الإثنين, حزيران/يونيو 16, 2025

All the News That's Fit to Print

عبدالرحمن الحبيب

هناك اتفاق علمي بين المختصين بأن تغير المناخ هو أكثر من كونه ظاهرة طبيعية بل نتيجة للممارسات البشرية في استخدام الطاقة وما ينبعث منها من غازات الاحتباس الحراري؛ إنما ثمة آراء «متطرفة» خارج السياق العلمي لها أبعاد إيديولوجية أو اعتقادات شخصية إما أنها تبالغ وتهول حجم التغير المناخي والكوارث التي ستحل بالبشرية جراء ذلك، وهم عادة من «متشددي» أنصار البيئة، يناقضهم من يؤكد أن تغير المناخ هو ظاهرة طبيعية لا تثير القلق، وبعضهم من أقصى اليمين يزعم أن ثمة مؤامرة لمن يروج لتغير المناخ.

بهذه الصورة قد يبدو الخلاف وكأنه طبيعي، بزعم أنه قلما توجد قضية يتفق بها البشر خاصة إذا كانت حديثة مثل تناول موضوع تغير المناخ الذي بدأ جدياً في منتصف التسعينيات، إنما الإشكال هو في التناول الإعلامي الذي يتجسد في حالتين متناقضتين، الأولى في تهويل الأمر، والأخرى في إنكاره، مما يناسب الطبيعة الإعلامية للإثارة في كلتا الحالتين.

الإشكال في هذا التناول أن ثمة من يُصر في الإعلام بأنه محايد وأن الحيادية تتطلب أن يعطي كافة الأطراف مساحة متساوية في التعبير، لكن كيف يتم التساوي في المصداقية بين رأي ينال إجماع علمي بشأن تغير المناخ حسب مجلة «الفهم العام للعلوم» Public Understanding of Science مع آراء متشتتة لأفراد أو جماعات غير متخصصة ذات أجندات أو خلفيات غير علمية أو أنها تجتزئ طروحات علمية من سياقها وتنتقي منها ما يناسبها؟ ويكون السؤال أكثر إلحاحاً في قضية ذات طابع علمي وليست قضية جدلية (سياسية أو اجتماعية) تكون الآراء فيها مفتوحة للجميع وتُغطى إعلامياً بشكل متوازن!

ومن هنا، يرى العديد من العلماء أن رغبة وسائل الإعلام في تصوير الموضوع على أنه جدل علمي يعدّ تحريفًا صارخًا، يتعجب أحد أشهر علماء الأحياء البيئية البروفيسور ستيفن شنايدر، قائلاً: «إجماع علمي سائد راسخ قد يُساوى (إعلامياً) مع الآراء المعارضة لقلة من المتطرفين، وبالنسبة لغير المطلعين، يبدو كل موقف على نفس القدر من المصداقية.»

فالحيز الذي ينبغي إعطاؤه لكل طرف ينبغي أن يكون بمقدار ما يملك من أدلة كما يرى الإعلاميون الموضوعيون، يقول بويس رينسبيرغر، مدير مركز نايت للصحافة العلمية التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT): «إن التغطية المتوازنة للعلوم لا تعني إعطاء حجم متساوٍ لكلا جانبي الحجة، بل تعني توزيع الحجم وفقًا لوزن الأدلة».

وفي ذات السياق، يعرب العديد من العلماء وخبراء الإعلام عن إحباطهم من التغطية المتوازنة التي تجحف في تغطية الجانب العلمي، لأن هذه الطريقة تشكل أحد ثلاثة تحريفات أساسية تشوه الواقع وترتكب أخطاء علمية في قضية تغير المناخ، أما الأول هو أن الصحفيين يشوهون الواقع بارتباك أخطاء علمية، والثاني أنهم يُشوّهونه بالتركيز على القصص ذات الإثارة والمنحازة بدلًا من المحتوى العلمي الموضوعي.

الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أفادت في عام 2022 أن «النقل الدقيق لعلم المناخ قد تقوّض بشكل كبير بسبب الحركات المنكرة لتغير المناخ، سواءً في البيئات التقليدية أو الجديدة في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال التضليل الإعلامي.»

بالمقابل، وعلى النقيض من ذلك، ولطبيعة الإثارة في الإعلام، يُصور البعض من جماعات البيئة بنبرة حادة قرب وقوع الكارثة، ويميل الصحفيون إلى إبراز هذا التهويل في تقدير النتائج الأكثر تطرفًا من مجموعة من الاحتمالات الواردة في المقالات العلمية حول تغير المناخ والمبالغة فيها، كما كشفت مجلة نيتشر التي تعد أشهر مجلة علمية في العالم.

المفارقة أن التهويل والتحذير بالكارثة الوشيكة قد يأتي بنتائج عكسية حين يشعر الناس بالعجز أو باللامبالاة وحتى إنكار حقيقة تغير المناخ، فتكرار لغة التهويل بزعم أنها تولد شعوراً أكبر بضرورة العمل سريعاً أظهرت العديد من الدراسات أنها لا تُحفز الناس على الانخراط في قضية تغير المناخ بل ربما على النقيض.

بطبيعة الحال فإن لوسائل الإعلام تأثيرا كبيرا على الرأي العام، سواء بالطريقة التي تُعرض بها القضايا وتُصاغ، أو بالحيز الذي تناله؛ وتظهر الاستطلاعات أن نسبة القلق من تغير المناخ في الرأي العام العالمي تزداد مع مرور الوقت إلا أن نسبة كبيرة ترى أن الإعلام يضخم الأمر.. فكما وجد استطلاع غالوب (أبريل 2025) أن الأمريكيين يأخذون تغير المناخ اليوم على محمل الجد أكثر مما كانوا عليه سابقاً، حيث ارتفعت نسب من يقولون إن آثار الاحتباس الحراري واضحة ويخشون أن يؤثر عليهم سلبًا خلال حياتهم؛ لكن قلقهم الشخصي حيال المشكلة لم يتغير خلال السنوات الأخيرة، بل إن عددًا أكبر منهم يعتقد الآن أن الأخبار تُبالغ في تصوير خطورتها.

الخلاصة أن التغطية الإعلامية لتغير المناخ أثرت كثيراً في الرأي العام بالقناعة بأن درجة الحرارة العالمية قد ارتفعت في العقود الأخيرة، وأن هذا الاتجاه ناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الأنشطة البشرية الحديثة، ورغم أن بعض الباحثين والصحفيين يعتقد أن التغطية الإعلامية لسياسات تغير المناخ كافية وعادلة، يرى البعض أنها متحيزة إما للمبالغة أو للإنكار؛ إنما يبدو أن الحقائق العلمية سيتم الإقرار بها في نهاية المطاف.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...