قضايا وأراء
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د. جاسر الحربش
أستأذن القارئ الكريم في استغلال زاوية اليوم للتعبير عن مشاعري الخاصة تجاه راحل كبير فقدته قبل أيام، لم يكن يعرفه سوى أصدقاؤه وزملاؤه، لكن الكثيرين يعرفون الثمار الطيبة التي خلفها بعد رحيله. سوف أعرف به في السطور الأخيرة، ويكفي القول الآن إنه كان الأنبل والأصدق والأكرم بين كل من أحببت وعايشت وجربت، وقد عايشت وجربت وأحببت الكثيرين والحمد لله.
كان الراحل رحمه الله وحيد والدته في إحدى قرى القصيم التي لا تعرف سوى فلاحة الأرض بالوسائل البدائية آنذاك والفقر يخيم على الجميع. تعلم الطفل القراءة والكتابة على يد عمه ثم ارتحل عن والدته في طلب الرزق إلى المنطقة الشرقية وهو ابن الخامسة عشرة، تزيد أو تنقص سنة واحدة. هناك، ولأنه من القلائل الذين يعرفون شيئاً من القراءة والكتابة وجد عملاًً في شركة مكلفة بمد سكة الحديد بين الظهران والرياض، مهمته تسجيل أسماء العمال والتدقيق في ساعات عملهم ومكافآتهم الشحيحة، والتي كانت بمفاهيم ذلك الزمن كافية لتغطية متطلبات العيش له ولوالدته بما يرسله لها مع المسافرين إلى القرية على فترات متباعدة.
سمعت منه قصصاًً كثيرةً عن تجاربه، ومما قصه علي رحمه الله أن عمال السكة الحديد في ذلك الزمن البعيد كانوا يتنقلون بخيامهم وفرشهم وقدورهم من المكان الذي يصل إليه خط القطار إلى مكان المرحلة التالية، في صحراء جرداء تعصف بها الرياح والرمال وتتكاثر فيها الثعابين والعقارب التي يجدونها ساعات الفجر في خيامهم وبين مراقدهم، تتسلل إليها بحثاًً عن الرزق والدفء، مثلها مثل عمال الشركة. ذات يوم، هكذا حدثني توقفت ناقة شاردة من قطيع لأحد الرعاة على جانب الخط الحديدي فأدركتها عربة القطار أثناء رحلتها التجريبية وقطعت أحد ساقيها، فانكفأت الناقة على جنبها خارج الخط تنزف وتطلق رغاء يقطع القلوب. تسارع العمال نحوها وأبعدوها عن خط القطار، وسرعان ما وصل صاحبها وبدأت المساومة بينه وبين العمال، بكم يشترونها قبل أن تموت. طلب الرجل مبلغاًً كبيراًً لا قبل لهم به، فقال له أحدهم نعطيك بها ثمن اللحم عند القصاب، وإلا حرجت فخسرتها. انصرف عنهم صاحب الناقة مغاضباًً، فوضع صاحب الرأي إصبعه على شفتيه أن اصمتوا سوف يعود سريعاًً، وهذا ما حدث. فرح العمال بشراء الناقة الجريحة وذكوها قبل أن تحرج. يقول الراحل تغمده الله بواسع رحمته أنه لم تمر علينا فترة رغيدة وسعيدة في تلك الصحراء مثل مرحلة الناقة. شمرنا عن سواعدنا وسلخناها وفصلنا لحمها وشحمها عن عظامها ووزعنا المهمات على الخيام. صهرنا الشحم فملأنا منه عدة تنكات ودكاًً ومخلوعاً، واستمتعنا عدة شهور باللحم والدهن حتى بانت علينا آثار النعمة في الوجوه والبطون والأطراف، ثم أكمل القصة مرتاحاً بأن شركة السكة الحديد عوضت البدوي عن ناقته بمقتضى حكم شرعي مصدق من أمير المنطقة بمبلغ مجز من الريالات الفضية.
