علوم وتكنولوجيا

- التفاصيل
- علوم وتكنولوجيا

هل تريد أن تتدرب استعدادا للسفر إلى الفضاء، أو للتحليق بطائرة حربية حديثة؟ ربما سيتوجب عليك خوض اختبار يشمل دخول جهاز للطرد المركزي خاص برواد الفضاء عمره 60 عاماً، ولا يزال الطيارون يستخدمونه اليوم لإظهار قوة تحملهم.
في إحدى اللقطات القصيرة التي لا تُنسى من فيلم "آلة الزمن" لعام 2002، والذي لاقى انتقادات شديدة، ينتقل البطل "غاي بيرس" إلى المستقبل، ونرى كيف يتغير العالم من حوله.
فتتحول العربات التي تجرها الخيول إلى سيارات، وتتحول الماكينات إلى أجهزة الكترونية، وتظهر كذلك مدينة حديثة، لكن "بيرس" يظل معزولاً داخل فقاعة آلته الزمنية القديمة.
لقد حدث نفس الشيء لجهاز الطرد المركزي المصمم للبشر الذي يشبه تلك الآلة، والذي يقبع في مدينة فارنبورو جنوبي انجلترا. كان ذلك الجهاز فيما مضى جزءاً من منشأة عسكرية، ثم أصبح معزولا في إحدى المناطق الصناعية. أما اليوم، فيقبع ذلك الجهاز داخل مبنى حديث.
لكن عند مقارنة ذلك المبنى الدائري المؤلف من ثلاثة طوابق مع الصور التي التقتت له عند افتتاحه أول مرة عام 1955، ستجد أنه لا يزال على نفس حالته التي كان عليها بالضبط.
يستمر هذا الشعور الغريب عندما تدخل منطقة الاستقبال بالمبنى ـ وهي غرفة خالية تحوي مكتباً نظيفاً من خمسينيات القرن الماضي ـ أو عندما تصعد السلالم المبنية من الخرسانة لتصل إلى غرفة الاجتماعات. هنا، تجد 50 كرسياً معدنياً وهي تحيط بطاولة خشبية طويلة. حتى الجدران لها لون غريب من الطراز القديم.
مع كل ما ذكر، يبدو جلياً أن الرجل الجالس خلف ذلك المكتب هو رجل من المستقبل. كان الرجل يرتدي بدلة خضراء داكنة من قطعة واحدة، وتصل حتى الرقبة، وتتصل بها أسلاك وأنابيب في أجزاء مختلفة بمنطقة الصدر والساقين.
يبدو "إد مارتن" فى تلك البدلة وكأنه من طياري المستقبل. لم يشبه سلوكه أبطال فيلم "الرجال الحقيقيون"، إذ ترى قطرات طويلة من العرق تصببت على وجهه، وتلك هي النتيجة المؤسفة لارتدائه أحدث الأطقم الشتوية الخاصة بطياري القوة الجوية في غرفة مفرطة الحرارة في أواخر الصيف.
"مارتن" هو أحد المتطوعين. لقد ارتدى تلك الملابس ليختبر نموذجاً جديداً للسراويل المضادة للجاذبية. ويلبس قائدو الطائرات هذه الملابس التي تتصل بالكترونيات الطائرة لكي تنتفخ أثناء عمليات التحليق السريعة جداًـ مما يدفع الدم بعيداً عن الساقين باتجاه الدماغ ليحول دون إغماء الطيارين.
وقد استُعملت هذه البدلات الخاصة لعشرات السنين، وهي أمر جوهري عند التحليق في الطائرات المقاتلة العصرية، مثل طائرة "التيفون" البريطانية. من المؤكد أن هذه البدلات ستستعمل في صواريخ وطائرات الفضاء في المستقبل.
يقول ديز كونوللي، الطبيب المشرف على تلك التجارب: "تنتفخ تلك السراويل المضادة للجاذبية لتدفع الدم نحو أعلى الجسم، باتجاه الصدر. لذا، بدل توجه الدم نحو الساقين، تتم المحافظة على ضغط الدم لكي يساعد ذلك في دفع الدم باتجاه الرأس".
وتدير شركة تُدعى "كينيتيك" تلك المنشأة، وهي شركة تكنولوجيا دفاعية وفضائية. ولأسباب تجارية، وأخرى سرية واضحة، لن يُخبرني أي من العاملين في هذه الشركة عما هو مبتكر في هذه البدلة بالضبط.
لقد صُنعت السراويل التي يرتديها "مارتن"، على وجه الخصوص، من مواد جديدة. رغم كل ذلك، سيدعني العاملون هنا أرى ما يجري وهم يجربون تلك البدلة و"مارتن" يرتديها في أحد الاختبارات المروعة.
بينما يقومون بربط مارتن بإحكام في مقعد به خمسة مواقع يقيد منها، يوضح لنا الرجل قائلاً: "سيجعلوني أدور في هذا الجهاز بقوة G 9 ـ وهي قوة جاذبية تعادل تسعة أضعاف جاذبية الأرض ـ مما سيزيد من وزني تسعة أضعاف".
يقع مقعد "مارتن" ـ المماثل لذلك الموجود في طائرات التيفون ـ ضمن عربة جندول بيضوية تظهر عليها آثار أضرار قديمة. تتأرجح العربة من نهاية ذراع معدنية قطرها 60 قدماً.
قال لي "مارتن"، بينما كنت أنظر إليه غير مصدق ما سيجري: "مررت بهذا الاختبار بضعة مرات ـ إنه ممتع جداً".
يستقر ذراع جهاز الطرد المركزي على قاعدة في حجرة دائرية عالية. تحت هذه القاعدة محرك كهربائي له القدرة على توليد تسارع يؤدي إلى فقدان وعي أكثر الناس العاديين ـ إذا لم يرتدوا السراويل المضادة للجاذبية.
كمبيوتر من زمن غابر
مع ربط "مارتن" في مقعده وتوصيله بأجهزة مراقبة القلب والتنفس، جرى توصيل بدلته بجهاز تزويد الهواء، وأصبح كل شيء جاهزاً للبدء في الاختبار.
أطفئت جميع الأنوار في الحجرة تاركة الجندول وكأنه معلق في الفضاء. يغلق أحد التقنيين الباب الحديدي الثقيل الموجود في قاعة جهاز الطرد المركزي ويغلقها بإحكام.
تقع غرفة التحكم في الأعلى لتطل على تلك الحجرة. هنا يصدر صوت أزيز الكمبيوتر الذي يشغل الجهاز. في هذا العام، تحتفل أجهزة هذه الغرفة أيضاً بالذكرى الـ 60. ولذلك الكمبيوتر الميكانيكي النادر معدات وأحزمة وقضبان عديدة، وهو يشبه مجمدة رمادية مستعرضة.
