قضايا وأراء
- التفاصيل
- قضايا وأراء
هذا ما ذهب إليه د. جلال أمين في كتابة سيرة حياته الفكرية (ماذا علمتني الحياة)، ثم ألحقه بكتابه الثاني (رحيق العمر)، مركزا في الحديث عن الطرق وسبل التعليم التي سلكها بتوجيه من أبيه العلامة (أحمد أمين) صاحب الموسوعة المعروفة في التاريخ الإسلامي، وما اكتسبه هو بجهده بعد أن اتضحت علامات ومسارات الحياة الفكرية التي وجد نفسه ملكا لها يقدم بين الحين والآخر مساهماته العلمية والثقافية في ثقة تتكئ على التمكن من سرد الحكايات ورصد المعلومات ومناقشتها.
ليس جلال وحده من قدم مثل هذه الأعمال بل هناك الكثير ممن زودوا المكتبة العربية والعالمية بسيرهم الفكرية التي كانت ولاتزال بمثابة إنارات في طريق المعرفة، وتوجيه لمن أراد أن يشارك بمعارفه ومعلوماته، عن طريق السرد المتسلسل لكي يعطي فسحة للمتابع تمكنه من التخيل والإضافة بما يموج في نفسه من أحاسيس تدور في محيط المعرفة، ويكون الهدف الإفادة، بقدر المستطاع الذي يجيء من جرَّاء محصوله التعليمي والثقافي المكتسب منهجيا واكتسابا بالتجارب، والتي ليست شرطا أن تكون من محصول عمري تجاوز العقود الكثيرة من الزمن. بل ربما تكون تجربة لشاب/ شابة في مقبتل العمر، ولكن التحصيل جاء إما عن طريق القراءة والتعليم، أو نتيجة فعل حصل ولفت الأنظار وشَدَّ إلى محاولة تصويرة ليراه الآخر كمشاركة في متصور واحد يفيد ويضفي تجربة لأخرى في عملية تراكمية تكون خلاصتها أن الحياة فعل وتفاعل تحتم على الجميع العمل للأفضل.
(في حياتي تعلمت) كتاب حمل أوابد وخواطر، وربما بعض القصص التي تكتسي بالحكمة المُوجِّهة والمفيدة.
قادني إلى التقديم السابق ما قدت به كتمهيد لأتنقل بين صفحات كتيب حمل العنوان السابق، كتبته (فاطمة الزهراء الأنصاري) ولسان حالها يقول: "غصت إلى الأعماق، وتحررت من القيود، وآثرت الانطلاق. انفعالات نفسية، وفلسفية، صغتها بحروف أصبحت كلمات عبَّرت عن هذه الانفعالات".
وعلى طريقة الكتابات الجديدة التي تكون اولياتها على المواقع الإلكترونية، بوابتها الثقافة، وإطارها الاختصار، والأهم جس النبض لدى المتلقين، ومن ثم مدى القبول وما يمرره المعلقون من المطلعين، فهناك من يساند ويساعد ويرشد، وهناك من يمارس ما يشبه التقريع والقمع، ولكن من دخل في هذا الميدان لابد أن يجد له مخرجاً، وأن يستفيد حتى من الانتقادات السلبية التي قد تكون مقصورة على فئة تريد أن تمرح وتمزح، وتقول أي كلمات، المهم أن يكون الاسم ولو تحت غطاء الاستعارة، ولكنه يكون بمثابة التنفيس، ورب ضارة نافعة، حيث إن بعضاً ممن كان هدفه العبث تحول بالتكرار والتجارب إلى زائر دائم تسللت إليه الجدية قسرا، فقد وجد بالصدفة من مهّد له الطريق السوي لكي يقول ويستمر مشاركا بفعلٍ صقلته عملية الإصرار والتكرار، وحب الذات، وغريزة حب التملك والظهور، فصار.
في بداية الكتاب ينساب الإهداء الصادق الذي يصوِّر محبة الأم وقدْرها عند الكاتبة: "إلى روح أمي الخالدة، والتي رحلت بجسمها إلا أنها باقية في كياني ووجداني، في فكري وإحساسي، فهي التي علمتني كيف أتعلم من حياتي فوصيتها كانت (يا بنيتي لاتكتمي علماً حتى ولو كان وضع وردة في إناء). هذه الجزئية من الإهداء تمثل الشعور البانورامي لما يعتمل في ذات الكاتبة من أفكار ومشاعر، واحاسيس ترتكز على أساس إنساني/ إنسانوي، حيث النصيحة والتوجيه للجنسين، ذكر/ أنثى، فالإنسان هو المحور، وكل قول سطره قلمها كان مستمدا من تجربتها الحياتية، بالعلم والاكتساب والممارسة، والتعامل، وكل شيء يؤكد على البرهنة لإثبات النفس في دائرة الحياة المتسعة/ تتسع دوما.
تؤكد الكاتبة بأنها تقدم تجاربها التي تعلمتها من الحياة الخاصة، وتجارب الآخرين، وأنها عرفت الصحيح وحاولت تصحيح غير الصحيح، وتصر على أنها لخصت ما كتبته في فقرات "أسْهَبْتُ في المعنى، ولكنّي أوْجَزْتُ في الكلمات".
ولإتمام الموضوع ولعدم الإطالة، أورد خاطرتين من الخواطر العديدة التي يضمها الكتاب:
** الحب شعور جميل قوي، يولد فجأة، وينطلق في النمو بلا رقيب، بل يزيد ويكبر ويعلو ويسمو، فإذا امتلأت النفس وفاضت الجوانح، فإنه ينضح إلى الخارج، ويصيب من حوله وكل من يلامس صاحبه.
