
تطور مفهوم الأمن القومي العربي - د. عيد بن مسعود الجهني
د. عيد بن مسعود الجهني
الإسلام بيّن فضل ومكانة الأمن في آيات وأحاديث كثيرة، تؤكد أنه من تمام النعم، وقوام الحياة، فنبي الله، إبراهيم، عليه السلام دعا ربه سبحانه وتعالى: «رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر»البقرة 126.
والنبي - صلى الله عليه وسلم- نبه إلى أهمية الأمن في حياة الإنسان، إذ قال في الحديث الصحيح: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري، وامتثالاً لقول الرسول، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللَّهِ) رواه الترمذي، خاصة أن حفظ النفس والمال والأعراض هي من المقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها، كما أن المحافظة على الأوطان وحمايتها والدفاع عنها من مقاصد الإسلام.
فالأمن أساس الحياة، ومن أجله تُسخر الإمكانات، لتستقر المجتمعات، وتواجه التحديات، وتتخطى العقبات، لتحقيق الإنجازات.
وعالم اليوم أسوأ من عالم القرون الوسطى رغم اشتهار القرون الوسطى بوحشيتها وبطش الأقوياء فيها، ذلك أن تلك العصور رغم وحشيتها كان ما يسمى (بأخلاق الفارس) ما يزال موجوداً فيها، وقد يجد الضعيف فيها شيئا من العناية، وقد يجد المحتاج فيها شيئا من الرعاية، أما عالم اليوم فإنه مجرد من كل القيم الإنسانية فلا حماية لضعيف ولا رعاية لمحتاج.
عالم اليوم عالم مادي شرس، لا يعرف رحمة ولا عدلا، بل يعرف القوة، وبقدرتها على التأثير غير المحدود على الغير وإرغامه على الإذعان لأنه الأضعف فأصبح الضعيف في هذا الزمن ممتهن ذليل مسلوب الإرادة ضائع الحق، يؤمر فيطيع وينفذ ما يريده الأقوياء حتى لو كان في ذلك ضرره بل هلاكه، فبأي شيء يدافع عن نفسه وبأي شيء يرد كيد من أراد به كيدا؟
أدبيات القوة التي هي العمود الفقري للأمن تبرز في كتابات (ماكيافلي) الفيلسوف الايطالي الذي دخل التاريخ عام 1498 عندما تمزقت ايطاليا سياسيا وتحطمت اجتماعيا.. في تلك الظروف الصعبة ساهم بفكره السياسي لتوحيد بلاده (بالقوة) قائلا (ان هدف سياسة الدولة تتمحور في المحافظة على القوة السياسية.. والسياسة تقاس بمدى نجاحها أو فشلها في المحافظة على القوة بل والعمل على دعمها.. فالدولة صاحبة السيادة على أرضها تمثل قوة ترعى مصالحها وأهدافها في علاقاتها مع المنظومة الدولية).
وقد ارتبط (الأمن القومي) بنشأة الدولة الحديثة في القرن السابع عشر في أوروبا وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات العسكرية الخارجية للحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها. واتسع مفهوم (الأمن القومي) ليشمل إلى جانب القوة العسكرية الاقتصاد والسياسة، وكمصطلح فإن مفهوم الأمن القومي لم يتضح مفهومه إلا بعد الحرب الكونية الثانية في زمن الصراع الأمريكي مع الاتحاد السوفيتي السابق.
خاصة بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الباردة التي استمرت أربعة عقود، ومما يؤكد أهمية الأمن القومي صدور تشريع الكونغرس لقانون (الأمن القومي) في عام 1947 ليتشكل عبره مجلس الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه). كانت المهمة الرئيسية لهاتين المؤسستين تقدير التهديدات لمصالح الأمن القومي الأميركي عالمياً وإيجاد حلول لمثل هذه التهديدات.