وهذا البرنامج يتكون من قرص مسطح على شكل حلزوني، يسمونه ’كام‘. ويبلغ حجم كل ’كام‘ حجم اسطوانة التسجيلات البلاستيكية.
يضغط الفني على مفتاح التشغيل ـ وهو عبارة عن زر كبير من النوع القديم. يقع المفتاح على وحدة تحكم من الطراز التقليدي مثل الذي يستعمله البطل "فلاش غوردن". عندها، تبدأ أقراص الجهاز بالوميض ويدور قرص الكمبيوتر، ثم يبدأ جهاز الطرد المركزي في الدوران.
سرعة عالية
صُمم الجهاز ليماثل سُرعات التحليق العالية التي يواجهها الطيارون وحتى رواد الفضاء، في وقت كان يُعتقد فيه (أو ربما كان من المؤمل) أن تقوم بريطانيا بتطوير برنامجها الخاص بها لإطلاق رواد الفضاء.
كانت تصاميم الصواريخ في منتصف خمسينيات القرن الماضي توصي بالحاجة إلى سرعٍات عالية جداً بهدف التحرر من الجاذبية الأرضية والوصول إلى مدار حول الأرض.
ونتيجة لذلك، فإن مقياس ’قوة ـ ج‘ (G) للجاذبية على الجدار تشير إلى 35 درجة، مع أنه سرعان ما تبين عدم استطاعة أي إنسان تحمل هذه القوة المفرطة للجاذبية. في أيامنا هذه، لا تتعدى القوة القصوى أكثر من تسعة أضعاف قوة الجاذبية الأرضية (9 G).
ربما تعود التقنية إلى منتصف القرن العشرين، لكن التجارب لا زالت تُجرى لاختبار أحدث إلكترونيات الطيران وأجهزة الفضاء.
يقول "كونوللي": "بالرغم من حقيقة أنها تقنية تعود إلى 60 سنة مضت، فإنها قد تُستعمل خلال هذا العام أكثر من أي عام مضى".
إضافة إلى اختبار أداء أحدث السراويل المضادة للجاذبية، فإن التجربة الحالية تشمل دراسات حول نظارات الرؤية الليلية، وتأثير تمارين معينة في تفادي حصول إصابات الظهر والعنق عند التعرض لقوى عالية مضادة للجاذبية. إحدى الأمور الأخرى المثيرة للاهتمام هي تأثير التسارع لفترات طويلة على الرئتين.
يقول "كونوللي": "تميل الأجزاء السفلى من الرئتين إلى الإنطواء على بعضها عند المرور بقوة عالية مضادة للجاذبية، عندما تتنفس هواءً ذا تركيز عالٍ من الأوكسجين. ذكر الطيارون أنهم عانوا من سعال وألم خلف عظمة الصدر. لعل ذلك يشير إلى ميلٍ لنقص الأوكسجين أثناء التحليق".
بخلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة، فإن ذلك الجهاز الموجود في "فارنبورو" بانجلترا يعد جهازا متعدد الجوانب أيضاً. رغم أن معظم العمل الحالي يشمل الطائرات الحربية، لكن يمكن إعادة ترتيب الجندول ليماثل تسارع المركبات الفضائية.
وقد جرى تدريب عدد من سياح الفضاء بالفعل على هذا الجهاز. كما تأمل شركة "كينيتيك" في جذب زبائن آخرين، كلما تطور هذا المجال.
بعد القيام ببضعة تجارب، اقتربنا من ذروة الاختبار. إذ يتنامى تسارع جهاز الطرد المركزي حتى يوضع المتطوع في حالة مماثلة لحركات طيران قتالية.
"أكثر السنوات انشغالاً"
سمعنا صوت التنفس الثقيل لـ"مارتن" عبر مذياع خشبي من خمسينيات القرن الماضي. كان جهاز الطرد المركزي يدور، مثل "عجلة كاثرين" في الظلام تحتنا، دافعاً قوة التحمل البشري إلى حدودها القصوى.
"ينتابني شعور جيد"، حسبما يقول "مارتن" عندما انتهت التجربة. ويضيف: "كان الأمر مُسلياً".
نجا "مارتن"، ويبدو أن سراويل التكنولوجيا الجديدة قد أدت عملها بإتقان. علينا أن نعتبر هذه نتيجة ناجحة.
لقد استُعمل هذا الجهاز التكنولوجي القديم على مدار الساعة طيلة 60 عاماً. بدأ ذلك قبل بزوغ فجر عصر الفضاء. ويبدو من الأرجح أنه سيستمر لفترة طويلة أيضا في عصر الحروب الالكترونية والرحلات التجارية لاستكشاف الفضاء.
يقول كونوللي: "إنها أكثر السنين انشغالاً في تاريخ جهاز الطرد المركزي. لذا، لن يصبح خارج الخدمة في المستقبل القريب".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
- التفاصيل
- التفاصيل
- علوم وتكنولوجيا

هل تريد أن تتدرب استعدادا للسفر إلى الفضاء، أو للتحليق بطائرة حربية حديثة؟ ربما سيتوجب عليك خوض اختبار يشمل دخول جهاز للطرد المركزي خاص برواد الفضاء عمره 60 عاماً، ولا يزال الطيارون يستخدمونه اليوم لإظهار قوة تحملهم.
في إحدى اللقطات القصيرة التي لا تُنسى من فيلم "آلة الزمن" لعام 2002، والذي لاقى انتقادات شديدة، ينتقل البطل "غاي بيرس" إلى المستقبل، ونرى كيف يتغير العالم من حوله.
فتتحول العربات التي تجرها الخيول إلى سيارات، وتتحول الماكينات إلى أجهزة الكترونية، وتظهر كذلك مدينة حديثة، لكن "بيرس" يظل معزولاً داخل فقاعة آلته الزمنية القديمة.
لقد حدث نفس الشيء لجهاز الطرد المركزي المصمم للبشر الذي يشبه تلك الآلة، والذي يقبع في مدينة فارنبورو جنوبي انجلترا. كان ذلك الجهاز فيما مضى جزءاً من منشأة عسكرية، ثم أصبح معزولا في إحدى المناطق الصناعية. أما اليوم، فيقبع ذلك الجهاز داخل مبنى حديث.
لكن عند مقارنة ذلك المبنى الدائري المؤلف من ثلاثة طوابق مع الصور التي التقتت له عند افتتاحه أول مرة عام 1955، ستجد أنه لا يزال على نفس حالته التي كان عليها بالضبط.