** السؤال؟
أن أكون أو لا أكون هذا سؤال معروف لشكسبير ولكنه بالنسبة لي، فإن كينونتي ليست مشروطة بحلول جسدي في المكان والزمان، فالوجود المعنوي أحيانا يكفي.
إذاً، السؤال المهم هو أين أكون، ومع من أكون، ولماذا أكون؟
حيرة اللا حيرة ولكن الحياة بغلالاتها المجهولة التي لا تتكشف لك إلا وقت الحدث تكون مكمن اللذة والألم في آن، غير أنه يكون في محل القبول الحتمي.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
استقرار السوق النفطية مطلبٌ في ارتفاع الأسعار، وهو كذلك في انخفاضها، ودون هذا العامل يصبح صانع القرار والاستراتيجيون -على حد سواء- قلقين أن تذروَ خططهم الرياح فتجردها من قوتها وفائدتها، فالخطط والقرارات يُفترض أن تُبنى على معلومات وإحصائيات وأرقام وبيانات دقيقة ترشدنا أي الطرق نسلك لبلوغ وجهتنا وهدفنا والوصول إلى غاياتنا، لكن عندما تكون تلك المعلومة مبنية على سعر غير مستقر لسلعة استراتيجية، فإن ذلك لا محالة سينعكس على نوعية الخطط وشكل القرار.
غني عن القول دور النفط في اقتصاديات الدول المصدرة له؛ فهو لدى أغلبها العمود الفقري الذي يصلب طول الدولة، وباعث التنمية في أوصالها، ودافعها لممارسة أدوارها الداخلية والخارجية، ولأن دوره محوري وأساسي صار جزءاً مهماً وحساساً في لعبة السياسة والاقتصاد.
المملكة رقم مهم في سوق النفط وصاحبة اليد الطولى في تلك الصناعة، لكن لم تجعل منه يوماً ورقة ضغط أو مساومة، بل تلقت بسببه أعباءً ما كانت لتقدر عليها أي من الدول، فلم تغلّب مصلحة المنتجين على مصالح المستوردين، بل مارست دور القائد المتزن الذي يعمل قدر المستطاع للحفاظ على حقوق الجميع.
الحقيقة أن الرياض كانت على الدوام تحت ضغوطات المنتجين والمستهلكين، فعندما ترتفع أسعار النفط وتبلغ أرقاماً تدر أموالاً طائلة على الخزانة السعودية يُطلب منها التدخل لرفع إنتاجها من أجل خفض الأسعار التي ترهق الزبائن المرتبطين بمشروعات وخطط تنموية متعلقة بهذه السلعة، وفي الوقت نفسه يضر رفع الإنتاج بالمملكة كمنتج رئيسي يحق له أن يستفيد، وعندما تنخفض الأسعار -كما هو حاصلٌ اليوم- تُطالب المملكة من قبل المنتجين بخفض إنتاجها من النفط لوقف نزيف الأسعار وتقليل المعروض ليرتفع السعر.. ولأن المملكة لم تخضع في كثير من الأحيان لتقلّبات السوق فيفرض قوانينه وأحكامه عليها ويقود سياساتها النفطية كانت تصر على قانون يحتكم إليه المنتجون خارج أوبك تحديداً.. صحيح أن انعكاسات انخفاض السعر على الميزانية العامة للمملكة لا تخطئه عين، لكن الرياض قرّرت الدفاع عن حصتها في السوق وتحمّل الكلفة "المليارية" لذلك، إذ لا مسوّغ من تخفيض إنتاجنا، في حين ينعم بالفائدة آخرون، سواء من الدول ذات الإنتاج الكبير أو الشركات الهامشية الصغرى.
بالأمس توصّل وزراء أربع دول رئيسية في مجال تصدير وإنتاج واحتياط النفط "السعودية، روسيا، فنزويلا، قطر" إلى اتفاق لتثبيت إنتاج الخام لشهر يناير كصيغة جديدة تختلف عن الرائج والمطروح بخفض الإنتاج، تلك الخطوة من شأنها حفظ الحقوق وإضفاء الاستقرار على السوق النفطية القلقة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ربما يتبعها خطوات أخرى، والأهم من ذلك الالتزام من قبل الدول على ما تم الاتفاق عليه وعدم خرق هذا الاتفاق بأي حال من الأحوال، وذلك من أجل تعزيز خط المشاورات بين الدول المنتجة، التي ليس في صالحها تدهور الأسعار لفترة طويلة.
إن ارتباط النفط بالتنمية للمصدرين والمستهلكين يجعله أكثر السلع خطورة، وجعله سلعة بسعر مستقر وعادل، لا يمكن أن يكون مسؤولية دولة واحدة يُلقى عليها اللوم في الرخاء والشدة، بل يجب أن تكون المسؤولية مشتركة على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
الخطاب السياسي في أوقات الأحداث والأزمات يتحول تلقائياً إلى مشروع إعلامي يرسم ملامح الرؤية والممارسة، ويمنح الحقيقة فرصة للتعبير عن الواقع، ومواجهة المضادات التي تحمل أفكاراً وسلوكيات للتضليل والتزييف والكذب لتحقيق مكاسب آنية، والخروج عن العقل إلى العاطفة التي لا تصنع فارقاً يمكن تجاوزه، أو حتى منطقاً يُحتكم إليه في تقريب وجهات النظر.
وهذا الخطاب لا ينفصل في واقعه عن منظومة العمل الأخرى للدولة في مشروع التصدي، وكسب التأييد، والتأثير في الخارج أكثر من الداخل، خاصة حين تكون التوجهات منسجمة مع الإرادة السياسية الدولية، وملتزمة بمبادئ السلم، والأمن والاستقرار، والرغبة في الخلاص من التجاذبات، والتحزبات، والانقسامات في الآراء والمواقف.
