
من عبدالله بن إدريس إلى سعد البواردي - عبد الله بن سالم الحميد
عبد الله بن سالم الحميد
في نسيج الذاكرة شخصيات تطبع بصماتها المعبرة التي أثرت بتفاعلها مع هموم المجتمع. ومعاناته في أي نسق يخدم أطيافاً من المجتمع، والنخبة المميزة في المجتمع تطمح إلى الارتقاء بالوعي وغرس شجر الإبداع في ساحات مؤثرة في حياتنا ووجودنا.
في نسيج الذاكرة شخصيات تطبع بصماتها المعبرة التي أثرت بتفاعلها مع هموم المجتمع. ومعاناته في أي نسق يخدم أطيافاً من المجتمع، والنخبة المميزة في المجتمع تطمح إلى الارتقاء بالوعي وغرس شجر الإبداع في ساحات مؤثرة في حياتنا ووجودنا.
وفي ميدان التعبير الشعري توجه الأستاذ عبد الله بن إدريس إلى أهمية حضور الشعراء في نسيج المجتمع في منطقته التي نشأ وعاش فيها والتزم بخدمتها وتوثيق أعمال نخبة مختارة منهم للفت النظر إليهم، حرضنا على الاهتمام بهذه الأصوات الشعرية وفتح نافذة التعرف عليها، كان ذلك في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) الذي ضم نخبة من شعراء نجد، في طليعتهم الشاعر سعد بن عبد الرحمن البواردي، الذي برزت موهبته الشعرية وتكثفت اهتماماته الثقافية وتعبيره الشعري عن هموم مجتمعه ووطنه وأمته، فكان لزاماً علي أن أوثق العلاقة بينه وبين أستاذي الرائد عبد الله بن إدريس الذي بذل عمره وجهده لخدمة الثقافة والأدب بالمملكة عبر القنوات التعليمية والإدارية والإعلامية والثقافية التي تدرج في مناصبها واضطلع بمسئوليتها مبادراً ومعبراً وموجهاً، لم أجد بدأ من منح التقدير والوفاء لشخصيته وأنا أتناول شخصية أشرع لي أبواب التعرف عليها في بداية معرفتي للكتابة والشعر والثقافة وعناصرها المعبرة.
والشاعر الأستاذ سعد البواردي واحد من أولئك المبادرين في تأسيس النماذج الأولى للصحافة عبر (صحيفة الإشعاع) ومن الأصوات المعبرة بالكلمة النابضة والقصيدة الشاعرة والدراسات الأدبية والثقافية التي تتناول أعمالاً وشخصيات أنس وتأثر بهم وآثر أن يوثق إبداعهم أو يلفت النظر إلى تجاربهم وتجلياتهم.
هذا التوجه النبيل المسئول يشترك فيه مع النماذج التي تؤثر أن تغرس في أرضية مجتمعها أشجاراً مضيئة، وتترك أثراً له مكانته وحضوره الذي يبقى بعد رحيلهم.
وقد عرف الأستاذ عبد الله بن إدريس شخصية الشاعر سعد البواردي في بداية تجربته الشعرية في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) بقوله (كان شغوفاً بالقراءة والمطالعات الأدبية وفي الأدب المعاصر بوجه خاص، ولقد نمى فيه العاطفة الوطنية وحب الإصلاح الاجتماعي إلا أن توفره واقتصاره على هذا الأدب وانصرافه عن الأدب القديم، وبالتالي عزوفه عن ربط القديم بالحديث قد أفقده شيئاً من العمق والارتواء العلمي والثقافي الذي تبرز حصيلته في كتابته النثرية وقصائده الشعرية (ص 2153 من كتاب (شعراء نجد المعاصرون).
هذا ينطبق على بداية الكتابة لدى الأستاذ سعد البواردي، لكنه بعد أن انطلقت توجهاته في رحلات الاغتراب والسفر وتفتحت عيناه على مكتبات الثقافة والأدب والإبداع في مكتبات بيروت والقاهرة وغيرهما، وتعمقه في القراءة والبحث عن افاق المعرفة والانتهال بشهية وشغف من المصادر الفكرية والثقافية والفلسفية التي أضافت إلى رصيده الفكري والأدبي أمشاجاً من التجليات الأدبية والفكرية فتحت له انسجة التعبير شعراً وقصة ومقالة، على الرغم من تواضعه في الحديث عن نفسه عبر اللقاءات الصحافية، والتساؤلات الإذاعية عن تجربته وحياته التعبيرية، حيث يحاول أن يبتعد عن تفصيلات تجربته، فيقول عن معاناته مع البوح الشعري:
الشعر يتسلق بسفسطائية الخيال إلى درجة الخيال، راسماً ذهنية تصطدم بالمألوف الذهني إلى درجة اللامعقول، ومع مرور الزمن يتحول ذلك التصور إلى عقلانية واقعية لم تدر في خلد أحد من الناس، حتى ذهن الشاعر نفسه، وإذا كانت البدايات للأشياء مرحلة تصور عابث يدغدغ أحلام المستقبل وأمانيه، يقترب من التحقيق تارة ويبتعد عنها أخرى، إلا أن اكتشاف المجهول يبدأ بالتنبؤ - لا النبوءة التي لا يملكها إلا الأنبياء وحدهم) جريدة المسائية - العدد. ذي الرقم 4934 في 1419-2-16هـ.