يستمر هذا الشعور الغريب عندما تدخل منطقة الاستقبال بالمبنى ـ وهي غرفة خالية تحوي مكتباً نظيفاً من خمسينيات القرن الماضي ـ أو عندما تصعد السلالم المبنية من الخرسانة لتصل إلى غرفة الاجتماعات. هنا، تجد 50 كرسياً معدنياً وهي تحيط بطاولة خشبية طويلة. حتى الجدران لها لون غريب من الطراز القديم.
مع كل ما ذكر، يبدو جلياً أن الرجل الجالس خلف ذلك المكتب هو رجل من المستقبل. كان الرجل يرتدي بدلة خضراء داكنة من قطعة واحدة، وتصل حتى الرقبة، وتتصل بها أسلاك وأنابيب في أجزاء مختلفة بمنطقة الصدر والساقين.
يبدو "إد مارتن" فى تلك البدلة وكأنه من طياري المستقبل. لم يشبه سلوكه أبطال فيلم "الرجال الحقيقيون"، إذ ترى قطرات طويلة من العرق تصببت على وجهه، وتلك هي النتيجة المؤسفة لارتدائه أحدث الأطقم الشتوية الخاصة بطياري القوة الجوية في غرفة مفرطة الحرارة في أواخر الصيف.
"مارتن" هو أحد المتطوعين. لقد ارتدى تلك الملابس ليختبر نموذجاً جديداً للسراويل المضادة للجاذبية. ويلبس قائدو الطائرات هذه الملابس التي تتصل بالكترونيات الطائرة لكي تنتفخ أثناء عمليات التحليق السريعة جداًـ مما يدفع الدم بعيداً عن الساقين باتجاه الدماغ ليحول دون إغماء الطيارين.
وقد استُعملت هذه البدلات الخاصة لعشرات السنين، وهي أمر جوهري عند التحليق في الطائرات المقاتلة العصرية، مثل طائرة "التيفون" البريطانية. من المؤكد أن هذه البدلات ستستعمل في صواريخ وطائرات الفضاء في المستقبل.
يقول ديز كونوللي، الطبيب المشرف على تلك التجارب: "تنتفخ تلك السراويل المضادة للجاذبية لتدفع الدم نحو أعلى الجسم، باتجاه الصدر. لذا، بدل توجه الدم نحو الساقين، تتم المحافظة على ضغط الدم لكي يساعد ذلك في دفع الدم باتجاه الرأس".
وتدير شركة تُدعى "كينيتيك" تلك المنشأة، وهي شركة تكنولوجيا دفاعية وفضائية. ولأسباب تجارية، وأخرى سرية واضحة، لن يُخبرني أي من العاملين في هذه الشركة عما هو مبتكر في هذه البدلة بالضبط.
لقد صُنعت السراويل التي يرتديها "مارتن"، على وجه الخصوص، من مواد جديدة. رغم كل ذلك، سيدعني العاملون هنا أرى ما يجري وهم يجربون تلك البدلة و"مارتن" يرتديها في أحد الاختبارات المروعة.
بينما يقومون بربط مارتن بإحكام في مقعد به خمسة مواقع يقيد منها، يوضح لنا الرجل قائلاً: "سيجعلوني أدور في هذا الجهاز بقوة G 9 ـ وهي قوة جاذبية تعادل تسعة أضعاف جاذبية الأرض ـ مما سيزيد من وزني تسعة أضعاف".
يقع مقعد "مارتن" ـ المماثل لذلك الموجود في طائرات التيفون ـ ضمن عربة جندول بيضوية تظهر عليها آثار أضرار قديمة. تتأرجح العربة من نهاية ذراع معدنية قطرها 60 قدماً.
قال لي "مارتن"، بينما كنت أنظر إليه غير مصدق ما سيجري: "مررت بهذا الاختبار بضعة مرات ـ إنه ممتع جداً".
يستقر ذراع جهاز الطرد المركزي على قاعدة في حجرة دائرية عالية. تحت هذه القاعدة محرك كهربائي له القدرة على توليد تسارع يؤدي إلى فقدان وعي أكثر الناس العاديين ـ إذا لم يرتدوا السراويل المضادة للجاذبية.
كمبيوتر من زمن غابر
مع ربط "مارتن" في مقعده وتوصيله بأجهزة مراقبة القلب والتنفس، جرى توصيل بدلته بجهاز تزويد الهواء، وأصبح كل شيء جاهزاً للبدء في الاختبار.
أطفئت جميع الأنوار في الحجرة تاركة الجندول وكأنه معلق في الفضاء. يغلق أحد التقنيين الباب الحديدي الثقيل الموجود في قاعة جهاز الطرد المركزي ويغلقها بإحكام.
تقع غرفة التحكم في الأعلى لتطل على تلك الحجرة. هنا يصدر صوت أزيز الكمبيوتر الذي يشغل الجهاز. في هذا العام، تحتفل أجهزة هذه الغرفة أيضاً بالذكرى الـ 60. ولذلك الكمبيوتر الميكانيكي النادر معدات وأحزمة وقضبان عديدة، وهو يشبه مجمدة رمادية مستعرضة.
وهذا البرنامج يتكون من قرص مسطح على شكل حلزوني، يسمونه ’كام‘. ويبلغ حجم كل ’كام‘ حجم اسطوانة التسجيلات البلاستيكية.
يضغط الفني على مفتاح التشغيل ـ وهو عبارة عن زر كبير من النوع القديم. يقع المفتاح على وحدة تحكم من الطراز التقليدي مثل الذي يستعمله البطل "فلاش غوردن". عندها، تبدأ أقراص الجهاز بالوميض ويدور قرص الكمبيوتر، ثم يبدأ جهاز الطرد المركزي في الدوران.
سرعة عالية
صُمم الجهاز ليماثل سُرعات التحليق العالية التي يواجهها الطيارون وحتى رواد الفضاء، في وقت كان يُعتقد فيه (أو ربما كان من المؤمل) أن تقوم بريطانيا بتطوير برنامجها الخاص بها لإطلاق رواد الفضاء.
كانت تصاميم الصواريخ في منتصف خمسينيات القرن الماضي توصي بالحاجة إلى سرعٍات عالية جداً بهدف التحرر من الجاذبية الأرضية والوصول إلى مدار حول الأرض.
ونتيجة لذلك، فإن مقياس ’قوة ـ ج‘ (G) للجاذبية على الجدار تشير إلى 35 درجة، مع أنه سرعان ما تبين عدم استطاعة أي إنسان تحمل هذه القوة المفرطة للجاذبية. في أيامنا هذه، لا تتعدى القوة القصوى أكثر من تسعة أضعاف قوة الجاذبية الأرضية (9 G).
ربما تعود التقنية إلى منتصف القرن العشرين، لكن التجارب لا زالت تُجرى لاختبار أحدث إلكترونيات الطيران وأجهزة الفضاء.
