أمين معلوف: الاهتزاز سبب الغربة! - سعد الحميدين
الإنسان بطبعه محب للحياة والعيش والتعايش لكي يضمن لنفسه حياة كريمة، هذه الحياة التي يمارس فيها ما تتطلبه منه في لوازم المعايشة، والعمل المستمر على أن يسير مع الآخر بما يسمى تبادل المنافع، حيث ما ينقصه يمكن أن يكمله الآخر، وما يحتاجه الآخر هو بدوره المكمل، وهكذ الحياة أخذ وعطاء، وبحث متوال عن اسباب العمل المطور لأساليب البقاء في متابعة للقادم وتهيئة الذات للفعل النافع للأفراد والجماعات، وصناعة الحياة هي بتوليد الأفكار وتطبيق إيجاد المخترعات والصناعات الكبيرة والصغيرة، وأهمها ما يضمن المواكبة لسد كل ثغرة يحدثها الاحتياج إلى الحياة المستقرة المنتجة، فقد سارت وتتالت وستظل في دوران العجلة إلى نهاية العالم التي لايعلمها ألا خالق البشر، وفي هذا ما يوسع ويطوّر الآمال ويعرضها في سبيل استمرارية الحياة، فكانت الأوطان التي تختلف وتأتلف، وكانت الاحتياجات المتبادلة كينونة وإعمار الحياة التي تؤكد على ممارستها، وحب المواصلة مع ما تتطلبه، من نتاج بشري، وعملي يضمن البقاء، وكل (وطن) له صفاته المميزة، ولا يوجد من يستطيع العيش بدون التواصل والتبادل المصلحي بالوسائل المتاحة المؤدية إلى المسالك والسبل المرتكزة عليها الحياة عموما.
(للوطن كل المحبة)، والتاريخ ينبئ عن كمّ من الأحداث الجسام التي ضحى فيها أبناء الأوطان دفاعا عن كرامة أمتهم، وكرامة القيمة المعاشة في مكان يجمع بالتناسل والألفة بين بشر يعملون من اجل بناء يجمعهم ويوجب حمايته والتفاني في خدمته لكونها خدمة للنفس، يُجمع على محبتها منذ وعي الإنسان، وكل مخلوق محب للحياة، بالصفة التابع لها في محيطه البشري، والحيواني والبيئي، فتتكون محبة البقاء، والعمل على التنمية، والذب والمواجهة من أجل البقاء.
تحتم الظروف الحياتية أحيانا على هذا المحب أن يَنْزَع، أو ينتقل من مكانه إلى مكان أو موطن آخر لسبب قهري دفع به إليه حب البقاء، وخاصة من أماكن ومناطق النزاع، وفقدان الأمان، ووجود فرص لحياة مستقرة تضمن التعايش وراحة النفس، والعمل على إنتاج ما ينفع وما يحافظ على الكرامة وراحة البال.
المفكر والمبدع الروائي اللبناني (أمين معلوف) كان له رأيه الخاص في تحوله من مواطن مستقر في لبنان إلى فرنسي، مقيم يعمل بنشاط في مجال الصحافة، والأدب، والرواية التي اشتهر بها، حيث كتبها بالفرنسية ثم ترجمت إلى العربية، مضيفا إلى المبدعين العرب قامة لها قيمة عالمية، فهو ينكر تعريف الفرانكفونية، ويصر على أنها غير منطقية، وله تحفظات بل اعتراض عليها، فالإنسان هو في كل وطن، والعمل الفكري والأدبي بأي لغة هو موجه للإنسان، ويعلل إقامته في فرنسا وعمله على أن يكون (لبنانيا/ فرنسيا) فهو يعتز بلبنانيته كما فرنسيته، وقد توصل إلى مراكز علمية عالمية وهو خارج الوطن الذي قسره كفنان مبدع محب لعدم الاستقرار، ويريد أن ينتج مشروعة الفكري الذي خطط له في جو مناسب، فيقول مفصلا الأمر بما يراه: "إنني لبناني وفرنسي، ولكن ليس في الطريقة نفسها، هناك انتماء عقلاني، وانتماء غير عقلاني عاطفي وجداني أو عفوي، فالانتماء العقلاني يقول إن المرء عندما يعمل ويعيش ثلاثين عاما أو أكثر في بلد فيجب عليه أن يتعاطى مع هذا البلد وكأنه بلده وليس كبلد غريب هو أشبه بالمحطة ينتظر فيها لينتقل إلى بلد ثان، فبالتالي، فإن شعوري هو على المرء هذا أن يندمج في البلد".