وفي وصف التجربة الشعرية للبواردي يقول الأديب الأستاذ يحي المعلمي (يتميز شعره بالبساطة وسهولة العبارة، شاعر صحفي، يعد من أنشط الكتاب الصحفيين (من كتاب) عقود الجمان - شعر وشعراء الصادر عن دار المعلمي للنشر بالرياض.
وهذا التعريف للمعلمي يكمل ما أورده الأستاذ عبد الله بن إدريس الذي قال: (ميزة شعره المزاوجة بين الرومنتيكية والواقعية، وهو حسب مقتضيات الحال وقوة الدافع المؤثر. ص 153 شعراء نجد المعاصرون.
وتجربة الشاعر سعد البواردي التعبيرية في الشعر والقصة والنثر مسكونة بالمعاناة الإنسانية والمسئولية الاجتماعية والوطنية، تنبثق من عمق وجدانه واهتمامه ومعاناته لما عاصره من أحداث وأوضاع وجد نفسه مسئولاً عن التعبير عنها، ولعل عناوين مجموعاته الشعرية وما تضمنته من قصائد تشهد بذلك، منها: قصائد تخاطب الإنسان التي وزعها في أربعة أقسام تعبر عن الحب والانتماء والشجن الوجداني الواقعي، يفتتحها بمقطوعة يسيرة تعبر بكل براءة وشفافية عن حب الوطن:
أحبك يا أرضي، ولست بخيرها
ففي غيرك الأنهار والخصب والفنن
ولكنك (الأبهى) فأنت حبيبتي
وأنت لي التاريخ والأهل والوطن
ومن يعشق التاريخ أرضاً وموطناً
يبيح ربيع الأرض، لواله الثمن
والتعامل الأخلاقي النبيل الذي تميزت به شخصية البواردي واهتمامه بما يقرأ ومن يقرؤهم. من شخصيات وكتب، ومن يتعامل معهم من أصدقاء الكلمة والتعبير الأدبي والثقافي والاجتماعي انعكس على علاقاته الأخوية، ولابد أن يجني ثمراته بالوفاء والتقدير والاحتفاء في حياته وبعد رحيله بما يستحقه من تقدير ووفاء وثناء.
وفي قراءتي لكتاب (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) للأستاذ الدكتور بكري شيخ أمين وجدت في تناوله لتجربة الشاعر سعد البواردي يعقد مقارنة بينه وبين الشاعر أحمد قنديل، توقف فيها عند التشابه بين ديوان (النار) لأحمد قنديل، وديوان (صفارة الإنذار) لسعد البواردي، يقول عن ذلك:
(نلحظ الرمزية عند البواردي، ولكنها بدرجة أقل من رمزية قنديل، كما نلحظ أنه لم يجعل اليأس مسيطراً على نفسه فقد أنهى القصيدة بإرادة النصر والظفر بالحياة.
يرمز البواردي بصفارة الإنذار إلى الخطر الصهيوني الداهم المتربص بالعروبة كلها دون أن يستثني أحداً. ص 344 و 345 من كتاب الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية). يقول الشاعر سعد البواردي في قصيدته (صفارة الإنذار):
صفارة الإنذار صوتها يرن
مع النسيم صوتها يرن
مع الرياح دفعها يجن
على حراب الظلم، جُرحها يئن..
تصرخ في مسامع الزمان :
يا أيها الإنسان !!
المستفيض في دجى الأحزان
عيناك والضباب والشبات
لابدان يضيق
دنياك، واجترار الترهات
والمرتع الحقيق
لابد أن يهب النائمون !!
ولابد أن يدرك من يتابع سيرة الشاعر سعد البواردي أن يلحظ أطيافاً من التوتر الفعال في علاقته بالمعاناة الإنسانية والوطنية والتعبير عنها بما تنطوي عليه نفسه من عشق الوفاء والإصلاح والمبادرة إلى الأعمال الخيرية والإيجابيات المثلى، التي يتفاعل معها، وتحرضه على التعبير عنها بدافع من المسئولية التي يشعر بها بصفته صوتاً لهذا المجتمع الذي يعيش فيه ويوثق احداثه شاعراً شاهداً على عصره.
يتحدث البواردي بشفافية عن تعامله مع الكلمة النابضة فيقول:
الإبداع ليس مجرد رص عبارات منمقة، أو جمل مخملية تداعب حماس القارئ أبداً. الإبداع عملية خلق الأفكار غير مسبوقة. عملية تجديد المحتوى لم تتبلور ملامحه بعد.