ولهذا كان الخطاب السياسي السعودي في الحرب على الإرهاب واضحاً وصريحاً، ولا يزايد لكسب المصالح على حساب الواقع الذي لا يزال مخيفاً، ومرتبكاً في عمليات التجاوز وقدر الاهتمام، كما أن الخطاب لم يكن صامتاً عن تطورات الأحداث من دون أن يكون له موقف يكشف الحقائق، ويغذي الرأي العام الدولي تجاه ما يمكن التعبير عنه صراحة بفضح الادعاءات والأكاذيب التي تنال من الحراك الإيجابي لصناعة الموقف والتعبير عنه بلا خوف أو تردد.
وأمام التطورات المتسارعة في الحرب على تنظيم "داعش" الإرهابي كان الخطاب السياسي السعودي أكثر تفاعلاً مع الأحداث منذ نشأة هذا التنظيم، وتمدده على أكثر من قطر عربي، حيث كان الموقف تعبيراً عن الإرادة السعودية بضرورة تكاتف الجهود الدولية لمواجهة التنظيم، وتجفيف منابعه، والتصدي لمؤيديه، وداعميه، وهو ما عبّر عنه الموقف السعودي من ضرورة حل الأزمة السورية التي ساهمت في تواجد التنظيم على الأرض، خاصة من نظام المجرم بشار الأسد، وأهمية رحيله عن السلطة كضمان لسلامة التوجه الدولي للمواجهة، إلى جانب كف إيران الإرهابية عن ممارسة سلوك الدعم لهذا التنظيم، وتوفير فرص الظهور والانتشار والممارسة له؛ لكسب مصالح التواجد على الأراضي العربية، والتدخل في شؤون الآخرين، ونشر المليشيات التي تساهم في تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة.
الخطاب السياسي السعودي واضح من الحرب على "داعش" برحيل بشار الأسد، والتصدي لمشروع الهيمنة والنفوذ الفارسي، وتكامل هذا الدور بإعلان التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وقبله المشاركة السعودية في التحالف الدولي لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، وأيضاً قرار خوض الحرب البرية ضد التنظيم من دون تراجع فيه، وهو ما أعطى زخماً إعلامياً وسياسياً للمواجهة، رغم أن المملكة هي جزء من هذا التحالف، وليست الدولة الوحيدة التي تتواجد على الأراضي السورية لحرب "داعش".
ما يميز الخطاب السياسي السعودي في هذه المرحلة هو قدرته على التنسيق الدولي، وبناء التحالفات، وتوجيه الرأي العام الدولي من أن "داعش" لا تمثّل الإسلام كما هي التنظيمات المتطرفة الأخرى التي لا تمثّل المسيحية، أو الهندوسية، وهو ما يبرز حجم الضرر الذي تركه هذا التنظيم في تشويه صورة الإسلام في الغرب، واستهدافه المملكة في أكثر من عملية إرهابية، ومواصلة تمدده المثير والمخيف في بلدان عربية أخرى.
ومع أهمية هذا الخطاب، وقدرته على كشف الحقائق، إلاّ أن الأهم هو تحول هذا الخطاب إلى مشروع وطني يشارك فيه الجميع، خاصة وأن حجم ما يثار على المملكة في حربها على الإرهاب، ونشر الأكاذيب وتلوينها حول ذلك؛ يستدعي في المقابل جهوداً إعلامية ومجتمعية لفضح هذه الممارسات، وتعرية أصواتها النشاز، وتحمّل المسؤولية الفردية قبل غيرها للتصدي، وتطهير الذات من الحسابات الشخصية، وانقسام الرأي، والتصنيف، وتأزيم العلاقة مع بعض مؤسسات الدولة، والدينية منها تحديداً، والنهوض معاً إلى مستوى التحديات، والوقوف صفاً واحداً أمام مشروعات التأزيم والإحباط والطائفية، والحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية، وتعزيز الأمن والاستقرار، وهذا هو الأهم في هذه المرحلة؛ فلا يمكن أن يكون خطابنا السياسي والإعلامي، وجهدنا الأمني والعسكري موجهاً للحرب على الإرهاب، وبعضنا لايزال يغرّد في فضاء آخر من الإساءة، والتقليل، وتضخيم الحوادث الفردية.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
أميركا لا تملك عصا سحرية لحل مشكلات الشرق الأوسط، هذا صحيح، ولكن على أميركا مسؤولية أخلاقية تتمثل في تحملها مسؤوليات الأخطاء التي ارتكبتها في المنطقة. الشرق الأوسط اليوم يمر بفترة حرجة لم يمر بها في تاريخه الحديث، وهذه الأزمة أسهمت الولايات المتحدة الأميركية في خلقها، وأخفقت في إدارتها بعد أن بدأتها، وتنكبت عن نتائجها، وتلكأت في تقديم حلول واقعية لما سببته من دمار في المنطقة.
الخطاب الأميركي المتغطرس على مستوى الإعلام ومراكز البحث لم يتوقف يوما عن توصيف العلاقات الأميركية - السعودية والخليجية على أنها علاقات نفطية وأن أميركا بحاجة لاستقرار الاقتصاد العالمي، وبذلك فهي تحمي تلك الدول حتى وإن كانت لا تتبنى النهج الديمقراطي في الحكم.