يقول "كونوللي": "بالرغم من حقيقة أنها تقنية تعود إلى 60 سنة مضت، فإنها قد تُستعمل خلال هذا العام أكثر من أي عام مضى".
إضافة إلى اختبار أداء أحدث السراويل المضادة للجاذبية، فإن التجربة الحالية تشمل دراسات حول نظارات الرؤية الليلية، وتأثير تمارين معينة في تفادي حصول إصابات الظهر والعنق عند التعرض لقوى عالية مضادة للجاذبية. إحدى الأمور الأخرى المثيرة للاهتمام هي تأثير التسارع لفترات طويلة على الرئتين.
يقول "كونوللي": "تميل الأجزاء السفلى من الرئتين إلى الإنطواء على بعضها عند المرور بقوة عالية مضادة للجاذبية، عندما تتنفس هواءً ذا تركيز عالٍ من الأوكسجين. ذكر الطيارون أنهم عانوا من سعال وألم خلف عظمة الصدر. لعل ذلك يشير إلى ميلٍ لنقص الأوكسجين أثناء التحليق".
بخلاف أجهزة الطرد المركزي الحديثة، فإن ذلك الجهاز الموجود في "فارنبورو" بانجلترا يعد جهازا متعدد الجوانب أيضاً. رغم أن معظم العمل الحالي يشمل الطائرات الحربية، لكن يمكن إعادة ترتيب الجندول ليماثل تسارع المركبات الفضائية.
وقد جرى تدريب عدد من سياح الفضاء بالفعل على هذا الجهاز. كما تأمل شركة "كينيتيك" في جذب زبائن آخرين، كلما تطور هذا المجال.
بعد القيام ببضعة تجارب، اقتربنا من ذروة الاختبار. إذ يتنامى تسارع جهاز الطرد المركزي حتى يوضع المتطوع في حالة مماثلة لحركات طيران قتالية.
"أكثر السنوات انشغالاً"
سمعنا صوت التنفس الثقيل لـ"مارتن" عبر مذياع خشبي من خمسينيات القرن الماضي. كان جهاز الطرد المركزي يدور، مثل "عجلة كاثرين" في الظلام تحتنا، دافعاً قوة التحمل البشري إلى حدودها القصوى.
"ينتابني شعور جيد"، حسبما يقول "مارتن" عندما انتهت التجربة. ويضيف: "كان الأمر مُسلياً".
نجا "مارتن"، ويبدو أن سراويل التكنولوجيا الجديدة قد أدت عملها بإتقان. علينا أن نعتبر هذه نتيجة ناجحة.
لقد استُعمل هذا الجهاز التكنولوجي القديم على مدار الساعة طيلة 60 عاماً. بدأ ذلك قبل بزوغ فجر عصر الفضاء. ويبدو من الأرجح أنه سيستمر لفترة طويلة أيضا في عصر الحروب الالكترونية والرحلات التجارية لاستكشاف الفضاء.
يقول كونوللي: "إنها أكثر السنين انشغالاً في تاريخ جهاز الطرد المركزي. لذا، لن يصبح خارج الخدمة في المستقبل القريب".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
- التفاصيل
- التفاصيل
- علوم وتكنولوجيا


قادت دراسة تهدف إلى إعادة دراسة الصخور القديمة العلماء إلى تقدير بداية تشكل النواة الداخلية لكوكب الأرض قبل الفترة المعتقد والمحددة بنحو 1.3 مليار عام.
فمع بداية مرحلة التجمد بدأت النواة تصدر مجالا مغناطيسيا أكبر، مازال مستمرا حتى يومنا هذا.
ونشرت نتائج الدراسة في دورية "نيتشر" المعنية بشؤون الطبيعة.
وتتناقض النواة النشطة لكوكب الأرض بشكل كبير مع كوكب المريخ المجاور لنا، والذي توقف مجاله المغناطيسي القوي مبكرا قبل نحو 4 مليارات عام.
ويتولد المجال المغناطيسي لكوكبنا في أعماق الأرض عن طريق حركة اهتزازية للحديد المنصهر كهربيا في نواتها الخارجية.
ويؤدي هذا المجال المغناطيسي إلى حماية الأرض من العواصف التي تقذفها الشمس باستمرار.
وتولد هذه العواصف، عند القطبين، هالة ضوئية شمالا وجنوبا.
ولكنها قد تعمل أيضا بشكل مدمر بحيث تجرد الغلاف الجوي الأعلى من الأوزون، وهذا الغلاف هو الدرع المهمة التي تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة للشمس.
وثمة اعتقاد بأن الحياة على الأرض قد نمت نتيجة سماح المجال المغناطيسي لهذا الغلاف الحامي بالبقاء لمئات الملايين من السنوات.
وتتولد الحركة الاهتزازية للحديد في النواة الخارجية السائلة إلى حد ما من الحرارة الزائدة في مركز الأرض، التي تنتقل إلى أعلى وإلى الخارج عن طرق ما يعرف بالحمل الحراري، وأيضا عن طريق التصلب البطيء للنواة الداخلية الصلبة في مركز الكوكب.
ومع تجمد الحديد في مركز الأرض، مشكلا النواة الداخلية، يطرد الضوء تلك الشوائب الزائدة في النواة الخارجية السائلة، ويؤدي ذلك إلى زيادة الحمل الحراري في النواة الخارجية، وزيادة المجال المغناطيسي.
وتعتبر زيادة المجال المغناطيسي بمثابة التوقيع الذي يبحث عنه العلماء في الصخور السحيقة جيولوجيا: وهو تسجيل يرصد بدء عملية تصلب النواة.
وتقول أندي بيغين، من جامعة ليفربول، المشرفة على البحث إن " توقيت أول ظهور للحديد الصلب أو (تنوّي) النواة الداخلية مازال محل جدل كبير، لكن من المهم تحديد خصائص وتاريخ أعماق الأرض".
واحتلت مسألة توقيت بداية تصلب الحديد المنصهر في مركز الكوكب وتكوين النواة الداخلية أهمية كموضوع يخضع لمناقشات علمية.
وتعتمد تقديرات ونماذج تشكل النواة الداخلية على فهم خصائص الحديد في الظروف القاسية في مركز الأرض، والضغط الذي يصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين غلاف جوي، ودرجات حرارة تصل إلى نحو ستة الآف درجة مئوية.
وتضيف بيغين : "النموذج النظري الذي يناسب بياناتنا على نحو أفضل يشير إلى أن النواة تفقد حرارتها أبطأ من أي مرحلة أخرى خلال ال 4.5 مليار عام الأخيرة، وهذا يؤدي إلى فيض من الطاقة ينبغي أن يحافظ على المجال المغناطيسي للأرض لملايين السنيين الأخرى".
