الأربعاء, حزيران/يونيو 18, 2025

All the News That's Fit to Print

خالد محمد الدوس

سوء الظن بالناس من الظواهر الاجتماعية (المرضية) القديمة الموجودة في المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ، ومن أخطر الفيروسات التي تصيب جسد العلاقات الاجتماعية وتفتك بالحياة الأسرية وتضعف بالتالي مناعة المجتمع، إذا انتشر هذا السرطان الخبيث داخل النسيج المجتمعي. ومن المضاعفات الخطيرة لهذا الداء النفسي الاجتماعي ظهور كثير من الأمراض الاجتماعية والمثالب النفسية التي قد تتمخَّض عنها.. كالطلاق والتفكك الأسري والعنف المنزلي، وخلخلة الروابط الإنسانية بين الأصدقاء والأقارب، والمخاوف المرضية والاضطرابات الشخصية... إلخ، ولخطورة هذه الآفة المرضية التي تتنافى مع قواعد الضبط الديني والأخلاقي والقيمي.. وتأثيرها على الفرد والأسرة والمجتمع بوجه عام، نهى الله -عز وجل- عن ذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (12) سورة الحجرات، كما حذر الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام - من سوء الظن الذي يفتك بالعلاقات الإنسانية ويُدمّر الحياة الأسرية ويمزّق روابط الألفة بين الناس.. في قوله (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)، ومعروف أن الشك غير السوي الذي يُسمى في علم النفس (بالشك المرضي) سواء كان سمة شخصية أو عرضاً لاضطراب عقلي يؤدي إلى كثير من المشاكل والمثالب خصوصاً في الحياة الأسرية، وهذه الآفة المرضية التي تنخر في مفاصل الحياة الزوجية وتدمر بنيانها، إذا دخلت النسيج الأسري هربت السعادة بألوانها الجميلة من النوافذ، وحضرت التعاسة الزوجية بمظاهرها الإحباطية ومشاعرها العدائية، وبالتالي قد تهدد الاستقرار المنزلي وتحوِّله إلى واقع مؤلم يعيش صراعاً عاطفياً ونفسياً وأسرياً قد ينتهي بانفجار بالون الطلاق، فالشك ومثالبه بطبيعته يقتل روح المودة والمحبة، ويخنق العواطف والمشاعر، ويُدمّر معاني الرحمة والإحسان، ويهدد الاستقرار والأمان في الحياة الزوجية.. خصوصاً «الشك المرضي» المبني على أوهام ووسواس وظنون وارتياب واتهامات وتزييف الواقع الذي يدفع بصاحبه لتتبع العورات والبحث عن الزلات والتنقيب عن السقطات، وبالتالي قد يؤدي إلى نتائج خطيرة غير محمودة العواقب، وهذه الحلات المرضية هي نتاج خلل وظيفي في التنشئة النفسية والعقلية والفكرية والأسرية والعقائدية للشخصية الشكّاكة في طفولتها، وكذلك الشعور بالحرمان والقسوة والخوف يُولِّد لدى الطفل إحساساً بالخوف من المحيط الاجتماعي، مما يبعث في النفس زيادة الحذر والحيطة من الناس خصوصاً عند بلوغ سن المراهقة، وبالتالي تصبح هذه الشخصية - كيميائياً - تميل إلى العناد والتحدي والعنف والحذر الزائد والشك والارتياب داخل المحيط الاجتماعي أو الأسري.. كما تدخل العوامل العاطفية والاقتصادية والدينية والثقافية في تشكيل هذا المرض النفسي الاجتماعي، وانتشار أسقامه في نسيج العلاقات الاجتماعية، ولذلك ينبغي إشاعة ثقافة حسن الظن ومنطلقاته الأخلاقية والقيمية في الحياة الاجتماعية، هذه القيم الواعية التي تؤدي إلى سلامة الصدور وتآلف القلوب، وتسامي النفوس، وتصافح المشاعر، وتُعمّق روح المحبة وتدعم روابطها الوجدانية بين أبناء المجتمع، تقع مسؤولية نشرها على كاهل المؤسسات الدينية والثقافية والتربوية والتعليمية والإعلامية التي تلعب دوراً محورياً، وحراكاً بنيوياً.. في النهوض بقالب التوعية المجتمعية وتنمية اتجاهاتها الحضارية الأخلاقية والسلوكية.. ورحمَ الله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي كان في منهج حياته الاجتماعية والأسرية يحمل الكلام على أحسن المحامل.. مغلقاً (نوافذ) الشر والشك والريبة وسوء الظن، عبر مقولته الشهيرة «لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرّاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً».. وأخيراً ومن أجل المحافظة على علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية والأسرية، ليكن منطلق سلوكنا الحضاري ومنهجنا الأخلاقي وتفاعلنا الاجتماعي من مضمار «التمس الأعذار للآخرين».

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...