
إعادة النظر في نهاية التاريخ - د.عبدالله بن موسى الطاير
د.عبدالله بن موسى الطاير
تناقلت وسائل الإعلام مشاهد فرحة غامرة لعشرات من النساء أمام المحكمة العليا في بريطانيا يحتفلن بقرارها التاريخي بحصر «تعريف المرأة على من ولدت أنثى». في أمريكا لم ينتظر الرئيس ترامب حكماً، بل أصدر مرسوماً بأن أمريكا ذكر وأنثى، لا غير. هذا في الشأن الاجتماعي، يتزامن ذلك مع انقلاب منظم على العولمة الاقتصادية، واهتمام بالهوية القومية، وحمائية اقتصادية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً. تداعيات تؤجّل نهاية التاريخ.
في عام 1992م، وبعد نحو ثلاث سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتي، أعلن فرانسيس فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» بجرأة أن الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت كأحدث أشكال الحكم البشري، ولم يبقَ لها منافس أيديولوجي قادر على تحدي نموذج الغرب المتمثّل في الحريات الفردية، وحقوق الإنسان، والأسواق الحرة والمؤسسات الديمقراطية، وبذلك توهم أنه كتب شهادة وفاة التاريخ كصراع أفكار، وأن كل النماذج البشرية للحكم وأسلوب الحياة قد أذعنت وسلمت للهيمنة الليبرو ديموقراطية الغربية. عفواً بروفيسور، لا يبدو أن النبوءة قد تحققت، فبعد 33 عاماً، تنتفض المجتمعات الغربية ذاتها على سلطة الليبرالية الديموقراطية، مما يُشير إلى أن هيمنة الديمقراطية الليبرالية ليست مضمونة، ولم تكن كذلك أصلاً.
استندت أطروحة فوكوياما إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية الليبرالية تُلبي الرغبات الإنسانية العالمية لتكون خط النهاية للتطور الأيديولوجي. ويبدو أن ذلك الزعم لم يكن له من شاهد إثبات سوى سقوط الشيوعية، ورغد العيش. وبسرعة نشطت المؤسسات الغربية بدعم حكومي لاضطهاد والتقليل من شأن الهويات الثقافية والحضارية المختلفة. لم يكتف هذا المد الإيديولوجي بالتبشير، وإنما استخدم السيف لنشر معتقداته، فأطيح بالدول، والأنظمة، واجتاحت القوات الأمريكية والغربية أكثر من بلد لاستنبات الديموقراطية، وفرض الأجندة الليبرو ديموقراطية، على أساس أنها الوحيدة لا شريك لها التي تحقق سعادة الإنسان.
ربما لم يخطر ببال فوكوياما أن يكون التحدي الأهم لرؤيته من داخل المجتمعات الغربية، فقد كان يتوقّع مقاومة من الإسلام والحضارات والثقافات الراسخة في الهند والصين، إلا أنه جزم بعدم صمودها لفترة طويلة أمام التمكين الغربي الناعم والخشن لأيديولوجيته. لا حقاً، خرجت من أصلاب الغرب حركة مقاومة ترفض فكرة أن الديمقراطية الليبرالية، كما تمارس في الغرب، هي حل واحد يناسب الجميع. تشير السياسات التي تؤكد على أمن الحدود والحمائية الاقتصادية والتراث الثقافي إلى رغبة في إعادة تأكيد السيطرة المحلية على سردية التقدم. يجادل المناوئون بأن الديمقراطية الليبرالية، في شكلها الحالي، قد أنهكت الهوية الوطنية والاستقرار الاقتصادي، مفضلة النخب على المواطنين العاديين، والأقليات على الأكثريات. يتردد صدى هذا التحدي الداخلي شعورا عالميًا بالرفض، من فيكتور أوربان في المجر إلى ناريندرا مودي في الهند، حيث الدفاع عن نماذج حكم قومية عرقية متميزة ثقافيًا. قدمت المملكة بهدوء نموذجاً قابلاً للحياة في الحكم والاستقرار والتنمية قائم على شرعية الإنجاز الذي سبق المد الليبرو ديموقراطي وعاصره، وبقي واحداً من الأقطاب الرئيسة التي تشكل مستقبل عالم متعدد الأطراف.
المتغيّرات المعاصرة كشفت هشاشة الديمقراطية الليبرالية في مواجهة المعارضة الداخلية، والاستقطاب المتزايد بين مكونات المجتمع الواحد، مدفوعة بانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، بل حتى الديمقراطيات الراسخة لم تعد بمنأى عن التراجع الأيديولوجي والتشكيك المنظم. لم يتوقف التحدي عند هذا الحد، بل ظهرت سرديات حضارية بديلة، كرأسمالية الصين، التي تعتبر نموذجاً منافسًا يُعطي الأولوية للاستقرار والنمو على الحريات الفردية، مما جذب حوله العديد من الدول التي تخشى الهيمنة الغربية. وبالمثل، تُؤكد نماذج الحكم في البلدان الإسلامية كالمملكة، ودول الخليج، وتركيا، وماليزيا وإندونيسيا، على الاستقلال الثقافي لمجتمعاتها ضمن إطار فكري جامع. لا ريب أن أجندة اليمين اليوم في أمريكا تجسد الحنين إلى الماضي، مُستدعيةً العودة إلى ما يُفترض أنه عصر ذهبي من التماسك الثقافي والاعتماد على الذات اقتصاديًا وهو الشعار الذي يرفعه الجمهوريون MAGA.
قد تعمد الليبرالية الديموقراطية إلى مراجعات مفصلية؛ كمعالجة المظالم التي تُغذي السخط الشعبي من تفاوت اقتصادي واغتراب ثقافي، للحيلولة دون فسح المجال لصراع أيديولوجي قد يكون دامياً، تكون فيه الديمقراطية الليبرالية مجرد محارب واحد من بين العديد من المحاربين. وعلى الرغم من أن صعود اليمين في أمريكا وأوروبا ليس شذوذًا، بل تحذيراً من أن التاريخ لم ينتهِ بعد، وما زال آخر إنسان يبحث عن مكانه في عالمٍ مُمزق، فإن أجندة هذا اليمين أيضاً بحاجة إلى تعهد بالمراجعة والإصلاح والنأي بالنفس عن الكمال الذي تخيله فوكوياما لليبرالية الديموقراطية.
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 334
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 451
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 285
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 339
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 317
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 495
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...