الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

الإرهاب الذي يضرب أرضاً يحقق هدفه الإعلامي في الإثارة والتضخيم قبل أي شيء آخر، ويحمل معه رسالة الخوف والقتل والدمار، ويثير تساؤلات عدة قد تصعب الإجابة عنها في حينها، لكنها حتماً مستفزة، ومربكة، ومحبطة أحياناً، خاصة عندما يكون مصدر التهديد قريباً، والهدف معلناً، والخطر يحيط بالمكان، وجهود التنسيق الأمني والاستخباراتي على أعلى مستوى من الجاهزية والحذر، ومع ذلك يتحقق هدف الإرهاب للنيل من الإنسان والمقدرات.

مع اللحظات الأولى للهجمات الإرهابية التي ضربت بروكسل أمس تذكّرت مقولة بنجامين فرانكلين -أحد أهم مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية وصورته الخالدة على عملة الدولار-: «من يضحّي بالحرية من أجل الأمن لا يستحق أياً منهما»، والواقع أن أوروبا لم تتنازل عن حرياتها في الحكم والتشريع والإدارة والسلوك، ولكنها تشعر أن أمنها مهدد بفعل الإرهاب، وأحداث باريس وقبلها لندن ومدريد شاهدة على هذا الهاجس الذي تمدد إلى إعادة النظر في العلاقة بين الحرية والأمن، وتجاوز ذلك إلى تقنين الحريات التي كفلها الدستور والنظام لمحاربة الإرهاب والجريمة والهجرة وطلبات اللجوء، ووصل الأمر إلى استغلال أو انتهاك المعلومات الشخصية للمسافرين إلى أوروبا لمعرفة الانتماء الديني والعرقي للمسافرين، والتنسيق مع شركات الطيران لمعرفة المسافر الذي يطلب وجبات «حلال»، وهو ما يتنافى مع الحرية التي قد تجلب أمناً من وجهة نظرهم، ومع مقولة بنجامين.

النظم الديمقراطية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ضحّت بحرياتها مقابل الأمن، وهذه حقيقة أثبتتها الأحداث والأزمات التي مرّت بها أميركا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفرنسا مؤخراً بإعلان حالة الطوارئ، وحالياً بروكسل برفع الحالة الأمنية إلى الدرجة الرابعة التي تعني شللاً كاملاً للبلاد ونزول الجيش لحماية المواقع الحيوية، والسؤال: هل ستبقى تلك النظم على موقفها من أن الحرية تجلب الأمن؟.. أشك في ذلك، بل العالم يتجه اليوم إلى تقنين الحريات والتنازل عن كثير من مبادئه الديمقراطية بحثاً عن الأمن الذي هو حاجة إنسانية كما في «هرم ماسلو»، ومصالح اقتصادية، ومواقف سياسية بين الدول.

نعم لن ينهار النظام الديمقراطي، ولكن قد يعود إلى الوراء إذا اتجه الساسة والنخب الغربيون مجدداً للحديث عن التمييز الديني والعرقي، وفرز المحصول الإنساني والثقافي للشعوب على أساس ذلك، وتبادل الاتهامات عن مصدر الإرهاب من دون النظر إلى أسبابه ودوافعه وما تم فعله لمكافحته، وبالتالي سيكون العالم المتحضّر أمام مسؤولية الحرية والأمن مجدداً، وأيهما مقدم على الآخر.

بلدي يدين اعتدءات بروكسل، ويتضامن مع أسر الضحايا والمصابين، ويقف على أرض صلبة في مواجهة الإرهاب، ويقود تحالفاً إسلامياً لمحاربته، ويناشد العالم أن يتحرّك لمحاصرة مصادر الإرهاب وتمويله ومن يدعمه من دول ومنظمات وأحزاب شيطانية، ومواقفه شاهدة على ذلك وهو من اكتوى بناره، ومع ذلك انتصر عليه من دون أن يفرّق بين مواطن وآخر، أو مقيم ومواطن، أو يعلن حالة طوارئ، أو ينزل الجيش للشوارع، أو يقيّد حرية الناس، أو يأخذ أحداً بوزر غيره؛ لأنه باختصار عرف مصدره، وتعامل معه بكفاءة رجال أمنه المخلصين، ووعي شعبه الذي اختار بحريته كيف ينحاز مع أمنه واستقراره وقيادته، ولا يلتفت إلى أصوات التطرف والإرهاب الأجير!.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...