وفي كل مرة أقرأ أو استمع إلى تقرير أميركي أو سياسي أو باحث يردد هذه الكليشة أصاب بالغثيان. أميركا تحمي مصالحها وتمهد لفرض أنموذج الحياة الأميركي بأنظمته السياسية والاقتصادية والثقافية. وأثبتت الأيام أن دولا مثل المملكة لم تكن في يوم تركن إلى وعد الحماية الأميركية، ومع ذلك فقد كانت وما زالت تقدر العلاقات الاستراتيجية والصداقة القائمة على المصالح والاحترام المتبادل.
ويسجل التاريخ أن المملكة في المواقف التي تمس أمنها وكرامتها تصرفت كدولة ذات سيادة بغض النظر عن غضب أميركا أو رضاها. ومع ذلك فقد ظل الخطاب الاستعلائي بالحماية هو العنوان الأبرز في الفكر الأميركي. هذا الخطاب اكسبنا عداوات كثيرة، وتحملت بلادنا عبء هذه العلاقة عدة عقود، فقد أملت طبيعة الصداقة على المملكة تحمل أخطاء الدولة العظمى بل وربما تبريرها أحيانا، وفرضت التصرف سياسيا بهدوء يستوعب المتغيرات ولا يستثيرها وكل ذلك من أجل أن نوفق بين الانتماءات المبدئية للدين والقومية العربية والمرجعية الجغرافية والثقافة الشرق أوسطية، وبين العلاقة مع هذا الدولة العظمى التي لم تكن تسمع سوى صوتها، ولا تعترف برأي الآخرين ولو كانوا أقرب الأصدقاء. لم يكن أمام أصدقاء أميركا سوى مواجهتها بأخطائها خلف الكواليس وتجنب احراجها علنا. وكان هذا النهج فاعلا ويعكس واقعية السياسة السعودية وحكمة القيادة. وهو بلاشك تقليد قلّص النفوذ السعودي في محيطه، ولكنه جلب الاستقرار للمنطقة والازدهار لدولها؛ فأميركا وبدون شك هي محور الكون اقتصاديا وعسكريا وعلميا ومن الواقعية الاعتراف بذلك والتصرف على أساسه.
وبعد عقود من تخبط الأميركيين- الذين لم يكن لهم سياسة خارجية واضحة وإنما نمط حياة يرون أنه الأنسب للعالم وقوة ضاربة تستطيع فرضه- ها هم يتقهقرون واضعين مستقبل المنطقة في عهدة روسيا وإيران والإرهاب.
الفوضى الخلاقة التي تركوها تجعل الضحايا يحتربون فيما بينهم حتى تتكسر النصال على النصال على أمل أن تتسلم المنطقة وقد عادت إلى القرون الوسطى وقضي على نظام الدولة الحالي وأنهكت روسيا. وبمعنى أكثر مباشرة فإن أميركا تريد فرض ديمقراطيتها ونظامها الثقافي وطريقتها في الحياة حتى على الأطلال وبأي ثمن كان.
أضاع الأميركيون أفغانستان عام 1991م، وسلموها للفوضى عقب احتلالها عام 2001م. وفتح الأميركيون بوابة الأمن العربي الشرقية على مصراعيها وتسليم العراق المحتل والممزق إلى إيران.
الأميركيون فهموا تحفظ المملكة على المساعدة في الاطاحة بصدام حسين عام 2003م على أنه موقف يقوض الأمن القومي الأميركي، ثم فُهمت نصيحة المملكة بعدم تفكيك الجيش العراقي على أنها خوف سعودي من ديمقراطية قادمة على أنقاض دولة وجيش العراق، فلا الديمقراطية وصلت ولا العراق بقي موحدا.
عدم الاستماع للسعوديين وأخذ رأيهم بمحمل الجد في فلسطين والعراق وسورية ومصر واليمن وصل بنا إلى ما نحن عليه الآن، فأميركا قوية حقا ولكنها تخطط من بيئة شديدة الاختلاف عن تلك التي تنطلق منها المملكة في فهمها للواقع العربي والإقليمي. أميركا أعلنت غضبها على السعودية على الأقل في البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس أوباما وفي الخارجية الأميركية في ظل علاقة الرحم العائلي الدافئة بين بيت رئيس السياسة الخارجية الأميركية والإيرانيين. أميركا عاتبة إن لم تكن غاضبة على المملكة لأنها أنقذت الدولة المصرية التي كانت في طريقها للانهيار، وكاد ذلك البلد المهم جيو سياسيا للمملكة أن يغرق في الفوضى، وتصدت للربيع العربي لأنه كان وسيلة استغلت مطالبات الشباب العربي الثائر على أوضاعه الاجتماعية لتقويض الدولة وليس من أجل تغيير حياة أولئك الشبان للأفضل. مارست المملكة مسؤولياتها الأخلاقية في اطفاء كرة النار التي كانت تتدحرج بعنف في المنطقة تحرق كل شيء في طريقها. وكان السؤال الدائم هل تقف أميركا خلف الربيع العربي؟ أو هي تدعي ذلك بقطف نتائجه؟
وكيف تبدل سلوكها من الربيع عندما حلّ في سورية؟ فقد اتخذت أميركا موقفا داعما للدكتاتورية هناك ومارست ازدواجية عبّر عنها وزير خارجية روسيا قبل أكثر من ثلاث سنوات بأنها اتفاق في الغرف المغلقة واختلاف أمام وسائل الإعلام، ويبرهن الوضع الراهن على صدق لافروف حيث تصطف أميركا إلى جانب روسيا وإيران في قتل وتهجير الشعب السوري وتدميره.
الولايات المتحدة الأميركية رحلت وتركت خلفها الفوضى في العراق، وليبيا، واليمن، وسورية، وعندما تأكد أنها غير قادرة على تبرير ما حدث للرأي العام الأميركي زادت الطين بلة وجاءت بالروس والإيرانيين واجتمعت معهما على عدو اسمه الإرهاب.
