Wednesday, May 14, 2025

All the News That's Fit to Print

خالد بن حمد المالك

شهدت زيارة الرئيس دونالد ترمب للمملكة في يومها الأول حراكاً استثمارياً كبيراً، ظهرت فيه طبيعة العلاقات الثنائية من أنها علاقات استراتيجية متميزة، ومبنية على الثقة والتعاون والتكافل بين البلدين الصديقين.

* *

ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي كان حريصاً على توسيع فرص الاستثمار بين الرياض وواشنطن، متناغماً في ذلك مع توجهات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وكأنه إحياء لتفعيل هذا التوجه الذي شهد التراجع خلال فترة رئاسة بايدن للرئاسة الأمريكية.

* *

ولا بد من التذكير بأن الاستثمارات السعودية مبنية على قرارات استراتيجية، تضع مصلحة المملكة في المقام الأول، وتأخذ في الاعتبار ما يتمتع به الاقتصاد الأمريكي من مناخ استثماري جاذب، حيث يعد السوق الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم.

* *

ومعلوم بأن الاستثمارات الضخمة ذات الطابع الاستراتيجي كالتي تضمنتها الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين، بأنها طويلة المدى، وتتطلب في العادة جدولة زمنية للوفاء بالالتزامات المالية، على مدى زمني طويل، كما أن عوائدها لييست سريعة ووقتية، بل بعيدة ومستدامة، مع ملاحظة السعي نحو جذب مقرات الشركات الأمريكية للمملكة ضمن إسهام اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا، وكذلك رفع نسب التوطين في صناعات المستقبل، ونقل المعرفة إلى داخل المملكة، وتمكين المواطنين والمواطنات منها.

* *

وسوف يخدم هذا التعاون الاستثماري بين البلدين مستهدفات المملكة بأن تكون مركزاً لوجستياً لخدمة الاقتصاد العالمي، كما أن الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن ستوفر في مجال الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات أكثر من 22 ألف وظيفة نوعية في المملكة، وزيادة الناتج المحلي بما قيمته 24 مليار دولار بحلول عام 2030م.

* *

ما لاحظناه في الزيارة، وما تم فيها، وكأنها ترسل رسائل مهمة على أن العلاقات السعودية الأمريكية الراسخة والتاريخية لا تتأثر بموقف، أو مع تباين في وجهات النظر، لأنها تستمد جذورها وتميزها وتماسكها من القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمع المملكة بأمريكا.

* *

جاءت أول إشارة مهمة عن الزيارة من ذلك الترحيب الفخم بالرئيس ترمب، فقد كان استقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان له في المطار، تقديراً لمكانة الرئيس ومكانة الولايات المتحدة الأمريكية، والتفاؤل بنجاح الزيارة التي اعتبرها ترمب زيارة تاريخية ومهمة للمملكة وللمنطقة.

* *

يلخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العلاقة السعودية الأمريكية بمضامين مهمة في كلمة لسموه في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي بالقول: إن الاستثمارات المشتركة هي إحدى أهم ركائز علاقات البلدين الاقتصادية، وأن هذه العلاقة تبدأ بالطاقة وصولاً إلى المعرفة والابتكار.

* *

يضيف الأمير بأن المملكة هي أكبر شريك اقتصادي لأمريكا في المنطقة، وحجم هذه الشراكة تصل إلى 600 مليار دولار، وأن 40% من الاستثمارات العالمية لصندوق الاستثمارات العامة تتجه لأمريكا، وحوالي 1300 شركة تستثمر اليوم في المملكة، يحدث هذا وكأنه للتأكيد على أن رؤية المملكة أحدثت تحولاً اقتصادياً غير مسبوق، والعمل الاقتصادي بين البلدين - والكلام لسموه - لا يقتصر على التعاون الاقتصادي، وإنما يمتد إلى إحلال الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.

