الأربعاء, حزيران/يونيو 18, 2025

All the News That's Fit to Print

أ.د.عثمان بن صالح العامر

لولا الشر ما تميّز الخير، ولا عُرف الخيِّرين شامة بين الناس، ولولا الجوع لما ذاق الإنسان لذة الشبع، ولولا الفقر ما كان الغنى مزية ونعمة، ولولا الغربة لم تعرف قيمة الوطن، ولولا الحرب ما كان للسلم طعم، ولولا الخوف ما قدَّر الإنسان قيمة الأمن، ولولا الأمراض ما أدركنا قيمة العافية ولا عُرف ثمن الصحة، وما أروع قول من قال (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى).

نعم، تعدَّدت الأمراض، وتنوَّعت الأدواء، وكثرت العلل التي تعتري الجسد، البعض منها وجد له علاج، والآخر علاجه الصبر والاحتساب انتظاراً لساعة الموت وفراق هذه الحياة رغم تقدم الطب، وتعدد مدارسه، وكثرة معامله، ومؤتمراته، وأبحاثه، وتخصصاته.

العافية لا ثمن لها ولذلك كانت الوقاية السبيل الأمثل للتمتع بهذه النعمة العظيمة ومنة الرب الكبيرة، يرافق ذلك ويلازمه دعاء الله عزَّ وجلَّ العافية.

والعافية ليست سلامة الجسد وصحته فحسب، بل حتى الروح تمرض وتتعرَّض للبلاء والفتن كما هو معلوم، وينشد العقلاء عافيتها وصحتها، وشهر رمضان المبارك الفرصة الأثمن لإجراء فحص شامل للروح ومعالجة ما قد يكون من هنات وزلات روحية بالقرآن الكريم الذي جعله الله شفاءً لما في الصدور أولاً ثم السنة النبوية والذكر والاستغفار.

يقول الإمام ابن القيم في كتابه «مدارج السالكين: «.. لا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة.. وبما آتاها ربها في القرآن من الهدى الذي يتضمن إثلاج الصدور باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه وحياة الروح به، وبما آتاها من الرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة وتدفع عنها كل شر وألم.. ومصداق ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، ويقول تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}،.. قال الإمام القرطبي في تفسيره: (.. أي شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب وكشف غطاء القلب من مرض الجهل لفهم الأمور الدالة على الله تعالى.. وقيل شفاء من الأمراض الظاهرة..)، وقال الإمام ابن كثير: (.. أي يذهب ما في القلوب من أمراض..).

سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يقول -رحمه الله-: «إن الله جلَّ وعلا ما أنزل داءً إلا وأنزل له شفاءً، علمه من علم وجهله من جهل، وإن الله سبحانه وتعالى جعل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم -من الكتاب والسنة- العلاج لجميع ما يشكو منه الناس، من أمراض حسية ومعنوية، وقد نفع الله بذلك العباد، وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عزَّ وجلَّ».

ومما جُرِّب في العلاج من الأمراض الحسية بالقرآن: كتابة بعض آياته في ورق، وجعله في ماء، والاستشفاء بذلك الماء: قال ابن القيم -رحمه الله-: «ورخّص جماعة من السلف في كتابه بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه.

ومن ذلك كان يكتب لعلاج عسر الولادة على ورق طاهر وتوضع في إناء نظيف قول الله عزَّ وجلَّ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}، وتشرب منه الحامل ويُرش على بطنها.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يكتب على جبهته إذا أصابه الرعاف: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}، وسمعته يقول: كتبتها لغير واحد، فبرأ. فقال: ولا يجوز كتابتها بدم الراعف كما يفعله الجهال، فإن الدم نجس، فلا يجوز أن يكتب به كلام الله تعالى.

ولوجع الضرس كان يكتب على الخد الذي يلي الوجع: بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}، وإن شاء كتب: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وللخُرّاج يكتب عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}.

نعم، إن القرآن شفاء كما قال الله عزَّ وجلَّ عنه ولكن بشرط وجود اليقين، والعزم وصدق اللجوء إلى الله تعالى، ثم اعتقاد أن الشفاء من عند الله رب العالمين، وبمشيئته، وقدره، ولا يعني ذلك الدعوة لترك التداوي وبذل الأسباب وطلب العلاج من الأطباء أهل الاختصاص بعد الله، فهم ممن سخَّرهم الله ليكون شفاؤه سبحانه وتعالى للمرضى على يدهم، حفظ الله الجميع ورزقنا الصحة والعافية، وشهر مبارك على الجميع، وإلى لقاء، والسلام.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...