قضايا وأراء
- التفاصيل
- قضايا وأراء
محمد آل الشيخ
الإنسان غير الواثق من نفسه ورؤاه وقناعاته، عادة ما يخاف الحوار، ويتحاشى الجدل، ويتهرب من مواجهة الرأي الآخر؛ لذلك تجده غالباً ما ينحى نحو إسكات الآخر إما باتهامه بالعمالة للأجنبي، ويدعو إلى تكميم أفواه من يختلف معهم، أو يُطلق تهم التجهيل تارة، وربما التفسيق أو التكفير تارة أخرى إذا تعلق الأمر بشأن ديني. وهو بذلك يُعبر دون أن يعي عن ضعفه وهشاشة حجته وقلة حيلته تجاه قناعاته التي يتبناها ويدافع عنها؛ وغالبا ما تكون هذه القناعات ورثها عن ماضيه الذي كان مجيداً، أو تبناها على اعتبار أنها جزء من هويته الثقافية والاجتماعية، التي لو تخلى عنها فإنه سيشعر بشعور اللامنتمي، وهذا الشعور يجعله في عزلة خطيرة وأزمة هوية تجاه مجتمعه المتمسك بعرى الماضي، لذلك تجده يتشبث بالماضي محاولاً بعث الحياة فيه من جديد، ويفسر فشله في إحيائه بنظرية (المؤامرة) من قبل مناوئيه، كي يبرر هزيمته في واقعه المزري المرير؛ ومن يقرأ تاريخ الأمم المتفوقة حضاريا لا بُدّ وأن يلحظ إذا كان موضوعياً أن التقدم والرقي والتطور يستند أولا على قاعدة فلسفية من القناعات الفردية، ثم الاجتماعية، التي استقاها من الأمم الأخرى المتفوقة والمعاصرة له، هذه الفلسفة يتبناها الأفراد أولا ثم تنتشر وتتجذر مع الزمن لتشكل في نهاية المطاف رؤى أغلبية أفراد المجتمع، لينهض ويتقدم ويكون له مكانا حضاريا تحت الشمس؛ وفي المقابل فإن أية أمة تستسلم لواقعها، ولموروثاتها المتخلفة، وترفض التغيير، وتُصر على الراهن المستمد من الماضي الموروث، وتتحاشى الاستفادة ومحاكاة الأمم المتحضرة، فسوف تبقى قطعاً في ذيل ركب الأمم حضارياً، أمة مستهلكة لا منتجة، تأكل ما لا تنتج، وتكتسي بما لا تنسج، وتتداوى بما لا تبتكره، وتركب ما لا تصنع، تجتر نخبها أفكاراً أكل عليها الدهر وشرب.
قانون التطور والتقدم الإنساني اليوم كقاطرة تسير بسرعة ولا تنتظر أحداً، مَن ركبها بقي على قيد الحياة، ومن مرّت به ولم يلتحق بها، ويقبل أن يعيش ويتعايش معها بشروط وقوانين ركابها، فلن يستطع أن يلحق بها مستقبلاً على قدميه، وسيجد نفسه في النهاية يقتاته الجوع والعزلة والعطش في صحراء يحفها السراب والوهم من كل جانب حتى النفوق والفناء كما تفنى وتندثر الكائنات المعرضة للانقراض لعدم قدرتها على التأقلم مع التغيرات البيئية ومواكبتها.
شعوب الشرق الأقصى - مثلا - أدركت هذه الحقيقة الوجودية، وتشربت بها نخبها وشعوبها، فحذت حذو الغرب المنتصر، واتّبعتهم، وجعلت من فلسفاتهم وتجاربهم لها سبيلا ونهجا؛ وها هي اليوم تنافس الأمم الغربية التي تعلمت منها مناهج التفوق الإنساني، واتخذت من نظرياتهم ومعاييرهم البحثية لها مرشدا في طريق الرقي والتقدم والحضارة، وبذلك استطاعت أن تخلع عنها ثياب التخلف الماضوية البالية، وترتدي من الألبسة الغربية المعاصرة أجدّها وأزهاها؛ فأسعدت إنسانها، وانتشلته من وحول ومستنقعات التخلف.
أما شعوب بني يعرب فبقيت في مكانها، تجلس القرفصاء، تنتظر (المخلص) الذي سيأتي يوما من تراثها الموروث، ومن بين الركام، يتجاذبها تياران، جعلاها كالمكوك تدور في مكانها ولا تبرحه، التيار الأول التيار العروبي القومي الفارغ، والتيار الثاني التيار المتأسلم المسيّس، فالعروبة لم تقدم لها حلا، أما التأسلم السياسي فلم يحقق لها إلا التذابح والتطاحن ومزيدا من التخلف، وشلالات دماء لا تتوقف هنا إلا وتثور هناك.
اليابان قصفتها الولايات المتحدة بالقنبلة الذرية، فرفعت راية الاستسلام معترفة بهزيمتها؛ غير أن تلك الهزيمة النكراء تعاملت مع نتائجها اليابان تعاملا عقلانيا، فلم تتمسك بتراثها الموروث لتبحث فيه عن (مخلص) يمد لهم يد العون، وينقذها من هزيمتها الكارثية، وإنما تبنت ثقافة المنتصر، وتعلمت منه، واتخذت من ثقافته خارطة طريق لتنميتها، وما هي إلا عقود حتى وثب المارد الياباني من تحت ركام الهزيمة، ينافس الغرب اقتصاديا وصناعيا في ما برع فيه وتميّز، وعاد الإنسان الياباني مرفها ومتمتعا بتفوقه، يعيش في بحبوحة من العيش والأمن والطمأنينة، إلى درجة تجاوز فيها الأمريكي نفسه، إذا كان معيار الرخاء دخل الفرد.
