الأربعاء, حزيران/يونيو 18, 2025

All the News That's Fit to Print

ثمة زخمٌ غير مسبوق في الحراك السياسي الإقليمي والدولي فيما يتعلق بالقضية السورية. ورغم كثرة السيناريوهات المطروحة، بما تحمله معها من إشارات وإيحاءات، متضاربة أحياناً، حول حلٍ ما، تمﱠ أو

يتم الاتفاق عليه، تبقى الحقيقةُ بعيدةً عن ذلك، ويبقى الموقف مفتوحاً على جميع الاحتمالات.
الثوابت المتعلقة بالقضية السورية قليلة، ومنها أن الموقف الدولي انقلب خلال العام الفائت، 2015م، من حالة التوافق على (اللا قرار) بالنسبة لسوريا إلى إدراك ضرورة وجودة (قرار) فيما يخصها. حصلَ هذا بعد أخذ العِلم، من قِبل أوروبا، بطبيعة (التهديد) الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني عليها، مع تصاعد أزمة اللاجئين. ثم مع ظهور ملامح إفلات (وحش) داعش، الذي خُلِقَ لأغراض استراتيجية، من قبضة السيطرة المُحكَمة. ففي حين يمكن توظيف (تنظيم) بهيكليةٍ معينة وفي بقعةٍ محددة من المكان، سوريا والعراق، تُصبح تلك المهمة مستحيلةً إذا تحول التنظيم إلى (فكرة)، يمكن أن يظهر من يريد التعبير عنها في أي مكانٍ في هذا العالم، من باريس إلى عمق جنوب كاليفورنيا.
وتزامنَ مع تلك التحولات النقلة الجديدة في السياسة السعودية في المنطقة، بكل شمولها المتعلق بالرؤية والأدوات والإرادة. فأصبحت الحاجة ملحةً دولياً وإقليمياً لإخراج الحالة السورية من جمودها السابق.
هكذا وُلدت (فيينا) ومعها (مجموعة الدعم الدولية لسوريا). وللتعامل مع الوضع الجديد، بما يُحقق مطالب السوريين، جاء مؤتمر الرياض الذي نشأت عنه (الهيئة العليا للمفاوضات).
لم يكن انعقاد المؤتمر ووجود الهيئة، بأدائها السياسي والإداري المتقدم نسبياً على أجسام المعارضة السورية، منسجماً مع التفاهمات الجديدة، وتحديداً الأمريكية الروسية منها، فجاء الرد سريعاً من خلال القرار 2254 الذي كان محاولةً للالتفاف على بيان جنيف الذي يقتضي إنشاء (هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات).
اتكأت الهيئة على المواد 12 و13 و14 من القرار المذكور وتمكنت من المناورة، بدعم سعودي قوي، ساندتهُ دول الخليج العربي وتركيا، فتجاوزت فخ المرحلة الأولى من جنيف 3 دون تنازلات. بل وببعض مكاسب تمثلت في إلغاء فكرة وفد المفاوضات الثالث، ثم ترسيخ مبدأ رفض المفاوضات في ظل استمرار العدوان العسكري من قبل روسيا وإيران والنظام.
ولاحتواء الموقف ظهرت فكرة وقف إطلاق النار في نسختها الروسية. أدركت الهيئة أن المقترح المذكور، بتلك النسخة، فخٌ آخر قد يُصبح التعامل معه بسذاجة نوعاً من الانتحار الذاتي لقوى الثورة. لكن التعاطي مع جوهر الموضوع كان ضرورياً سياسياً وواقعياً، فجاء عرضُ البديل المتمثل في هدنةٍ مؤقتة يجري من خلالها تحديد معنى مصطلح وقف إطلاق النار عملياً، عبرَ رصد درجة التزام النظام وحلفائه به، إن لجهة وقف الأعمال العسكرية أو لجهة تنفيذ (البنود الإنسانية).
وعلى مدى أسبوعين، ظهرت مؤشراتٌ يتأكد معها أن القرار القادم من قبل الهيئة، بخصوص استمرار المفاوضات، لا يحتاج فقط إلى دراسةٍ جدية، بل إنه يحتاج أيضاً إلى مزيدٍ من ترتيب صفوف المعارضة السورية، وإلى الاستقواء بكل ما لدى السوريين من طاقات وقدرات.
فهؤلاء وبلادهم اليوم أمام لحظة حقيقة قد يتقرر فيها مسارٌ محدد للقضية السورية. ورغم كل الإيحاءات والمناورات الإعلامية والسياسية، لا تزال ملامح هذا المسار قيد التكوين، ولم يُصبح بعد في طور الاكتمال بأي درجة. لكن هذه النافذة لن تبقى مفتوحةً طويلاً. فكل القوى المؤثرة في القضية تتحرك جدياً للتأثير فيه، وثمة أفكار عديدة مُبتكرة وجديدة يجري تداولها، وطبيعة المسار في النهاية ستكون مُحصلةً لمجموع تلك الجهود كما هي العادة في عالم السياسة.
من هنا يأتي حديث المبعوث الدولي دي ميستورا يوماً عن حكومة وحدة وطنية، ثم حديثهُ في اليوم التالي عن أن بيان جنيف يُعتبر «الكتاب المقدس» للمفاوضات السورية. إضافةً لقوله: «إن كل السوريين يرفضون التقسيم ولكن يمكن نقاش الفدرالية في المفاوضات». مع تأكيده أن حظوظ التوصل إلى تسوية للأزمة السورية هي الأعلى منذ أي وقت مضى في ظل الزخم الراهن.
هناك انطباعات تقليدية سائدة، بطبيعة الحال، حول محدودية قدرة السوريين على التأثير في المرحلة الراهنة. لكن الاستسلام لهذه الانطباعات، نفسياً وعملياً، خطيرٌ بنفس درجة الخطر الذي يقع فيه البعض حين يتعامل مع الموضوع بعقلية الأوهام، بعيداً عن مُقتضيات الواقعية.
ففي ظل التأكيد السعودي المستمر على أن حل القضية يتمثل في «سوريا بلا بشار الأسد»، ومعرفة المملكة، مع دول الخليج وبعض الدول العربية وتركيا، بدرجة تأثير مستقبل سوريا في مستقبل المنطقة، يمكن لهيئة المفاوضات أن تبلور رؤيةً يكون لها تأثيرٌ وازن في رسم تفاصيل (الحل)، بما يحقق المصالح المشتركة ومطالب السوريين.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS

تبدأ بالرمز (80) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى

88591 - Stc

635031 - Mobily

737221 - Zain

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...