بعد اكتمال خط الحديد إلى الرياض تحول الراحل إلى العمل كمسجل ورديات عند شركة أمريكية من فروع شركة بكتل العملاقة، كانت تبني المطار الأول في مدينة الرياض (مشروع كوفينكو لمن يتذكر من المخضرمين) وسكن في حي العمال هناك. سرعان ما اقتنع بأنه يستطيع تحقيق ما هو أفضل من كاتب شركة فبدأ يدرس ليلاًً في المدارس الشرعية، سنتان وثلاث بسنة واحدة إلى أن التحق بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وحصل على شهادة التخرج في العلوم الشرعية. بسبب حاجة الدولة الماسة آنذاك إلى القضاة عرض وألح عليه أن يتعين قاضياً في إحدى القرى، فرفض بحجة الخوف من عدم القدرة على العدل بين المتخاصمين. استقرت به الحياة لاحقاً في التعليم الشرعي بمدينة عفيف ثم وكيلاًً للمدرسة الثانوية في الرس حتى تقاعد قبل أكثر من عشرين سنة. الأهم في سيرة كفاحه أنه رحمه الله بما تحقق له من الطموح نقل البقية من طموحاته إلى أبنائه وبناته. خلف من الأبناء طبيباً بدرجة بروفيسور استشاري في طب الأطفال وأمراض الغدد الصماء واضطرابات النمو الطفولي، وابناًً آخر يحمل شهادة الدكتوراه الأمريكية في علوم الحاسب الآلي، وثالثاًً يعمل أستاذاً لعلوم الحاسب الآلي في كلية التقنية، وثلاث فتيات مدرسات في تعليم البنات، وقد توفي له ابن لامع كان يحمل شهادة عالية في الهندسة المدنية أسأل الله أن يجمعهما في جنات النعيم.
الآن أفصح لكم عن اسم الفقيد العزيز، إنه أخي سليمان بن عبدالله الحربش والد البروفيسور عبدالله والدكتور جاسر والأستاذ خالد، وكلهم أصبحوا بحمد الله من شخصيات المجتمع المعروفة. لم أجرؤ على الكتابة في هذه الزاوية عن كفاحه وطموحه لأنه أخي، بل لأنه كان قدوة لي شخصياً ومثالاً مشرقاًً للبدايات الصعبة والصبر والكفاح المكللة بالنجاح، تلك التجارب الراقية لأجيال الآباء والأجداد التي يجب أن تستحضرها أجيال الشباب وتدرس لهم كأمثلة في مراحل التعليم الأولى.
رحم الله موتانا وموتاكم وجزاهم عنا خير الجزاء لقاء ما صبروا وسددوا ومهدوا لمستقبل الأجيال اللاحقة.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د.عبد الرحمن الحبيب
بداية، هل هو انسحاب كامل أم جزئي أم تكتيكي؟ لا أحد يعلم بالضبط ولا حتى المخابرات الأمريكية التي صرح مسؤولها أكثر من مرة: «سننتظر ونرى!»، ولاسيما أن بوتين قال بعد إعلان الانسحاب بيومين: أن الدعم بالسلاح للحكومة بدمشق مستمر..