إنها العقلانية والموضوعية التي أنقذتهم من هزيمتهم، وليس التشبث بالعواطف الفارغة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، كما هم بنو يعرب الأماجد.
إلى اللقاء
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
سعد الدوسري
دافع الدكتور عبدالله الغذامي عن الشباب، رافضاً وصفهم بالمهملين أو المقصرين في حضور الندوات العلمية والثقافية، مستدلاً على ذلك بالحضور الكبير الذي تحظى به بعض هذه الندوات. وشدد في تغريدات له على تويتر، تعليقاً على تقريرٍ عن غياب الشباب والمثقفين عن ندوته التي نظمتها جامعة اليمامة الأسبوع الماضي، على أن بعد المسافة والتوقيت السيء كانا عاملين رئيسين في غياب الكثير عن المحاضرة. وأضاف الغذامي في تصريح لجريدة الرياض، أن الغياب عن الفعاليات أو الندوات يكون في الغالب لثلاثة أسباب؛ سوء اختيار المحاضر أو الوقت والمكان أو حتى الموضوع، رافضاً بشدة أن يكون الشباب هم سبب هذا الغياب.
لقد كان حضور الأمسيات والمحاضرات والفعاليات الفكرية والثقافية همّاً يشغل المهتمين في هذا الجانب، منذ عرف الإنسان الثقافة. ودوماً، كانت هناك إغراءات لجذب هذا الحضور إلى القاعة. وليس صحيحاً، أن نتوقع عكس ذلك. الصحيح، أن نتواجد في مواقع الشباب، وأن نوصل لهم الثقافة بشكل جذاب. ومن الممكن أن نستشهد بتجربة الدكتور الغذامي في تويتر، فهي تجربة جديرة بالاهتمام. فحين كان خطابه ثقافياً فكرياً صرفاً، كان الشاب لا يحرص على متابعته، وحين انشغل بالأسئلة والهموم اليومية للناس وجد من هذا الشاب متابعة حقيقية.
لقد أشار الدكتور الغذامي في حواره مع الدكتور سليمان الهتلان في قناة سكاي العربية، أن تواجده اليومي على تويتر مع الناس البسطاء يبهجه، وهذا في رأيي أهم من كل المحاضرات.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
ما أورد هو تعليق على كلام قرأتهُ في اليومين الأخيرين عن أن دولة الإمارات العربية أنشأت وزارة اسمها "وزارة السعادة" وحقيقة ما سمعتُ أو عدم دقته شيء لكن الحالة تدعو إلى ذلك وأكثر، شيء آخر.
ولو صدق هذا الخبر وتعيّن فعلاً وزير للسعادة في الإمارات العربية المتحدة فسوف أحرص على أن أكون أول من يُعطيه مداخلات أو أبيات شعرية أو حِكم يأخذها في اعتباره. وسأكتب له بيت شعر قاله الشاعر المرحوم أبو القاسم الشابي وهو:
وما السعادة في الدنيا سوى حُلُمٍ
ناءٍ، تُضحّى لهُ أيامها الأممُ
أو شعر يقول:
وَما السَّعادَةُ في الدُّنيا سِوى شَبَحٍ
يُرجى فَإِن صارَ جِسماً ملّهُ البَشَرُ
كَالنَّهرِ يَركُضُ نَحوَ السَّهل مُكتَدِحاً
حَتّى إِذا جاءَهُ يبطي وَيَعتَكِرُ
لَم يَسعَدِ النّاسُ إِلّا في تَشوُّقهم
إِلى المَنيعِ فَإِن صارُوا بِهِ فَترُوا
فَإِن لَقيتَ سَعيداً وَهوَ مُنصَرِفٌ
عَنِ المَنيعِ فَقُل في خُلقه العِبَرُ
ويوافقهم إيليا أبو ماضي فيرى: أن السعادة يكتنفها الشك والوساوس والظنون، فيقول:
*إن السعادةَ لا وصولَ لعَرشِها
إلا بأجنحةٍ من الوسواسِ
وهي اللغز الغامض، والسر المكنون في كوخ مسحور، لا يمكن الوصول إليه،
وتقول نازك الملائكة:
*قد بحثنا عن السعادة لكن
ما عثرنا بكوخها المسحورِ
أبدا نسأل الليالي عنها
وهي سرّ الدنيا ولغز الدهورِ.
فإن سار أهلنا في الإمارات وأسسوا وزارة فربما دفعنا هنا في السعودية أن تقترح وزارة مثيلة، ولكن بمسمى وهدف آخر وهو: وزارة التسامح والتضحية. وسيتوفر لها من العمل اليومى الكثير..
لمراسلة الكاتب:
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
في الأسبوع المنصرم ثلاثة حوادث بحيثيات وأماكن مختلفة، الأول حدث في الرياض في أحد أقدم الأحياء وأكثرها اكتظاظاً بالمارة والسيارات، إذ أفضى شجار على أفضلية السير إلى عملية دهس راح ضحيتها أحد المتخاصمين، وتم إلقاء القبض على الفاعل بعدها بساعات.. أما الثاني فحدث في إحدى القرى جنوب المملكة حيث هاجم الجاني مقر مكتب التعليم بالداير حيث يعمل بسلاح رشاش وأردى خمسة قتلى.. أما الثالث فوقع في الرياض كذلك لشخص أطلق النار على والدته.. هذه بعض حوادث الاعتداء التي انتهت بجريمة، نوردها على سبيل المثال لا أكثر في سياق موضوعنا هنا.