وبعد التأكيد على وجوب الاندماج والتمازج وتعويد النفس على المساهمة كما هو في وطنه الأصلي يسرع في بسط اللوحة مضاءة بالنيون لكي تكون واضحة مدركة من أي مسافة: "أما علاقتي بلبنان فطبيعتها مختلفة لأنه البلد الذي ولدت فيه ونشأت، ولديّ فيه ذكريات الطفولة والصبا، ثم لأن البلد يعرف المأساة منذ الطفولة، وعندما يكون البلد في حالة مأساوية لايستطيع المرء أن يتعامل معه مثلما يتعامل مع بلد معافى – طبعا فرنسا لها مشكلاتها – ولكنها تتعامل مع مشكلاتها بهدوء ولا تعيش في حال من الاضطراب مثلما تحيا لبنان والمنطقة، حيث كل يوم نسأل ماذا سيبقى من البلد، وماذا سيبقى من ثقافتنا"؟
وأمين معلوف ترك لبنان في السبعينيات وقت اشتداد الحرب الأهلية والقنص، والذبح على الهوية، والتسلطات من بعض الطوائف التي أخذت تمعن بالهدم والتدمير، والعمل على الزعزعة والتشتت، وحولته إلى (لبنانات) وكانتونات تأتمر وتنفذ أوامر من خارج الوطن، لكل انتماء، بحسب الموقع.
ترك لبنان وهو في عز شبابه برفقة طفليه مع امهما، وصار يتعامل مع الصحافة العربية والفرنسية، ولكون دراسته للغة الفرنسية أهلته لدخول الحياة الثقافية هناك وجد مكانه المناسب الذي انطلق منه وسار فيه وهو على بساط الاستقرار والراحة والأمان، فأمعن في الغرف من المعارف والثقافة، وعمل على نهجٍ وسلوكٍ فني جديد في الرواية، إذ حوّل وقائع تاريخية لها دلالاتها في الحياة إلى روايات لفتت الأنظار بعد أن ترجمت إلى العربية - حيث كتبها بلغة البلد الذي يعيش فيه - علاوة على أنه يجيد الفرنسية بتمكن أكثر بحكم الدراسة الأولى في لبنان، وتمرسه مع طول مدة الإقامة بمخاطبة أهل البلد بلغتهم، والكتابة كذلك، ومكنه ذلك من أن يكوِّن له المكانة العلمية العالمية.
بعدُه عن مناطق الاهتزاز واللا استقرار أتاح له أن يصدر الأعمال المتميزة مثل:
الحروب الصليبية كما رآها العرب - عرض تاريخي (1983)، ليون الأفريقي - رواية (1984)، سمرقند - رواية (1986)، حدائق النور - رواية (1991)، القرن الأول بعد بياتريس - رواية (1992)، صخرة طانيوس - رواية (1993)، سلالم الشرق أو موانئ المشرق - رواية (1996)، رحلة بالداسار - رواية (2000)، الحب عن بعد - مسرحية شعرية (2001)، الهويات القاتلة - مقالات سياسية (1998 و 2002)، بدايات - سيرة عائلية (2004)، الأم أدريانا - مسرحية شعرية (2006)، اختلال العالم - مقالات سياسية (2009)، التائهون- رواية (2012)..
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 319
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 345
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 522
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...