الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

محمد آل الشيخ

يكره السروريون، ومنتجاتهم الجهادية، أية قضية لم يقطع الفقهاء بحلها أو حرمتها، إذا كان أحد الأقوال يمكن توظيفه سياسيا، فيزعمون أن هذا القول هو الرأي (الوحيد) الذي كل رأي غيره لا يعتد به..

فمن المعروف أن قضايا السياسة الشرعية، غالبا ما تكون محل خلاف بين الفقهاء، وهذا ما يجعلهم في زاوية ضيقة، لا يخرجون منها الا بتضليل الناس والافتراء عليهم بأن ما يقولون وما يرجحون قضية قطعية، أو قضية إجماع، طالما أنها تصب في توجهاتهم ومصالحهم السياسية الحركية، ويحاولون أن يضعفوا الأقوال الأخرى المتسامحة، أو الأقول التي لا تتفق مع طرحهم (الأيديولوجي المسيس) الذي من خلاله يُحكمون سيطرتهم على المسلمين، فيوجهونهم حيث يريدون، لا ما يريده الإسلام المتسامح، وقديما قيل: (لولا اختلاف الأئمة لفسدت الأمة), فالقدماء كانوا يرون في الاختلاف فسحة ربانية ورحابة، من شأنها أن تصب في التوجه الذي يحقق مرونة الإسلام ومواكبته لكل زمان ومكان، وعدم التضييق على المسلمين؛ بينما يجد المتأسلمون المسيسون، في سماحة الإسلام وتعددية الاجتهادات، تقييدا وتضييقا عليهم، وإلغاء لقدرتهم على تكييف نصوص الإسلام وتفسيرات الفقهاء المرجعيين الأوائل بما يصب في مصالحهم، فيحولون المتلقي إلى عجينة طيعة، يشكلونها كما يشاؤون.

في الماضي، وقبل أن تلج (جماعة الأخوان) إلى المملكة، ويتسربون إلى مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية، وإلى وسائل إعلامنا، ونحن عنهم غافلون، كان المستفتون إذا ما سألوا مشايخنا عن مسألة دينية، كانت الإجابة التي غالبا ما تكون مقدمة لأي سؤال : (فيها قولان)، ثم يستعرض القولين بأمانة، وفي النهاية، يُرجح الرأي الذي يرى أنه الأرجح حسب رؤيته، لكنه ينأى بنفسه عن أن يتحمل المسؤولية أمام الله، ويضعك أمام خيار واحد إذا كانت القضية فيها قولان أو ثلاثة، لأن الفتوى آنذاك لم تكن تُستغل لأسباب ودوافع سياسية؛ أما اليوم، فاختلط الحابل بالنابل، والعالم بالجاهل، والسلفي الحقيقي بالسلفي المتأخون، كما اختلط المتربص بنا بالمدافع عنا، فأصبحت الفتوى الخالية من الأغراض النفعية للمفتي ولتوجهاته السياسية أندر من الكمأة عندما يغيب المطر ويكتنف الصحراء الجفاف، فكلٌ يدعي أنه الأعلم، والأصلح، والأغير على الدين، فضاع الناس، ولم يدر السائل أي مفت يستفتيه، وأغلب طلبة العلم يتجاذبهم تياران : تيار حركي مسيس، يخضع صاحبه لتوجهات تنظيمه، ويوجه بوصلته إلى مصالحهم السياسية، ويخضع ما يقول لمصلحة التنظيم العليا، والعمل على تمكينه من تحقيق أهدافه، وينتقي من اجتهادات الفقهاء وتأصيلاتهم ما يتوافق مع أهداف الحركة ومصلحتها العليا.. التيار الثاني تحكمه النزاهة والاستقامه والضمير الحي، وتلمّس ما يرضي الله حسب اجتهاده وتقواه، لكن مثل هؤلاء هم في الغالب أفراد مستقلين، لا يتبعون لتنظيم، ويرون التعصب للرأي لمجرد التعصب، فضلا عن الانتماء لحزب، أو جماعة، ممارسة يأباها الدين فضلا عن انه يخشى اختلاط عمله بالرياء، غير أنهم - في الغالب - لا يمتلكون من الوعي والثقافة والمعرفة بالمسائل الدنيوية وضرورياتها، ما يمكنهم من إنزال النصوص، واجتهادات الفقهاء المرجعيين، في موقعها الصحيح والمناسب الذي يصب في مصلحة الفرد واستقرارالمجتمع.

كل ما أريد أن أقوله هنا، إن تسييس الدين، وتوظيف نصوصه، توظيفا لخدمة هذه الحركة، أو التمكين لهذه الجماعة، والرفع من قداسة من يتولون الفتوى من كوادر أولئك، هو من أخطر الأخطار ليس على الإسلام فحسب وإنما على الأديان جميعها؛ ومن قرأ تاريخ الكنسية الكاثوليكية قراءة متعمقة وموضوعية، وكيف تسلط كهانها على الناس، ومن ثم ثورة الناس على الدين وتفشي الإلحاد في المجتمعات الأوربية، سيدرك حتما ما أقول.

إلى اللقاء.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...