يحدث وأن تُرتكب الجرائم في أي مجتمع وتختلف بالنوع وتتفاوت في النسبة والعدد، يدفعها للزيادة والنقصان عوامل عدة مرتبطة بمعطيات تكون ذات صلة بالوضع الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو حتى الثقافي للبلد، لكن اللافت في بعض الحوادث استسهال ارتكاب الخصومة والإقدام على الاعتداء بما يفضي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح.
وبالنظر إلى المملكة -وحسب تقرير أصدرته وزارة الداخلية عام 1435ه، وأفصح المتحدث الرسمي اللواء منصور التركي قبل أربعة أشهر عن أبرز ملامحه- نجد أن جرائم القتل العمد، وجرائم إطلاق النار والتهديد ومحاولة القتل شهدت انخفاضاً، في حين أن جرائم الاعتداء على النفس والطعن والمضاربة سجلت ارتفاعاً، ما يدفعنا إلى ضرورة سبر أغوار وأسباب ارتفاع هذه الجرائم التي توحي بوجود علة إما مباشرة أو غير مباشرة.
وقد يكون للمحفزات العدوانية التي ترتبط في الغالب بعمر ونشوة الشباب الذين يمثلون قرابة 70% من المجتمع السعودي دور في ذلك.. تلك المحفزات قد يعود بعضها إلى زخم المواد المشاهدة في وسائل الإعلام، والتي تعكسها مظاهر القتل والتدمير في دول الجوار والتي أصبحت رؤيتها على الشاشات وبشكل يومي أمراً محبطاً ومقلقاً في آن، فالأجواء المتوترة قد تنعكس اضطراباً في التصرف، كما يمكن الأخذ بعامل الواقع الافتراضي الذي توفره الشبكات الاجتماعية وألعاب الفيديو، والتي تكشف الأحداث والجرائم التي وقعت عن قدرة هذه الشبكات في التوجيه والتحريض لارتكاب السلوك العنيف، وقد تم التأطير العلمي لهذه الظواهر تحت ما يسمى "تحليل الشبكات الاجتماعية" والتي تبحث الروابط الاجتماعية في الإعلام الاجتماعي وشبكات العالم الافتراضي، وهو أمر مثير يمكن معه الوصول إلى معطيات مهمة وتوقع ومعرفة سلوك أفراد المجتمع في إطار علاقاته..
إننا بالعودة إلى ارتفاع معدل جرائم الاعتداء يجدر بنا أخذ زمام المبادرة لمعالجة الأسباب التي دفعت نوعية ونسبة هذه الجرائم إلى الارتفاع، ومراقبة النشء من الطلبة المنخرطين في المدارس من خلال تفعيل دور الإرشاد الطلابي الذي يجب أن يمارس دوراً مهماً في رصد الظواهر والأبحاث واقتراح الحلول في إطار تشرف عليه وزارة التعليم وترفع نتائجه لوزارة الداخلية، ففي ذلك استباق وقوع المحظور ومنع تحول العنف واكتسابه صفة الظاهرة..
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
استرحنا فترة من الزمن إلى فكرة أننا بريئون من لوثة التعصّب الذي يحمله -كما نردّد دوماً- (فقط) فئة من الشباب ضلّت طريقها فضيّعت المنهج وكانت النتيجة أن حوّلت تعصبها الفكري إلى سلوك عنيف. وليتنا اكتفينا بهذا ولكننا حين بدأنا في تشخيص مصادر العلّه وعلاجها اكتفينا في معظم الأحوال بتوزيع المهدئات الفكريّة ونحن نتبادل التهم ونقذف الإنترنت والإعلام والشرق والغرب بكل الشرور والآثام.
المنطق المجرّد يقول إن المشكلة الفكريّة لم ينتجها سوانا ونحن من سيتحمل آثارها. لا ذنب للإنترنت ووسائط الإعلام والتقنية ولا مشكلة مع الشرق والغرب، بل لقد كشفت لنا كل هذه الوسائط – مشكورة-ما نتعامى عنه أو نتناساه. شبكة المعلومات وثّقت لنا منتجات الواقع في مقاطع اليوتيوب فكشفت لنا واقع أبنائنا وهم يتعاملون مع المخالف (الند)، ومع العامل الضعيف، ومع الطريق والشجرة الخضراء، والمتنزه البري الجميل. وحين ظهرت خدمة "الكيك" وحمّى "ستاند اب كوميدي" و"السناب" وبقيّة "الكواشف الإلكترونيّة" أظهرت في قسم كبير منها حجم تفاهة "الفكر" ونفاق المجتمع حين صدّر تفاهاته إلى الشاشات ثم عاد ليستورد منها نجوماً موجهين للمجتمع عبر الملتقيات وشاشات التلفزيون. وحين تحاول تشخيص الظاهرة في حوار هادئ يصفعك متعصّبون سادرون برأي قامع قاطع يصمك "بالتزمّت" وأنّك لا تفهم ما يجري فهذه الأجيال تعبّر عن ذاتها.
