، والتنموية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والنقل، والبنية الأساسية، والبنية التحتية الرقمية، وتهدف كذلك إلى توفير احتياجات المنطقة من الخدمات والمرافق العامة.
تعمل هذه الهيئات على تحسين جودة الحياة، وتنفيذ مشاريع تنموية، وعلى الجانب الأخر لهذه العمال الشاقة يأتي الدور الإعلامي لها، حيث تقوم هذه الهيئات بالإعلان عن برامجها التنفيذية عبر وسائل الإعلام المختلفة ما بين المسموعة والمقروءة، ومن أحدث هذه الهيئات التي أُعلن عنها: «بوابة الملك سلمان». ففي الخامس عشر من أكتوبر 2025 أعلن سمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عن إطلاق المشروع على إجمالي مسطحات بناء بمساحة تصل إلى 12 مليون متر مربع بجوار المسجد الحرام.
يهدف مشروع «بوابة الملك سلمان» إلى تحقيق نقلة نوعية في تطوير البنية التحتية لمدينة مكة المكرمة والمنطقة المركزية بشكل خاص لتصبح نموذجاً عالمياً للتطوير العمراني، ليكون مساهماً رئيساً في دعم الجهود المبذولة على تطوير المنطقة وتسهيل الزيارة مع تقديم خدمات ذات جودة عالية لقاصدي بيت الله الحرام وإثراء رحلتهم الدينية والثقافية بما يتماشى مع مستهدفات برنامج خدمة ضيوف الرحمن.
يتميز مشروع «بوابة الملك سلمان» بموقع إستراتيجي بجوار المسجد الحرام، ويعد وجهة متعددة الاستخدامات تهدف في المقام الأول إلى الارتقاء بمنظومة الخدمات المقدّمة، وتوفير مرافق سكنية وثقافية وخدمية محيطة بالمسجد الحرام، كما يضيف المشروع طاقة استيعابية تتسع لما يقارب 900 ألف مصلٍ في المصليات الداخلية والساحات الخارجية.
يرتبط المشروع بوسائل النقل العامة لتسهيل الوصول إلى المسجد الحرام، ويمثّل مزيجاً استثنائياً متناغماً بين الإرث المعماري الغني لمكة المكرمة مع أرقى أساليب الحياة العصرية، بما يضمن أعلى مستويات الراحة.
كما يهدف المشروع إلى الحفاظ على الإرث التاريخي والثقافي لمدينة مكة المكرمة من خلال تطوير وإعادة تأهيل مساحة تقارب 19 ألف متر مربع من المناطق الثقافية والتراثية، لإثراء تجربة زائريها، وكذلك الإسهام في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م، على صعيد التنويع الاقتصادي من خلال استحداث أكثر من 300 ألف فرصة عمل بحلول 2036م بمشيئة الله.
كل هذه الجهود التي قدمتها -ولازالت تقدمها- هذه الهيئات تحتاج إلى ترجمة واقعية ضمن المقررات الدراسية لطلبة المدارس والجامعات لتكون جزءا لا يتجزأ من مفهومهم المعرفي، وأرثهم الثقافي، فهؤلاء الطلبة هم أنفسهم يمثلون شريحة كبيرة من الإرشاد السياحي غير الرسمي، حيث إن تواجدهم الفاعل في الميادين والأسواق ووسائل المواصلات يجعلهم على تواصل مستمر مع القادمين من خارج المملكة، لذا فهم في أشد الحاجة إلى معرفة ما تقوم به هذه الهيئات من اعمال حالية ومستقبلية وتأثيرها على القادمين من الخارج، على سبيل المثال، قيام الهيئة بمشروعات تحسين البيئة التحتية في منطقة ما لن يكون الخيار الأفضل للقادم من الخارج للسكن في هذه المنطقة، أو توجه الهيئة نحو نزع ملكية بعض العقارات للمنفعة العامة، أو إنشاء حديقة أو ملاعب في هذه المنطقة مما يجعلها مفضلة له، أو غيرها من الأعمال التي تقوم بها هذه الهيئات ويؤثر تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على سياح الداخل سواء السياحة الدينية أو غيرها.
إن الدور التثقيفي الذي يقع على عاتق هذه الهيئات ليس ترفا ولا عبئا عليها؛ بل هو من صميم أعمالها لما يمثله هذا الدور من تلاحم مع الأجيال القادمة، والتي ستحمل -بإذن الله- على عاتقها يوما ما مسؤولية إدارة القطاعات المختلفة للدولة.