قال بوتين أيضا: باستطاعتنا العودة عسكرياً لسوريا خلال ساعات إذا لزم الأمر.. فيما أوضح الكرملين أن روسيا ستقلّص وجودها وستُبقي بعض القوات في سوريا. أما القاعدتان العسكريتان اللتان أنشأتهما روسيا مؤخراً فستظلان باقيتين. أمام هذا الوضع المزدوج، كيف نحلل حالة الانسحاب المفاجئ الذي بدأ بتدخل لا يقل مفاجأة؟
هناك مفهوم باللغة الروسية ربما يساعد في وصف هذه الازدواجية: «پوكازوخا»، تعني: واجهة أو تزيين النوافذ، وهو أمر يعرفه بوتين حقّ المعرفة ويعلم كيف يبنيه، حسبما كتبت آنا بورشفسكايا... يقول المثل الروسي الذي أطلقه بروتكوف في القرن التاسع عشر: «إذا رأيت اسم جاموسة على كهف فيل، فلا تصدق عينيك». وعندما أعلن بوتين نهاية العمليات العسكرية في سوريا أصبح يمكننا أن نطبق مقولة بروتكوف حسب رأي محلل في قناة سي إن إن، في ظل قرارات بوتين التي تفاجئنا المرة تلو الأخرى. وإذا كان كثيرون رحبوا بالانسحاب الروسي كدفعة جيدة لمفاوضات السلام ووقف الأعمال العدائية في سوريا، فإن المثل العربي لصاحبه المتنبي يقول «إذا رأيت نيوب الليث بارزةً، فلا تظنن أن الليث يبتسم.»
في غمرة التحليلات عن أسباب الانسحاب الغريب للقوات للروسية، ذهبت الاستنتاجات شذر مذر وتعقدت.. بعضهم أكد أن انخفاض سعر النفط خلال العام الماضي الذي أدى إلى انكماش اقتصاد روسيا بنحو أربعة في المئة هو السبب الرئيسي. آخرون فضلوا الاستنتاج السلمي بأن روسيا انسحبت من أجل الوصول إلى حل سياسي بقيادة الأمم المتحدة حسب الاتفاق بين أمريكا وروسيا. هناك من أشار لمسألة جيوسياسية مهمة بأن قرار الرئيس الأمريكي بنشر ألوية قتالية دائمة في دول البلطيق وأوروبا الشرقية على طول الحدود الروسية، شكل قلقاً مزعجاً لروسيا مما دعا بوتين للانسحاب من سوريا من أجل تركيز القوات الروسية تجاه القوات الأمريكية على الحدود بين الناتو وروسيا.
لكي نسهل مهمة التحليل ينبغي العودة للأساسيات، فلمعرفة سبب الانسحاب لا بد أن نعرف أسباب التدخل من الأساس. يقول بوتين: إن سبب انسحاب القسم الرئيسي للقوات المسلحة الروسية هو أنها قد حققت أهدافها. فما هي أهدافها؟ هناك أهداف معلنة، وأخرى غير معلنة إلا نادراً في القنوات أو اللقاءات الروسية المحلية التي تكون بعيدة عن أنظار المحللين.
أهم هدف معلن رسمياً هو هزيمة داعش باعتبارها تشكل تهديدا لأمن روسيا بما أن هناك نحو ستة آلاف روسي انضموا إلى داعش حسب تبريرات الكرملين.. بينما أغلب المصادر تؤكد أن الرقم أقل كثيراً من ذلك. هذا الهدف المعلن ليس فقط لم يتحقق بل إن التهديد الداعشي للأمن الروسي الذي كان افتراضياً أصبح فعليا.. فتنظيم داعش بدأ يستهدف بالفعل مدنيين روسا انتقاماً للتدخل الروسي المباشر في الحرب الدائرة في سوريا.. أوضحها إسقاط طائرة الركاب الروسية في مصر أكتوبر الماضي الذي يعزى إلى خلية تابعة لتنظيم داعش.
يبدو جلياً أن هذا الهدف المعلن غير جدير بالتصديق، فالغالبية العظمى من الغارات الجوية الروسية في سوريا قد شُنت ضد المعارضة السورية والثوار الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، وليست ضد تنظيم داعش. إذن، هناك أهداف غير معلنة.
أهم الأهداف غير المعلنة تتمثل في حماية النظام السوري الذي كان على وشك السقوط، ووضع قواعد عسكرية روسية في سوريا لاستعادة نفوذ روسيا «السوفييتية» في المنطقة بعدما فقدتها. بوتين نفسه قال لعدد من الجمهور الروسي المحلي حسب سي إن إن: «إن الهدف كان المحافظة على السلطة الشرعية»، وهو نظام بشار الأسد وفقا له. وفي ظل الغياب الأمريكي تظهر روسيا اللاعب رقم واحد في المنطقة وتستعيد نفوذها القديم.