كيف يمكنك محاورة من لا ينصت لحقيقة أن ثقافة "التعصّب" التي أنتجتها الشوارع الخلفيّة باتت اليوم سيدة المشهد الإلكتروني موثقة أبشع الصور السلبيّة عنا؟ وليت هذا يكفي ولكن السؤال الكبير يقول: من سيعالج أو سيحتمل الآثار الكارثية لتأطير شخصيّة الجيل وتكوين وعيه عبر الشاشات بين حدّي التعصّب: الانفلات والفوضى، والتزمت في الرفض والعدوانيّة؟
لم نسأل أنفسنا – ولا نريد أن نسأل-عمن وضع المحتوى العربي على الإنترنت ومن صنع نجومه، ومن يملك ويموّل الإعلام العربي ومن يتّهم من؟ وفي ظل "التيه" العربي وحيث لا مرجعيّة واضحة ترشّد محتوى هذه المنابر المفتوحة فإننا أيضاً محتاجون إلى الإقرار بأهميّة سؤال وتشخيص مفاعيل ثقافتنا الشعبيّة ذات التأثير الأعمق في شخصيّة أبنائنا وتكوين وعيهم وعلاقتهم بالناس والأشياء من حولهم. الواضح اليوم أن لم يعد هناك فرق واضح بين قيمة ثقافة "القيم" العليا وما ينتجه المجتمع في انهزامه ليبرر التحاسد والتباغض والتصارع حول مصالح الأنا وشيطنة "الآخر". وفي هذه الحاضنة الفكريّة المضطربة نشأ جيل الكتروني "منتفخ" الشهرة "ضامر" المبدأ يقول ما يريد عما يرغب بما يشتهي مدعوماً بهتافات جموع المتعصبين من حوله ومدعوماً بإرث "البطل" "الذيب" في ثقافتنا الشعبيّة الذي "يقدح من راسه" ولا يشاور أحداً.
لاحظنا ما يجري حين أتى "تويتر" سبورة الرأي الحرّ على حائط الزمن العربي البائس. شاهدنا على "تغريداته" جماهير الشيخ" فلان"، ومعجبي الفنانة "فلانة" ومشجعي النادي "زعطان" وهم يجتمعون-ظاهراً-باسم الحب لرموزهم ويفترقون على الكراهيّة والتعصّب والأحقاد لبعضهم البعض.
إن التطرف الثقافي المجتمعي المخصّب للعنف والإرهاب لم يظهر لنا إلا وجهاً كالحاً واحداً من وجوه التعصّب العملي الذي لا نعلم مآلاته حينما يرتفع صوت القبلية أو يستصرخ التيار الفكري أنصاره، أو لحظة تحزّم "المذهب" بالطائفة، في منافسات الهويات الصغرى التي لا تفرز إلا المزيد من التعصّب والعصابيّين ... والله المستعان.
قال ومضى:
كيف (أحاورك) وهناك من يحتلّ رأسك.
لمراسلة الكاتب:
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د.عبد الرحمن الحبيب
هل سبق أن وقعت ضحية إرشادات صحية وغذائية في الإنترنت بدواء أو عشبة فلانية أو فاكهة علانية أو طريقة علاجية ثم تورطت بها في مصائب لم تتوقعها؟ إن لم تكن كذلك فاحمد ربك على العافية العقلية أولاً والجسمانية ثانياً، فكثير من الناس تورطوا.
إنه فن التجهيل عن قصد أو غير قصد.. فن قديم زاده الإنترنت ازدهارا.. في دراسة علمية محكّمة (د. خالد النمر وآخرون، 2015) عن سلامة المعلومات الصحية في تويتر نشرت مؤخراً في مجلة أبحاث الإنترنت الطبية، وجد أن نحو ثلثي حسابات التغذية والحسابات الطبية غير الرسمية التي تغرد باللغة العربية كانت معلوماتها غير صحيحة وفقا لتقييم أطباء استشاريين (شهادة البورد الأمريكي). كما وجد بشكل عام أن حوالي نصف المعلومات كان غير صحيح، وأقل المعلومات صحة كانت لحسابات التغذية، بالمقابل كان أعلاها صحة هي الحسابات الحكومية الرسمية وحسابات الأطباء الرسمية. فانتبه لا تضع في بطنك ما يقترحه لك الجُهال، فأنت محتاج لصحتك ولعقلك أحوج!
المعلومات المزيفة ليست في مجال الصحة فحسب بل في كل مجالات الحياة. ديفيد داننغ من جامعة كورنيل الذي يدرس ظاهرة نشر الجهل يحذر من أن الإنترنت يساعد في هذا الانتشار. فهو المكان الذي يجد فيه كل شخص فرصته ليصبح خبير نفسه، مما يجعل هؤلاء ضحايا لأصحاب السلطة والنفوذ الراغبين في نشر الجهل عن قصد وتخطيط.
ما أكثر من وضعوا أنفسهم خبراء في موضوعات لا يتقنون فيها غير مهارة الحكي وتجربتهم الشخصية الضحلة. فما هي تكتيكات صناعة الجهل؟ يمكن حصر أهمها في ثلاثة. الأول هو إثارة الشك بلا سند من حقائق، والثاني تعمد الكذب أو التجهيل عن قصد أو غير قصد، والثالث تحوير جوهر الموضوع وجعله ثانوياً والفروع أساسية.
