
موت الشعر.. نهاية الإنسان | واسيني الأعرج
نهاية الإنسان كفاعلية جمالية. عندما يغلق الشعر نوافذه وأبوابه يكون الإنسان قد انتهى، وربما قد مات. معاناة الشعر ليست حالة افتراضية ولكنها حقيقة. الأمر الذي دفع بالكثير من الشعراء إلى تجريب أجناس أخرى بوصفها المنقذ للكتابة، وليس للشعر، لأن الهرب نحو الرواية الذي أصبح ظاهرة، هو تأكيد على بدء موت هذا الجنس. الهرب هو التخلي عن إرغام الجنس على التجدد والدخول في حالة التكلس والتكرار لدرجة يمكننا أن نسمي الشعراء الثابتون على الشعر أولًا وأخيرًا، الأقلية المقاومة. فقد الشعر في السنوات الأخيرة مساحات عريضة من جمهوره الأساسي، وربما الملايين من قرائه الذين قاوموا زمنًا طويلًا، و لم ينزلقوا نحو الرواية ونحو السهولة. لكن للأسف، هذا العدد من القراء في كل سنة يتناقص أكثر فأكثر حتى أصبح من الصعب على الشاعر بيع مائة نسخة من ديوانه، إلا فيما ندر. حتى دور النشر العربية، أصبحت تتضايق من الشعر في ظل غياب أو موت الشاعر الجماهيري، كنزار قباني ومحمود درويش وغيرهما. انتهى زمن هؤلاء الذين كانوا يملأون الملاعب والمساحات الواسعة. واستُسهِلت الرواية بوصفها الجنس الأكثر إغواء، كما يعتقد الهاربون نحوها. جمهور الشعر المكتسب عبر الحقب التاريخية المتوالية، بدأ إما ينسحب من مساحة الشعر، أو يشيخ في ظل حالة تنافسية حادة مع الرواية، جمهور الشعر أصبح صعبًا وثقيلًا، إذ أن الجيل الجديد من القراء فتح عينيه على جنس آخر أكثر قوة، وأكثر تأثيرًا وجلبًا لوسائل الاتصال الحديثة. جنس قابل لأن يضاهي الحياة في كل تفاصيلها. يتعلق الأمر ها هنا تحديدًا بالرواية التي محت غطرستها أو كادت، الكثير من الأجناس الأخرى. هربًا من الموت المبرمج، انغمس الشعر في سياقات الرواية فأصبح في الكثير من نماذجه جزءا من مكونها الداخلي، وربما جزءها الأكثر سحرًا. نرى ذلك بوضوح كبير في الرواية العالمية الأمريكية اللاتينية، واليابانية، والصينية، وغيرها حيث أصبح التماهي ظاهرًا. حتى النصوص الروائية العربية لم تسلم من هذه المواءمة الشعرية الروائية. لدينا في بعض التجارب ما يستحق التأمل. في الحقيقة هذا يقود إلى فكرة قد تحتاج إلى بحث أعمق ليس هذا مكانه. فقد عاد الشعر إلى أصله السردي الأول، الملحمة الهوميرية في عز تألقها. ألم تكن الملاحم الشعرية القديمة، غلغامش، الإلياذة والأودسة إلا سرودا مركبة لقصص كثيرة تتعلق بصراعات الآلهة البابلية والإغريقية وتجليات القوة والغطرسة. هذا النفس القصصي والسردي القديم تستعيده القصيدة وهي تتماهى في الكتابة الروائية. المعلقات الشعرية العربية التي روت أخبار العرب، فتحولت إلى ديوانهم الحياتي الذي كان سجلا لحيواتهم وحروبهم وتطاحناتهم، احتوت على كل العناصر التي تبرر العودة الشعرية نحو السرد. أليست هذه العودة في النهاية حركية طبيعية باتجاه أصل سردي ظل مبطنا في التجربة الشعرية العربية، ولم يمت فيها أبدا على الرغم من النظام الشعري الصارم بعموده الشعري، الذي اعتاد بلاغة الاختزال بدل بلاغة الوصف كما في النصوص السردية؟ سؤال يحتاج إلى اختبارات أكثر صرامة وأكثر جدية لأنه لا شيء يأتي من لاشيء أو من عدم. هذه التحولات القاسية في جسد القصيدة، لم تمنع الشعر كجنس متمايز من الدخول في مساحات المعارضة والمقاومة في ظل هيمنة تكاد تكون إمبريالية للرواية ليمنح الجنس الشعري قابلية التواصل والإحساس بأن الدنيا ما تزال ببعض الخير، وأن الشعر أيضا ما يزال هو طفولة الإنسان الأكثر غموضا، والأكثر صدقا أيضاً، والأكثر مقاومة للموت الذي يفرض عليه. لهذا كلما كان الحديث عن موت الشعر استغربت من قائله. موت الشعر معناه ببساطة انطفاء الإنسان الذي عرفناه بأشواقه وأحلامه، ونهايته.
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (124) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 - Stc
635031 - Mobily
737221 - Zain
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 319
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 345
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 522
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...