الثلاثاء, حزيران/يونيو 17, 2025

All the News That's Fit to Print

محمد سليمان العنقري

الثاني من أبريل، تاريخ لن يُنسى في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، بعد أن أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حزمة رسوم جمركية شملت 180دولة وكيانا في سابقة تاريخية، وكانت ردة الفعل في أسواق المال عنيفة جداً فقد خسرت الاسهم الامريكية 6 تريليونات دولار في يومين فقط، وكذلك الاسواق الاوروبية والآسيوية والشرق أوسطية جميعها هبطت بنسب عالية.

وعلى الصعيد الدولي، فقد بدأت الدول التي استهدفت برسوم مرتفعة باجراء مماثل، فقد أقرت الصين رسوما على السلع الامريكية مماثلة للرسوم الامريكية الجديدة عند 34 بالمائة، كما اقرت كندا رسوما بالمثل عند 25 بالمائة، وينتظر ان تعلن دول الاتحاد الاوروبي عن ردها برسوم موازية لما اقر عليها من أميركا في منتصف ابريل الجاري.

لكن إذا كانت الرسوم ستؤدي بديهياً للتضخم وارتفاع تكلفة المعيشة على المستهلك الامريكي والذي يشكل إنفاقه تأثيراً يقارب 70 بالمائة في الناتج الامريكي، كما أن النتيجة الحتمية هي ركود اقتصادي وقد يرافقه تضخم ليكون بذلك ورقة سلبية جداً ضد الرئيس ترمب والحزب الجمهوري، وقد تؤدي هذه التداعيات لخسارة مدوية في الانتخابات القادمة للكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ بعد أقل من عامين، فلماذا يقدم على مثل هذه القرارات السلبية على فترة حكمه ؟

فإصلاح الأضرار الاقتصادية سيأخذ وقتا ليس بالقصير، ولن يكون في صالح حكومة الجمهوريين، وفي حال فوز الديمقراطيين بأغلبية بالمجلسين سيحيل ذلك الرئيس لمرحلة البطة العرجاء مبكراً أي أنه سيكون أمام عوائق عديدة في تمرير أي قرار في الكونجرس وسيحد ذلك من صلاحياته وقدراته في تحقيق أهدافه التي وعد الناخبين بها، بل سيكون ذلك فرصة لعودة الديمقراطيين للحكم في الانتخابات الرئاسية القادمة.

ولذلك فمن غير المنطقي أن يتخذ الرئيس ترمب قرارات تضره، ويصبح كمن يطلق الرصاصة على قدمه، فمن الواضح أن ما اتخذه هو قرار سياسي بأدوات اقتصادية ليبقي اميركا الاقوى بالعالم عن طريق معالجة دينها المتضخم جداً والبالغ 36،5 تريليون دولار مع خدمة دين سنوية عند 1،3 تريليون دولا؛ اي قرابة ثلث الموازنة الفيدرالية.

ويعتبر ترمب أن العجز التجاري الذي بلغ 1،2 تريليون للعام الماضي ويتكرر سنويا منذ سنوات طويلة هو السبب مما دعاه لاتخاذ هذا الخيار فاميركا بشكل مبسط تنفق اكثر مما تنتج، ولذلك هو يريد عودة المصانع لبلاده لزيادة الطاقة الاستيعابية مما يتيح تقليل الواردات وزيادة الصادرات والقضاء على العجز التجاري فاميركا لو استمرت بنهجها الحالي فلن تكون الدولة الاولى عالمياً سياسياً او عسكرياً او اقتصادياً فستخسر هذا الموقع لصالح الصين غالباً واوروبا بدرجة أقل في بحر عشرة أعوام تقريباً إذ سيتقلص إنفاقها ونموها الاقتصادي سيتراجع لفترة طويلة وستضطر للانسحاب من قواعد عسكرية عديدة خارجيا، وهذا سيقلص نفوذها الدولي، إضافة لتراجع حجم اقتصادها وتاثير ذلك على دخل الفرد، وبالتالي هجرة رؤوس الاموال منها وتراجع اهمية الدولار عالميا بالتجارة الدولية او بسوق الائتمان او الاحتياطي النقدي للدول.

ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد الرسوم ؟

بدايةً لا يعتمد الركود الاقتصادي رسمياً الا بعد ربعين متتالين من الركود وهذا لم يحدث حالياً مما يعني ان الرسوم ستكون ورقة تفاوضية ويعتقد الرئيس ترمب وفريقه الاقتصادي ان الدول التي يستهدفونها فعلياً برسوم عالية والتي تعد اكبر المصدرين لاسواق اميركا ستضطر للتفاوض والتوصل لاتفاقيات سريعاً بما يحقق مصالح الطرفين لانهم غير جاهزين لخطط بديلة عن السوق الامريكي نظراً لضخامته ولحجم صادراتهم الكبير له فتعويض المستهلك الامريكي يحتاج لسنوات، ولذلك المتوقع خلال شهور قليلة أن يتوصل الامريكيون لاتفاقيات مع أغلب الدول التي يشكل السوق الامريكي لها النسبة الاكبر من صادراتها، مثل الصين واوروبا وكندا والمكسيك وفيتنام واليابان وكوريا وبريطانيا؛ فهذا الاحتمال يبدو هو الأقرب للتحقق وقريباً جدا سنسمع عن تحركات سريعة بهذا الشأن وبالتأكيد يضع فريق ترمب مدة زمنية لن يتجاوزوها لتحقيق هذا الهدف بعقد اتفاقيات جديدة تبدا بتعطيل تطبيق الرسوم كحسن نية والتوصل سريعاً قبل نهاية هذا العام تقريباً لاتفاقيات جديدة تنهي هذا الملف ويحقق معها ترمب هدفه بجذب كبرى الشركات للتصنيع داخل بلاده من جديد، وكذلك زيادة ايرادات الخزينة مع تقليص بالعجز التجاري تدريجياً وكذلك بالميزانية الفيدرالية وهو ما سيبطئ نمو الدين السيادي مبدئياً.

الرئيس ترمب يتحرك ضمن ركائز ثلاث حددت سياسته عامة، وسبق ان تناولتها بمقال قبل أن يؤدي القسم الرئاسي بأيام وهي: الدين السيادي، والعجز التجاري، وعجز الميزانية، وكل سياساته وقراراته وتوجهاته الداخلية والخارجية تتمحور حولها؛ لأنها خطر كبير على مكانة بلاده مستقبلاً فقد كان يقول بولايته الاولى « اميركا قوية وعظيمة اما حالياً فيقول نريد عودة اميركا عظيمة» أي انها افتقدت للمساحة الواسعة بسياستها النقدية والمالية حيث نفذت أغلب ذخيرتها بالسنوات الماضية بعهد الرئيس بايدن ولذلك لم يعد بالامكان استخدام أي منها بأريحية؛ لأنها تعني مزيدا من نمو الدين السيادي والتوسع بالعجز التجاري وبالميزانية.

آراء الكتاب

  • الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ

    محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...

  • حراسة الرمز - سعد الدوسري

    سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...

  • الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض

    د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...

  • بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد

    يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...

  • دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي

    ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...

  • التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد

    لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...