ويقول ريتشارد هاريسون، من جامعة كامبردج، وهو غير مشارك في الدراسة، لبي بي سي : "دراسة مغناطيسية الصخور القديمة يمثل تحديا علميا هائلا، لأن الصخور القديمة يمكن أيضا أن تفقد ذاكرتها المغناطيسية، أو أن تصبح إشاراتها المغناطيسية التي تحملها مشوشة أو معطوبة (تماما مثل ملفاتك على القرص الصلب في الكمبيوتر)".
وأضاف : "لكن ذلك يعد من أفضل طرق البحث عن أدلة ملموسة بشأن توقيت بداية تصلب النواة".
وقال : " على الرغم من أن البيانات شحيحة، إلا أن هذه الدراسة طبقت ضوابط محكمة الجودة لتحديد أي البيانات هي الأفضل من حيث الاعتماد عليها، كما استخدمت احصاءات للتأكيد على أن تحفيز المجال المغناطيسي للأرض حدث قبل 1300 مليون عام.
فإذا كان ذلك بمثابة توقيع لنمو النواة الداخلية، حينئذ ربما يتعين علينا مراجعة أفكارنا بشأن النواة مرة أخرى".
- التفاصيل
- التفاصيل
- علوم وتكنولوجيا


ساعد فيلم للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك على إثبات أن مريضا بحالة شبيهة بالغيبوبة منذ 16عاما ظل واعيا طيلة كل هذه السنوات. ويُظهر هذا الكشف أنه قد يكون هناك الكثير الذي يتعين على علم الأعصاب تعلمه من السينما؛ ذاك الفن القديم الذي يعتمد على رواية القصص والحكايات، وفقا للكاتب توم ستافورد.
نعلم جميعا أن فقدان المرء لوعيه جراء معاناته من إصابة ما في الدماغ، يعني ببساطة أنه سقط في غيبوبة. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن هناك حالات مرضية قريبة من الغيبوبة أو مشابهة لها، يكون بوسع المصابين بها إبقاء عيونهم مفتوحة، لكن دون أن يبدر منهم ما يشير إلى وعيهم بما حولهم.
فمن يعانون مما يُعرف بـ"الحالة الخضرية" أو "متلازمة اليقظة غير الواعية التي لا تتضمن أي استجابات"، يبدون متيقظين، بل ويخلدون في بعض الأحيان للنوم، ولكن لا يبدر منهم – برغم ذلك - أي رد فعل على ما يجري في العالم المحيط بهم.
أما المرضى الذين تتسم استجاباتهم بعدم الاتساق، كأن يجفلون حينما يُنادون بأسمائهم، أو تتابع عيونهم جسما متألقا، فيُصّنَفون على أنهم يمرون بما يُعرف بـ"حالة وعي في حدها الأدنى". ولا يصدر عن المرضي المُصنفين ضمن كلا الفئتين أي مؤشر على إقدامهم على تصرفات إرادية واعية، أو التفاعل بشكل مستمر مع البيئة المحيطة.
وحتى وقت قريب؛ لم يكن هناك من سبيل يُمَكِّن من التعرف على مستوى الوعي الداخلي لمثل هؤلاء المرضى أو حقيقته وطبيعته.
ومبعث الخوف هنا أن أولئك المرضى ربما يكونون واعين ولكنهم عاجزون فحسب عن إظهار ذلك، على غرار ما يحدث للمصابين بما يُعرف بـ"متلازمة المُنْحَبِس" التي قد تحدث إثر الإصابة بسكتات دماغية، وهي متلازمة تجعل المصاب بها عاجزا عن الاتصال الشفهي مع الآخرين، رغم أنه مستيقظ وواعٍ.
أما الاحتمال الآخر المغاير لذلك تماما، فيتمثل في أن هؤلاء المرضى فاقدي الوعي، مثلهم مثل من يعانون من غيبوبة شديدة العمق، ولكن ثمة رابطا ثانويا لا يزال قائما بينهم وبين وعيهم، يُبقي أعينهم مفتوحة، ويؤدي لصدور استجابات محدودة للغاية منهم على نحو تلقائي وعفوي.
وفي غضون السنوات العشر الماضية، أدت دراسة قادها أدريان أوين، الخبير في مجال علم الأعصاب الإدراكي، إلى تبدل مفاهيمنا بشأن هذه الجوانب الغامضة المتصلة بوعينا الإنساني.
فقد بات هناك الآن دليل مُستقى من فحوص جرت على الدماغ بالأشعة يثبت أن ثمة إدراكا واعيا لدى ما يصل إلى 20 في المئة ممن يمرون بحالات يمكن أن نُعرّفها باسم "الغيبوبة المتيقظة". فإذا ما طُلب من هؤلاء تخيل أنهم يلعبون التنس، فإن ذلك يؤدي لتنشيط مناطق في المخ مسؤولة تحديدا عن التحكم في الحركة.
أما إذا طُلب منهم تحديد مساراتهم داخل المنزل، فإن ذلك يُنَشّط البقاع الموجودة في المخ والمسؤولة عن التجوال وتحديد المسارات.
وباستخدام الإشارات الصادرة عن هذه المناطق في المخ، تمكنت مجموعة محدودة للغاية من المرضى من التواصل مع العالم الخارجي، عبر استخدام أجهزة مسح للدماغ تساعد من يراقبون حالات أولئك المرضى على "قراءة أذهانهم" للتعرف على إجاباتهم عن الأسئلة المطروحة عليهم.
ولا شك في أن لهذه الاكتشافات آثارا عملية وأخلاقية هائلة، لا تقتصر على مجرد علاج مئات الآلاف من الأشخاص، ممن يقبعون في مستشفيات بمختلف أنحاء العالم، لمعاناتهم من حالات غيبوبة جزئية مثل هذه، في الوقت الحاضر. لكن النقاش لا يزال محتدما حول مغزى ومدلول هذه الدراسة.
ومن بين القضايا محل الجدل في هذا الشأن، كون أسلوب قراءة الذهن هذا يتم عبر ترجمة الاستجابات العصبية التي تصدر عن المرضى ردا على الأسئلة أو الأوامر الموجهة لهم، وهو ما يتطلب استخدام أساليب صارمة للغاية لضمان أن الأمر لا يتمثل في مجرد استجابات تلقائية تصدر عن أدمغة هؤلاء المرضى، دون أن ينطوي ذلك على أي قدر من الوعي.
أمر آخر، ليس بمقدور أحد التحكم فيه هذه المرة، يتعلق بأن تلك الوسيلة المستخدمة لـ"قراءة أذهان" أولئك المرضى ربما تبين لنا أنهم قادرون على الاستجابة، ولكنها لا تعطينا كثيرا من المعلومات بشأن مستوى وطبيعة الوعي الذي يَخْبُرهُ كل منهم. ولذا يبقى من العسير علينا التعرف على مستوى ما يحظى به كل من هؤلاء من تنبه أو إدراك أو تركيز.