إذا كان إنقاذ الأسد وتأمين مصالح روسيا هما الهدفان الحقيقيان للتدخل العسكري المباشر في سوريا، فهل تحققا؟ نعم، ولكن نسبياً ومؤقتا. فالنظام السوري نجا من السقوط لكنه لا يزال مترنحاً، والبقاء الروسي تحقق فعلاً في المنطقة لكن تكلفته عالية في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعانيها روسيا.
ويظل الاستفهام باقياً: هل أن روسيا انسحبت من موقع قوة وعبرها تبعث رسائل للمعارضة المحلية والدولية لبقاء بشار الأسد والاعتراف به كشريك، والإقرار الدولي باستعادة النفوذ الروسي في المنطقة؛ أم أنها تنسحب من موقع ضعف نتيجة التكلفة الاقتصادية والخشية من تواجد القوات الأمريكية حول حدودها؟
بما أن الإجابة معلَّقة، فضل بعض المحللين الجادين الخروج من تحليل السلوك الرسمي للإستراتيجية الروسية، والبحث من خلال تحليل شخصية بوتين وليس فقط السلوك الروسي الرسمي.. أي شخصنة الحالة، ولاسيما أن التحليلات الإستراتيجية نفسها غالباً تتحدث عن بوتين أكثر مما تتحدث عن روسيا لمعرفة المناورات السياسية التي يخطط لها!
بوتين يعمل على إظهار نفسه كقائد كاريزمي لدولة عظمي: كرجل سلام وكرجل حرب قادر على إنجاز مهامه. فأنت لا تتصفح موقعا سياسيا دولياً إلا وتجد بوتين في الواجهة يومياً.. وإذا كان بوتين أظهر نفسه لغالبية الروس، كقائد يُعلي مكانة روسيا ويعيد أمجادها كأكبر ند لأمريكا.. فإن الورطة هنا هي في رغبته بإظهار بشار الأسد المنبوذ كشريك مقبول، رغم أن بعض التصريحات الروسية الرسمية التي تطلق بين حين وآخر تظهر عدم تمسكها الشديد برئيس مرفوض في أغلب الأصعدة محلياً وإقليمياً ودوليا. الورطة الأخرى حسب تحليلات داخل روسيا تشتكي بأن بوتين يفكر فقط في السياسة الخارجية، منذ اجتياح أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم قبل عامين، حين كان الاقتصاد قويا بسعر النفط فوق مئة دولار للبرميل.. الآن أثرت هذه السياسة الخارجية على الوضع الداخلي، وخسر الروبل أكثر من نصف قيمته..
يبدو من كل ذلك أن روسيا غير قادرة على استمرار كثافة تدخلها العسكري في سوريا، لكن غير مستعدة للانسحاب الكامل، ففضل بوتين اختيار الأمر الوسط، وهو انسحاب جزئي لتخفيف الكلفة الاقتصادية التي تفاقم الأزمة المالية الداخلية في روسيا..
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
سعد الدوسري
لقد قالها وزير العمل في سياق اعترافه بفشل التوطين:
- أشعر بالحزن في سوق الخضار.
وماذا عن الأسواق الأخرى؟! ماذا عن مجمعات الاتصالات؟! ماذا عن سوق التجزئة بالكامل؟! ماذا عن قطاع الصيانة والمقاولات؟!
