الأربعاء, حزيران/يونيو 18, 2025

All the News That's Fit to Print

د.عبدالله بن موسى الطاير

غضب الدبلوماسية كلفته غالية، ولذلك غالبًا ما تخفى التفاصيل الحادة خلف الأبواب الموصدة، والابتسامات الصفراء أمام الكاميرات. عدم إشراك الرأي العام في لحظات الغضب والنقاشات الحادة والشتائم المتبادلة بين رؤساء الدول والحكومات، يعطي للدبلوماسية مجالا للتحرك واحتواء الخلافات غير المعلنة أيا كانت حدة الانقسام فيها، أما مشاركتها مع الجماهير فإن ذلك يجعل مهمة رأب الصدع شبه مستحيلة، وتتطلب جهودا كبيرة ووقتا أطول. سجّل التاريخ حوادث شهدت توترات علنية ونقاشات حادة بين قادة الدول، وحكت المذكرات والشهود روايات عن اجتماعات يمكن اعتبارها من بين الأسوأ.

فعلى مسافة زمنية قريبة من نهاية الحرب العالمية الثانية، عقد مؤتمر باريس للسلام عام 1919م في ظروف متوترة، وتحولت المناقشات إلى مبارزات حادة بسبب الخلافات حول معاهدة فرساي، مما حدا برئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو إلى وصف الرئيس الأمريكي ويلسون بأنه «مثالي ساذج»، فكان أن رد باتهام كليمنصو بأنه يكرس دوافع الانتقام بدلاً من مناقشة إمكانية السلام، وقد شهد المؤتمر خلافات حادة لدرجة هددت الاجتماعات بالانهيار، لكنها مع بعض الصبر، ولأنها بين القادة أنفسهم، وبتدخل من رئيس الحكومة البريطانية ديفيد لويد جورج اعتمد المؤتمر في النهاية معاهدة فرساي المثيرة للاهتمام والجدل.

وخلال احتدام الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، ومن على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة 1960م، ألقى الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف خطابًا استفزازيًا ضد الغرب، وفي لحظة دراماتيكية، نزع حذاءه وضرب به على منصة الإلقاء كما تؤكد بعض الروايات، وتحولت الجلسة إلى فوضى مع تبادل الشتائم والتهم بين الوفود، مما جعلها واحدة من أكثر لحظات الأمم المتحدة رعبا.

وليست المرة الأولى التي يصطدم فيها الرئيس ترامب والرئيس زيلينسكي فقد حدث لقاء عاصف بين الطرفين عام 2019م في نيويورك بسبب مكالمة هاتفية سابقة بين الرجلين. وبخلاف ما حصل مؤخرا فقد احتدم النقاش خلف الكواليس، ولكن على الرغم من أن اللقاء العلني لم يشهد شتائم مباشرة، فإن التوتر كان واضحًا، حيث دافع زيلينسكي عن موقفه بينما واجه ترامب اتهامات باستغلال المساعدات العسكرية للضغط السياسي، مما أدى إلى نقاشات حادة في الأوساط الدبلوماسية.

وحتى لا نذهب بعيدا، فإن القمم العربية هي الأخرى شهدت حوارات حادة بين القادة، وتخللتها شتائم وتهم، وبخاصة في القمة العربية التي أعقبت احتلال العراق للكويت عام 1990م، والقمة العربية في بيروت عام 2002م. ولأن القضية الفلسطينية كانت دائما الموضوع المتفق المختلف عليه، فإن المقاربات التي هدفت إلى تقديم حلول قد تحولت إلى ساحة للصراع اللفظي بين القادة ومن ذلك قمة فاس 1981م. وفي مكان قصي عن الشرق الأوسط كانت القضية محل نقاش حاد في كامب ديفيد عام 2000م بين الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، وبدلا من التوصل إلى سلام نهائي، تحولت إلى مواجهات لفظية حادة، حيث اتهم باراك عرفات بعدم الجدية، بينما رد عرفات باتهامات لإسرائيل بالتعنت، وحينها فقد كلينتون أعصابه وصرخ في عرفات، مما جعل القمة تنتهي بفشل ذريع.

في كثير من الحالات، لا يتم الكشف عن الشتائم الصريحة علنًا، لكن الروايات اللاحقة من مسؤولين أو مذكرات تكشف حدة النقاشات خلف الكواليس، وغالبا ما تكون تلك النوعية من الاجتماعات الملتهبة نتيجة أزمات كبرى كالحروب، والنزاعات الحدودية، أو التنافس الأيديولوجي. غضب الدبلوماسية الجماهيري أصبح واحدة من الأدوات الشعبوية، حيث يستخدمها بعض القادة دون تفكير في آثارها الجانبية.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...