بالنسبة للنوع الأول نجد أشهر مثال عالمي جنسية الرئيس الأمريكي أوباما، فقد أدت الشكوك التي أثيرت لعدة شهور بدوافع سياسية حول جنسيته عن طريق معارضيه، إلى اضطراره لإبراز شهادة ميلاده. مثال عالمي آخر هو إثارة الشكوك بأن السعودية تتعمد خفض أسعار النفط.. لقد توصل روبرت بروكتور (مؤرخ علمي بجامعة ستانفورد) في دراساته أن الجهل ينتشر عندما لا يفهم كثير من الناس حقيقة ما أو فكرة ما، حيث تقوم جماعات المصالح الخاصة مثل شركة تجارية أو جماعة سياسية بعمل جاد لخلق حالة من الارتباك والحيرة إزاء قضية من القضايا.
في النوع الثاني لدينا أمثلة محلية يصعب حصرها مثل ما ذكر في المقدمة، ومثل نشر خرافات حول: فئة اجتماعية، تيار ثقافي، طائفة دينية، منطقة جغرافية.. إلخ، أو حول شخصية معروفة. وعلى المستوى العالمي يقول دانينغ: «دونالد ترامب (المرشح اليميني المتطرف) هو المثال الواضح في الوقت الراهن في أمريكا، فهو يقترح حلولاً سهلة لمناصريه، لا هي دستورية، ولا يمكن تطبيقها عملياً... القلق الذي أشعر به ناتج ليس عن عدم قدرتنا على اتخاذ قرار، ولكن من أنه أصبح من السهل جداً أن نتخذ قراراتنا».
في النوع الثالث مثاله عندنا حين تتعرض شخصية مشهورة للاتهام بحقائق واقعية أو الإدانة الرسمية بسرقة كتاب أو تزييف شهادة دكتوراه أو ادعاء عدد ضخم من المتابعين في شبكة الإنترنت.. الخ، يكون رد المدان أو المتهم بأنه شخصية معروفة ومفكر ماهر ليس في حاجة للسرقة أو التزييف أو الادعاء الكاذب. الحاجة أو عدم الحاجة موضوع آخر ليس في صلب الدعوى، بل تحوير له كما يحور رجل ثري متهم بالاختلاس بأنه ليس بحاجة للمال.
يقول بروكتور: «كنت أعكف على استكشاف كيفية نشر الشركات الكبيرة والقوية للجهل من أجل بيع منتجاتها.. وبت على قناعة بأنه يتوجب على المؤرخين إعطاء هذا الأمر اهتماماً أكبر.. في الوقت الذي يستفيد فيه بعض الأذكياء من المعلومات المتوافرة على الإنترنت، فإنَّ كثيراً منهم يقعون في براثن الخداع حين يصدقون ما يقوله أصحاب الخبرات المزيفة».
لقد نقل الإنترنت موقفنا المعرفي بشكل جذري حين تحولت المعرفة إلى معلومات تباع وتشترى. هذا ما اعتبره ليوتار إخضاع المعرفة للتجارة، فأصبحت المعرفة منفصلة عن سؤال الحقيقة. لم تعد المعرفة تحاكم في مدى حقيقتها بل كيف يمكنها خدمة غاية معينة. وعندما نتوقف عن السؤال المعرفي «هل هذا حقيقي؟» ونستعيض عنه بسؤال «كيف يمكن بيعه؟»، فإنَّ المعرفة تتحول إلى بضاعة. وهنا يتخوف ليوتار من أن ذلك إذا حدث فإنَّ الشركات الخاصة قد تسعى إلى التحكم في تدفق المعرفة، وتقرر من يمكنه الوصول إلى هذا النمط من المعرفة ومتى.
كيف يواجه الفرد هذا المأزق؟ لم تتراكم معرفة منهجية إزاء مواجهة التزييف في الإنترنت، والمطروح هو اجتهادات. من خلال تجربتي لعدة سنوات في الدورات التدريبية لتحري مصداقية مصادر البحث العلمي يمكنني اقتراح ثلاثة أمور. أولاً: طريقة البحث المناسبة بمعرفة الرموز وعلامات الترقيم لكل محرك بحث، خاصة جوجل حيث هناك رموز وخطوات توضيحية تسهل للباحث الوصول للمعلومات الموثوقة والبحوث والتقارير الرصينة.
ثانياً: الاختيار المناسب بين هذه المواقع من خلال تقييم درجة الثقة بمعلومات المحتوى. هل هي من أبحاث محَكَّمة علمياً ودراسات متخصصة وإحصاءات من جهات بحثية أو حكومية؟ وإذا كانت غير ذلك فهل المصدر يذكر المرجع الذي استقى منه المعلومات، أم أنه يقدح من رأسه تارة وينقل معلومات من آخرين تارة أخرى ويضعها في غير موضعها؟ وهل هو متخصص؟ ما هو تاريخ صدور هذه المعلومات.. قديمة أم حديثة؟ هل اللغة المستخدمة لغة موضوعية أم إنشائية.. حقائق أم آراء شخصية؟ نتائج أم استنتاجات؟ هل هي استقرائية (أدلة مادية)، أم استنباطية (أدلة عقلية)؟ درجة الثقة ترتفع مع الدراسات والإحصاءات المتخصصة وتنخفض مع المواقع الصحفية وتهبط كثيراً مع المواقع الاجتماعية وأكثر هبوطاً مع المواقع الشخصية.
