الأربعاء, حزيران/يونيو 18, 2025

All the News That's Fit to Print

محمد سليمان العنقري

منذ أن تفكك الاتحاد السوفيتي في بدايات العقد الأخير من القرن الماضي استشعرت أوروبا حينها ان طريقها نحو المستقبل لن يكون مع أميركا؛ فالمخاطر تغيرت والنظام العالمي الجديد سيولد على مبادئ وتوجهات مختلفة تماماً لن تلتقي فيه إحدى أكبر قوتين اقتصاديتين بل وعسكريتين في العالم، فسارعت دول الاتحاد الأوروبي بقيادة المانيا وفرنسا للاستعجال بتقديم مشروع الوحدة النقدية وإطلاق عملة اليورو عام 1999 والتي كان مقرراً البدء بها بعد هذا التاريخ أي في الالفية الجديدة، وهو ما ساهم بتعزيز التوافق حيال القضايا السياسية بشكل عام بين دول الاتحاد، وأصبحت اميركا ترى أن أوروبا منافس اقتصادي لها والمستفيد الأكبر تجارياً في العلاقة بينهم حيث يبلغ الفائض التجاري بينهما مئات المليارات سنوياً لصالح اوروبا، فيما تتحمل أميركا الحصة الأضخم من تكاليف حماية أمن اوروبا من خلال دورها الكبير في حلف الناتو.

وقد يكون الرئيس ترمب بحسه التجاري كونه رجل أعمال أكثر من عبر عن النظرة الجديدة من أميركا لأوروبا، وأن مسار العلاقة بينهما يجب أن يتغير وتعالج فيه مشكلة عجز بلاده مع اوروبا بالميزان التجاري إضافة لضرورة أن ترفع دول أوروبا من حجم إنفاقها على الدفاع والأمن لكي تتحمل الحصة الأكبر من تكاليف حلف الناتو، فقد استفادت أوروبا منه كثيراً دون أي تكاليف عالية بما أن أميركا ارتضت بدور رئيسي فيه لمصلحة كانت تراها ضرورية لمواجهة الاتحاد السوفيتي؛ فالصراع الايديولوجي بينهما كان كبيراً وتعلم حينها أميركا أن دول أوروبا حليفتها التقليدية لن تكون قادرة على مواجهة أي خطر يهددها من موسكو السوفيتية، لكن الظروف تبدلت وأميركا اليوم ليست بحاجة لتحمل كل تلك الأعباء، خصوصاً ان حجم دينها السيادي بات ضخما جدا يقارب 37 تريليون دولار، إضافة لعجوزات بالميزانية وبتجارتها مع العالم وتراجع دور الدولار كثيراً في حصته من التجارة الدولية والاحتياطيات العالمية، وكذلك في الاقراض بينما يتصاعد دور اليورو وينمو بشكل متسارع الطلب على اليوان الصيني؛ فالدولار هو « حجر الزاوية « في قوة أميركا الاقتصادية وركيزة أساسية بثبات اتحادها الفيدرالي.

ولذلك فإن أاميركا بدأت تتجه نحو التركيز على مصالحها دون أن تضع اوروبا في حساباتها كما السابق أو بنسبة أصبحت أقل بكثير من العقود الماضية، واختارت أن تسلك طريقاً جديداً تكون هي اللاعب الاكبر في تشكيل النظام الدولي الجديد، ولذلك بدأ يظهر هذا التعارض بالمصالح مع أوروبا من خلال التوجه الجديد لها في نظرتها لحرب روسيا على اوكرانيا، فبعد ان قدمت الدعم لكييف طيلة ثلاثة أعوام ترى أنه حان الوقت لاسترداد كل دولار دفعته بل والحصول على نصيب كبير من ثروة اوكرانيا التعدينية دعما لأمنها القومي في صناعات حساسة جدا ومهمة للغابة مقابل أن تعقد صفقة مع روسيا تنهي فيها هذه الحرب، بينما من الواضح أنها لن تقدم لاوكرانيا ضمانات امنية حتى لا تلتزم بحمايتها من روسيا إذا تجددت الحرب بينهما مستقبلا، ولا يوجد ضمانات أو أي وعد دقيق بانسحاب روسيا من اراضي اوكرانيا؛ أي ليس بالضرورة أن تعود خربطتها كما كانت قبل الحرب، وبذلك لو تمت الصفقة وتوقفت الحرب بحسب التفاهم بين واشنطن وموسكو فإن اوروبا ترى أنها مع أوكرانيا الخاسر الأكبر، والرابحان هما أميركا وروسيا.

