الأحد, تشرين2/نوفمبر 16, 2025

All the News That's Fit to Print

خالد محمد الدوس

تعد المحميات الطبيعية نموذجاً رائداً للتنمية المتكاملة، حيث تجسد علاقة متوازنة بين الإنسان وبيئته، ومعروف أن هناك علاقة تفاعلية وصلة قوية بين الإنسان والأم الحنون (البيئة) حسب معطيات علم اجتماع البيئة، ولذلك لم تعد هذه المحميات مجرد مساحات معزولة لحماية الطبيعة، بل تحولت إلى منظومات حيوية تدعم الاقتصاد المحلي وتعزز التماسك الاجتماعي وتحافظ بالتالي على الموروث الثقافي، مما يجعلها أدلة حية على إمكانية تحقيق تنمية مجتمعية شاملة تراعي الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المعاصر.

وبالطبع تشكل المحميات الطبيعية حجر الزاوية في الحفاظ على رصيد الأرض الاستراتيجي من الموارد، وذلك من خلال عدة أدوار رئيسية تتمثل في:

- الحفاظ على التوازن البيئي حيث تمنع المحميات استنزاف الموارد الطبيعية وتدهورها، وتحافظ بالتالي على التنوع البيولوجي اللازم لاستمرار الحياة، وذلك من خلال حجز أجزاء من البيئات البرية والبحرية وحظر الأنشطة البشرية المؤذية فيها.

- حماية الأنواع المهددة، ومعروف أن المحميات توفر ملاذاً آمناً للأنواع النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض، وتعمل على صون المصادر الوراثية الوطنية التي تشكل أساساً للعديد من الصناعات الدوائية والطبية.

- تعديل المناخ العام.. أي تسهم المحميات في تحسين المناخ المحلي والعالمي من خلال الحفاظ على الغطاء النباتي الذي يمتص ثاني أكسيد الكربون، وتحافظ على منابع المياه وتحمي التربة من عوامل التعرية. كما أن المحميات الطبيعية أصبحت عناصر فاعلة في التنمية الاقتصادية، حيث تخلق فرصاً متعددة للمجتمعات المحلية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- تنشيط السياحة البيئية في المجتمع.. بعد أن تتحول المحميات إلى وجهات جذب للسياح المهتمين بالطبيعة والتراث، مما ينعش الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص العمل في مجالات الإرشاد السياحي والخدمات الفندقية والمطاعم وغيرها.

- خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة.. وكما هو معلوم تؤدي أنشطة المحميات إلى توظيف أبناء المجتمعات المحلية في إدارتها وتشغيلها، كما تتيح فرصاً غير مباشرة من خلال تطوير حرف يدوية ومنتجات وخدمات لخدمة الزوار.

- الاستخدام المستدام للموارد.. حيث تسمح المحميات بالاستفادة من الموارد الطبيعية بطريقة منظمة تحافظ على استدامتها، مثل جمع النباتات الطبية والعطرية تحت إشراف علمي دقيق.

والأكيد أن المحميات الطبيعية تمثل مراكز إشعاع معرفي واجتماعي من خلال: التربية البيئية.. إذ إن المحميات تعد «مدرسة مفتوحة» للتعليم والتدريب لكافة فئات المجتمع، وتزيد الوعي الجماهيري بأهمية التنوع الحيوي وتغير السلوكيات السلبية تجاه البيئة.. كما أنها تسهم في تعزيز المشاركة المجتمعية ويؤدي إشراك السكان المحليين في إدارة المحميات إلى كسب ولائهم وتمكينهم من تحمل المسؤولية تجاه بيئتهم، مما يعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية المجتمعية. إلى جانب الحفاظ على التراث الثقافي.. فهي تحافظ على المعارف والثقافات التقليدية المرتبطة بالطبيعة، وتحمي المواقع الأثرية والتاريخية القديمة، مما يسهم في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع.

وبالطبع برز العديد من النماذج العربية الناجحة في إدارة المحميات الطبيعية التي استطاعت تحقيق التوازن بين الحماية البيئية والتنمية المجتمعية ومنها -بدون شك- المملكة العربية السعودية حيث تشهد المملكة طفرة في مجال المحميات الطبيعية من خلال مبادرة «السعودية الخضراء» التي تهدف إلى زيادة المساحة المحمية لتصل إلى 30 % من إجمالي مساحة المملكة، مما سيمكنها من تحقيق تنمية سياحية واقتصادية مستدامة.. كون المحميات الطبيعية ركيزة أساسية في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة الطموحة2030 في الجانب البيئي. ومعلوم أنه في عام 2018 صدرت أوامر ملكية بإنشاء محميات ملكية ذات استقلال اداري ومالي بهدف حماية الموارد الفطرية وإعادة توطينها وتنشيط السياحة البيئية ويبلغ عددها ثماني محميات وتضم مناطق ذات تنوع أحيائي وجيولوجي ومناخي.

وتبعاً لذلك لم تعد المحميات الطبيعية (رفاهية)، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لتحقيق تنمية مجتمعية شاملة ومستدامة.. فالنجاح المستقبلي لهذه المحميات يتطلب تبني رؤية متكاملة ترتكز على تشجيع استثمارات القطاع الخاص في أنشطة المحميات من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية. بالإضافة إلى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات ووضع المعايير الموحدة، خاصة وأن الاستثمار في المحميات الطبيعية هو استثمار في مستقبل المجتمعات البشرية، حيث تتحول هذه المساحات المحمية من مناطق معزولة إلى منارات للتنمية المستدامة تثري الحياة بجميع أبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...