ثالثا: التركيز على صلب الموضوع لالتقاط المعلومة المطلوبة، واختيار الأهم من المهم، وإدارة الوقت وتجنب عوامل الإلهاء والتشتيت المخرجة عن موضوع البحث، فالإنترنت يزخر بإجابات مغرية لكنها غير ضرورية للبحث.. «الحصول على المعلومات من الإنترنت مثل محاولة الحصول على كأس ماء من شلالات نياجرا»، حسب وصف العالِم وكاتب الخيال العلمي آرثر كلارك.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
عبدالعزيز السماري
كنت في السابق أحد الذين يؤمنون أن السياسة فن الممكن كما يطلق عليها بعض المفكرين، وأنها أيضاً لا تمت بصلة لفنون الإدارة كما يتعلمها التلاميذ في القاعات، لكنني توصلت لقناعة أنها أقرب لأن تكون نزعات شخصية، ودوافعها سيكولوجيا الأشخاص أو الزعماء الذين يملكون القرار في بلادهم.
يساهم النظام السياسي المشترك، والذي تديره المؤسسات في معالجة اندفاع بعض الزعماء بسبب دوافعهم النفسية في العقل الباطن، لكن ذلك لا يعني عدم وجود زعماء يجيدون صناعتها في الغرف المغلقة، ويملكون القدرة على تحريك أحجار اللعبة على السطح بدون المشاركة في اللعبة على السطح، والدليل أن بعض أسرار كثير من الأحداث السياسية الكبري يتم إطلاقها بعد مرور ربع أو نصف قرن من الزمان.
في القرن الماضي، وأثناء الحرب الباردة، كانت اللعبة السياسية مكشوفة، وتتكون من موقفين متنافرين، فعلى السطح تعبر عنها الخطب العنترية أو المواقف المتشددة عن أمر ما في الموقف السياسي، وتعلمنا من تكرار سيناريو أحداثها أن خلف تلك التصريحات النارية عادة تجري مباحثات دافئة بين الطرفين، وأن تلك التصريحات كانت فقط مجرد مناورة يتم إشغال المنابر الإعلامية بها قبل التوصل إلى اتفاق براغماتي صرف.
ما يجري هذه الأيام من أحداث وتصريحات يوحي للمراقب القريب والبعيد أن ثمة متغيرات خطيرة على الساحة، وأن الحرب العالمية الثالثة في طريقها للاندلاع، فقد اشتعلت الساحات الإعلامية بتصريحات التدخل في سوريا، وفي الاتجاه الآخر أطلقت موسكو التحذيرات من أن الحرب ستطول إذا قرر العرب التدخل في الشام، وأن ذلك سيؤدي إلى حرب عالمية.
في نفس الوقت تجري على هامش هذه التصريحات تحركات خطيرة على رقعة الشطرنج من جانبي روسيا وحزب الناتو، وتظهر خارطة مواقع حزب الناتو في أوروبا الشرقية تقدم لقواتها ولحصارها حول روسيا، وقد يمثل دخول روسيا إلى سوريا محاولة غير متوقعة للخروج من الحصار والبحث عن حلفائها في المنطقة مثل سوريا والعراق وإيران.
يبدو أن الاحتكاك بين الغرب وروسيا التي تشعر بالمهانة والإذلال وصل إلى مرحلة متقدمة جدا في سوريا، وقد تشهد الأيام القادمة مفاجآت، قد تشعلها تركيا أو تكون رأس حربتها التدخل العربي في سوريا كما أعلن عنه، ويظهر للمتابع أن إيران على علم بهذه الأحداث، وقد نجحت في هزيمة واشنطن في العراق، وتبحث عن مواقع جديدة لها في سوريا.
الحاضر والغائب عن هذه المناورات هو عقلها الباطن المتمكن، والذي تقوده واشنطن، والتي تحلم في الوصول إلى إحكام القبضة على العالم، وترى في جنون بوتن عائقا سياسيا وعسكريا، فالرجل مهووس بإعادة القوة السوفيتية إلى سابق عصرها، وواشنطن تدفعه بهدوء إلى الهاوية.
لازالت واشنطن في حيرة في كيفية مواجهة تحركات بيوتن في سوريا، وربما تساهم محاولة فهم شخصيته في إدراك عواقب غزوه المفاجئ لسوريا، والدراسات النفسية تتحدث عن بوتين على أنه شخصية استخباراتية مرتبطة بالنظام السوفيتي القديم، ويشعر بالمهانة شخصيا من سقوط الاتحاد السوفييتي وإمبراطوريته، ومصاب بعمى المخاطر، ولن يتردد في المضي في أي اتجاه من أجل إعادة وهج الإمبراطورية الغائب.
ما يزيد من المواجهة خطورة هو نظرة الاحتقار التي يشعر بها من الإعلام الغربي، وتزيد مشاعر إحساسه بالنظرة الدونية من اندفاعه نحو الخطر والمواجهة مع الغرب، ويظهر ذلك في الاندفاع الإعلامي لبوتن، والذي أصبح ظهوره الإعلامي ملفتا للنظر، ويكاد لا يغيب عن الأحداث اليومية.
