الثلاثاء, تشرين1/أكتوير 28, 2025

All the News That's Fit to Print

د.عبدالله بن موسى الطاير

يصيبني الغثيان عند الحديث عن أمن إسرائيل، فالسردية التي اخترعت مع تصدير عصابات الصهاينة من أوروبا، وسط استنكار ورفض الدول العربية المجاورة لم تعد صالحة.

من أجل أمن الكيان الوليد حشدت أوروبا وأمريكا جهودها لضمان تفوقه العسكري وأتاحت له في فترة قصيرة امتلاك السلاح النووي، فعن أي أمن يتحدثون عام 2025م؟ ممنوع منعا باتا أن تمثل غزة والضفة الغربية ولبنان، واليمن، وسوريا، وإيران، والعراق، ومصر، والأردن، تهديدا لأمن إسرائيل، أما أن تهدد إسرائيل تلك الأطراف وتشن عليها الهجمات العسكرية وتنتهك السيادة فذلك أمر مشروع لدفاع إسرائيل عن وجودها، والويل كل الويل لمن يعامل إسرائيل بالمثل فينتقم ولو بشق صاروخ، فعندئذ سيكون عمله عدوانا.

إنها مفارقة صارخة ووصمة عار، فإسرائيل، مدعومةً بقوة عسكرية ودبلوماسية لا مثيل لها، تمارس إرهابا يوميا على سيادة وسلامة وحياة ملايين الأشخاص في معادلة غير متوازنة تعكس تفاوتا كبيراً في القوة، ويمثل استمرارها فشلًا ذريعًا للنظام الدولي. يثير هذا السلوك العدواني المسكوت عنه أسئلة عميقة عن المنطق الذي يرتكز عليه، وعن صمت وتواطئ النظام الدولي وتطبيعه له؟ من أعطى إسرائيل هذا التخويل؟ ومن منحها الرخصة المستدامة للقتل والتوسع والعدوان وتهجير العرب أو إبادتهم ليطمئن الإنجيليون لعودة المسيح عليه السلام، فيبيد، بزعمهم، اليهود بعد أن اجتمع شتاتهم في هذا المكان من العالم؟

المنطق الذي يسوغ الوضع الراهن هو منطق ظالم، يصور دولةً مسلحةً نوويًا، تمتلك أحد أكثر الجيوش تقدمًا ودموية في العالم، تعيش تحت تهديد وجودي من كيانات فقيرة أو محاصرة أو ممزقة سياسيا! هذا التأطير يقلب الحقائق، إذ يعتبر القوة المهيمنة ضحية دائمة، مُبرّرًا لها الضربات الاستباقية، والتجويع والحصار، وضم الأراضي باعتبارها مجرد دفاع عن النفس، وانتهاك سيادة الآخرين إجراء أمني ضروري، بينما تُصنّف أي مقاومة لهذا الانتهاك على أنها إرهابا محضا.

أقيمت إسرائيل وسط رماد الإبادة الجماعية، ومذ ذاك نظر إلى أمنها على أنه غير قابل للتفاوض، وأي شقفة حديدة طائرة من غزة، أو جنوب لبنان، أو مُسيّرة فارغة يعتبر تهديدا وجوديا لأمةٍ مُحاطة بالخصوم. هذا التأطير المضحك يقلب العلاقة بين السبب والنتيجة؛ حصار غزة منذ 2007م والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والضربات الاستباقية - تُثير ردود فعل لا ترقى لتهديد أمن إسرائيل ناهيك عن وجودها، فتعتبر عدوانا يهدد وجود الدولة العبرية، أما انتهاكات إسرائيل فهي ضرورات دفاعية مشروعة.

الأمم المتحدة، التي كان من المفترض أن تحافظ على السلم والأمن، أصيبت منذ تأسيسها بداء الفيتو الذي يشل حركة مجلس الأمن. صُمّمت بنية الحوكمة العالمية لما بعد الحرب العالمية الثانية، لحماية مصالح الدول التي تملك حق النقض. في هذا السياق استخدمت أمريكا الفيتو ضد أي إدانة لسلوك إسرائيل الوحشي، مما حصّنها ضد المساءلة عن أفعالها الإجرامية كغزو لبنان عام 1982م أو عمليات الإبادة الجماعية التي شردت الملايين وتسببت في مقتل عشرات الآلاف في غزة.

الأنظمة الأوروبية، لا تزال تختبئ خلف ذنب المحرقة، متواطئة مع إسرائيل على الرغم من تحرك الشارع الأوروبي وغضبه الإنساني.

شهد العالم هذه المسرحية من قبل، ولم تكن سوابق دائمة، كما أن بلطجة إسرائيل لن تكون قدرا محتوما. كتب التاريخ عن تصحيح مسار الأحداث، وغالبًا ما كان التصويب عنيفا. اعتقدت جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري، أن نظام القمع المؤسسي لديها مستدام، لكنه لم يكن كذلك، إذ انهار أمام الضغط الأخلاقي والاقتصادي، والمقاومة الداخلية. التجربة الفرنسية في الجزائر والأمريكية في فيتنام لم تكن أفضل حالا، فالتفوق العسكري لم يضمن النصر السياسي ولا الشرعية الأخلاقية.

السؤال الحاسم ليس «هل» سينتهي نموذج الظلم الحالي، بل «كيف» سينتهي، وبأي تكلفة بشرية؟ هل يمكن لدورة القصف والحصار والعدوان المتواصلة أن تستمر إلى أجل غير مسمى؟ ربما نعم على المدى القصير، فالقوة قادرة على دعم الظلم لفترة، لكن الركائز تتصدع بمرور الوقت.

الرأي العام العالمي، وخاصةً بين الأجيال الشابة، يتغير، فلم يعد ينظر إلى الصراع من منظور الحرب الباردة، أي من منظور ديمقراطية شجاعة في مواجهة عرب معادين، بل من منظور المصالح الوطنية التي لا تستسيغ قيادة دولة صغيرة، بالكاد ترى على الخريطة، قوى عظمى خلفها كما تقود البطة فراخها.

لا يمكن تحقيق الأمن لإسرائيل من خلال التهديد الدائم لجيرانها؛ بل هو ممكن فقط على أساس من العدالة والسيادة والاعتراف المتبادل لجميع شعوب المنطقة بالحق في الحياة الكريمة. الاعتقاد بخلاف ذلك هو تجاهل لعبر التاريخ. إن القوة المطلقة التي تُمارس اليوم تحقق وهم الأمان، واستمرارها لا يبشر إلا بمزيد من سفك الدماء وإرثًا من الكراهية والعار لا يمكن أن يمنح إسرائيل الشرعية أو الأمان.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...