
التحليل السياسي الرغبوي.. وهم الانتصارات الزائفة! - د.عبدالله بن موسى الطاير
د.عبدالله بن موسى الطاير
حتى في ظلّ المشهد الجيوسياسي المعقد، والتصعيد العسكري الخطير، ينحرف التحليل السياسي والعسكري نحو الأمنيات، فيُسقط المُحللون رغباتهم بدلًا من بناء مداخلاتهم على المعطيات الموضوعية. يسمم، هذا المنحى في قراءة المشهد، الفهم العام، ويحشد الدعم لنتائج بعيدة المنال، ويُطيل أمد الصراعات بتعزيز الأمنيات الزائفة. إعطاء الأولوية للتفضيلات الأيديولوجية على حساب الأدوات الموضوعية مثل البيانات والاستراتيجية العسكرية ونظريات التحليل السياسي، يُضلّل الجماهير، ويؤدي إلى عواقب وخيمة يتحملها بالدرجة الأولى النساء والأطفال والشيوخ والعجزة والأبرياء الواقعين في مرمى النيران.
تابعوا محللين وقنوات إعلامية تعرفونها، وناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، وستلاحظون أنهم يحللون الأحداث بالتمني بما يتماشى مع النتائج المُفضّلة لأجنداتهم الشخصية، في تجاهل لحقائق مُزعجة للمزاج الشخصي. هؤلاء يتعاطون مع شؤون منطقتنا ومعاناة سكانها في غزة ولبنان والعراق واليمن وإيران والسودان وليبيا من منظور عاطفي رغبوي، ويروجون لانتصارات لا توجد سوى في مخيلهم الخاص.
على نحو أوسع، سنجد هذا النمط من التحليل رائجا، فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الأهلية السورية، توقع بعض المُحللين الغربيين الانهيار السريع لنظام الأسد في عامي 2011 و2012م مدفوعين بالتفاؤل بشأن تقدّم المعارضين والتحولات الديمقراطية المأمولة التي بشّر بها دعاة الربيع العربي. رُوج لسيناريوهات تنتصر فيها قوى المعارضة المعتدلة، مع التقليل من شأن صمود النظام، والدعم الروسي والإيراني، وصعود الجماعات المتطرفة مثل داعش.
في هذا الصدد توقعت مقالة في مجلة فورين بوليسي عام 2013م للمحلل إميل حكيم انتصار الثوار، مشيرًا إلى الزخم المتسارع الذي يحققونه، إلا أنه تحت الحاح العاطفة فشل في قراءة التحديات اللوجستية والفصائلية، مع إعلانها عن نفسها بوضوح. غذى هذا التفاؤل السياسات الغربية التي أطالت أمد الصراع، حيث احتشد الجمهور وصانعو السياسات وراء نتيجة غير محتملة، تاركين السوريين يتحملون سنوات من الدمار امتدت حتى عام 2024م.
بالمثل، الصراع الأوكراني الروسي، إذ بالغ بعض المحللين في عام 2022 في احتمالات تحقيق أوكرانيا نصرا عسكريا سريعا بعد النجاحات المبكرة التي حققتها في الدفاع عن العاصمة. الصمود الأوكراني في بداية الحرب يصعب تجاهله، إلا أن توقعات استعادة جميع الأراضي المحتلة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، قد تجاهل مواقف روسيا وإصرارها وردعها النووي. نشرت مجلة أتلانتيك عام 2022م مقالة رأي بقلم آن أبلباوم، صوّرت الهجمات الأوكرانية المضادة على أنها تُعَبِد الطريق نحو النصر المؤزر، مُقلّلةً من شأن موارد روسيا الهائلة واستعدادها للتصعيد.
حشدت هذه الروايات الانفعالية الدعم الشعبي لأهداف بعيدة المنال، وتجرع الأبرياء والاقتصاد والأمن والسلم العالمي مرارة تأخر الحسم، وأدى استمرار القتال إلى المزيد من معاناة المدنيين وتدمير البنية التحتية.
سياسيا، في الانتخابات العامة، غالبًا ما يُسقط المحللون فوز حزبهم المفضل من خلال المبالغة في تفسير استطلاعات الرأي. خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016م استبعد العديد من الخبراء فرص دونالد ترامب في الفوز بالبيت الأبيض، مضخمين تقدم هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي الوطنية بفرص للفوز تصل إلى 71%، معتبرين فوزها شبه مؤكد، مغفلين ديناميكيات الولايات المتأرجحة وسخط الناخبين، وردود فعلهم تجاه الإدارة الديموقراطية. لقد ضلل هذا الفهم الخاطئ الناخبين الذين ضمنوا فوز مرشحتهم وبالتالي تكاسلوا عن الذهاب لمراكز الاقتراع على أساس أن النتيجة مضمونة بمن حضر.
في أفغانستان، أيضا، طغت التقارير المتفائلة حول تقدم الولايات المتحدة وتضخيم «المكاسب» في قندهار على حساب قوة طالبان الدائمة، مما أخر كثيرا الاعتراف بحرب لا يمكن كسبها وكلف الطرفان الأمريكي والأفغاني خسائر بشرية ومادية كبيرة.
غالبًا ما يُعطي المحللون المؤدلجون، الأولوية للسردية على حساب الأدلة والبيانات. إنهم يهمشون أدوات ونظريات التحليل السياسي العلمية التي تُنمذج سيناريوهات المنازلة بناء على ما يملكه كل طرف، مما يُساعد على التنبؤ بالنتائج بناءً على السلوك العقلاني وليس الإحساس والمشاعر والأمنيات. إنهم يتجاهلون السوابق التاريخية من خلال مقارنة الأحداث الجارية بأحداث سابقة ذات ديناميكيات مماثلة لاستخلاص الدروس أو التنبؤ بالنتائج، أو تحليل اللوجستيات العسكرية، ويميلون كل الميل لصالح التنبؤات المشحونة بالعاطفة والتي تلقى تخلب ألباب الجماهير المتطلعة لضوء النصر في نهاية نفق اليأس الطويل.
في عصر الترند، والمتاجرة بمعاناة الأبرياء، فإن الترويج للانتصارات المثيرة ولو كانت وهمية يحقق الشعبوية بشكل أفضل من التعاطي مع الحقائق الدقيقة. النتيجة تكون حلقة مفرغة يتجمع فيها الجمهور حول القضايا الخاسرة، ومن ثم إطالة أمد الصراعات والاضطرابات السياسية والمعاناة الإنسانية.
وسائل الإعلام المهنية، وقليل ما هي، تقدم أساليب التحليل القائمة على الأدلة، والبيانات الكمية، والسياق التاريخي، والحقائق الاستراتيجية، على الرغبات الأيديولوجية والمشاعر والأمنيات الجامحة. من حق المتابع أن تعطي وسائل الإعلام الأولوية للشك على الإثارة، وتجنب الروايات المضللة التي تطيل أمد الدمار والمعاناة، ونهج مسار أوضح يؤدي إلى حلول واقعية.
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 368
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 318
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...