الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

مشكلة الرئيس أوباما أنه عاطفي وصريح، والعاطفة في السياسة نفق يقود إلى الضعف ويؤدي إلى المواقف الجبانة، أما الصراحة فهي تتنافى مع أبسط مقومات القائد وحنكة القيادة التي تتطلب بعضا من "الغموض الإيجابي" كما أسماه ديفيد أجناتيس.

النقد الذي وجهه لدول صديقة هي الأقرب للحلف مع بلاده لم يسهم في تحسين السياسة الخارجية الأميركية أو يدعم مصالحها في الداخل أو الخارج. فقد أعلن الرئيس بصراحة بأنه لا يثق في سياسة بلده الخارجية ولا بقوة الولايات المتحدة للقيام بمهامها في حفظ السلام والنظام العالمي بصفتها دولة عظمى عليها مسؤوليات أخلاقية لا يسعها التفريط فيها فتفتح بذلك الطريق أمام منافسيها لاقتناص الفرصة وملء الفراغ.

السيد أوباما يستدعي لمطبخ صناعة القرار تجاربه الشخصية كطفل ولد لأب مسلم في عائلة مسيحية، وقضى بعضا من طفولته في دولة مسلمة هي إندونيسيا، وجال في دول أفريقيا على أنه مهاجر يحكم أميركا وينحدر من تلك القارة، وبين مواقفه كمناهض للحرب منذ كان في مجلس الشيوخ، مضيفا إلى هذه التشكيلة خلفيته كأستاذ جامعي في القانون. وبدلا من أن يؤثر هذا المزيج إيجابا في فهم أعمق للتعددية الثقافية والمسؤولية الإنسانية وتحقيق العدالة، أدى إلى تحولات عكسية انكفأت على ضوئها أميركا وتراجعت قوتها التي كان يجب أن تكون قوة عادلة، ووقف على مسافة واحدة من إيران والسعودية وإسرائيل.

صحيح أنه تلقى إهانات فادحة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وأصدقاء إسرائيل في الكونغرس حيث استضيف رئيس دولة أجنبية دون موافقة الرئيس. وصحيح أنه ووجه بتحديات منذ بداية فترته الثانية وبمواقف داخلية متشنجة إلى درجة تشكيك 54% من الجمهوريين بديانته، إلا أن ذلك لا يبرر له أن يساوي بين إيران التي قتلت من الأميركيين منذ عام 1979م وحتى عام 2001م ما لم تقتله دولة أخرى، وتصنفها وزارة خارجيته على رأس قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتقع ضمن دول محور الشر، وينص دستورها على طائفيتها، ويحكمها ولي الفقيه وكل مظاهر الديمقراطية التي تجري هي وفق إرادته، وسجل إيران في حقوق الإنسان غير مشرف ومثقل بالإعدامات التي تقوم على محاكمات صورية. أما إسرائيل فدولة تحتل أرضا عربية ومقدسات إسلامية وتعتمد في بقائها على الدعم الأميركي لها. وهي حليف مكلف على الخزانة الأميركية، وسببت الكثير من الإحراج للإدارات المتعاقبة وأصر قادتها على إهانة الرئيس أوباما شخصيا.

المملكة على العكس من النموذجين السابقين، تقدر علاقاتها مع أميركا، ولكنها لا يمكن أن تضعها فوق مصالحها الوطنية أو تغلبها على مواقفها المبدئية، وهي التي تحملت طويلا تبعات العلاقة مع أميركا. كان أبسط المطالب السعودية التي لا تداهن فيها في علاقتها مع الصديق الأميركي هو الاحترام المتبادل، ولذلك فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة حرصت على ذلك، وتحملت ردود أفعال السعوديين عندما تُخترق خطوطها الحمراء.

الملك فهد طرد السفير الأميركي لأنه تجاوز حدود عمله، ومع ذلك فإن الأميركيين لم يردوا بالفعل، والملك عبدالله -رحمه الله- رفض دعوة أميركية لزيارة البيت الأبيض احتجاجا على الموقف الأميركي من انتفاضة الأقصى، وكتب في ذات الموضوع رسالة شديدة للرئيس بوش الابن قال فيها: لقد وصلت علاقتنا إلى مفترق طرق، وعلى كل منا أن يتدبر أمر مصالح بلده بعيدا عن الآخر، عندها عرف الأميركيون أن المملكة لن تجامل في القضية الفلسطينية وكان ذلك الموقف الشجاع دافعا لإعلان أميركا موقفا كان الأول من نوعه وهو حل الدولتين في فلسطين. الرئيس باراك سمع من الملك سلمان تأكيدا على أن بلادنا لا تريد شيئا لنفسها، وإنما تريد استقرار المنطقة وأمنها.

مازالت المملكة تقدر المواقف الأميركية الأساسية ومنها موقف الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذي ينتمي لحزب أوباما نفسه الذي أكد عام 1942م أن "أمن السعودية هو جزء من أمن الولايات المتحدة الأميركية". وبعد أكثر من ستين عاما جدد الزعيمان الملك عبدالله والرئيس جورج بوش الابن (الجمهوري) الالتزام المتبادل بين الدولتين. وصدر بيان مشترك في ولاية تكساس في 25 أبريل 2005م كان بمثابة تصحيح مسار العلاقات السعودية - الأميركية، حيث نص على "أن التغيرات المهمة التي تجري في العالم تتطلب من البلدين صياغة شراكة قوية مبنية على ما تم تحقيقه حتى الآن، ومن شأنها مواجهة تحديات هذا العصر والاستفادة من الفرص التي ستتاح للبلدين خلال الستين عاما القادمة". مؤكدا احترام الولايات المتحدة الأميركية للمملكة باعتبارها "منبع الإسلام الذي هو من أعظم الأديان في العالم، ومهدا للعقيدة الإسلامية، وراعية للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة" واتفقت الدولتان حينذاك على أن رسالة السلام والاعتدال والتسامح يجب أن تنتشر بين كل الناس والأديان.

لقد تناول البيان المشترك المبادئ الأميركية التي تبشر بها أميركا وتجعلها شرطا لصياغة تحالفات القرن الواحد والعشرين ومن ذلك الحرية والديمقراطية ما حظي بتقدير الطرف السعودي الذي أثنى على الدور التاريخي الذي لعبته الولايات المتحدة لوضع حد للاستعمار والإمبريالية، ودعوتها لحق الشعوب في تقرير مصيرها. في ذلك اللقاء التاريخي تمسكت المملكة بخصوصيتها وأن ما يجوز في بلد قد لا يجوز في آخر وبالتالي توافقت الدولتان على أنه "في مقدور الأمم أن تنشئ المؤسسات التي تعكس تاريخها وثقافتها وتقاليد مجتمعاتها، وأن الولايات المتحدة لا تسعى إلى فرض نمطها في الحكم على حكومة وشعب المملكة العربية السعودية".

مشكلة الرئيس أوباما أنه لم يرجع لأرشيف العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، ولذلك رمى بثقله خلف الربيع العربي، وشعر بخيبة أمل كبيرة أن المملكة تصدت للعبث بالمنطقة، ولم يكن ذلك عرقلة للإصلاح، وإنما انقاذا لأنظمة عربية تتهاوى أمام الربيع الأميركي الذي لا يقدر متطلبات التغيير ولا يأبه بنتائج التهور المدمرة على استقرار المنطقة وأمنها.

عندما فشل مشروع فخامة الرئيس تفرغ للتنظير لترك إرث في ذاكرة مثقلة بأخبار الفشل الذريع للسياسة الأميركية في عهد فخامته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


لمراسلة الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...