حسناً، المملكة العربية السعودية وتركيا ودول أخرى تبدو عازمة على أن تكون جزءا من محاربة الإرهاب على الأرض السورية، فهل هذه أخبار جيدة للولايات المتحدة الأميركية؟ ربما يكون التصريح الأميركي بدعوة تركيا لعدم ضرب الأكراد وقوات نظام الأسد تعبيرا عن تخوف أميركا من عودة القرار إلى دول المنطقة التي باتت معنية أكثر من غيرها بمحاربة الإرهاب الحقيقي المتمثل في داعش وحزب الله والمليشيات الشيعية المسلحة التي تقتل السوريين وتمثل خطرا محدقا. أين ستقف أميركا الآن؟
وماذا تريد تحديدا؟ اليوم لم نعد نتحدث عن حماية أو صداقة أميركية، وإنما الخشية أن يتطور خطاب عربي مسلم ينظر إلى أميركا على أنها العدو.
فماذا تريد أميركا؟
لمراسلة الكاتب:
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
«التكنولوجيا طريقة لتنظيم الكون بحيث لا يحتاج الإنسان للتعامل معه»، يبدو أن هذه المقولة للأديب السويسري مارك فيرش -الذي غادر الحياة في العام 1991- نعيشها واقعاً حقيقياً في يومنا هذا، فالحديث عن الذكاء الاصطناعي وثورة الروبوت «الرجل الآلي» تبلغ حداً طاغياً في مستهل هذا العام، فغالبية المراكز التقنية والمؤتمرات المعنية بالتنمية والتطور العلمي تتحدث عن تأثير تلك التقنيات على مستقبل الاقتصاد والبشرية بشكل عام، ودور «الرجل الآلي» في مسار التنمية لكل بلد.
وتضع ثورة التقدم التكنولوجي، أجندة الدول وخططها التنموية في مهب التحولات التقنية السريعة التي تجُب ما قبلها فتتركها أثراً بعد عين.
فحجم التحديات التي تبرزها تقارير المطلعين والمضطلعين بالتطورات، تنبئ عن خطورة في الموقف يجب التنبّه لها مبكراً، وتقديم رؤية استراتيجية لما يمكن أن تؤدي إليه تلك التقنيات من عبء ثقيل قد تعجز عن حمله حكومات الدول في العالم الأول والثالث على حد سواء، فالأتمتة والحكومات الإليكترونية ستكون من حكايات الماضي، إذ ستفاجئنا سيطرة الروبوت على مفاصل حياتنا بدءاً من الجيوش الآلية التي تتحمل وتتصرف دون مشاعر ولا أحاسيس حيث لا خوف ولا تردد، مروراً بغرف العمليات حيث الدقة التي ستكون عليها الجراحات، ما يعني وصول المضاعفات إلى الحدود الدنيا، وانتهاءً بالأمور الخدمية التي لا تتطلب جهداً كبيراً.
هذه التطورات ستخلّف شعوباً عاطلة عن العمل، فحسب بيتر ديامانديس الرئيس التنفيذي لمؤسسة «إكس برايز» فإن حوالى 40 إلى 50% من فرص العمل المتوفرة التي يعمل بها البشر اليوم سوف تُستبدل بالروبوتات قريباً.. فأرباب العمل وأصحاب المصانع يعتمدون في صناعاتهم اليوم على الأيادي العاملة الرخيصة، وهو أمر يلقي بظلاله بشكل مزعج على واضعي الخطط الاقتصادية الذين لا يرون بُداً من سن تشريعات لتقنين جلب العمالة الوافدة أو تقديم حوافز منعاً لهجرة المصانع حيث تلك العمالة، فماذا عساهم فاعلون أمام «الرجال الآليين» الذين يعملون دون كلل أو ملل وبلا رواتب ولا حوافر ولا حقوق.
هل تنبّأنا بحجم التحدي الذي تفرضه علينا تقنيات الذكاء الاصطناعي وتهديدها لاقتصاديات دولنا؟
لقد كانت التقنية مصدر احتفاء بالنسبة لنا وامتنان لقدرتها على تسهيل حياتنا وجعلها أكثر بساطة وانسيابية، لكنها اليوم تكشّر عن أنيابها؛ فقد تحيلنا إلى مجتمعات لا قيمة لمواهبها، وتبقى في خضم ذلك مهن محدودة في منأى عن كل تلك التجاذبات.. إنها الأعمال التي تعتمد على الإبداع الإنساني؛ فالأدب والكتابة والفن وكل ما يستوجب الإحساس والشعور لإنتاجه سيكون حصراً للإنسان ولا مجال لحوسبته، فلا مشاعر صناعية يمكن صياغتها في مصفوفة رقمية لتنتج خيالاً يسمح بالكتابة أو إبداع لوحة أو تأليف كتاب.. وقد نشهد عودة محمومة للإقبال على كليات الآداب والعلوم الإنسانية بعد أن كان السباق على أشدّه من أجل الالتحاق بكليات العلوم التطبيقية.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
من الأسهل أن تكتب عن الجحيم على أن تكتب عن الكورة. تتجلى في الكورة الفلسفة التي طالما أودت بالعرب والمسلمين إلى المهالك. يا معي يا ضدي. ما أن تنكشف ميولك حتى يعرض عنك أعز قرائك ويفخر بك قراء آخرون لم يكن لك معهم علاقة سابقة من قبل.
