خوجالي تستغيث - راسم رضايف *
من أجل الحرية المنشودة التي تنادي بها شعوبنا الحرة صعدت كثير من الأرواح الطاهرة إلي بارئها، وسالت الكثير من الدماء الطاهرة الذكية، واختلطت بتراب الوطن الغالي ثمنا لحريته وكرامته واستقلاله، فالوطن الحبيب لا يُفدّى إلا بالغالي والنفيس.
هكذا يقدم أبناء الوطن أرواحهم الطاهرة على أكفهم في سبيل الوطن لتحريره من محتل غاصب، أو من مستبد ظالم، فكلاهما أعداء للوطن الحر الذي يأبى إلا أن يعيش حرا مستقلا لا يتحكم فيه عدو معتد، أو ابن عاق، فالوطن الحر يهرع إليه أبناؤه المخلصون الأوفياء لنجدته من هيمنة المحتلين أو قبضة المستبدين.
وكما في أوطاننا العربية الحبيبة التي ذاقت الكثير من ويلات الاستعمار البغيض الذي احتل الأرض ونهب الثروات، فإن الكثير من الشعوب الشقيقة عانت وما زالت تعاني من مرارة الاحتلال وقسوة العدوان، الذي قتل المدنيين الأبرياء وشرد أصحاب البيوت.
إن جمهورية أذربيجان هي إحدى الجمهوريات الإسلامية، وواحدة من الدول الخمس المطلة علي بحر قزوين، ما إن تحررت من قبضة النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، إلا وتعرضت لعدوان غاشم من قبل أرمينيا المجاورة لتحتل إقليم قره باغ الجبلية (ناغورني كالراباخ) والمناطق المجاورة له، الذي يمثل نحو خمس مساحة البلاد، وقد ارتكبت أرمينيا أبشع الجرائم في حق السكان العزل أصحاب الأرض، وذلك عندما استخدمت أسلوب القتل والترويع باتباع سياسة الأرض المحروقة بهدف تغيير الخريطة الديموغرافية لإقليم قره باغ الجبلية، وذلك بتهجير السكان وإحلال سكان من أصول أرمينية بدلا منهم.
وفي سبيل تحقيق سياسة التهجير القسري لأصحاب الأرض لم تتورع أرمينيا عن ارتكاب المذابح البشعة ضد السكان العزل، وقد كانت مذبحة "خوجالي" أكبر حدث مأساوي في المنطقة، وصفحة سوداء في تاريخ البشرية التي التزمت الصمت تجاه تلك المذبحة بحق المدنيين، واكتفت بعبارات الشجب والاستنكار ولم يتحرك المجتمع الدولي والقوى الكبرى لإزالة آثار العدوان ومعاقبة وردع المعتدي، لذلك يستمر احتلال إقليم قره باغ الجبلية حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مليون لاجئ داخل بلادهم.
في ليلة السادس والعشرين من فبراير عام 1992 قامت القوات الأرمينية المرابطة في مدينة "خان كاندي" في إقليم قره باغ الجبلية، بعد حصار لمدينة "خوجالي" دام أكثر من أربعة أشهر بمشاركة الفوج 366 السوفيتي المرابط في ذلك الوقت بالمنطقة، بتدمير مدينة "خوجالي" وإزالتها حتى صارت كأنها لم تكن، وقد قتل في هذا العدوان 613 من الأبرياء ، منهم 63 طفلا و 106 من النساء و 70 شيخا، وتم إبادة أكثر من 70 عائلة، وأصيب بجروح 487 مواطنا، منهم 76 طفلا، ويعد 150 شخصاً في حكم المفقودين و 1275 شخصاً رهينة.
وتم تشويه 487 شخصا من سكان خوجالي على نحو بشع أثناء هذه المأساة، فكان من بينهم 76 طفلا لم يتجاوزوا سن الطفولة، وفقد 26 طفلا والديهم، كما فقد 130 طفلا إحدى والديهم، ومن أولئك الذين هلكوا 56 شخصا قتلوا بوحشية غير مسبوقة، وذلك بحرقهم أحياءً وسلخ فروة رؤوسهم وقطع رؤوسهم واقتلاع عيونهم، وبقر بطون النساء الحوامل بالحراب.
وصفت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان مذبحة "خوجالي" بأنها من أبشع المجازر بحق الإنسانية في تاريخ الصراعات القومية.
لقد كشفت مذبحة "خوجالي" الوجه الآخر لأرمينيا التي تؤلب اللوبيات الأرمينية في أوروبا والولايات المتحدة والدول الغربية كافة على تركيا من أجل الاعتراف بجريمة لم ترتكبها، ومن أجل الصمت على جرائم أرمينيا واستمرار احتلالها لإقليم قره باغ الجبلية، واتباع سياسة التعتيم على أكثر من مليون لاجئ مشرد من سكان الإقليم المذكور الذين نزحوا عن ديارهم قسرا ويعيشون في ظروف اجتماعية في غاية القسوة والصعوبة.
واليوم وبعد مرور أربع وعشرين عاما على ارتكاب أرمينيا لمذبحة "خوجالي" تظل تلك الذكري الأليمة راسخة في ذاكرة ونفوس أهالي الضحايا طالما أن الجاني لم يعاقب على جريمته، بل مازال يمارس كل يوم من أعمال القتل، فمذبحة "خوجالي" هي جريمة مكتملة الأركان من حيث أعداد القتلى، والمكان والزمان، وتحديد الجاني، ولم يبق سوى فتح تحقيق دولي لمعاقبة الذي اقترف تلك الجريمة في حق البشرية.
لقد أدت هذه المأساة التي حصلت في "خوجالي" خلال السنوات الأولى من استقلال أذربيجان إلى تغييرات كبيرة في البلاد، فالقوات الأرمينية لم تكتف بهذه المذبحة بل توالت عمليات القتل والإبادة الجماعية لتنال العديد من مواطني أذربيجان الأبرياء، كما قامت بإحراق وتدمير المقدسات الإسلامية كالمساجد والمدارس والآثار التاريخية القديمة التي تميز حضارة وتاريخ شعب أذربيجان.
إن تأخر تحقيق العدالة، وتقديم القتلة إلى المحاكمة، والاستمرار في الاحتلال، يمثل استمرارا للمأساة التي يعشها شعب أذربيجان منذ استقلاله، كما أن صمت المجتمع الدولي عن ممارسات القتل والترويع وتهجير السكان، وتجاهل الحياة القاسية الصعبة التي يعيشها المهجرون يضاعف مأساتهم، مع فقدان ثقتهم في العدالة الدولية.
*سفير أذربيجان لدى المملكة
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 318
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...