وفي دراسة حديثة نسبيا، أجرتها لورينا ناسي - وهي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه بالمختبر الذي يعمل به الباحث أدريان أوين – تم استخدام فيلم سينمائي لإيضاح مدى التطور الذي يمكن أن يصل إليه مستوى الإدراك الواعي لدى مريض يعاني من حالة "تدني الوعي إلى أقصى حد".
وتضمنت الحيلة التي استخدمتها الباحثة في هذا الشأن ثماني دقائق تم اقتطاعها وتوليفها من فيلم "أنت ميت" الذي أخرجه هيتشكوك عام 1961، ضمن سلسلة أفلام "ألفريد هيتشكوك يقدم".
وفي هذا العمل، يجول في الأروقة طفل في الخامسة من عمره مولع بحمل لعبة على شكل سلاح ناري، وهو يصوبها على من حوله بل و"يطلقها" كذلك. ولكن في يوم ما، ودونما أن يعلم هو أو الأشخاص الراشدون الذين يصوب "سلاحه" إليهم، وجد الطفل سلاحا حقيقيا، في خزانته رصاصة حية.
وقد تحقق النجاح لهذا الفيلم، بفضل تلك المعلومة؛ المُخفاة عن شخصياته، والتي يعلمها مشاهدوه.
فبسبب علمنا بوجود هذه الرصاصة الحية، يتحول ذاك السلوك المعتاد والممل للطفل إلى حدث درامي مشحون بالإثارة، وذلك عندما يورّط هو على نحو عفوي في هذا الموقف المثير أشخاصا لا يتوقعون منه أي شر مرة تلو الأخرى، وذلك في ما يبدو شوطا مميتا إثر آخر من أشواط لعبة "الروليت الروسي".
وقد عرضت ناسي المقاطع المختارة من الفيلم على متطوعين أصحاء قبلوا المشاركة في التجربة. بينما عرضت على مجموعة مختلفة نسخة من هذه المقاطع مختلطة الأحداث، تتضمن أجزاء أُعيد ترتيبها ولا تتجاوز مدة كل منها الثانية الواحدة.
واكتست هذه النسخة "المُتَحَكمْ فيها" بالأهمية في ضوء كونها تتضمن العديد من السمات التي تتضمنها النسخة الأصلية؛ من قبيل ذات الأنماط البصرية والأشياء والأحداث، ولكنها تفتقر إلى ذاك العنصر الجوهري في الترابط السردي للعمل ألا وهو معرفة المشاهد بأن السلاح حقيقي وأن بداخله رصاصة حية، وهو الأمر الذي يشيع أجواء من التشويق.
وبإجراء أشعة على دماغ كل من أفراد العينتين، وعبر المقارنة ما بين تأثير عرض نسختيّ الفيلم على هؤلاء الأشخاص، تمكنت ناسي وزملاؤها من إظهار أن النسخة مترابطة الأحداث والمفعمة بالتشويق والإثارة منهما أدت لتنشيط كل أجزاء القشرة المخية تقريبا لدى من شاهدوها.
وقد شارك في هذه النشاط بقاع مخية أخر بدأت بالمناطق الحسية الأولية، وشملت المنطقة المسؤولة عن الحركة في المخ، وصولا إلى المناطق المرتبطة بالذاكرة ومشاعر الترقب والتوقع، (وذلك على أي حال، ما يمكن أن يأمله المرء من فيلم أخرجه أحد أساتذة فن القص والحكي مثل هيتشكوك).
وأولى الباحثون اهتماما خاصا بمنظومة من الأنشطة التي كانت تتزايد وتتراجع على نحو متزامن في مناطق في المخ يُطلق عليها اسم "المناطق التنفيذية"، وهي تلك التي يُعرف أنها مسؤولة عن أنشطة عقلية مثل التخطيط والتوقع ودمج المعلومات الواردة من مصادر مختلفة.
وقد اكتشف الباحثون أن هذه المنظومة من الأنشطة كانت تتفاعل وتصدر استجابات في اللحظات المفعمة أكثر من غيرها بالتشويق في الفيلم، ألا وهي – على سبيل المثال - تلك التي كان الطفل فيها على وشك إطلاق النار.
وبطبيعة الحال، فإن هذه اللحظات لن تتسم بكل هذا الطابع الدرامي المثير إلا إذا كان من يشاهدها على دراية بحبكة العمل وتسلسل أحداثه.
بعد ذلك، عرض الباحثون الفيلم على مريضيّن يعانيان من حالة "الغيبوبة المتيقظة" هذه. بالنسبة لأحدهما؛ أدى ذلك إلى تنشيط منطقة "القشرة السمعية" في المخ، دون أن يتجاوز الأمر هذه البقعة المُصّنفة من ضمن المناطق الحسية الأولية في الدماغ.
فقد استجاب مخ هذا المريض للأصوات التي يتضمنها الفيلم، بشكل عفوي وتلقائي ربما، ولكن لم تُرصد أي مؤشرات على إجرائه أي أنشطة معالجة أكثر تعقيدا من ذلك. ولكن الوضع اختلف مع المريض الثاني، الذي يُعالج في المستشفى منذ 16 عاما لم يصدر عنه خلالها استجابات من أي نوع.
فقد تشابهت الاستجابات المخية الصادرة عنه مع نظيرتها التي صدرت عن أفراد العينة الضابطة ممن شاهدوا الفيلم بدورهم. فمثلما حدث مع هؤلاء؛ تواكب تزايد النشاط في منطقة القشرة المخية وتراجعه مع أحداث الفيلم، بما يشير إلى وجود وعي داخلي بقدر وفير لدى هذا المريض، بما يكفي لمتابعة سير الأحداث في العمل.
ويتعين أن تحدونا هذه النتيجة المذهلة للتفكير مليا بشأن الكيفية التي نتعامل بها مع مثل هؤلاء المرضى. كما تشكل إضافة لترسانة الأساليب التي يمكن لنا استخدامها للتواصل مع مرضى مثل هؤلاء لا تصدر منهم أي استجابات والوصول إلى أعماقهم.
كما تظهر نتيجة مثل هذه كيف يمكن لعلم الأعصاب المعرفي الاستفادة من مُحفزِات معقدة مثل الأفلام السينمائية، بدلا من استخدام تلك النماذج البصرية المملة المعتادة والاستجابات النمطية البسيطة التي عادة ما يلجأ لها العلماء لسبر غور غموض المخ ومحاولة حل ألغازه.