حسب تسارع الأحداث يبدو أن بوتن اختار الساحة السورية لأن تكون المسرح لتحدي أمريكا بعد خسارته لمواجهة أوكرانيا، وربما لأن تكون الميدان القادم للحرب العالمية الثالثة، ما لم تجر الرياح في اتجاه آخر، وتعود الغلبة للحكمة وسياسة الرشد، والحرب إن بدأت ستكون حربا نووية مدمرة للجميع، وسيموت بسببها الملايين في إيران وسوريا والبلاد العربية في المنطقة، والله المستعان.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
خالد بن حمد المالك
مرَّت عقود شهدت بعض دول منطقتنا بعد تحريرها من الاستعمار استقراراً لا يضاهى في ظل الأنظمة البوليسية التي تعاقبت على تولي الحكم فيها، وعاش مواطنوها خلال هذه السنوات أمناً وراحة بال بأكثر مما هو موجود في كثير من دول العالم الكبرى، فمنذ انتقال السلطة من المستعمر المحتل إلى أبناء البلاد، ومع الانقلابات العسكرية التي مرت بها بعض دول المنطقة وتحديداً العراق وسوريا، ولاحقاً ليبيا واليمن، فإنَّ تغيير الأنظمة الحاكمة لم يلق بظلاله على ما كان متوقعاً من تأثير لا يلبي متطلبات الأمن، ولا يخدم الاستقرار، إِذْ إن الأنظمة العسكرية واحدة بعد الأخرى التي تعاقبت على هذه الدولة كانت من أولوياتها أن تحكم سيطرتها على الأوضاع حتى ولو بالحديد والنار، وهو ما وفر حالة من الأمن والاستقرار المطلوبين، وإن كان حكم العسكر لم تقبل به الشعوب منذ ذلك الحين وإلى اليوم.
***
صحيح أن العراق وسوريا، كانتا موعودتين بانقلاب عسكري لمرة أو لمرتين سنوياً وبشكل متكرر قبل أن يحكم حزب البعث سيطرته على نظام الحكم في الدولتين، وأن اليمن هي الأخرى لم تكن استثناء من هذه الظاهرة بسيطرة المخلوع علي صالح على مفاصل الحكم فيها، ليبقي الحال في هذه الدول هكذا حيث استقرار الأوضاع بعد أن سلمت شعوبها أمرها وقبلت -وإن كانت مرغمة- بالتعايش مع حكم العسكر، لكون هذه الأنظمة أفضل لها بكثير من أن تكون إرادتها ومقدراتها مرهونة بيد الأجنبي المحتل، كما هو الحال الآن في كل من سوريا والعراق، وعلى أخف قليلاً كما هو في لبنان، حيث القرار يصدر من طهران، ومواقف هذه الدول يجب أن تكون بالتنسيق والتواطؤ معها، حتى ولو كان في ذلك ضرر بمصالحها وعلى حساب المس باستقلالها.
***
صحيح أن الدكتاتوريات القمعية التي اتسمت بها طبيعة الأنظمة العسكرية التي لم تغب شمسها إلا مع فترة مجيء ما سمي الربيع العربي، كانت دموية، وبعيدة عن الالتزام للمواطنين بالتعامل وفقاً لحقوق الإنسان، غير أنها كانت تتمتع على الأقل بالاستقلال في قراراتها، وتوفر مظلة آمنة لحياة المواطنين، وتمنع أي تدخل أجنبي يمس شأنها الداخلي، ولا تساوم على ما يعرِّض سلامة أراضيها للخطر، وهي جوانب إيجابية في موازاة القهر والظلم والقمع الذي كان مظهراً واضحاً في طبيعة سلوك هذه الأنظمة العسكرية الظالمة.
***
لكن ما يجري في سوريا أو في العراق أو ليبيا أو اليمن اليوم، لا يمكن أن يُنظر إليه إلا أنه محصلة لثقافة سادت هذه الدول على مدى عقود، وكان نظام الحكم فيها، ولا يزال، يعبر عن حالة من الاستبداد والقهر والظلم الذي جعل من بعض المواطنين في وضع من يترحَّمون على الاستعمار، بل ويتمنون لو أن أنظمتهم تتأسى به وتحاكيه وتتعلم منه فن ممارسة حكمها للبلاد، عوضاً عن هذا الأسلوب القمعي المفزع الذي تأخذ به ولا تقبل أن تتنازل عنه، أو تفكر بغيره، طالما أنه يمكنها من الإمساك بالسلطة، ويحافظ على ما يمنحه استمرارها في الحكم من امتيازات لها، حتى ولو كان على حساب حقوق المواطنين.
***
هذا عن سوريا والعراق، ومأساتهما بعد رحيل صدام حسين وحافظ الأسد كما نراه اليوم، حيث إن إيران قد أحكمت تماماً قبضتها وبقوة على مقدرات الأمور في الدولتين بما لا قدرة لدى النظامين للتمرد عليها، أو عدم الإذعان لما تمليه من قرارات، أما لبنان المغلوب على أمره، حيث يتعذر انتخاب أي رئيس له دون موافقة إيران وعميلها حزب الله، وربما كان الخافي أعظم وأخطر، واليمن وما أدراك ما اليمن وما خططت له إيران لولا أن عاصفة الحزم أفشلت مخططها بأن يكون تحت وصايتها بتمكين المجموعة الحوثية من السيطرة عليه بانقلابها على الشرعية، بما يؤكد أن نراه الآن من جرائم وإرهاب وفوضى ما كان لها أن تكون لولا هذا التدخل الإيراني السافر.
