
أوروبا على مفترق طرق تاريخي - محمد سليمان العنقري
محمد سليمان العنقري
بعد الحرب العالمية الثانية ركزت أوروبا الغربية على التنمية والعودة للنهوض باقتصاداتها ومجتمعاتها نحو آفاق جديدة بعيدة عن الحروب فشكلت تجمع الاتحاد الأوروبي وأصبحت مع أمريكا تشكل أهم حلف عسكري وأمني بالعالم تحت ما سمي اختصارا بالناتو واستفادت من إرثها الاستعماري لتكون قوة سياسية كبرى عالميا ولها مقعدان دائمان في مجلس الأمن لكل من فرنسا وبريطانيا اللتين تختلفان في بوصلتيهما بتوجهاتهما عن أوروبا في بعض الملفات والسياسات المهمة وتتفقان فيها مع أمريكا فهي تبني نهجها بأسلوب مختلف عن أوروبا، بل انسحبت من الاتحاد الأوروبي لتضع لنفسها مسارا اقتصاديا مستقلا.
لكن بالعودة لدول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي فإن ملامح تغيير قواعد اللعبة الدولية بدأت منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. واعتقدت القارة العجوز أن هذه هي فرصتها لتوسع من حجم اتحادها وكذلك من تمدد حلف الناتو أوروبيا حتى يصل لحدود روسيا التي يخشون من أن تفكر بالعودة لتأسيس إمبراطورية عظمى توسعية من جديد رغم أنهم يرونها فعليا مصدرهم الأول لاستقرار إمدادات الطاقة والمعادن بتكاليف زهيدة إضافة للإنتاج الزراعي الكبير فيها إلا أن تراخي دول الاتحاد الأوروبي في إعادة بناء استراتيجية مستقلة عن أمريكا وضعهم أمام تحدٍ كبير بعد أن اندلعت حرب روسيا على أوكرانيا فقد اضطروا للوقوف بوجه ما عدوه تمدد روسيا مما يعني أن الخطر قد يوال دول أخرى مستقبلا إضافة إلى أنهم وضعوا عقوبات اقتصادية ضخمة كي يرهقوها فتوقفت الحرب وكان من أهمها وقف استيراد النفط والغاز الروسيين وهو ما رفع تكاليف الطاقة بشكل كبير أرهق مصانعهم ورفع من تكلفة المعيشة وهدد استقرارهم الاقتصادي وتحركوا لإيجاد البديل ولكن كانت التكاليف مضاعفة فاعتمدوا على حليفهم الأمريكي الذي باعهم الغاز بأربعة أضعاف سعر بيعه في أمريكا، بل إن ترمب يطالبهم حاليا باستيراد المزيد من الغاز والنفط لتقليص فجوة العجز التجاري بين أوروبا وأمريكا لصالح الأولى.
إلا أن الأخطر على أوروبا ظهرت فقط ملامحه الأولى فاستراتيجيتهم لأمن الطاقة باتباع مزيج تشكل فيه الطاقة المتجددة النسبة الكبرى اتضح أنه غير مجدٍ ولا يمثل أمانا كاملا وأن الطاقة التقليدية هي الضمانة لتحقيق استقرار إمدادات الطاقة إضافة إلى فرض الرئيس ترمب لرسوم على واردات أوروبية لأمريكا سيمثل ضربة كبيرة جدا لشركاتها لأن أمريكا أكبر سوق لها كما أن مطالبته أوروبا بزيادة إنفاقها بالناتو وأن عليها مسؤولية أكبر لحماية أمنها شكل صدمة أفاقتهم من حالة السبات التي طغت عليهم بعد الحرب العالمية الثانية وتأسيس الناتو الذي تعد أمريكا هي الفاعل الحقيقي الأكبر فيه وبات من الضروري أن تقوم أوروبا ببناء جيوشها من جديد وزيادة إنفاقها العسكري ورفع مستوى الجاهزية القتالية وتعبئة المستودعات بمختلف أنواع الأسلحة وأن تسارع الخطوات لتطوير منظومتها الدفاعية وصناعاتها العسكرية والأهم هو وضع استراتيجية جديدة لتحالفاتها وسياساتها وشراكاتها ومصالحها بعيدا عن أمريكا التي تتحرك هي الأخرى بعيدا عنهم وهدفها تحجيم منافسيها بل إنها تنظر بوقتنا الحالي لأوروبا منافسا أكثر من أنها حليف فيما يقع تركيزها على تحجيم توسع الصين تجاريا وكذلك مجموعة بريكس عموما ويشكل الحفاظ على مكانة الدولار كعملة احتياط أولى بالعالم أكبر تحدٍ وجودي لأمريكا وهي ترى بعملة اليورو أكبر منافس موثوق لدولارها ولذلك فإن أوروبا تعيش مرحلة تمثل لحظة مواجهة الحقيقة بأنها مطالبة بالابتعاد بسياساتها عن أمريكا وأن تنسى الاعتماد على واشنطن في أمنها والدفاع عن مكتسباتها.
أوروبا امام مرحلة تاريخية إما أن تستفيد من تطور اقتصادها وتقدمها العلمي وتاريخها السياسي ومكانتها الدولية فتتحرك بخطوات أسرع لبناء نهج جديد تماما تلعب دورا إيجابيا مؤثرا أكثر بالعالم وتبني شراكات عميقة مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا فهي أقرب لهم جغرافيا وهناك علاقة تاريخية تجمعها معهم أو أن الفرصة ستفوتها تماما وتبقى الكفة لصالح أمريكا إضافة للأقطاب الجدد خصوصا الصين التي وضعت لنفسها نهجا مختلفا مبنيا على الشراكات التجارية عبر مبادرة الحزام والطريق فما هي مبادرة أوروبا التي ستعطيها مكانا منافسا للقوى الكبرى بالعالم أم أنها ستبقى تسبح في فلك مرحلة ما قبل تفكك الاتحاد السوفيتي التي انتهت وأصبحت من الماضي.
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 319
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 345
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 522
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...