Thursday, May 15, 2025

All the News That's Fit to Print

عادل علي جودة

أقصد ذاك الشاب الذي وهب روحه لتلك الحسناء؛ الأرض التي احتضنته ووهبته كل حبها، ذاك الشاب الفارع الطول، ذو العينين السوداوين، والشعر الأسود الثائر، والجسد الحي النابض بالرجولة الذي لم تصرفه بنات القرية كلهن عن حبه لأرضه وعشقه لها.

ذاك الشاب الذي ألهب قلوب الصبايا بوسامته وخصاله النبيلة، فكانت ترتبك عيونهن حينما يستدرن ليجدن قده الفارع الممشوق أمامهن، إلا أن عينيه لم تهبا نظراته الدافئة لوجهٍ غير وجه محبوبته فلسطين؛ فلسطين الأرض، والشعب، والتاريخ، والمقدسات، والقضية التي لم تزل ضائعة تائهة.

ذاك الشاب الذي استشعر سَوءةَ الصمت على اغتصاب الأرض وانتهاك الحرمات، ذاك الشاب الذي شهد إحدى العصابات الصهيونية تشن هجومًا على قريته والناس نيام فأحدثوا فيها الفساد وقتلوا ودمروا، وعلى إثر ذلك استشهد ثلاثة شبان، فترك عمله وغاب خمسة أيام، ثم عاد في ظلمة الليل؛ كي لا يراه أحد وهو يحمل خمس بواريد (بنادق) بدائية الصنع اشتراها بما استطاع توفيره من أجرته في محل النجارة الذي يملكه أبو حسن.

بعد شهر عاودت العصابات اقتحام القرية، إلا أن ذاك البطل كان قد وزع تلك البواريد على الأشداء من شباب القرية، فكانت المفاجأة التي لم يتوقعها المعتدون الذين فروا مدبرين متوعدين بالانتقام بعد مواجهة دامية سقط لهم فيها ستة قتلى.

في اليوم التالي، عمّت الفرحة أهل القرية، ولاسيما النسوة اللواتي رُحْن يبِعن ما يملِكن من الذهب والمجوهرات لشراء المزيد من البواريد. وبعد أيام قليلة عادت العصابات الصهيونية ليلًا للأخذ بالثأر. فاندلعت معركة كبيرة في كروم التفاح، استشهد فيها عدد كبير من أبناء القرية، مقابل عدد أكبر من أفراد العصابات. ولما اندحر المعتدون يجرون أذيال الهزيمة قام أهل القرية بحصر شهدائهم والتعرف عليهم، فلم يجدوا «ذاك الشاب» بينهم، كما لم يكن من بين الأحياء.

وهكذا اختفى «ذاك الشاب»، فأجمع أهل القرية على قوته وجرأته وهو يقاتل المعتدين بشراسة، حتى صرع منهم أكثر من عشرين صهونيًّا، لقد كان يستخدم بندقيتين في آن واحد، وشاهدوه وهو يحمل المصابَين عمار وجهاد من ساحة القتال، وينقذ آخرين والرصاص من فوقه كزخ المطر، ثم بعد انسحاب الصهاينة لم يظهر له أثر.

لقد غاب

حمل أوجاعه بصمت

ورحل دونما وداع

مضَى حيث يكون أو لا يكون

غادر وفي يقينه أنه لن يعود

ولا يدري أنه أبقى

بصمة خالدة في سويداء القلوب

بصمة نقشت معالمها على كل جدار

على الرمال وعبر أمواج البحار

على ألواح الصبّار

وفي حبات العيون

على شفاه الورود

وعبر أنغام الطيور

لقد غاب جسدًا

تاركًا دمعةً

تلسع الخدود

تحكي بأحبار الوريد روايةً

تروي تراب الأرض

تسكن الأرواح

تكتب عنوان المجد على سبورة التاريخ

واليوم - أنا عادل؛ كاتب هذه السطور - أراه طيفًا متجددًا يصنع المستحيل.

أراه تحت الأرض وفوق الأرض على امتداد «قطاع غزة» الثائر العصي الأبي؛ أراه يُحلق عاليًا

لكنني أيضًا أراه حزينًا دامعًا على ما أصاب «غزة» من قتل، وتشريد، وتدمير، وحصار، وتجويع، وأراه قلبًا باكيًا على ما أصاب بني جلدتنا، وذوي القربى من ضعف، وعجز، وقلة حيلة، وهوان.

وهأنذا أسمعه صرخةً لاذعة تعاتب فاقدي البصر والبصيرة وضعاف النفوس المتآمرين، والمخذلين، والساكتين، والمنقسمين، وذوي الأطماع المريضة المحتكرين والمنتهزين، قائلًا: أنا «ظريف الطول» ووا أسفاه عليكم كم أنتم لاهون ومُغيبون، ووا حزناه عليكم كم أنكم في القريب لنادمون.

وأراه خاشعًا يرفع كفَّيْهِ بالدعاء لغزة ولشعبها؛ اللهم اغْنِهم بفضلك عمّن سواك، اللهم أغثهم، وفرّج عنهم، وكن لهم ناصرًا ومعينًا، يا رب العالمين.

** **

- كاتب فلسطيني

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...