***
وأمام هذا المشهد، ما كانت وما أصبحت عليه بعض دولنا العربية، وامتداداً بعض الدول غير العربية، فإنَّ هناك ما لا تخفيه الوقائع والأحداث عن جرائم إيران التي أوصلت دول المنطقة والعالم إلى ما هو عليه من فوضى لا يحسن أن يقوم بها ويهندسها بمثل هذه المهارة الفائقة والتكتيك الخطير سوى ولاية الفقيه في إيران، والسؤال: وماذا بعد؟!.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د. جاسر الحربش
تطورت قضايا المرأة في المجتمع السعودي إلى جرح نازف ومحرج لا يوجد في مجتمع إسلامي آخر ولا حتى في مجتمع كافر. إنها إشكالية حقيقية أن يكون الإِنسان أنثى في مجتمع له مقاييس الحكم السائدة على الخطأ والخطيئة. في الأمر مساس لا يحتمل بكرامة مؤصلة في التشريع الإسلامي وفي الفطرة السوية، كرامة الإِنسان الذكر والأنثى وكرامة المواطن والوطن كوحدة يجب أن تندمج وتتطور نحو الأفضل والأغنى والأقوى، وأن يكون ذلك داخل هيبة الدولة التي عليها المسؤولية الأولى في حفظ وتعزيز هذه المكونات بما في ذلك الدولة نفسها.
الكلام هنا عن آخر التعديات المنفلتة على المرأة والمحسوبة على شعيرة الاحتساب. الاحتساب في الدولة السعودية له هيئة رسمية تديره، ولكن تكرر التعديات يشير إلى خلل في ضبط فعالياتها بطريقة مقنعة تحول دون الجنوح المتكرر ونسف متطلبات كرامة المواطن والوطن والدولة، ثم تنتهي بالاعتذار والوعود بالتأديب وتصحيح الوضع.
مع تكرار التعديات المحسوبة على الاحتساب، خصوصاً تلك التي تتعلق بالنساء، وصلت الأمور إلى درجة مزعجة توجب المطالبة بإحصائية حكومية عن أعداد التعديات التي مارستها السلطات المخولة بالضبط الجنائي والتأديب (وزارة الداخلية والإمارات) وهي قليلة إن وجدت، لمقارنتها بمثيلاتها المحسوبة على الجهة المخولة بالاحتساب الميداني. هل يوجد شك حول من ترجح كفة التعديات في اتجاهه إذا جمعنا منع الطالبات من مغادرة المدارس في حالات الخطر الشديد بدون العباءة والحجاب، والمطاردات المنتهية بالموت، والاحتجازات لمجرد الشك، ومصادرة الممتلكات الشخصية للمرأة (شنطة اليد والجوال)، بالإضافة إلى الاتهامات الأخلاقية التي يتم لاحقاً نفيها بعد أن تكون قد بثت سمومها في حياة من تعرض للتعدي ودمرته هو وعائلته وأقاربه.
أليس من المستغرب ومما لا يستقر في الفهم السليم أن يكون التعدي العنفي غير المبرر المحسوب على الجهات الأمنية الميدانية العسكرية يكاد يكون في خانة الندرة، بينما يتحول العنف المحسوب على شعيرة النصح والتوجيه الدينية أكثر تكراراًً وأفدح نتائج وإزعاجاًً للحياة الاجتماعية؟.
إنه بالفعل وضع غريب ومزعج أن نعيش في مجتمع يكون فيه العسكري الأمني المسلح أكثر هدوءاً وصبراً وتعقلاً من ذلك المدني المحتسب الذي يتجول بين الناس بهدف النصح والتوجيه، وهو المكلف بالاكتفاء بتقديم الملاحظات الميدانية ثم طلب التدخل عند الحاجة لدى من هو أعلى منه في التراتبية التنفيذية المسؤولة.
الآن تنتشر في كل الفضاءات المحلية والعالمية لقطات لرجل يجري خلف امرأة سعودية (والمهم أنها امرأة وليس الجنسية)، وهذه المرأة ساترة نفسها حسب ما يوجبه الشرع ولا خلاف فيه. ثم تحدث بعد ذلك أشياء مزعجة وغير كافية لتبرير مطاردة المرأة حتى إسقاطها في الشارع. يتم الإمساك بالمرأة المسكينة وتسقط على الأرض لينكشف من جسدها ما هو محرم كشف ستره، وتصبح لحماً مكشوفاً منتهك الكرامة أمام عشرات وربما مئات العيون. تصرخ المرأة وتتوسل بنخوة الرجال الحاضرين فلا تجد سوى شاب عشريني واحد يتدخل للدفاع عن كرامة المرأة الشرعية والاجتماعية. عندما تحاول الوقوف على قدميها يركلها آخر فتسقط على الأرض مرة أخرى.
بقية القصة أصبحت تلوكها الشائعات والتبريرات والتلفيقات المريضة. سوف نرى كيف يكون التعامل الحقوقي مع هذه الفاجعة الاحتسابية الجديدة، والمؤمل ألا ينتهي بالاعتذار والوعود كما سبق وتكرر.
والآن هذا السؤال : ترى أي مجتمع كريم في عالم اليوم المكشوف للتسجيل بالصوت والصورة يتحمل أن تسحب وتجرجر وتركل نساؤه في الشارع وأمام المتسوقين، ويبقى الحضور متفرجاً مكتفياً بالصراخ والتصوير؟. كرامة المرأة بالذات هي العنوان الأعلى لكرامة الرجل والمجتمع والوطن والدولة، وإن كان ولابد ولا مناص من الاحتساب الجسدي ضد المرأة في الشارع، فعلى الأقل أن تتم إدارة هذا التوحش بإناطة المهمة إلى امرأة مثلها وحسبنا الله ونعم الوكيل.
- التفاصيل