
أشباح الماضي تُطارد الحاضر - د.عبدالله بن موسى الطاير
د.عبدالله بن موسى الطاير
للتاريخ طريقته في تمرير التحذيرات، التي غالبًا ما نتجاهلها، ونقفز فوق نتوءاتها رغم وضوحها. في عام 1933م عندما بدأت ألمانيا النازية حملتها الإرهابية ضد اليهود - سلبًا للحقوق، ومصادرة للممتلكات، وإطلاقًا للعنف - راقب العالم في صمت. الإعذار الأبرز لرفع الملامة كان مؤتمر إيفان عام 1938م الذي اجتمعت فيه 32 دولة لمعالجة أزمة اللاجئين اليهود، وانتهى بالخطب والبيانات المبتذلة، عاجزا عن التلويح بالأفعال. فقط عندما دخلت دبابات هتلر بولندا مُهددةً سيادة الدول، تحرك العالم، واشتعلت شرارة الحرب العالمية الثانية، مخلفة وراءها عصبة أمم جوفاء لا تملك إرادة ولا إمكانات التحرك الفاعل.
اليوم، بينما تنزف غزة، ومقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال والعجزة والمدنيين منذ أكتوبر عام 2023م ودمار أحياء بأكملها تحولت إلى أنقاض - تبرز مقارنة مُرعبة بين عام 1933 وعام 2023م. فهل سيكون مصير الأمم المتحدة هو المصير نفسه الذي آلت إليه عصبة الأمم؟
المقارنة بين الحدثين ليست كاملة، لكنها مشروعة. كانت المحرقة إبادة جماعية متعمدة، مُخطط لها بدقة متناهية عبر قارة بأكملها؛ وكذلك هي حرب الإبادة في غزة، التي أعقبت هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023م على إسرائيل. على الرغم من إعلان إسرائيل على لسان مسؤوليها من نوازع عنصرية ونبوءات دينية توراتية وإنجيلية لإبادة الفلسطينيين باعتبارهم أقل درجة من البشر، لا تزال الأمم المتحدة، خليفة عصبة الأمم الهالكة، مشلولة - فمجلس أمنها منقسم، وقراراته تصطدم بحق النقض، ودعواتها لوقف إطلاق النار متجاهلة تماما، بل هي غير قادرة على حماية الأجهزة والوكالات التي أسستها كالأونروا. وتارة أخرى يراقب العالم، هذه المرة من خلال شاشات الهواتف الذكية، المعاناة الإنسانية لسكان غزة، والمجاعة التي تلوح في الأفق، وتشريد ما يقرب من مليوني شخص.
لماذا ذلك الشلل الذي أعاق حركة عصبة الأمم وهو يكبل الأمم المتحدة حاليا؟ في ثلاثينيات القرن الماضي، خنقت الأزمات الاقتصادية وخطاب معاداة السامية الشعبوي التعاطف مع اليهود؛ واليوم، تتصدر الجغرافيا السياسية كأهم معوق لتحرك الأمم المتحدة. تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بثبات، وتتخذ روسيا والصين موقفًا ضد النفوذ الغربي، ويؤجج لاعبون إقليميون الصراعات.
مؤسف هذا التشابه حد التطابق بين حدثين يفصل بينهما 90 عاما، فالصرخات الإنسانية وحدها لا تُحدث فرقًا، بل مصالح الدول هي التي تتحكم في التحرك من عدمه. لقد انهارت عصبة الأمم عندما تفوق العدوان على الدبلوماسية؛ وتترنح الأمم المتحدة الآن تحت وطأة 56 صراعًا نشطًا حول العالم، وهو أكبر عدد منذ عام 1945م. غزة ليست حالة شاذة، بل هي أحد الجروح الغائرة في جسد الأمم المتحدة.
هل يُنذر هذا بانهيار النظام العالمي الحالي، على غرار سابقه، ولاسيما مع انكفاء أمريكا إلى الداخل؟ الولايات المتحدة التي نصبت نفسها يوما القطب الأوحد، تختار الآن معاركها. فأمريكا أولاً، مع رغبة أقل في الحروب البعيدة، وتركيز أكبر على الشأن المحلي ورأب الانقسامات الداخلية. من بعيد تُراقب الصين وروسيا وأوروبا، عاجزة تماما عن إنقاذ غزة. بلغت الخسائر الاقتصادية للعنف العالمي 19.1 تريليون دولار في عام 2023، وفقًا لمعهد الاقتصاد والسلام، وإذا تصاعد هذا الوضع، فقد يُرهق تحالفات مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي إلى حد الانهيار.
ومع التشابه الكبير بين الأمس واليوم، فإن انهيار النظام العالمي ليس حتميًا. فالأمم المتحدة، على الرغم من كل عيوبها، لا تزال تُقدم المساعدات وتستضيف المحادثات - أكثر مما تمكنت عصبة الأمم من تحقيقه على الإطلاق، وانسحاب أمريكا ليس كاملًا؛ فقوتها العسكرية والاقتصادية لا تزال فاعلة. لقد صمد النظام العالمي الحالي في وجه الأزمات من قبل - فيتنام، رواندا، سوريا - وواصل مسيرته بصعوبة، وحتى نخشى حد القلق من الانهيار الكامل علينا انتظار شرارة أكبر كمواجهة بين الولايات المتحدة والصين أو صدام بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، ومع ذلك فإن غزة نقطة تحول، لكنها قد تتحول إلى مجرد فصل آخر في نظام عالمي منهك رغم صموده.
لا تزال أشباح عام 1933م تطل بأرواحها الخبيثة في سماء عام 2025م. ففي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، تكشفت المجازر بينما تعثرت المؤسسات وترددت القوى في إيقافها. ماتت عصبة الأمم في لهيب الحرب؛ وتواجه الأمم المتحدة خطر التلاشي إلى حد العدم. علينا أن نسأل: كم من غزة أخرى يستطيع العالم أن يتحمل قبل أن تتحول الشقوق إلى هوة؟ التاريخ لا يتكرر، لكنه يتناغم، وهذا التشابه يبدو مألوفا بشكل ينذر بالسوء.
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 319
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 345
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 522
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...