الثلاثاء, حزيران/يونيو 17, 2025

All the News That's Fit to Print

* لم تكن العلاقة بين أرباب الكلمة «فلاسفة، ومبدعين» وردية، وخالية من الشوائب والنقائص والمكدِّرات، والتي يمكن أن تندرج ضمن نطاق الطبيعة البشرية المحضة، والتي يصعب عليها -لضعف يعتريها في

أوقات الغضب، ولحظات جموح العاطفة- أن يتحكم فيها أصحابُها، حتى إذا ما مرت الأيام، وأضحوا على مسافة زمنية منها، عادوا إلى رشدهم، وثابوا إلى صوابهم، ورأوا فداحة ما انفلتت به ألسنتهم من عقالها.
وليس ببعيد عنا ما حدث من خلاف وخصومة بين روّاد الأدب العربي في عصر النهضة، مثل العقاد، والرافعي، وطه حسين، فلقد كتب الرافعي في لحظات ضعف بشري كتابه «على السفود». وكنَّا في زمن النشأة ببلد المصطفى صلى الله عليه وسلم نعجب أيّما إعجاب بـ»وحي القلم»، وخصوصًا في أسلوبه ذي الجرس المتقن، وغير المتكلّف ولكننا في مرحلة لاحقة صُدمنا بما دوَّنه الرافعي -نفسه- من هجاء مقذع للعقاد في «سفوده»، ولكنه أدرك بعد زمن فداحة ما كتب، وأنه تجاوز حدود وأطر أدب الاختلاف، فتبرَّأ منه.
وقد قرأت له -أي للرافعي- كلمات صادقة ومنصفة بحق طه حسين، يقول فيها -وهو يعدّه خصمًا له-: «وطه حسين عندي كتب تنطق»!!.
* وهناك أمثلة أسوقها من سلوكيات جيل الروّاد في بلادنا، فعندما رحل الأديب والمؤرّخ عبدالقدوس الأنصاري عن دنيانا، كتب الشيخ «المؤرخ والنسابة» حمد الجاسر مقالاً في صحيفة الجزيرة، يشيد فيه بالأنصاري، ويقرُّ أن الأنصاري كان على حق فيما انحاز إليه من رأي علمي حول «جيم جُدَّة».
* كما قرأت له رأيًا آخر في المؤرخ والأديب السيد أمين مدني، وكان قد جرى خلاف بينهما إزاء مسائل تاريخية محددة، فهو يصف مجايله «المدني» بأنه أديب وقور. ويصف عزيزنا الشاعر محمد صالح باخطمة في أيامه مع الرائد حمزة شحاتة مشهد لقاء الشاعرين العواد وشحاتة في مصر، فلقد كان مشهدًا حضاريًّا أقرَّ كل منهما للآخر بالريادة والتفرّد، على رغم تلك العلاقة المتأزمة التي انقسمت فيها ساحتنا الأدبية في منتصف القرن الماضي انقسامًا حادًّا بين فريقين: أحدهما يشايع شحاتة، والآخر ينتصر للعواد، وهو ما فصَّله الابن الناقد الدكتور عادل خميس في دراسته القيّمة عن شحاتة، والموسومة «جدلية الوجود والعدم».
* ولن يغيب عن الذهن مشهد إنساني وحضاري، وذلك أثناء انعقاد المؤتمر الأول للأدباء السعوديين في الجوار الكريم بمكة المكرمة، فكان ضمن حلقات البحث ما يندرج تحت إبداعات الشاعر أحمد شوقي، وكان المتحدث الرئيس الأستاذ الناقد عبدالعزيز الربيع -رحمهم الله أجمعين- وكان الرائد العواد يجلس في الصفوف الأولى، وبعد مدة وجيزة غادر العواد القاعة في هدوء، فلمّا انتهى الربيع من إلقاء ورقته قام أحدهم ليسأله عن الخلاف الذي كان قد نشأ بينه وبين العواد، فاعتذر عن الإجابة؛ لأن العواد ليس موجودًا؛ حتّى يتمكّن من إبداء رأيه.
وكنت دومًا أعجب بمؤلفات الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- ولكن ازداد إعجابي به عندما قام بزيارة مواساة للأديب الكبير نجيب محفوظ، عندما تعرض في أخريات حياته لحالة اعتداء مستنكرة، وذلك على رغم التباين الفكري بين الرجلين.
* وإنني بدافع المودة الصادقة، أتطلع من بعض الزملاء الذين أثق في حكمتهم، ورجاحة عقولهم بأن يضبطوا عواطفهم، ويمسكوا عمّا يمكن أن يدخل في باب التجريح، وهم الأقدر على ذلك، وخصوصًا أن بعضهم ينظر إليهم الجيل الناشئ نظرة احترام وتقدير، وأنهم الأقدر على رسم نهج حضاري فيما يجري الاختلاف فيه بين رفاق الدرب، وأصدقاء المسيرة الواحدة.

للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS

تبدأ بالرمز (70) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى

88591 - Stc

635031 - Mobily

737221 - Zain

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...