من السهل إصدار قرارات التوطين، لكن الصعب هو تطبيقها؟! ولقد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي عدداً من المشاركات المتلفزة للشباب السعوديين الباحثين عن فرص العمل في سوق الاتصالات، بعد صدور قرار منع غير السعوديين من العمل فيها. وأظن أن على فريق وزير العمل، جمع هذه المشاركات وتلخيصها، والاستفادة منها، فمن خلالها سيتعرفون على المعوقات الحقيقية وراء توطين هذا السوق، والتي بإمكانها إفشال أية خطة، مهما كانت مدعومة. وبدون تنفيذ اقتراحات هؤلاء الشباب، فلن تصل الوزارة بقرارها إلى أية نتائج، والدليل على ذلك، سوق الخضار الذي يشعر الوزير أمامه بالحزن، لأنه لا يستطيع أن يفعل لتوطينه أي شيء.
لو أن النقد وحده يجدي، لكان نقدنا لمكاتب الاستقدام أفرز حلولاً لتلك المأساة الأكبر في واقعنا المعاصر، ولأوجد نهايات سعيدة للقضاء على البطالة المخزية في أوساط شبابنا وشاباتنا، ولوضع حداً لمعاناة المواطن مع حلم السكن الذي لن يتحقق، فيما يبدو. وهناك قائمة غير منتهية من الأزمات التي يجب أن يجد مسؤولونا آليات جديدة للتعاطي معها، فالآليات القديمة فشلت، وستظل تفشل.
إذاً، فنحن ننتظر عملاً مختلفاً. وبالمناسبة، فلن يكون الاعتراف بالفشل مؤثراً بعد اليوم.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
عندما طرحنا مصطلح المراجعة السياسية لم نكن نقصد به ترفا فكريا أو مجرد استهلاك مرحلي، ولكن ما قصدناه أن نعاود التفكير والتأمل في مواقفنا السابقة بعيدا عن المجادلة السياسية، وفقا لفقه
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
لا ندري كيف انشغل الناس بمانشيت “الراي” المستفز، وبالعناوين الفرعية المنحازة، وبما أبرزته “الراي” على الصفحة الأولى .. وأغفلوا محتوى الخبر الذي يثلج الصدر (والذي -للأسف- كان مدفونا بين الأخبار في
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
قرأت تصريحاً في إحدي وسائل الإعلام أذكر للقراء نص ما جاء فيه ( أعرب المستشار في وزارة الثقافة والدعوة الإيرانية محمد جعفر محمد زاده عن قلقه العميق حيال ما أسماه إطلاق
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
محمد آل الشيخ
القانون في كل الدول هو ضمانة الأمن والاستقرار، فإذا غاب أو اهتز، انفلتت المجتمعات، حتى ولو كانت هذه المجتمعات راقية ومتحضرة. انقطعت الكهرباء ذات ليلة في نيويورك، فاستطاع اللصوص أن يعتدوا في جنح الظلام الدامس على الممتلكات، فكانت الخسائر في بضع ساعات تقدر بالمليارات.
المرور والضبط المروري من أهم المشاكل المتفاقمة التي لا نعرف كيف نواجهها، إذ إن الفوضى المرورية العارمة، وتدني أخلاق بعض السائقين، تكاد تكون من العلامات التي تختص بها بلادنا - للأسف - من بين كل بلاد العالم. فيما لو قورنت بغيرها من الدول القريبة، فالبون شاسعٌ، ومخجلٌ في الوقت ذاته؛ هذا رغم أن أجهزتنا الأمنية استطاعت أن تبهر العالم في سيطرتها على ظاهرة الإرهاب والإرهابيين وكشفهم وكبح جماحهم، فما إن تُرتكب جريمة إرهابية، فإن كشفها لا يحتاج من أجهزتنا الأمنية إلا أياماً قصيرة، لينتهي أفرادها إلى السجن أو القتل، بينما فشلت أجهزتنا المرورية فشلاً ذريعاً في السيطرة على الفوضى المرورية، وإلزام الناس، خصوصاً الشباب الطائش منهم، على الالتزام بأنظمة السير في الطرقات، حتى أصبح القتلى والمصابون في حوادث السير أضعاف القتلى والمصابين في جرائم الإرهاب.