أما تطور مفهوم الأمن القومي العربي فتعود إلى عام 1945 حيث برز مصطلح الأمن في ميثاق جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945 قبل الأمم المتحدة، فالمادة السادسة من ميثاق الجامعة نصت على مسألة الضمان الجماعي ضد أي عدوان يقع على أي عضو في الجامعة سواء أكان من دولة خارجية أو دولة عضو في الجامعة.
وفي عام 1950 كان ميلاد معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة وقد نصت المادة الثالثة منها على ماجاء في ميثاق الجامعة الذي أطلق عليه الضمان الجماعي.
ويسجل التاريخ ان قمة عُمان التي انعقدت عام 1980 قد استخدم فيها للمرة الأولى مصطلح الأمن القومي العربي الذي جاء في وثيقة اقتصادية عنوانها (إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك)، وقد نص البند الخامس من الوثيقة ان الأمن القومي ضرورة مصيرية جديرة بكل الجهود والتضحيات اللازمة.
وقد تأكد مفهوم الأمن القومي العربي في قمة القاهرة التي انعقدت عام 1996 وتكرر ذكره ثلاث مرات ومنها تأكيد القمة أن ضمان الأمن القومي العربي بمعناه الشامل هو السبيل الأفضل للحفاظ على كيان الأمة العربية وحماية مصالحها.
وقد تأكد مفهوم الأمن القومي العربي مع تأسيس إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطين الذي خرج من رحم وعد بلفور عام 1917 ولعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا رئيسيا في دعم ذلك الوعد اللعين.
والقوة ضدها الضعف، والضعف منكور ممتهن فالضعيف ذليل محتقر، حقه مسلوب وكرامته مهانة وشرفه مبذول، لا تسمع له كلمة ولا تصان له كرامة، تجده دائماً حسيراً كسيراً كاسف البال.
فالأمن القومي أصبح اليوم ضرورة لوجود الأمم ومطلب أساسي للشعوب العربية من الخليج إلى المحيط، فهو الذي يؤمن الدول وسيادتها على المستوى الداخلي والخارجي ليت العرب يدركون ذلك.
الحديث عن الأمن القومي العربي ذو شجون يحتاج إلى مؤلفات لا إلى مقال بمساحة محدودة، هذا لأن الأمن القومي يعني في أحد مفاهيمه (القوة) والقوة تتجلى في هذا المضمون كحركة تاريخية عميقة الجذور، متنامية مستمرة.. ترتبط في كل الحالات بالسلم والحرب على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
وإذا كانت الحاجة إلى القوة ليست جديدة ولم تطرأ في العصر الحديث، فإنه مما لاشك فيه أن أهميتها زادت في هذا العصر؛ لأن بعض الذين يمتلكون القوة فيه لا أخلاق لهم ولا يردعهم عن استخدام قوتهم ضد الضعفاء دين ولا مثل ولا إنسانية.
ومع انكسار الاتحاد السوفييتي (السابق) مع نهاية عام 1991م والتحول العالمي من الثنائية القطبية إلى القطبية الأحادية انهارت معنويات بعض الأنظمة العربية التي تعلقت بأهدابه ولم يكن أمامها بديل سوى أمريكا التي انفردت بالنظام الدولي تديره من البيت الأبيض كما تشاء.
وفي بعض الأنظمة العربية تغلغلت سياسيا داخل تيارات دينية وسياسية متعددة تؤيدها وتدعهما للخروج على مجتمعات وأنظمة بلادها تحت مسمى الديمقراطية الكاذبة وأول مثل حي لهذا ما ذهب إليه كل من جورج بوش الابن وبلير مؤكدين ان غزو العراق واحتلاله إنما كان من أجل زرع ديمقراطيتهم اللعينة التي تحتل الدول تحت قبتها، وما يحدث سوى العكس تدمير وضرب وقتل وتشريد وتقسيم ونشر الفرقة.
والله ولي التوفيق،،،
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 318
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...