أولا وقبل كل شيء أعلن ان علاقتي بالكورة قديمة قدم الدهر. سبق أن أكدت بأني أنتمى إلى جيل طقها والحقها. لم يبق لي من الكورة سوى المنافسة بين الهلال والنصر. لا أهتم بالدوري والبطولات وغيرها. تهمني مباريات الفرق الأخرى إذا كانت تقرر مصير أحد هذين الفريقين. هل انا هلالي أم نصراوي الجواب على هذا السؤال مسألة شخصية. بيد أن هذين الفريقين جزء من الوطن بالنسبة لي. اتابع اخبارهما كما اتابع الأغاني القديمة والصور القديمة والقصص القديمة. عندما أقول جزء من الوطن، ليس بالمعنى السياسي أو الإعلامي ولكن بمعنى الانتماء الحميمي. في مبارياتهما تظهر عواطفي المهجورة وأيام الطفولة والمراهقة.
عندما يلعب اليوم أي من الفريقين لا أشاهد اللاعبين الصغار. لا أرى ياسر القحطاني أو السهلاوي وغيرهما بل يتخايل لي على الفور النعيمة وابن مصيبيح والثنيان وسلطان بن نصيب، ومن الجانب الآخر ماجد عبدالله ومحيسن بن جمعان والهريفي، وتاريخ كبير قبل هذا بدأ منذ الطفولة ولم يتوقف أبدا.
كان المرحوم الأمير عبدالرحمن بن سعود يشتكي من قلة جمهور النصر. لكن هذا لم يثنه عن السعي لهزيمة الهلال بأي ثمن كأنما المرحوم جاء إلى الوسط الرياضي ليهزم الهلال فقط. بالفعل حقق نتائج كبيرة. من سخرية الصراع الكروي آنذاك أن أهدى الهلال (شقيقه) النصر جماهير (الرياض والشباب) بعد أن حطم الفريقين اشد أنواع التحطيم. منذ ذلك الزمن ارتبط جمهور النصر عاطفيا بكراهية الهلال. أظن ان هذا الارتباط أسهم في تخلف النصر عشرين سنة وفي نفس الوقت حافظ على بقائه رقما مهما في قائمة الفرق الوطنية. وجود النصر في قائمة الفرق الكبرى لا يعتمد على الإنجازات بقدر ما يعتمد على صراعه مع الهلال. (منذ عشرين سنة والهلال يهزم النصر والصحف تنفخ في حكاية ديربي الوسط).
إذا التفتنا إلى الحاضر اسمحوا لي أن اعبر عن سعادتي أن تلقى النصر هزائم من (شقيقه) الهلال في مبارياته الأخيرة. ما كان يمكن أن يحدث لو أن النصر فاز في واحدة منها. ستعود الكارثة إلى النصر وستجد الإدارة ما تخدر به الجماهير كما كانت تفعل دائما. لكن بهذه الهزائم سيخرج النصر كما يجب أن يخرج.
فريق يعاني من مشكلة داخلية لا علاقة للصهيونية بها. لن يجد جمهوره أو محبوه عزاء غير إعادة النظر في بنية النادي الإدارية. (أؤكد مرة أخرى بنية النادي الإدارية).
اعتادت إدارة النصر على مجموعة من الطروحات الإعلامية التي أسهمت في بقاء النصر في مصاف الفرق الكبرى صوريا ولكنها أسهمت في بقاء النصر عمليا في الصف الثاني من الفرق السعودية. النصر أفضل من استفاد من نظرية المؤامرة، وأكثر من تضرر منها. الحكام واتحاد كرة القدم والأمم المتحدة والصهيونية كلها تقف في وجه النصر. هذه المؤامرة التي لا تنتهي هي التي أبعدت النصر عن البطولات. هكذا عذر يبقى مقبولا ومعتادا تستخدمه إدارات الفرق لامتصاص غضب الجماهير وعندما تهدأ النفوس تبدأ الإدارات المسؤولة بمراجعة الأوضاع والبحث عن مخرج.
أما إدارة النصر فتضيف إلى هذا أن كل المنظمات وعلى رأسها الصهيونية العالمية هي التي أوصلت الهلال إلى ما وصل إليه. بهذا ترحل هاجس الهلال إلى نفوس جماهير النصر الجديدة وتنجو في الوقت نفسه بأخطائها التي سوف تكررها عاما بعد عام بعد عام.
لمراسلة الكاتب:
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د.ثريا العريض
قبل يومين كان 14 فبراير وهو يوم اتفق العالم على الاحتفال به كيوم الحب، يتسابق فيه الناس إلى إعلام من يحبون بأنهم يحبونهم.. وهذا لا يعني حباً مقتصراً على الجنس بين ذكر وأنثى، بل يشمل كل أنواع الحب كما بين الأم والأب وأبنائهم.. والأصدقاء والزملاء.
اليوم الذي اتفق العالم بتخصيصه للاحتفاء بالحب والتعبير عن مشاعرهم لأحبائهم بهدية رمزية. ومن حقوق الإنسان حق التعبير عن مشاعره على ألا يضر بالآخرين.
الحب شعور جميل, وقيمة حياتية مهمة يحض عليها كل الأديان بدءاً بالعلاقة الحميمة بين الأم وأطفالها, إلى تفصيل تعامل الزوجين بالمحبة والرحمة والمودة والرقي بمشاعرنا إلى محبة الله والحرص على القيام بما يرضاه.
أي أن الحب علاقة سامية راقية أساسها احترام الآخر. وصحيح أن الحب بهذا المعنى السامي لا يختزل في بطاقة معايدة أو باقة زهور أو علبة شوكولاتة أو قطعة حلي. ولكن كل هدية تعبر عن الود والمحبة والاحترام لها أهميتها: تهادوا تحابوا منطلق سليم لها. وأهمية التهادي في تذكير الإنسان أن التعبير عن العلاقات الإيجابية أهم من ترسيخ العلاقات السلبية.. الإيجابية تبني وشائج المجتمع والسلبية تهدمها.