ولذلك فإن المشادة الكلامية التاريخية بين ترمب وزيلنسكي يوم الجمعة لا تعد حدثاً عابراً وخلافاً محدود الاثر، والتي انتهت بعدم توقيع صفقة المعادن وطلب الرئيس الاميركي من رئيس اوكرانيا مغادرة البيت الابيض، والتي قد يراها الاوروبيون بأنها تمسهم، ورسالة لهم إضافة لكل التصريحات التي بينت حجم الفجوة بينهم؛ فالحقيقة أن ما حدث هو بداية اتساع الفجوة بين أوروبا الداعمة لأوكرانيا مع أميركا فقد صرح على الفور قادة أوروبا بأنهم مستمرون بدعم أوكرانيا ويمكنها الاعتماد عليهم أي أنهم أسقطوا ايضا من حساباتهم الدعم الامريكي، وبدأوا يدافعون عن مصالحهم ومستقبلهم بعيداً عن واشنطن مع إبقاء خيط رفيع للعلاقة معها، وذلك بعدم توجيه نقد مباشر لترمب على ما دار بينه وبين زيلنسكي وما انتهى له اللقاء من فشل ذريع؛ فاوروبا تحاول أن تضغط على واشنطن بأنها يمكن أن تفقدها الاستفادة من ثروة اوكرانيا التعدينية وتقليل أهمية أي تفاهم روسي أمريكي في حال لم تتوقف الحرب، فلن يكون لعلاقاتهم أي اثر مهم يخدم اميركا تحديداً في مواجهة الصين؛ لأن الهدف هو ابعاد موسكو عن بكين قدر المستطاع، وأي اتفاق بينهم لا ينهي الحرب بين روسيا واوكرانيا يصبح ضعيفاً ويخسر معه الرئيس ترمب رهانه الذي ردده دائماً بأنه قادر على إيقاف هذه الحرب في اليوم التالي لعودته للرئاسة وبذلك يفقد كثيراً من زخم عودته للبيت الأبيض عالمياً، إضافة الى ان اوروبا ستكون المستفيد الاكبر من معادن اوكرانيا؛ لأن الصفقة ستتحول لها وقد تضم اوكرانيا للاتحاد الاوروبي في خطوة سيكون لها دور مفصلي بتغيير مسار الحرب مع روسيا والتحالف القائم مع اميركا.

يمكن اعتبار المشادة بين ترمب وزيلنسكي هي مع اوروبا في واقع الحال وبداية صريحة لنهاية عقود من التحالف الاستراتيجي بينهم، واذا حدث وعاد الرئيس الاوكراني لعقد صفقة جديدة مع واشنطن خلال الأيام القادمة فهي لضرورات عسكرية ملحة لا يمكن تغطيتها بدون اميركا حالياً، ومناورة سياسية تفرضها الضرورات لكن ما لن يعود كما السابق هو تحالف أميركا مع اوروبا التي تسارع الخطوات للاستقلال الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي والتجاري عن أميركا، وقد تتحرك اكثر باتجاه الصين والشرق الأوسط وافريقبا والهند وكندا، فلديهم امكانيات كبيرة تساعدهم في ذلك وسيظهر معها القطبان الاوروبي و الصيني ليشكلا قوة هائلة لن تتمكن واشنطن من مواجهتها.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...