الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

محمد آل الشيخ

القانون في كل الدول هو ضمانة الأمن والاستقرار، فإذا غاب أو اهتز، انفلتت المجتمعات، حتى ولو كانت هذه المجتمعات راقية ومتحضرة. انقطعت الكهرباء ذات ليلة في نيويورك، فاستطاع اللصوص أن يعتدوا في جنح الظلام الدامس على الممتلكات، فكانت الخسائر في بضع ساعات تقدر بالمليارات.

المرور والضبط المروري من أهم المشاكل المتفاقمة التي لا نعرف كيف نواجهها، إذ إن الفوضى المرورية العارمة، وتدني أخلاق بعض السائقين، تكاد تكون من العلامات التي تختص بها بلادنا - للأسف - من بين كل بلاد العالم. فيما لو قورنت بغيرها من الدول القريبة، فالبون شاسعٌ، ومخجلٌ في الوقت ذاته؛ هذا رغم أن أجهزتنا الأمنية استطاعت أن تبهر العالم في سيطرتها على ظاهرة الإرهاب والإرهابيين وكشفهم وكبح جماحهم، فما إن تُرتكب جريمة إرهابية، فإن كشفها لا يحتاج من أجهزتنا الأمنية إلا أياماً قصيرة، لينتهي أفرادها إلى السجن أو القتل، بينما فشلت أجهزتنا المرورية فشلاً ذريعاً في السيطرة على الفوضى المرورية، وإلزام الناس، خصوصاً الشباب الطائش منهم، على الالتزام بأنظمة السير في الطرقات، حتى أصبح القتلى والمصابون في حوادث السير أضعاف القتلى والمصابين في جرائم الإرهاب.

صحيح أن أنظمة الردع المرورية هي الحل الأهم في كل دول العالم، لكنها قطعاً ليست كافية إلا إذا تضافرت معها حلول أخرى مساندة. لذلك فإن التصعيد في عقوبات الردع بما يواكب ظاهرة الانفلات، يجب أن تكون القاعدة الأولى لعلاج هذه الظاهرة. كوريا الشمالية - مثلاً - جعلت الإعدام رمياً بالرصاص هو عقاب من يقطع الإشارة المرورية، فانعكس ذلك انعكاساً إيجابياً على الأمن المروري، إذ أصبحت الوفيات في حوادث السير في كوريا الشمالية هي الأقل عالمياً. وأنا هنا لا أطالب بهذه الحلول التعسفية المجنونة، ولكن أطالب أن نرتقي بالعقوبات المالية أولاً، ومن ثم عقوبات سجن المخالفين لمدد أطول مما هي عليه الآن.

ولا يمكن أن نتطرق لموضوع نفسي ومؤداه (خاصية) ينفرد بها بعض الشباب وهي لذة مقاربة الخطورة، أو ملامسة سقفها الأعلى، فقد كانت هذه الخاصية تتجلى في الماضي في (الشجاعة والإقدام) في الحروب والغزوات، وكانت حينها تعتبر من (مميزات الفرد) المحمودة، والتي يفاخر بها أقرانه في المجتمع، هذه الخاصية أصبحت الآن من الممنوعات بل ومن الجرائم في مجتمعات السلم الأهلي، ولأنها تعتبر من حيث التحليل النفسي، ضرباً من ضروب الحماس الإنساني لدى البشر، لذلك قامت المجتمعات المتحضرة بتفريغ هذا الحماس في اعتماد بعض الرياضات ذات الصبغة التنافسية العنيفة، وتشريع قوانينها، لتكون (متنفساً) يستطيع من خلاله الفرد الذي تسيطر عليه هذه النزعة، بتفريغها بما لا يضر بالآخرين والأمن الاجتماعي، بحيث تنحصر انعكاساتها عليه نفسه، ومن يشاركونه في هذه النزعة والخاصية، وهذا - بالمناسبة - حُجة من يدافعون عن بعض الرياضات العنيفة، كالملاكمة والمصارعة مثلاً.

وأنا على يقين أننا لو أقمنا حلبات لسباق السيارات، ومثلها للمفحطين، ونظمناها بضوابط محكمة لمزاولتها ومزاولة منافساتها، سينعكس ذلك انعكاساً إيجابياً على الانضباط المروري، بالشكل الذي يجعل من لديه رغبة نفسية في التلذذ بمقاربة الخطر، وملامسته، أن يُنفس عن رغبته تلك، ويمارسها بعيداً عن الطرقات.

أتمنى أن يجد هذا الاقتراح من المسؤولين آذاناً صاغية، فجل الردع لوحده لم يكف، ولن يكفي، حتى ولو استوردنا قوانين كوريا الشمالية.

إلى اللقاء.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...