ويتمثل مكمن العبقرية في الدراسة التي عرضنا لها هنا في إدراك القائمين عليها أنه يتعين على المرء استخدام محفز ثري ومعقد إذا ما أراد التعرف على مدى سعة إدراك وعي مريض ما يبدو أنه لا يستجيب لأي محاولات علاج أو تواصل.
وكان فيلم هيتشكوك مثاليا لهذا الغرض نظرا لقدرته على خلق حالة درامية مثيرة بناءً على ما نعتقده ونتوقعه، وليس اعتمادا على ما نراه أمامنا على الشاشة فحسب.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
- التفاصيل
- التفاصيل
- علوم وتكنولوجيا

ساعد فيلم للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك على إثبات أن مريضا بحالة شبيهة بالغيبوبة منذ 16عاما ظل واعيا طيلة كل هذه السنوات. ويُظهر هذا الكشف أنه قد يكون هناك الكثير الذي يتعين على علم الأعصاب تعلمه من السينما؛ ذاك الفن القديم الذي يعتمد على رواية القصص والحكايات، وفقا للكاتب توم ستافورد.
نعلم جميعا أن فقدان المرء لوعيه جراء معاناته من إصابة ما في الدماغ، يعني ببساطة أنه سقط في غيبوبة. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن هناك حالات مرضية قريبة من الغيبوبة أو مشابهة لها، يكون بوسع المصابين بها إبقاء عيونهم مفتوحة، لكن دون أن يبدر منهم ما يشير إلى وعيهم بما حولهم.
فمن يعانون مما يُعرف بـ"الحالة الخضرية" أو "متلازمة اليقظة غير الواعية التي لا تتضمن أي استجابات"، يبدون متيقظين، بل ويخلدون في بعض الأحيان للنوم، ولكن لا يبدر منهم – برغم ذلك - أي رد فعل على ما يجري في العالم المحيط بهم.
أما المرضى الذين تتسم استجاباتهم بعدم الاتساق، كأن يجفلون حينما يُنادون بأسمائهم، أو تتابع عيونهم جسما متألقا، فيُصّنَفون على أنهم يمرون بما يُعرف بـ"حالة وعي في حدها الأدنى". ولا يصدر عن المرضي المُصنفين ضمن كلا الفئتين أي مؤشر على إقدامهم على تصرفات إرادية واعية، أو التفاعل بشكل مستمر مع البيئة المحيطة.
وحتى وقت قريب؛ لم يكن هناك من سبيل يُمَكِّن من التعرف على مستوى الوعي الداخلي لمثل هؤلاء المرضى أو حقيقته وطبيعته.
ومبعث الخوف هنا أن أولئك المرضى ربما يكونون واعين ولكنهم عاجزون فحسب عن إظهار ذلك، على غرار ما يحدث للمصابين بما يُعرف بـ"متلازمة المُنْحَبِس" التي قد تحدث إثر الإصابة بسكتات دماغية، وهي متلازمة تجعل المصاب بها عاجزا عن الاتصال الشفهي مع الآخرين، رغم أنه مستيقظ وواعٍ.
أما الاحتمال الآخر المغاير لذلك تماما، فيتمثل في أن هؤلاء المرضى فاقدي الوعي، مثلهم مثل من يعانون من غيبوبة شديدة العمق، ولكن ثمة رابطا ثانويا لا يزال قائما بينهم وبين وعيهم، يُبقي أعينهم مفتوحة، ويؤدي لصدور استجابات محدودة للغاية منهم على نحو تلقائي وعفوي.
وفي غضون السنوات العشر الماضية، أدت دراسة قادها أدريان أوين، الخبير في مجال علم الأعصاب الإدراكي، إلى تبدل مفاهيمنا بشأن هذه الجوانب الغامضة المتصلة بوعينا الإنساني.
فقد بات هناك الآن دليل مُستقى من فحوص جرت على الدماغ بالأشعة يثبت أن ثمة إدراكا واعيا لدى ما يصل إلى 20 في المئة ممن يمرون بحالات يمكن أن نُعرّفها باسم "الغيبوبة المتيقظة". فإذا ما طُلب من هؤلاء تخيل أنهم يلعبون التنس، فإن ذلك يؤدي لتنشيط مناطق في المخ مسؤولة تحديدا عن التحكم في الحركة.
أما إذا طُلب منهم تحديد مساراتهم داخل المنزل، فإن ذلك يُنَشّط البقاع الموجودة في المخ والمسؤولة عن التجوال وتحديد المسارات.
وباستخدام الإشارات الصادرة عن هذه المناطق في المخ، تمكنت مجموعة محدودة للغاية من المرضى من التواصل مع العالم الخارجي، عبر استخدام أجهزة مسح للدماغ تساعد من يراقبون حالات أولئك المرضى على "قراءة أذهانهم" للتعرف على إجاباتهم عن الأسئلة المطروحة عليهم.
ولا شك في أن لهذه الاكتشافات آثارا عملية وأخلاقية هائلة، لا تقتصر على مجرد علاج مئات الآلاف من الأشخاص، ممن يقبعون في مستشفيات بمختلف أنحاء العالم، لمعاناتهم من حالات غيبوبة جزئية مثل هذه، في الوقت الحاضر. لكن النقاش لا يزال محتدما حول مغزى ومدلول هذه الدراسة.
ومن بين القضايا محل الجدل في هذا الشأن، كون أسلوب قراءة الذهن هذا يتم عبر ترجمة الاستجابات العصبية التي تصدر عن المرضى ردا على الأسئلة أو الأوامر الموجهة لهم، وهو ما يتطلب استخدام أساليب صارمة للغاية لضمان أن الأمر لا يتمثل في مجرد استجابات تلقائية تصدر عن أدمغة هؤلاء المرضى، دون أن ينطوي ذلك على أي قدر من الوعي.
أمر آخر، ليس بمقدور أحد التحكم فيه هذه المرة، يتعلق بأن تلك الوسيلة المستخدمة لـ"قراءة أذهان" أولئك المرضى ربما تبين لنا أنهم قادرون على الاستجابة، ولكنها لا تعطينا كثيرا من المعلومات بشأن مستوى وطبيعة الوعي الذي يَخْبُرهُ كل منهم. ولذا يبقى من العسير علينا التعرف على مستوى ما يحظى به كل من هؤلاء من تنبه أو إدراك أو تركيز.
وفي دراسة حديثة نسبيا، أجرتها لورينا ناسي - وهي باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه بالمختبر الذي يعمل به الباحث أدريان أوين – تم استخدام فيلم سينمائي لإيضاح مدى التطور الذي يمكن أن يصل إليه مستوى الإدراك الواعي لدى مريض يعاني من حالة "تدني الوعي إلى أقصى حد".