* *

ومن إيجابيات هذه الزيارة التاريخية بكل تفاصيلها المهمة، ما أعلنه الرئيس ترامب في كلمته بمنتدى الاستثمار السعودي الأمريكي من جملة قرارات ومواقف، أهمها قراره برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بطلب من الأمير محمد بن سلمان، وتأكيده على أن واشنطن ستجعل علاقاتها بالرياض أقوى من ذي قبل، وأن مستقبل الشرق الأوسط يبدأ من السعودية، ووصفه الأمير محمد بن سلمان بالرجل العظيم الذي لا مثيل له، وأعظم من مثَّل شعبه بعمله بجد.

* *

ترامب قال في كلمته: إن كل ما يقوم به الآن هو من أجل الأمير محمد بن سلمان، مثمناً في الوقت ذاته دور الرياض البنّاء في تيسير المحادثات المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، كما أكد أنه لا ينسى الضيافة الاستثنائية أبداً التي أكرمه بها الملك سلمان قبل 8 سنوات، مُجدداً التأكيد في الوقت ذاته بأن زيارته إلى الرياض زيارة تاريخية، مشيراً إلى أن السعودية حافظت على تقاليدها وعاداتها مع تطلعها إلى المستقبل، مبيناً أن ما يحدث في هذه المنطقة معجزة حديثة على الطريقة العربية، وفي السياق ذاته أشار إلى أنه لن يتردد لحظة باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن السعودية.

* *

لقد هيمنت الأجواء الاقتصادية على الساعات الأولى من اليوم الأول لهذه الزيارة، فقد اعتبر كبير مستشاري البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي ديفيد ساكس بأن الشراكة مع المملكة تمكننا من بناء مستقبل الذكاء الاصطناعي والابتكار العالمي، مشيداً بجهود المملكة في بناء منظومة تقنية مبتكرة، وأن المملكة باتت شريكاً رئيساً لأمريكا في رسم ملامح مستقبل العصر الذكي.

* *

في اليوم الأول من الزيارة شهدت الرياض جلسات حوارية ضمن منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وهي التي أصبحت لاعباً محورياً دولياً من خلال استثمارات المملكة في البنية التحتية الرقمية، واستخداماتها للتقنيات المتقدمة في قطاعات حيوية مثل ما تقدمه من خدمات في مجال الصحة.

* *

يتحدث الرئيس التنفيذي لمجلس الأعمال السعودي الأمريكي تشارلز حلاّب عن الزيارة ويصفها بأنها تعكس متانة واستمرارية العلاقات الثنائية بين البلدين، وأن هذه الزيارة تحديداً تمثل محطة مهمة في مسيرة الشراكة الاستراتيجية، وأنها تتسم بالاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والروابط العميقة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.

* *

ويرى وزير الخزانة الأمريكي سكوت بسنت بأن ما تم إبرامه من اتفاقيات سوف تسهم في تحقيق تحسن اقتصادي ملموس، دون أن يغفل اعتزازه بعلاقة بلاده الوثيقة مع المملكة، بينما يرى نائب الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية باتريك مانشينو في وصفه للزيارة بأنها تجسد إدراكاً عميقاً لدورها المحوري في العالم الإسلامي والمنطقة، وقال باتريك مانشينو بأن اختيار المملكة لتكون وجهة الرئيس الأولى في ولايته الثانية يعكس إدراكاً عميقاً لمكانة المملكة إقليمياً ودولياً، ويعد مؤشراً على وعي القيادة الأمريكية بدور المملكة، وثقلها السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

* *

وأمام كل هذا الانطباع الأمريكي الجميل عن العلاقات السعودية الأمريكية، فكأننا أمام فرصة جديدة لصناعة تاريخ مشترك لمستقبل الأجيال في البلدين والعالم، في زمن يقوم على التكتلات، والتعاون المشترك، وبناء التحالفات المفيدة للطرفين وللعالم.

* *

الزيارة في ساعاتها الأولى، وهذه الكلمة أكتبها، بينما لا يزال برنامج زيارة الرئيس حافلاً بملفات مهمة من جانبه، وأخرى من جانب ولي العهد، وكلها مفيدة ومتنوعة وعلى جانب كبير من الأهمية، وسوف تفعّل سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وفق قناعات وتوافق بين القائدين الكبيرين محمد بن سلمان ودونالد ترمب.

