الإخوان بين التهويل والتهوين - د. عبد الله بن موسى الطاير
إبان احتلال الكويت، ثم التحالف الدولي لتحريره، أعلن "الإخوان المسلمون" عن حضورهم على ألسنة فصيل صحوي أوقعته سذاجته السياسية فريسةً لشعارات تنظيمٍ متمرسٍ في تحريك الشارع وإلهام الجماهير.
وأذكر ذات مساء في تلك الفترة المأزومة محاضرة للشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في مسجد الإسكان في المدينة الجامعية الجديدة لجامعة الإمام عقب صلاة المغرب وقبل بدء المحاضرة خرج كثير من الطلبة من المسجد في ظاهرة لافتة وغير مألوفة، بحجة السأم من الممالئين للسلطة على حد زعمهم. التنظيم حينئذٍ كان شديد الوضوح في إعلان مواقفه؛ تظاهروا ضد المملكة في عواصم عربية وإسلامية وأوروبية. ولا يمكن نسيان ذلك الخطاب المتشنج للدكتور عبداللطيف عربيات (الأردن) ضد المملكة حيث كانت إذاعة بي بي سي العربية تذيعه في تغطياتها.
ومنذئذ تراجعت المؤسسة الدينية الرسمية لصالح المد الصحوي في السعودية نتيجة الترويج لمزاعم أثّرت سلبا في سمعة كبار علماء المملكة كتصويرهم بالتخلف عن الواقع، وعدم الإلمام بفقه السياسة، وتخاذلهم عن دعم مشروعات أسلمة الحياة العامة.
وصل التحريض ذروته بتوجه مجموعة من الشباب إلى مقر الإفتاء لمناصحة سماحة المفتي، وكثّف التنظيم برامج تحريك الشباب المتحمس، وكانت النتيجة فتقا غائرا في العلاقة بين جيل متشبع بالأفكار الصحوية، وبين المؤسسة الدينية التي لا ترى الخروج على ولي الأمر، وتتمسك بمناصحته بشكل سري وشخصي. قُوضت مصداقية العلماء الذين كانوا لعقودٍ من الزمن محل ثقة المسلمين في الداخل والخارج. وتمكن التنظيم من الانفراد بالشيوخ الشباب، ونصّب فكره ملهما، ومستثمرا حالة الغضب والحماس وفورة الشباب واندفاعه..
ودون الإيغال في التفاصيل، فإن ظاهرة الإخوان المسلمين ليست فريدة من نوعها على مستوى العالم، إذ هناك أحزاب سياسية غربية تتوجه إلى الناخبين بخطاب تنسج مفرداته من خلفية دينية وشعارات روحية ملهمة. بيد أن تلك الأحزاب اعتنقت اللعبة الديمقراطية وانفتحت على الناخبين بغض النظر عن قناعاتهم الدينية، فالدين بالنسبة لهذه الأحزاب هو إطار فكري مرجعي يستخدم للإلهام دون أن يكون أجندة الحزب السياسية، وبالتالي فإنها لا تفرض معتقداتها ولا تفسق مخالفيها.
ومن تلك النماذج "الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني "CDA. وعلى النقيض هناك أحزاب دينية أصولية "تسعى لتنظيم الدولة والمجتمع وفقا لقراءتها الصارمة لمبادئ العقائد الدينية"، وهي أحزاب اقصائية ترفض الفصل بين الدين والدولة، ومنها على سبيل المثال "حزب شاس" في إسرائيل، و"الحزب السياسي الإصلاحي المتطرف" SGP في هولندا.
الوعي العام والسياسي خاصة، في أوروبا وإسرائيل، روّض الأحزاب الدينية، وهمّش المتطرف منها، وفي المقابل حوّلت العاطفة الدينية، والمعرفة "تنظيم" الإخوان المسلمين إلى عقيدة سياسية تستقر في النفوس موازية للعقيدة الإسلامية؛ متوحدة معها تارة ووصية عليها تارة أخرى.