وتضمنت الحيلة التي استخدمتها الباحثة في هذا الشأن ثماني دقائق تم اقتطاعها وتوليفها من فيلم "أنت ميت" الذي أخرجه هيتشكوك عام 1961، ضمن سلسلة أفلام "ألفريد هيتشكوك يقدم".
وفي هذا العمل، يجول في الأروقة طفل في الخامسة من عمره مولع بحمل لعبة على شكل سلاح ناري، وهو يصوبها على من حوله بل و"يطلقها" كذلك. ولكن في يوم ما، ودونما أن يعلم هو أو الأشخاص الراشدون الذين يصوب "سلاحه" إليهم، وجد الطفل سلاحا حقيقيا، في خزانته رصاصة حية.
وقد تحقق النجاح لهذا الفيلم، بفضل تلك المعلومة؛ المُخفاة عن شخصياته، والتي يعلمها مشاهدوه.
فبسبب علمنا بوجود هذه الرصاصة الحية، يتحول ذاك السلوك المعتاد والممل للطفل إلى حدث درامي مشحون بالإثارة، وذلك عندما يورّط هو على نحو عفوي في هذا الموقف المثير أشخاصا لا يتوقعون منه أي شر مرة تلو الأخرى، وذلك في ما يبدو شوطا مميتا إثر آخر من أشواط لعبة "الروليت الروسي".
وقد عرضت ناسي المقاطع المختارة من الفيلم على متطوعين أصحاء قبلوا المشاركة في التجربة. بينما عرضت على مجموعة مختلفة نسخة من هذه المقاطع مختلطة الأحداث، تتضمن أجزاء أُعيد ترتيبها ولا تتجاوز مدة كل منها الثانية الواحدة.
واكتست هذه النسخة "المُتَحَكمْ فيها" بالأهمية في ضوء كونها تتضمن العديد من السمات التي تتضمنها النسخة الأصلية؛ من قبيل ذات الأنماط البصرية والأشياء والأحداث، ولكنها تفتقر إلى ذاك العنصر الجوهري في الترابط السردي للعمل ألا وهو معرفة المشاهد بأن السلاح حقيقي وأن بداخله رصاصة حية، وهو الأمر الذي يشيع أجواء من التشويق.
وبإجراء أشعة على دماغ كل من أفراد العينتين، وعبر المقارنة ما بين تأثير عرض نسختيّ الفيلم على هؤلاء الأشخاص، تمكنت ناسي وزملاؤها من إظهار أن النسخة مترابطة الأحداث والمفعمة بالتشويق والإثارة منهما أدت لتنشيط كل أجزاء القشرة المخية تقريبا لدى من شاهدوها.
وقد شارك في هذه النشاط بقاع مخية أخر بدأت بالمناطق الحسية الأولية، وشملت المنطقة المسؤولة عن الحركة في المخ، وصولا إلى المناطق المرتبطة بالذاكرة ومشاعر الترقب والتوقع، (وذلك على أي حال، ما يمكن أن يأمله المرء من فيلم أخرجه أحد أساتذة فن القص والحكي مثل هيتشكوك).
وأولى الباحثون اهتماما خاصا بمنظومة من الأنشطة التي كانت تتزايد وتتراجع على نحو متزامن في مناطق في المخ يُطلق عليها اسم "المناطق التنفيذية"، وهي تلك التي يُعرف أنها مسؤولة عن أنشطة عقلية مثل التخطيط والتوقع ودمج المعلومات الواردة من مصادر مختلفة.
وقد اكتشف الباحثون أن هذه المنظومة من الأنشطة كانت تتفاعل وتصدر استجابات في اللحظات المفعمة أكثر من غيرها بالتشويق في الفيلم، ألا وهي – على سبيل المثال - تلك التي كان الطفل فيها على وشك إطلاق النار.
وبطبيعة الحال، فإن هذه اللحظات لن تتسم بكل هذا الطابع الدرامي المثير إلا إذا كان من يشاهدها على دراية بحبكة العمل وتسلسل أحداثه.
بعد ذلك، عرض الباحثون الفيلم على مريضيّن يعانيان من حالة "الغيبوبة المتيقظة" هذه. بالنسبة لأحدهما؛ أدى ذلك إلى تنشيط منطقة "القشرة السمعية" في المخ، دون أن يتجاوز الأمر هذه البقعة المُصّنفة من ضمن المناطق الحسية الأولية في الدماغ.
فقد استجاب مخ هذا المريض للأصوات التي يتضمنها الفيلم، بشكل عفوي وتلقائي ربما، ولكن لم تُرصد أي مؤشرات على إجرائه أي أنشطة معالجة أكثر تعقيدا من ذلك. ولكن الوضع اختلف مع المريض الثاني، الذي يُعالج في المستشفى منذ 16 عاما لم يصدر عنه خلالها استجابات من أي نوع.
فقد تشابهت الاستجابات المخية الصادرة عنه مع نظيرتها التي صدرت عن أفراد العينة الضابطة ممن شاهدوا الفيلم بدورهم. فمثلما حدث مع هؤلاء؛ تواكب تزايد النشاط في منطقة القشرة المخية وتراجعه مع أحداث الفيلم، بما يشير إلى وجود وعي داخلي بقدر وفير لدى هذا المريض، بما يكفي لمتابعة سير الأحداث في العمل.
ويتعين أن تحدونا هذه النتيجة المذهلة للتفكير مليا بشأن الكيفية التي نتعامل بها مع مثل هؤلاء المرضى. كما تشكل إضافة لترسانة الأساليب التي يمكن لنا استخدامها للتواصل مع مرضى مثل هؤلاء لا تصدر منهم أي استجابات والوصول إلى أعماقهم.
كما تظهر نتيجة مثل هذه كيف يمكن لعلم الأعصاب المعرفي الاستفادة من مُحفزِات معقدة مثل الأفلام السينمائية، بدلا من استخدام تلك النماذج البصرية المملة المعتادة والاستجابات النمطية البسيطة التي عادة ما يلجأ لها العلماء لسبر غور غموض المخ ومحاولة حل ألغازه.
ويتمثل مكمن العبقرية في الدراسة التي عرضنا لها هنا في إدراك القائمين عليها أنه يتعين على المرء استخدام محفز ثري ومعقد إذا ما أراد التعرف على مدى سعة إدراك وعي مريض ما يبدو أنه لا يستجيب لأي محاولات علاج أو تواصل.
وكان فيلم هيتشكوك مثاليا لهذا الغرض نظرا لقدرته على خلق حالة درامية مثيرة بناءً على ما نعتقده ونتوقعه، وليس اعتمادا على ما نراه أمامنا على الشاشة فحسب.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.
- التفاصيل