وأول العلاقات الإيجابية هي الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة والمجتمع والفرد ومنفذ القانون. وهو حق من حقوق الإنسان بغضّ النظر عن تفاصيله المشتركة مع الآخرين أو تفرّده بصفة ما.
حقوق الإنسان المتفق عليها معروفة بكل اللغات. ترتبط بحق الحياة الكريمة وحق التمتع بالحرية وحق المساواة في الحقوق والمسؤوليات بالآخرين. وكلها منصوص عليها في الأنظمة الرسمية.
ولكن البشر معروفون أيضاً بتجاوز الأنظمة وخرق حقوق الآخرين. ومن هنا تأتي القضايا الحقوقية.. بعضها تسجيل صادق للأحداث السلبية , وبعضها مسخر إعلامياً كوسيلة توصل لأغراض أخرى, غالباً سياسية.
ولذلك فقضايا حقوق الإنسان في العالم كله لا تغيب عن الاهتمام الإعلامي.. ولكل بلد ومجتمع قضاياه الخاصة، بالإضافة للقضايا العامة التي يشترك فيها الجميع من حيث طلب المساواة في الحقوق الإنسانية وحقوق المواطنة ؛ فما هي قضايانا؟
على رأسها يأتي ما يتعلق بعدم التفرقة أو التمييز العنصري في التعامل مع أي فرد مجتمعيا أو رسمياً لأي سبب أو تصنيف فكري أو فئوي. من ذلك على المستوى الأسري حق حماية الضعيف من الأذى والتسلط من ولاة أمرهم والأقارب المتمكنين؛ وعلى مستوى التعامل المجتمعي معاملة المرأة والعمالة والأطفال برقي وحمايتهم من الظلم والتحرش واستلاب الحقوق المشروعة كالميراث والأجر والأمان الجنسي؛ وعلى المستوى الرسمي حق المواطنة والمساواة والانتماء والتعبير عن الرأي والأمن والحماية والخدمات العامة.
القوانين تسن لحماية حقوق الإنسان, وليس لمنعه من الحصول عليها. والمواطن الواعي يحترم ويلتزم القانون الذي وضع ليحميه وليس الذي وضع للتحكم فيه. ومتى ما زاد النوع الثاني زادت محاولات التمرد.
ويبقى أقل حق من حقوق الفرد أن يشتري ما يريد ليهديه لمن يريد.. أما فرض ألا تشتري زهراً طبيعياً بلون معيّن, أو تلبس لوناً بعينه في يوم بعينه, فقط للتأكد أنك ملتزم بمحبة الله, ومعاقبة من يفعل ويشتري ويبيع ويهدي، فهو إساءة فهم لمعنى الحب والاحترام , واختراق لمبدأ حقوق الإنسان معلق على مشجب خصوصية افتراضية.
دعوا الناس يعبّرون عن مشاعرهم الإيجابية فالود ليس جريمة. وأساس بقاء المجتمع سليماً هو المشاعر الحبية والاحترام والتعامل الإيجابي. وإذا كان يوم 14 فبراير هو يوم احتفال العالم بالحب, فلنجعل كل يوم من أيام حياتنا يوماً لاحترام حقوق الإنسان.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
يوسف المحيميد
حينما يكتب كثير من الأخصائيين الاجتماعيين في العالم، بأن اتساع شريحة الطبقة الوسطى في مختلف المجتمعات هي ضمانة حقيقية لاستقرار وسعادة هذا المجتمع، فهم يؤكدون على جميع الحكومات بالمحافظة على هذه الطبقة، والسعي إلى جعلها تمثل أكبر نسبة ممكنة من هذه المجتمعات والشعوب.. لذلك كثيرا ما يختل الأمن، وترتفع معدلات الجريمة، في المجتمعات التي انحسرت فيها هذه الطبقة، التي يمكن تسميتها بصمام الأمان!
ولكي تتسع هذه الطبقة، يجب الحفاظ على مستواها الاجتماعي، والنمو به تبعا لنمو الأسعار، بما يوازي معدل التضخم الذي يأكل الأخضر واليابس، فمن الصعب أن يبقى دخل أفراد هذه الطبقة ثابتا، بينما أسعار كل شيء من حولهم تتصاعد بشكل مستمر، لأن هذا يعني أننا ندفع بهم بلا رحمة إلى الطبقة الدنيا، إلى طبقة الفقراء، وربما ما دون خط الفقر!
ولعل أكثر هؤلاء تضررا، هم الذين توقف دخلهم، بينما ما حولهم يتصاعد بجنون، وأعني بهم فئة المتقاعدين من العمل الحكومي أو الخاص، سواء المدنيين أو العسكريين، حيث يزداد الأمر سوءا حينما نقرأ في تقرير جمعية المتقاعدين، بأن الدخل الشهري لما يعادل سبعين بالمائة من هؤلاء المتقاعدين لا يتجاوز ألفي ريال، ولكم أن تتخيلوا ماذا يمكن أن يحقق مثل هذا المبلغ الضئيل لأسرة متوسطة أو حتى صغيرة، بل حتى للمتقاعد نفسه! لا شيء إطلاقا، لأنه يخجل أن يدخل سوبرماركت لشراء مؤنة شهر لبيته، وما في جيبه لا يتجاوز ألفي ريال، فضلا عن التزاماته الأخرى، من فواتير مستشفيات وماء وكهرباء وهاتف، ونقل ومسكن... وبذكر المسكن، يقول التقرير أن أربعا وأربعين بالمائة من المتقاعدين لا يملكون مسكنا خاصا بهم، بمعنى أن هؤلاء، وهم في خريف العمر، يتكبدون تكاليف الإيجار للسكن!