وأدى هذا إلى توترات لم تكن في بعض الأحيان بين الدول والتنظيم بقدر ما كانت بين الدول ونُخبها المتأثرة بشعارات التنظيم المثالية. ولم يشأ القائمون على هذه الحركة أن يسموها حزبا، وذلك رغبة منهم في استثمار غموضها ورفع شعار المظلومية، والاستهداف الذي صُوّر على أنه استهداف للدين وليس للجماعة. اللعب على المصطلحات المتداولة من حركة إلى تنظيم أو جماعة يجعله مراوغاً، ويُعقِّد التعامل معه، ويزيده إيغالا في السرية.
لقد استخدم التنظيم التهويل والعاطفة الدينية لإيهام المسلمين بأنه الوحيد الذي يحمل هم الإسلام ويعتقد بأنه الحل، وفي ذلك تحريض على الأنظمة القائمة. لقد استحوذ الحزب على كل خطاب إسلامي يتفق مع شعاراته، وتبنى القائمين عليه حتى بدون علمهم ما أوجد تشتتا في المجتمعات الإسلامية ومزقها شر ممزق.
هناك أعضاء رسميون في تنظيم الإخوان، وفي أعناقهم بيعة للمرشد، وولاء خالص له، ويوجد متعاطفون بولاءات مزدوجة.
ويرى بعض العوام من المتعلمين في مشروع الإخوان الخلاص، ويعتبرونه الحل الإسلامي لأزمات الحكم، غير مفرقين بين شعار تعبوي، ونهج سياسي واقعي.
من حق الإخوان المسلمين تشكيل أحزابهم في الدول التي تسمح بها، على ألا يكون الانضمام لهم موالاة لله ورسوله، والاختلاف معهم محاداة لله ورسوله. الإسلام أكبر وأعظم من أن يحتكره تنظيم سياسي وحيد.
وإذا كان من حق أي حزب أن يكون له توجه ديني محافظ فإنه بكل تأكيد ليس من حقه إخراج الناس من الدين إن هم عارضوه. والقول الفصل أن الإخوان حزب سياسي محافظ، يمكن الاتفاق مع برنامجهم، كما يمكن معارضتهم دون أن يوصف المخالفون بأنهم أعداء الدين. ولو تمكن حزب الإخوان المسلمين من الحكم فإن طبيعته الدكتاتورية لن تقل في جرائمها فظاعة عن البلشفية، وحينها ستتسع الدولة للمنتسبين له فقط.
تنظيم الإخوان المسلمبن ما هو إلا حزب سياسي يسعى إلى السلطة تحت شعار الدولة الحديثة أو الخلافة، ويرفع شعارا دينيا لحشد الجماهير والوصول إما بأصواتهم أو بدمائهم إلى كراسي الحكم، مثله مثل الأحزاب اليسارية، واليمينية المتطرفة. ما يجب علينا وبخاصة في الدول التي لاوجود رسميا للحزب فيها هو التأكيد على أن نقض خطاب الحزب الإيديولوجي لا يعني بحال من الأحوال نقد الدين أو الحط من قدره. فالحزب منذ تأسيسه تعاون مع المستعمر ضد الدولة الوطنية، ومع السلطة ضد التيارات المنافسة، وتعاون مع الدول العظمى ضد الأنظمة القائمة، فهم واقعيون يصطفون مع القصر لتشويه صورة المسجد، ويحرضون المسجد على القصر في ممارسة ميكافيلية تقوم بها كل المنظمات السياسية، فالمهم في نهاية المطاف هو السلطة.
وفي نهاية المطاف فإن تقسيم المجتمع وتصنيفه بين إخواني وليبرالي لايخدم سوى الإخوان المسلمين.
المملكة هي الجائزة التي تحيط بها أطماع الإخوان المسلمين، والإرهابيين سنة وشيعة، والدول المعادية. ويوهمنا الإخوان المسلمون بأن كل متدين ذي توجهات اصلاحية هو إخواني لتكثير العدد وبث الرعب، وأن كل مسلم يخالف توجهاتهم، هو - بناء على سمته الخارجي- إما سلفيا جامدا، أو ليبراليا ومن ثم شيطنته.
لا أتهم سعوديا واحدا بالانتماء الرسمي للإخوان دون أن تثبت لي بيعته، ولكن الذين انطلى عليهم خبث التنظيم كثر، وعليهم أن يتطهروا بإعلان مواقفهم منه درءا للفتنة.
لمراسلة الكاتب:
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 318
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...