* *

هذه ولا شك إنجازات عظيمة، وقرارات تاريخية، بعضها ثنائي تمس العلاقات السعودية الأمريكية، وأخرى تعالج قضايا شائكة ومعقدة عربياً ودولياً، وكانت تلك تحتاج إلى مبضع جراح ماهر، فإذا به محمد بن سلمان، وإذا به دونالد ترمب، وقد تم كل هذا بالتفاهم، والحوار البناء، ومكانة المملكة التاريخية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، والصداقة المميزة بين الأمير محمد والرئيس ترمب.

* *

نؤمن تماماً بأنه متى غاب التعاطي المرن مع القضايا الشائكة، فمن المؤكد ان تغيب الحلول، وحين تستعصي الحلول، فتأكدوا أن التشدد كان هو سيد الموقف، لكن حوار الرياض بين ولي العهد والرئيس الأمريكي تميز باستحضار الإيجابيات لحل المشكلات، وكان اتجاه القائدين يأخذ بمسار التغلب على التحديات وهزيمتها بمثل ما تم الاتفاق عليه بينهما.

* *

لم يقتصر دور الأمير محمد بن سلمان في كل ما تحقق على ما يخص العلاقات الثنائية، وعلى مصالح البلدين الصديقين، وإنما امتد ليشمل دولاً أخرى وضعت حل مشاكلها أمانة في يد القائد الكبير محمد بن سلمان، فكانت الزيارة التاريخية لزعيم أمريكا القوي للمملكة فرصة لولي العهد لاستثمار علاقاته المميزة للتفاهم عليها مع الرئيس الأمريكي ترمب، ومعالجتها وفق ما تم التفاهم عليه، وثم الخروج بالنتائج المبهرة التي أعلن عنها الرئيس ترمب، ونسب تحقيقها إلى مبادرات محمد بن سلمان في التوسط لإيجاد حلول لها، وهذا ما تم.

* *

ولابد لنا أن نثمن للرئيس الأمريكي ترمب كلماته الجميلة المستحقة للمملكة وللأمير محمد بن سلمان، والثناء الذي أبداه عن حسن قيادة المملكة وسياساتها، وتأثره باللقاء التاريخي السابق مع الملك سلمان، وتأكيده على التعاون البناء مع المملكة في كل شيء، وأنه لن يسمح بأن يساء إليها، أو يُمس أمنها بسوء، وكأنه بذلك يترجم طبيعة العلاقة التاريخية بين واشنطن والرياض.

* *

لقد تطابقت حقاً نتائج الزيارة مع ما سبقها من تصريح للرئيس الأمريكي بأنها سوف تكون زيارة تاريخية، وبالرجوع إلى خطاب الرئيس الأمريكي، وما حواه من قرارات يتأكد لدينا الآن بأنها -بالفعل- زيارة تاريخية، فقد لامس الرئيس ترمب الكثير من المشاكل، وأعلن عن تصميمه لمعالجتها على نحو سوف يعزز عودة الهدوء والأمن والاستقرار لمنطقتنا.

* *

ما يهمنا أخيراً من هذه الزيارة أنها أظهرت لأشقائنا العرب كم هي المملكة بقادتها حريصة على مصالحهم، مدافعة عن حقوقهم، تعمل من أجل أن تكون في موقف خط الدفاع عنهم، باستثمار علاقاتها المميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكل دول العالم، دون أن تهتم، أو تعطي بالاً، أو تتوقف عند بعض ما تتعرض له من إساءات، وتجريح، وجحود، ونكران لكل المواقف السعودية الداعمة لهم، فالمملكة تقوم بكل هذا دون أن تمن به، أو تنتظر مقابلاً له، فتاريخها ناصع ومشرف، وإن حاول بعضهم دون أن ينجح الالتفاف عليه، وتغيير صورته.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...