صحيح أن أنظمة الردع المرورية هي الحل الأهم في كل دول العالم، لكنها قطعاً ليست كافية إلا إذا تضافرت معها حلول أخرى مساندة. لذلك فإن التصعيد في عقوبات الردع بما يواكب ظاهرة الانفلات، يجب أن تكون القاعدة الأولى لعلاج هذه الظاهرة. كوريا الشمالية - مثلاً - جعلت الإعدام رمياً بالرصاص هو عقاب من يقطع الإشارة المرورية، فانعكس ذلك انعكاساً إيجابياً على الأمن المروري، إذ أصبحت الوفيات في حوادث السير في كوريا الشمالية هي الأقل عالمياً. وأنا هنا لا أطالب بهذه الحلول التعسفية المجنونة، ولكن أطالب أن نرتقي بالعقوبات المالية أولاً، ومن ثم عقوبات سجن المخالفين لمدد أطول مما هي عليه الآن.
ولا يمكن أن نتطرق لموضوع نفسي ومؤداه (خاصية) ينفرد بها بعض الشباب وهي لذة مقاربة الخطورة، أو ملامسة سقفها الأعلى، فقد كانت هذه الخاصية تتجلى في الماضي في (الشجاعة والإقدام) في الحروب والغزوات، وكانت حينها تعتبر من (مميزات الفرد) المحمودة، والتي يفاخر بها أقرانه في المجتمع، هذه الخاصية أصبحت الآن من الممنوعات بل ومن الجرائم في مجتمعات السلم الأهلي، ولأنها تعتبر من حيث التحليل النفسي، ضرباً من ضروب الحماس الإنساني لدى البشر، لذلك قامت المجتمعات المتحضرة بتفريغ هذا الحماس في اعتماد بعض الرياضات ذات الصبغة التنافسية العنيفة، وتشريع قوانينها، لتكون (متنفساً) يستطيع من خلاله الفرد الذي تسيطر عليه هذه النزعة، بتفريغها بما لا يضر بالآخرين والأمن الاجتماعي، بحيث تنحصر انعكاساتها عليه نفسه، ومن يشاركونه في هذه النزعة والخاصية، وهذا - بالمناسبة - حُجة من يدافعون عن بعض الرياضات العنيفة، كالملاكمة والمصارعة مثلاً.
وأنا على يقين أننا لو أقمنا حلبات لسباق السيارات، ومثلها للمفحطين، ونظمناها بضوابط محكمة لمزاولتها ومزاولة منافساتها، سينعكس ذلك انعكاساً إيجابياً على الانضباط المروري، بالشكل الذي يجعل من لديه رغبة نفسية في التلذذ بمقاربة الخطر، وملامسته، أن يُنفس عن رغبته تلك، ويمارسها بعيداً عن الطرقات.
أتمنى أن يجد هذا الاقتراح من المسؤولين آذاناً صاغية، فجل الردع لوحده لم يكف، ولن يكفي، حتى ولو استوردنا قوانين كوريا الشمالية.
إلى اللقاء.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء
د.ثريا العريض
غداً 21 مارس هو اليوم الذي خصص للاحتفاء بالأم في البلاد العربية. فكل يوم وكل أم بخير؛ الأم التي أنجبت والأم التي ربت والأم التي علمت أبناءها وبناتها معنى الارتباط بين استقرار الأسرة وحسن المواطنة، ورضى الأم والأب ورقي التعامل مع المجتمع بناسه، وممتلكات الوطن العامة للجميع. وهي التي تابعت خطوات صغارها الأولى وتفاعلاتهم مع المحيط الحميم، لتعلمهم الإيجابية مع أول مهاراتهم المحدودة حتى لا تكون العدوانية أسلوب تفاعلهم مع الآخرين. وأن الاستقرار والبناء هو الطريق للوصول إلى الرضى عن النفس والشعور بالسعادة وليس الهدم والتخريب وسوء التصرف.
ومع هذا فكلنا يعلم أن الإنجاب شيء والأمومة شيء آخر وحسن التربية وتنشئة الطفل شيء ثالث.
