الخميس, حزيران/يونيو 19, 2025

All the News That's Fit to Print

بين فترة وأخرى يتيح لي مقهى ستار بوكس الذي تعودت قضاء بعض النهار فيه أن التقي شابا اميركيا من أصل افريقي. يحمل شهادة جامعية ويعمل في أحد البنوك ويتقاضى راتبا جيدا وينتظر مع خطيبته إجراءات القرض ليبدأ عائلة صغيرة جديدة في هذه الحياة. لم يكن على قدر عال من الثقافة إلا انه مهني وعلى قدر كبير من التعقل. من الصعب أن تجلس مع اميركي اسود لا يكون حديث العنصرية الاميركية واردا في الحوار، كما من الصعب أن يجلس رجلا غير مسلم مع مسلم دون ان يمر الحديث عن الإرهاب. أعجبني موقف هذا الشاب. لا يضع كامل مسؤولية الاخفاقات التي يعاني منها السود في أميركا على الرجل الأبيض. هذه نقطة يعجز كثير من الناس تفهمها. صراع الأقلية مع الأكثرية أزلي. تتغير اشكاله وابعاده ولكنه يبقى. تتحمل الأغلبية جزءا من المسؤولية وتتحمل القوانين والأنظمة جزءا ثانيا، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على الأقلية. كان أساتذتنا يرددون على مسامعنا حكمة تقول:

العلم يرفع بيتا لا عماد له

والجهل يهدم بيت العز والشرف.

في عصرنا وإلى حد كبير في العصور القديمة في البيئات المتحضرة والمستقرة يحظى رجل العلم بمكانة خاصة في المجتمع مهما كان أصله أو دينه. لو استعرضت تاريخ الثقافة الإسلامية ستجد أن اهم العلماء والفقهاء وجلساء صدر المجلس مع السلطان تعود أصولهم إلى الطبقات البسيطة والهامشية واكثرهم مما يعرف بالموالي. بالتأكيد يبذل القادم من الأقلية مجهودا أكبر لكي يصل إلى المقام الرفيع ولكنه في النهاية يصل. عند مقارنة اليهود والسود في أميركا ستجد أن الماضي كان متشابها لولا أن اليهود لم يركزوا على بكائياتهم أو الارتكان إلى الإحساس بالظلم. اعتمدوا العلم والمعرفة طريقا آخر حتى اصبحوا اليوم سادة أميركا بلا منازع. الظلم والتهميش مهما تضاءل حجمهما يمكن أن يكونا مادة للتأنيب والتواكل ويمكن أن يكونا قوة دفع لمزيد العمل. قاعدة العلاقات الإنسانية الأساسية هي المصلحة. العلاقات التجارية والعلم وغيرهما من اساسيات الحياة تسهم دائما في تغيير المواقع.

الأعمال التي يكون البذل والجهد والذكاء الفردي شرطا فيها يتدنى فيها إحساس الطائفية أو الأقلية أو العرقية. عندما يحتاج المرء إلى طبيب أو شريك تجاري ماهر او مهندس يثق به لن يسأل عن أصله أو منبته. سيسأل عن إنجازاته وتاريخه المهني.

الأقليات التي تتوقف عند الشكوى والتذمر والاستناد على المظلومية يزداد سقوطها في الهوامش ويزداد عليها ضغط العنصرية أو الطائفية فتقع فريسة للأقلية المتوحشة النابعة من داخلها والمستفيدة من الصراع الطائفي أو العنصري. في الصراع الطائفي على سبيل المثال ستجد أن رجال الدين في طائفة الأقلية أكثر الناس انتهازية وتحقيقا للمكاسب، وأكثر الناس سعيا إلى تكريس التصارع المذهبي. إذا دققت ستجد أن خطابهم الثقافي أو الديني عدمي. يضخم المظالم ويهمش المساحة التي يمكن أن تستفيد منها الأقلية للخروج من الواقع السيئ وتلتقي فيها مع الأكثرية. ستجد في الطائفة التي تحس بالظلم أن رجل الدين فيها اسمى مكانة وأكثر قداسة من رجل الدين عند الأكثرية. الخطورة في العنصرية أو الطائفية هي ظهور طبقة تستفيد من الوضع.

تحطيم هذا التهميش لا يمكن أن يتم بالنضال السياسي أو بالمطالبة بسن قوانين فقط ولكنه ينجز بالحضور في حياة الوطن والناس والإسهام الجاد في البناء والحضارة. نصحت الرجل الأميركي الشاب أن يترك سواد بشرته خارج عوامل صراعه في هذه الحياة. يجب ألا يستفيد منه لإنتاج الاعذار والهروب من المسؤولية. إذا كان رئيسك عنصريا أثبت له أنك أفضل موظف بأن تدفع ثمن هامشيتك مزيدا من الجهد والعمل.

أي أب يشعر بضغط العنصرية أو الطائفية لن يستفيد أبناؤه إذا علّمهم الاحتجاجات والمظاهرات والصراعات أو التذمر، السبيل الأمثل للخلاص أن يأخذهم إلى الجامعات. لن تغير الماضي ولكنك بالتأكيد تستطيع أن تغير المستقبل..

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


لمراسلة الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...