الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

د. حمزة السالم

الأكاديميون والخبراء والإعلام فضلا عن مسؤولي القطاع العام والخاص، جميعهم لا يفتؤون عن ترديد نفس الأطروحات التي تطرحها اقتصاديات الدول الأخرى، والمتقدمة منها خاصة. وما أكثر الشواهد، ولكن شاهد اليوم هو ديون المواطنين الاستهلاكية أو الاستثمارية كدين امتلاك منزل أو نحوه. وقد استدعى الشاهد اليوم ما انتشر مؤخرا عن قلق الكثير وإشفاقهم على بنوكنا من أزمة رهن عقارية كالأزمة التي سمعوا بها فأنزلوها على حالنا. يا أحبتي، نحن لسنا أمريكا ولا النرويج ولا أوربا ولا اليابان. دين الأسر في تلك الدول يبلغ مقدار دخل الأسرة لعام أو عامين. وتبلغ قيمة الرهون العقارية نسبة تتجاوز في كثير من البلدان الناتج المحلي لها. ونحن لا يبلغ الرهن العقاري 6% من ناتجنا المحلي، ولا يبلغ دين المواطن الاستهلاكي والاستثماري بما فيه الديون العقارية 18% من الناتج المحلي. وذلك حسب آخر إحصائيات مؤسسة النقد. يا أحبتي، الأخطار الاقتصادية في تلك البلدان تختلف تماما عن الأخطار الاقتصادية عندنا كما تختلف الفرص الاقتصادية عندهم عن التي عندنا. يكفي البنوك تعثر 5% من الرهون لكي يفلس البنك ولا تتدخل حكوماتهم. في أمريكا وهي من أقل الدول المتقدمة في نسبة ديون المواطنين ونسبة الرهون العقارية، إذا ما قورنت بأوربا كبريطانيا أو النرويج أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو كندا وغيرهم، في أمريكا يبلغ الرهن العقاري نحو عشر تريليونات دولار، تعثر %5 يعني نصف تريليون دولار، قد بيعت وأصبحت رهونا لعقود المشتقات تزيد قيمتها عن عشرات التريليونات.

يا أحبتي نحن بلاد كثيرة السيولة قليلة الديون، خصبة للأفكار والإبداعات، إذ أنها بلاد لا يفكر أهلها لأنفسهم مطلقا، وسيولتها تسقي بلاد غيرهم. يا أحبتي نحن بلاد مختلف في ثقافته الاقتصادية لذا لا ديون على المواطنين عندنا تذكر، إذا قورنت بديون مواطني العالم المتقدم. نحن كالدول الذي لا يعاني مواطنوه من الديون. وهل خلو المواطن من الدين يعني الادخار؟ نحن لا ندخر، ولو ادخرنا فأين ستذهب مدخراتنا؟

في العالم المتقدم الذي لا نفتأ نُنزل أوضاعه ومشاكله الاقتصادية على اقتصادنا، في ذلك العالم مواطنوه مدينون لأنهم يدخرون في اقتصاد بلادهم. فمن يشتري بيتا أو سيارة أو يأكل أو يسافر فهو يدخر ماله في اقتصاد بلاده. ولذا فهو وإن كان مديونا إلا أنه من الملاك. فهو يملك منزلا أو اثنين واستثمارا واسعا في الشركات ونحوها، كما أنه يمتع نفسه بماله بدلا من أن يتمتع بها مواطنو بلاد الواق الواق. المواطن السعودي ليس مديونا لأنه لم يدخر ولم يمتلك. ومن ادخر فلم يدخر لنفسه. بل هو يدخر في مال يذهب لبلاد غير بلادنا، ليستفيد اقتصاد تلك البلاد من ادخاره.

ليس الهم والقلق يا أحبتي أن يصبح المواطن مديونا لأنه امتلك منزلا، بل إن الهم أن لا يصبح مديونا فهذا هو الخطر الحقيقي. فهو إن استهلك ماله أو ادخره فنهاية الأمر هجرة هذا المال للخارج. الخطر الأعظم يا أحبتي في هجرة الريال للخارج لا في التمويل العقاري واستدانة المواطن في دين استثماري.

نعم، ليس هناك أمل منظور في أن يصبح السعوديون هم عمال المصانع والإنشاءات، وأقصد، عمال مهرة تعود عليهم مهارتهم بعوائد مجدية تفوق عوائد خريجي الجامعات، كما هي حال الدول المتقدمة التي ينقل الجميع عنها فيُنزلها علينا بلا تمييز للفوارق. فهل يقعدنا هذا عن التفكير لأنفسنا، أو نقنع بخداع أنفسنا بترديد ما يردده الغرب. لنتعامل مع الواقع فلنبني إسكان بلادنا، ومصانعها واقتصادها من أموال مواطنيها، ولو كان العامل ومعدته مستوردة. على الأقل أننا حققنا ادخارا استثماريا للمواطن، فيصبح مواطنا مديونا دينا استثماريا كما هو حال مواطن الدول المتقدمة.

إن عدم الدين لا يعني الادخار بل العدم، لذا ترى ديون الأسر تزداد نسبتها كلما تقدمت هذه الدول في سباق الاقتصاد، ودونكم النجوم كوريا وسنغافورة والصين وغيرها.

إنفاق المواطن هو أكبر مصدر للدخل الاقتصادي في أي دولة، فإن لم يوجه لاستثمار في منزل ومصنع فإن مصير أموال المواطنين إلى العدم.

وهذا هو المشروع المُقدم من وزارة الإسكان للدولة ولمؤسسة النقد وعُرض على وزارة الصناعة. توجيه أموال المواطنين لبناء الإسكان ولبناء المصانع والمشاريع الإنمائية فيصبحوا ملاكا للعقارات وملاكا مشاركين في مصانع ومشاريع كبيرة. هذا ينقل حالة المواطن من العدم وخلوه من الدين إلى حال الملك والاستثمار مع مسمى دين. هذا هو ما يحقق معنى الادخار لمن يدخر أمواله. فالمدخرات تدخر لبناء الوطن لا لبناء بلاد الواق الواق. متى فكرنا لأنفسنا بعقولنا وتصوراتنا أدركنا كم أن أرض بلادنا خصبة، كثير ماؤها. خصوبتها لم تستغل، فكل فكرة مُقيدة بتجاوز اختبارات نجاحها فهي تنمو وتترعرع بلا مُزاحم لها في شبع من مائها، فلا تعود سيولتها تصب في أرض غيرها.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...