لذلك حينما طالبت اللجنة المكلفة بدراسة مقترح تعديل أنظمة التقاعد بمجلس الشورى، بوضع علاوة سنوية لهؤلاء المتقاعدين، لمواجهة غلاء الأسعار وتكاليف الحياة عموما، فهي تحاول أن تنتشل هؤلاء من قاع المجتمع، والعودة بهم إلى ما كانوا عليه قبل التقاعد، إلى الطبقة الوسطى من المجتمع، وحتى لو كانت مؤسسات التقاعد، سواء المؤسسة العامة للتقاعد، أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، تعاني من سوء إدارة أموالها على مدى عقود، فعلى الدولة التدخل السريع لمعالجة أوضاعها، فالقادم حتما أسوأ لسببين، أولهما ازدياد عدد المتقاعدين تباعا، والثاني ارتفاع متوسط العمر بشكل عام في مختلف دول العالم، أي أن الإنسان ممكن أن يبقى حتى التسعين من العمر، مما يعني أن هذه المؤسسات ستظل تصرف المستحقات الشهرية لهؤلاء، لنحو ثلاثين عاما!
كذلك لابد من وضع برامج جيدة لهؤلاء، خاصة في الجانب الصحي، فمع التقدم بالعمر، وازدياد حاجتهم للرعاية الصحية، وضعف دخلهم السنوي، وتردي خدمات المستشفيات الحكومية خاصة في مسألة المواعيد المتأخرة جدا، وندرة توفر الأسرة، يقع هؤلاء المتقاعدين، وذويهم، في أزمات لا يعلمها إلا الله سبحانه، لذلك من الضرورة العمل جديا على توفير الرعاية الصحية لهم، ودفع علاوة سنوية لمعاشاتهم، وقبل كل ذلك تحسين أداء مؤسسات التقاعد ودعمها، كي لا تتعرض للإفلاس، ويتعرض شريحة كبيرة جدا من المجتمع للانهيار والفقر!
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
خالد بن حمد المالك
يأخذني الهم الوطني، أعيش دائماً مثلكم في أجواء فرحه وتألقه أحياناً، أكون متفاعلاً بحزني مع أحزانه أحياناً أخرى، فلا أهرب من الحالات التي يمر بها الوطن، ولا أجد نفسي في مسافة بعيدة تبقيني بعيداً عن القلق والخوف أو من نشوة الفرح على حد سواء.
***
وكل مواطن مخلص سيجد نفسه مصدوماً عندما يرى مواطناً غير آبه بما يمر به الوطن من تحولات إيجابية أو سلبية، أو آخر يكون غائباً تماماً عن التفكير والعمل -بحسب قدراته- في مواجهته للتحديات، بل والأسوأ عندما ترى أن هناك من أبناء الوطن من يتآمر عليه، ويذيقه من محراب جهله بممارسته للقتل والجرائم والإرهاب بحق الأبرياء من المواطنين والمقيمين.
***
هل هناك من مبرر لمن يتخابرون مع العدو ويتعاونون معه لإذكاء ما يعزز الفتنة بين أطياف المجتمع، وهل من تفسير مقنع لكي نفهم لماذا يتم استحضار مواطن أرعن وجاهل وعدواني لنزعة الاعتداء غير المبرر، مدفوعاً بتعليمات خارجية، لكي يحدث بحزامه الناسف قتل نفسه وعدد من الأبرياء.
***
سباق مذموم بلا هدف غير هذا العدوان واستباحة دماء الأبرياء، ومحاولة من هؤلاء القتلة نزع صفة الأمن والأمان من البلاد، وخلق أجواء من الفوضى، عوضاً عن أن يكون حارساً أميناً لوطن ينتمي إليه، فيحمي أرضه وبحاره وسماءه بما لديه من قدرة لا أن يتآمر عليه.
***
وهؤلاء لأنهم لا يمثّلون الوطن، بتاريخه وقيمه وأخلاقه، فهم لا يستحقون صفة المواطنة التي يشرف الإنسان السوي بالانتماء لها، ولهؤلاء المغرر بهم نقول إنهم نقطة سوداء لن تؤثر أبداً على هذا التاريخ المضيء والمشرق للمملكة، في ظل تماسك أطياف المجتمع بأكثريتهم ووحدتهم لإفشال هذه الثقافة النتنة، والممارسات العدوانية التي أدانها ويدينها الجميع.
***
ومع كل ما حدث وما قد يحدث، ومع مرارته وقسوته، واستقصائه للأبرياء من الناس، وبرغم التوقع بما قد يأتي لاحقاً، فإن الدولة بمواطنيها ورجال أمنها البواسل قادرة على أن تلحق الهزيمة بهؤلاء المخترقين من العدو، وأن تسوقهم إلى العدالة، وإلى ما يحكم به شرع الله، لتكون نهايتهم في مزبلة التاريخ.
***
وسيبقى الوطن حراً وسيداً ومنيعاً، حتى وإن جار عليه بعض أبنائه العاقين، حتى وإن ناله من العدوان ما ناله، حتى وإن تكرر العدوان، وزاد عدد الشهداء، وقوض ما قوض من المنشآت والمباني الحيوية، فالمملكة لا يخيفها الإرهاب، ولا يركع أبناؤها إلا لله، ولا تستسلم وفيها رجل أو امرأة يدافعان عن وحدتها وأمنها واستقرارها.
- التفاصيل