الإثنين, حزيران/يونيو 16, 2025

All the News That's Fit to Print

د.عبدالله بن موسى الطاير

استقبل الإعلام والمجتمع باحتفاء كبير الذكرى التاسعة لرؤية السعودية 2030 .وبينما يُمعن الاقتصاديون النظر في نمو الناتج المحلي الإجمالي ومقاييس الإيرادات غير النفطية، والمستهدفات الاقتصادية والتنموية التي تحققت قبل أوانها، فإن التحول الذي يشهده المجتمع السعودي لا يقل أهمية عن المنجز الاقتصادي، ويتطلب اهتمامًا مماثلاً. رؤية 2030 ليست مجرد إستراتيجية اقتصادية، بل هي إعادة تصور جريئة للمعايير الثقافية والاجتماعية، تُعيد تشكيل حياة الملايين من السعوديين والمقيمين في المملكة على نحو لم يكن من الممكن تصوره قبل عقد فات من الزمن.

يظهر التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 للعام 2024، تقدمًا ملموسًا في شتى المجالات، ويكمن وراء الأرقام والنسب المعلنة تغير مجتمعي حيوي نلمسه في تفاصيل معاشنا اليومي. حفّزت ركيزة «مجتمع نابض بالحياة» في رؤية 2030 تغييرات غير مسبوقة، لا سيما بالنسبة للمرأة. في عام 2017م، مُنحت المرأة حق قيادة السيارة، في قفزة رمزية وعملية نحو فعالية المشاركة في مجتمعها والاعتماد على ذاتها في حركتها وتنقلاتها. وبحلول الربع الأول من عام 2024م، ارتفعت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة بحيث تجاوزت المستهدف قبل موعده. كما ضاقت فجوة الأجور بين الجنسين، مما وضع المملكة في صدارة العالم في مجال ريادة الأعمال النسائية. هذه ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص نجاح تسجلها المرأة السعودية في كل المجالات.

لقد أعادت الرؤية تعريف الحياة العامة؛ فقد مثّل افتتاح دور السينما نهضة ثقافية نوعية، وأسهمت هذه النقلة في جودة الحياة. وقد حوّلت مواسم المدن السعودية، ومهرجاناتها وحفلاتها، المملكة إلى مراكز ترفيه، وجذب إقليمي وعالمي. النساء، اللواتي كنّ ممنوعات سابقًا من دخول الملاعب الرياضية، يحضرن الآن الفعاليات بحرية، والأماكن، التي كانت في السابق مقيدة الدخول بالعوائل أو للنساء أو الرجال فقط، تنبض اليوم بروح المجتمع ذكر وأنثى، ومن كل الأعمار، مما يعكس مجتمعًا يحتضن الحداثة مع تمسكه واعتزازه بتراثه الأصيل.

التعليم والتنمية الحضرية شاهدان آخران على هذا التحول الكبير، حيث تتحدى فصول التربية البدنية للفتيات المعايير الجنسانية التقليدية، مما يعزز الثقة والصحة بين الشابات، ويشارك شبابنا وشاباتنا في المنافسات العلمية والتقنية العالمية ويحصدون الجوائز ويسجلون براءات الاختراع على نحو غير مسبوق. وقد وسع برنامج جودة الحياة المساحات الخضراء، مع ارتفاع نصيب الفرد من المساحة العامة بنسبة كبيرة. لم تعد مدن مثل الرياض وجدة مجرد مراكز اقتصادية وحواضر تقليدية، بل مساحات حيوية جاذبة للعيش، حيث يشارك المواطنون في الرياضة والفنون والأدب والثقافة والأنشطة المجتمعية. وتقدم مشاريع مثل نيوم والقدية نماذج حضرية مستقبلية تعطي الأولوية للاستدامة والابتكار، مما يشير إلى تحول ثقافي سعودي نحو التكامل العالمي.

وفي حين يُشير تركيز تقرير 2024 على الكفاءة - حيث شارفت نسبة كبيرة من المؤشرات على الاكتمال - فإن الحاجة إلى تعزيز مشاركة أعمق للمواطنين لضمان الاستدامة هو تحد في متناول اليد فيما بقي من أعوام الرؤية. إن التحديث المدروس أعطى الأولوية للطموح متخطياً العوائق العملية، ومذللاً التحديات، لأن الجميع جاهز للمستقبل في تماه منقطع النظير بين النخب والعامة، حيث تذوب الفوارق تحت عنوان سعودي بارز.

وعلى الرغم من قصر المدة، والعقبات الكؤود، فقد شكلت رؤية 2030 بلا شك الهوية السعودية، دون التخلي عن الثوابت الدينية والثقافية والمجتمعية. وليس بغريب أن يقود الشيب والشباب السعوديون هذا التغيير، ويسهمون فيه رجالاً ونساءً، مُغتنمون الفرص في مجالات التكنولوجيا والسياحة والصناعات الإبداعية، والحرف اليدوية؛ الجميع مشارك، الجميع يعمل، الجميع يتفاعل، الجميع يبني. أجيال متكاملة تعيد تعريف معنى أن تكون سعوديًا. ومع اقترابنا من عام 2030م، بحدثه الرئيس المتمثِّل في جني ثمار الرؤية السعودية، يراقب العالم أمةً سعودية تُوازن بين التقاليد والتحوّل، وبين الأصالة والمعاصرة في واحدة من أنجح الثورات الحضارية التي عرفتها البشرية. الرؤية ليست مجرد اقتصاد، بل هي صحوة ثقافية تُثبت أن التغيير المجتمعي، عندما يكون جريئًا وشاملاً، يُمكن أن يُضاهي النجاحات الاقتصادية في تشكيل المستقبل.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...