ويختصر جهده معاناته التعبيرية بقوله:
إن سعد البواردي في شعره كما في نثره ليس أكثر من طالب مجتهد في مدرسة الحياة. لم تتبلور لديه الشخصية المميزة كي يصح إلغاؤها لصالح النثر أو لصالح الشعر.
إنه يبحث داخل ذاته عن قبس معرفي يجدد لديه خلاياه، ويكشف لديه عن زواياه، ويفصح عنده عن خطاياه حتى لا تصرعه سقطة القلم التي دونها سقطة القدم.
إن حضورهما لدي يأتي بحجم استحضارهما داخل الذهن، والذهن مكدود لأنه مليء بصدمات الحياة حوله. إنه يستفرغ ما لديه من حصيلة متواضعة ومن محصلة مجهدة بقدر ما تسمح به لحظة تأمل وإطراقة تفكير ليس إلا. (جريدة المسائية - العدد ذو الرقم 4721 في 21-5-1418هـ).
ولم يتوقف الشاعر سعد البواردي عن متابعة عشقه الكتابي وصلته الثقافية بالصحافة والأندية الأدبية وحضور الندوات والملتقيات الثقافية، والاشتراك فيها، وتوثيق هذه الصلة بالقراءة والكتابة تلبية للانتماء الذي يسكن أعماقه وتقديراً ووفاء للنخبة التي يشترك معها في مسيرة العطاء المتصل لاستمرار الحياة.
لذلك نجد الشاعر سعد البواردي يؤكد مصداقية الوفاء في مقالاته وقصصه وشعره، الذي يعلن فيه بصراحة وشفافية محبته بأسلوب قريب من متناول أطياف مختلفة من المجتمع الذين قرأوا له أناشيد الطفولة منذ بدايات المراحل التعليمية:
القلم التي دونها سقطة القدم
إن حضورهما لدي يأتي بحجم استحضارهما داخل الذهن، والذهن مكدود لأنه مليء بصدمات الحياة حوله.
إنه يستفرغ ما لديه من حصيلة متواضعة، ومحصلة مجهدة بقدر ما تسمح به لحظة تأمل وإطراقة تفكير ليس إلا. (جريدة المسائية - العدد ذو الرقم 4721 في 1418-5-21 هـ) وكتاب (شعراء من الجزيرة العربية) تناول في 38 صفحة من الجزء الثالث جوانب من سيرة الشاعر سعد البواردي.
ولم تتوقف رحلة الشاعر سعد البواردي عن متابعة شغفه الكتابي وصلته الثقافية بمجتمعه. الأدبي عبر الصحافة والأندية الأدبية، وحضور الندوات والملتقيات الثقافية، والاشتراك في فعالياتها، وتوثيق عرى هذه الصلة بالقراءة والكتابة تلبية للانتماء الذي يسكن ذاكرته وأعماقه الحياة الفكرية والثقافية. تقدير أوبرا ووفاء للنخبة التي يشترك معها في نسيج العطاء المتصل بارتقاء الاستمرار حركة.
لذلك نجد الشاعر سعد البواردي شعلة نشاط حاضراً أبداً بأسلوبه القريب من تناول أطياف مختلفة من المجتمع الذي يسكن ذاكرته منذ قراءة أناشيد الطفولة البريئة في المراحل التعليمية الأولى:
الله رب الخلق
أمدنا بالرزق
إذا دعاه الداعي
يحقق المساعي
يسهل الأمورا
ويدفع الشرورا
وكل شيء عنده
بحكمة أعده
أكْرمْ به من محسن
يبرُّ كل مؤمن
من حقه أن يُعيدا
حقاً، وأن يُوحّدا.
إلى أن يبلغ صدى صوته الآفاق المتجاوزة للتبرير والاعتذار ومعاناة الشيخوخة في (قصائد تتوكا على عكاز) التي يعبر في أحدها عن هواجس (الحب) فيقول:
لا يصنع الحب لامال ولا جاه
الحب أجمل ما أعطى لنا الله
لو أن للصخر قلباً في تحجره
لأنطق الحب من أعماقه فاه
النهرُ من غير حب ما أفاض روىً
إذ الغار.. ولم يسعفه مجراه
والطير في الأيك ما غنى لغير هوىً
الحب في وكره ترجيع مغناه
وتنطلق أناشيد الشاعر سعد البواردي وأعماله القصصية والكتابية التي اختتمها بـ(استراحة في صومعة الفكر) التي تناول فيها نماذج من التجارب الإبداعية وفاء وتقديراً لأصحابها لتبقى ذاكرة شاهدة على حضوره وشهادته على العصر الذي عاش فيه، مما يحرضنا على منحه ما يستحق من الوفاء والثناء والتقدير.
وأرجوان بيادر النادي الأدبي بالرياض إلى تكريمه كما عودنا بتكريم عناصر الإبداع في حياتهم وبعد رحيلهم.
رحم الله سعد البواردي، أحد أصواتنا الشعرية المعاصرة التي تبقى حاضرة في أنسجة الذاكرة
والوجدان والوفاء.
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 367
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 478
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 317
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 366
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 344
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 520
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...