عندما يفقد الشعار جاذبيته! - د. زهير الحارثي
المراجعة النقدية لأوضاع العرب أصبحت ضرورة وليست شعارا والعلاج للازمة يبدأ بالاعتراف بالخطأ والارتهان للواقعية السياسية وإطلاق الفكر الحر، وتسمية الأشياء بأسمائها
هناك اعتقاد يرى أن الوعي بضرورة الوحدة العربية يعتبر حديثا مع سقوط الدولة العثمانية والغزو الخارجي ممثلا بحملة نابليون. الا أن تأسيس الفكرة القومية كما يقول شمس الدين الكيلاني جاء من الافغاني الذي سخر من فكرة تتريك العرب آنذاك، وحذا محمد عبده حذو استاذه مؤكدا على هوية مصر العربية ثم جاء محمد رشيد رضا، تلميذ محمد عبده، الذي التحم بالقضية العربية، وكذلك الكواكبي الذي أكد في طبائع الاستبداد على ضرورة استرجاع دور العرب الريادي.
الجيل الثاني الذي مثله ساطع الحصري رأى الوحدة العربية في جانب المنفعة أكثر من جانبها العاطفي واضعا لها ثلاثة اركان لتقوم من خلالها دولة قومية تتكون من خدمة عسكرية ومجالس تمثيلية ونظام تربوي. ثم جاء الجيل الثالث للقوميين العرب يتقدمهم ميشيل عفلق الذي ظهر في ثلاثينيات القرن الماضي. كان يرى ان الخلل في موضوع الامة وليس الدولة. ومن اقواله "ان الشخصية العربية أساس البعث العربي، والايمان برسالة خالدة للعرب هو الدافع العميق لكل بعث" طبعا هو اشترط وحدة الروح بالإضافة الى الحرية والاشتراكية.
ومن المعروف ان القومية العربية تشكلت كمفهوم مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وهدفها آنذاك مسعى نبيل بتمجيد العرب ووحدتهم، إلا أنها سقطت في الفخ وفشلت بسبب مأزق توظيفها السياسي وارتباطها في مرحلة من المراحل بالفكر الاشتراكي.
العروبة، وليس القومية العربية، هي جزء من أجزاء مترابطة، لا تتعارض أو تلغي الرابطة القبلية أو الوطنية. هناك من يرى أنها كهوية كانت موجودة أي ثقافة ولغة قبل ظهور الإسلام، ثم تحولت إلى حضارة وانتماء من خلاله وبعده، وبالتالي تشكل آنذاك وعبر مراحل تاريخية كيان سياسي واحد على أساس ديني إسلامي لا قومي عربي.
فكرة القومية العربية رغم جاذبيتها تعني العرق العربي، مع ان لدينا مواطنين في عالمنا العربي ليسوا عربا، بل بربر وكرد وتركمان ويحملون جنسية دولهم العربية. انا هنا لست ضد رابطة العرق طالما أنها تعبر عن ثقافة وانتماء حضاري، ولكنني بالتأكيد ضدها عندما يتم تسيسها واستغلالها من منظور عصبي وشوفيني مقيت.
الالتباس الذي نقصده يدور حول مضمون القومية، لأن تعبيرها لا يعكس بدقة معنى العروبة، فالقومية السورية مثلا ترتكز على الحيز العقدي، في حين ان "القومية الكردية" أو "البربرية" تستند على المرجعية العرقية.
وفي حين ان الدعوة إلى العروبة هي دعوة فكرية وثقافية، بينما الدعوة إلى الوحدة العربية هي دعوة حركية وسياسية، ولذا فالانتماء إلى العروبة ينطلق من الوجدان وليس الإكراه، بينما الوحدة العربية العقلانية تعبر عن مصدر إلزام وكيان سياسي بحكم فرض القوة والمصالح المشتركة.
العرب يعيشون حالة من التخبط فالمعاني التي كونت مصادر وحدتهم على مدى سبعة العقود الماضية تم تفريغها من محتواها. ومع ان الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية من خلال سايكس وبيكو، جزأتا العرب في القرن الماضي إلى اراض مكبلة الا ان نكوص النظام العربي الرسمي بدأ مع تلك العوامل التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية بدليل الدخول في مرحلة الاستعمار، واستيلاء الحلفاء على البلدان، وسقوط الدولة العثمانية، وظهور الاتحاد السوفياتي كثورة مناهضة للغرب، مرورا بمجيء النظام العالمي الجديد الأحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية الى ما وصلنا اليه من تعدد للقطبية بعودة روسيا وظهور مجموعة البريكس.
لا نتجنى هنا إن وضعنا كاهل المسؤولية على عاتق العرب وبالتالي تحمل فشل التجربة غير غافلين بطبيعة الحال التأثير الخارجي الذي ساهم بدور ثانوي، الا ان المفارقة التي تدعو للاستغراب إصرار بعض دعاة القومية العربية على تبرير فشلهم بإلقاء اللوم على الآخرين من خونة وعملاء، وأنها المؤامرات وأجندة الاستعمار ومخططاته.
سبب هذا الفشل الذريع وبروز ذلك الخطاب كما أتصور يعود الى الادلجة ما يعني عدم إمكانية إقامة مجتمع مدني، فالمذهبية والطائفية والعنصرية والقبلية أمراض وعلل استشرت وما زالت تنهش الجسد العربي.
من يتحمس لمصطلح القومية تجد خطابه خليطا من التشنج والاندفاع دون فهم لخلفياتها وسياقاتها وتجاربها التاريخية، ولذلك هو مفهوم ملتبس في تاريخنا المعاصر، والسبب يعود لتلك الحركات السياسية الذي استغلته ووظفته عن قصد بهدف تحقيق أجندتها.
الشعوب العربية خلال سبعين سنة لم تعد تتحمس لأي وحدة أو ارتباط أيديولوجي رغم جاذبيتهما فقد جاءت كل الشعارات من اجل الإمساك بالسلطة. ولعل من عاصر واحدة من تلك الأيديولوجيات التي عادة ما يطرحها القوميون والبعثيون والشيوعيون، يجد ان طروحاتهم تكرس الديكتاتورية والاستبداد، بدءا بقومية عبدالناصر، ومرورا بأفعال حزب البعث الدموية في العراق وسورية عوضا عن شعار الأمة الخالدة الذي دُفن في مهده، وانتهاء بالشيوعية التي لفظت أنفاسها مبكرا ناهيك عن أن شعار الإسلام لم يسلم هو الآخر من التوظيف فتم توظيفه سياسيا واستغلاله.
صفوة القول: المراجعة النقدية لأوضاع العرب أصبحت ضرورة وليست شعارا والعلاج للازمة يبدأ بالاعتراف بالخطأ والارتهان للواقعية السياسية وإطلاق الفكر الحر، وتسمية الأشياء بأسمائها إن أرادوا الخروج فعلا من الأزمة!
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 367
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 317
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...