وقد رأى البعض أن تخصيص يوم للاحتفاء بالأم فيه تقصير واضح، حيث يجب أيضا تخصيص يوم للاحتفال بالآباء والأبوة، وفعلوا ذلك. بينما الأمر يتطلب التذكير بالاهتمام بالأسرة وعماديها الأم والأب، وأنه حتى لو كانت قدرة الحمل مقصورة على الأم، فإنّ الإنجاب فعليا يتطلب وجود الأب ولو عبر أنبوب مختبر. والتربية تتطلب وجود أبوين دائمي الاهتمام بعيداً عن الأنانية الفردية أو تحميل المسؤولية لأحدهما فقط.
الأهم إذن هو التركيز على أهمية الأسرة المتكاملة والمتوازنة العلاقات والمتشاركة في القيام بمسؤولية الوليد حتى يكبر، وهي لعمري مسؤولية تكبر مع الرضيع حتى يصبح إنساناً ناضجاً قادراً على القيام بدوره كفرد في مجتمع مترابط. وهي مسؤولية التنشئة الصحيحة والتربية البنّاءة قبل أن تكون استجابة لغريزة أمومة أو أبوة فطرية. وفي هذا اليوم لم يعد يكفي التأكد من تغذية المواليد والعناية بهم بدنيا وتتأكد من حمايتهم من برودة الطقس أو حرارة الشمس أو اعتداء أطفال الجيران. اليوم تمددت مسؤولية التنشئة بقدر اتساع متطلبات مواكبة مستجدات الحياة تقنياً ومعرفياً.
ولنا في تفاصيل العلاقة كما تحددها وتوضحها تعاليم ديننا القويم بين الأب والأم ومسؤوليتهما تجاه الطفل، ما يجعل العلاقة الطبيعية واضحة لأي فرد متزن سوي، ومستعد لتحمل مسؤولية عضويته في الأسرة، وليس فقط الإنجاب كنتيجة استجابة فطرية لنداء الغريزة.
بودي أن أرى المجتمع كله يركز على أهمية هذه المسؤولية ويحتفل، ليس فقط بـ«الودود الولود» أو «الفحولة المنجبة»، بل بحسن قيام الأم والأب بمسؤولية التنشئة والتربية واستقرار الأسرة.
أتمنى أن نرى الوالدين مهتمين بصدق يتابعان ما يستجد في علم نمو الطفل بدءاً بأول تكوّنه نطفة في جسد أمه حتى يتعدى المراهقة.
أتمنى أن يصبح احترام حسن القيام بمسؤولية الأسرة قيمة من قيمنا الاجتماعية، وأن لا نسمع بمعاناة نساء تركهن أزواجهن معلقات أو مطلقات وهربوا من مسؤولية النفقة أو مسؤولية الأبناء.
سعدت جداً بالتطور في الإجراءات الرسمية المستجدة في وزارة العدل في ما يتعلق بقضايا الأسرة، وبحق المرأة في الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت علاقتها بأبنائها وتمنحها قدرة القيام بمسؤولية تربيتهم لو اضطرتها الظروف الشخصية. وانتظر أن نرى تطبيق القانون الجديد للأحوال الشخصية الذي مر بنا كمقترح رحبت به في مجلس الشورى. المجتمع واستقراره لا يمكن أن يترك للأهواء الشخصية وتغليب رغبة الاستجابة للغريزة على مسؤولية الانتماء لأسرة ثابتة الأركان بعضوية واضحة الحقوق والمسؤوليات.
فليكن احترام الكيان الأسري والقيام بمسؤولية العضوية فيه جزءاً من منهج الدراسة ، وأعراف المجتمع، ولنحتفل بالأسرة المترابطة كل يوم في حياتنا.
وكل عام وكل أب وأم وطفل بخير في أُسرة يحميها المجتمع كله.
- التفاصيل
- التفاصيل
- قضايا وأراء

- التفاصيل